|
بهاء طاهر والجامعة الأمريكية .. إلي متي ينهبون الأدباء ؟
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 3087 - 2010 / 8 / 7 - 01:39
المحور:
الادب والفن
أنشأ محمد على مطبعة بولاق عام 1820 ، و على مدى نحو مائتي عام من الطباعة والنشر كان ومازال إبداع الكاتب المصري وسهره الليالي وعصارة فكره مادة للنهب والاستغلال الذي لم يتوقف يوما . وفي اللوحة التذكارية التي ثبتت إلي جدار المطبعة عند افتتاحها جاءت العبارة التالية : " إن دار الطباعة هي مصدر الفن الصحيح " ، ومن يومها وحتى الآن ، أثبت أصحاب دور النشر والمطابع أن الفن الصحيح الوحيد الذي يتقنونه هو فن نهب عمل الأديب المصري وتحويل خيالاته ومواهبه إلي أموال يكتنزونها متشدقين بدورهم " الثقافي " ! بينما لا ينال المبدع سوى ملاليم معدودة إن جادوا بها عليه . وقد شكا توفيق الحكيم من نهب كتبه ، واحتج المازني ساخرا على استغلال أعماله ، ورحل العقاد وليس تحت وسادته سوى ربع الجنيه، ومات أدباء آخرون من شدة الفاقة . وقد استعبد أصحاب دور النشر - الصغار والعظام – الروح الإبداعية المصرية الحية لا لشيء سوى أنه كان لديهم رأس مال أولي لبدء مشروع " ثقافي " ! ولهذا يظل يلوح خلف الوجه العظيم الإنساني لإنجازات الثقافة المصرية وجه آخر من تدوير الأدباء والمفكرين في طواحين الناشرين مجانا . وبينما يتمكن الأديب في أوروبا من العيش بفضل دخله فإن الأديب عندنا يعيش بالرغم من دخله ! . والأزمة التي نشبت مؤخرا بين كاتبنا الكبير العزيز بهاء طاهر وقسم النشر بالجامعة الأمريكية كشفت لنا جانبا آخر من اللوحة المؤسفة ، إذ تبين أن الأديب الذي كان مادة للنهب القومي بلغته العربية صار مادة للنهب العالمي بكل اللغات . والحديث هنا يدور عن عقود الترجمة التي تبرمها الجامعة مع كتابنا وشروطها التي وصفها الروائي الكبير صنع الله إبراهيم من قبل بأنها " مجحفة " . وكان بهاء طاهر قد وقع عقدين مع الجامعة الأمريكية لترجمة رواية " الحب في المنفى " و" قالت ضحى "، ثم اكتشف أن إحدى دور النشر بلندن أعادت نشر الروايتين من دون موافقته أو علمه وبالطبع من دون حصوله على أي عائد مادي . ولهذا توجه كاتبنا الكبير لاتحاد الناشرين المصريين بل وقرر مقاضاة الجامعة الأمريكية للنظر في قانونية تلك العقود التي يشير إليها البعض باعتبارها " عقود إذعان " يتم توقيعها مع الجامعة لأنها الناشر الوحيد في السوق المصري المهتم بترجمة الأدب إلي الانجليزية . أيضا فإن تلك العقود مكتوبة باللغة الانجليزية فقط ، مع أن الطرف الثاني الذي يوقعها مصري يكتب ويقرأ بالعربية ، ولا تحدد العقود تاريخا لإنتهاء التعاقد ، فهي مفتوحة أبدية تمكن الناشر من استغلال العمل الأدبي إلي ماشاء الله ، كما أنها ضمنا تبيح للجامعة الأمريكية حق بيع نشر الترجمة إلي أي طرف ثالث دون أن يتقاضي المؤلف شيئا أي شيء وهو ما حدث مع بهاء طاهر ! وقد لا يتسع المجال هنا لمناقشة طبيعة دور الجامعة الأمريكية الذي يضعه البعض مثل د. ليلى البيومي في إطار : " رصد الظواهر الحياتية للمجتمع المصري خدمة لصانع القرار الأمريكي " ، أو : " تدعيم سياسة القوة الناعمة بنشر النموذج الأمريكي داخل الثقافات المختلفة فلا تكون هناك حاجة لاستخدام القوة العسكرية"، لكني أود أن أتوقف فقط هنا مسألة تثير دهشتي : فالجامعة الأمريكية تعلم بطبيعة الحال أنه ما من عقد قانوني إلا وينص على تاريخ انتهائه وإلا أصبح عقد " احتكار " وليس " نشر " ، كما أنها تعلم أيضا أنه لا يمكن أن توجد لا في أمريكا ولا في أوروبا مثل تلك العقود المجحفة التي توقعها مع أدبائنا . فلماذا تستحل الجامعة جهد أدبائنا وتقوم عندنا بما لاتستطيع القيام به في أمريكا ؟! . الواضح حسب فهمي أن سعي الجامعة لنشر النموذج الأمريكي في الثقافة ينتهي عندما يتعلق الأمر بحقوق كتابنا ، ويحل محله النموذج المصري التاريخي الأقرب لعاداتنا ومعتقداتنا وتقاليدنا والقائم على النهب والفهلوة . ومن قبل عرفنا أنه " لا كرامة لكاتب في وطنه " الآن تضيف الجامعة الأمريكية إلي معلوماتنا أنه " لا كرامة لكاتب لا في وطنه ولا حتى خارج وطنه ". أعتقد أن الموضوع لا يخص فقط اتحاد الناشرين المصريين بل واتحاد الكتاب ودوره حماية حقوق الكتاب . تحية لبهاء طاهر وموقفه ، لأن القضية لا تتعلق بالعائد المادي بل بكرامة الكاتب المصري الذي أبدع الثقافة المصرية كلها لوجه الله .
*** أحمد الخميسي . كاتب مصري [email protected]
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزير الثقافة ومؤتمر الثقافة
-
طائر المساء .. شوقي عقل
-
رحيل الروائي محمد عبد السلام العمري
-
نيفين الجمل .. قصائد ممنوعة
-
نصف ضوء .. عزة رشاد
-
فاروق عبد القادر .. وداعا لروح التحدي !
-
المتهم - خالد - .. والقضاة عابرون
-
ماالخطر الذي تمثله الكمانجة على دولة إسرائيل ؟
-
غزة تبحر إلي العالم
-
الاستقواء بالخارج في السياسة والأدب
-
سلطان كازاخستاني .. الزعيم الأبدي
-
- واجب - قصة قصيرة
-
عن ذلك النور
-
بلدنا - قصة قصيرة
-
الطبيعة لا تجد من تراسله !
-
مقدمة في الفولكلور القبطي - ثقافة الوحدة الوطنية
-
اعتراف جوركي .. الباحث عن الإيمان
-
سيد درويش .. عبقري الشعب طريد الدولة
-
خرج المنطق من حياتنا .. من يجده يتصل بنا
-
من وراء سحابة
المزيد.....
-
مترجمة وكاملة.. المؤسس عثمان الحلقة 164 بجودة HD على قناة ال
...
-
-موسم طانطان- في المغرب يحتفي بتقاليد الرُّحل وثقافة الصحراء
...
-
“احداث قوية” مسلسل قيامة عثمان الحلقة 164 عبر قناة Atv الترك
...
-
ناقد مغربي يدعو إلى تفعيل -سينما المقاومة- ويتوقع تغييرا في
...
-
بعد جدل الصفعة.. هكذا تفاعل مشاهير مع معجبين اقتحموا المسرح
...
-
-إلى القضاء-.. محامي عمرو دياب يكشف عن تعرض فنان آخر للشد من
...
-
إلغاء حبس غادة والي وتأييد الغرامة في سرقة رسومات فنان روسي
...
-
اعلان 2 الأحد ح164.. المؤسس عثمان الحلقة 164 مترجمة على قصة
...
-
المجزرة المروّعة في النصيرات.. هل هي ترجمة لوعيد غالانت بالت
...
-
-قد تنقذ مسيرته بعد صفعة الأوسكار-.. -مفاجأة- في فيلم ويل سم
...
المزيد.....
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
المزيد.....
|