أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - بلدنا - قصة قصيرة














المزيد.....

بلدنا - قصة قصيرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 2991 - 2010 / 4 / 30 - 16:58
المحور: الادب والفن
    



في شارع جانبي عند دوران شبرا يوجد مكتب شهر عقاري . شقة ضيقة بها أربع حجرات ، في سقف كل حجرة مروحة ، وعلى أرضها خمسة مكاتب صغيرة وقصيرة تبرز من جانبيها ركب الموظفين . في التاسعة صباحا تبدأ في المكتب الحركة والزعيق والزحمة ووجع الدماغ ، ويتواثب المواطنون مثل فشار ملسوع في طاسة ، يطقطقون وينحنون ويعتدلون بأوراقهم بين المكاتب. تحت النافذة الوحيدة في أول حجرة على يدك اليمنى يجلس سيد أبوطالب المختص بوضع تأشيرة استصدار التوكيلات القضائية ، وأمامه وقف – بعد قفز وهرس ودوس –مقاول بدين بوجه أحمر وقد أحنى جذعه ودفع بالورق إليه قائلا بصوت أجش : توكيل قضايا يا أستاذ سيد ربنا يسترك . لكن أبوطالب كأنما لم يسمع الرجل أو لم يره من الأساس ، فقد نهض وأعطاه ظهره وفتح النافذة على منور العمارة ودفع بأنفه للأمام ثم أغلقها ثانية وجلس وهو يقول : زبالة . قال المقاول : ربك كريم . ورفع أبوطالب رأسه بشعره المصبوغ بصبغة سوداء رخيصة وقال كأنما يكلم نفسه : تفتح شباك تهب عليك رائحة زبالة . تعبر الشارع يضربك ميكروباص، تأكل سندويتش يمرضك ، والقرش يأتي بخلع الضرس ، وإن جاء لا يكفي تعليم الأولاد وأكلهم . نتسول . بلدنا في الأغاني بس . مصر أمنا ، ومصر التي في خاطري ، وكان علينا في المدرسة قصيدة بلادي جنة الدنيا . جاءتها نيلة . انتبه المقاول لكلمة " نتسول " ، فأخرج بخفة ورقة بعشرة جنيهات ووضعها تحت استمارة التوكيل على المكتب . لمحها ابوطالب فأخذ يشرح للمقاول بوجه مشمئنط : أنا من عائلة أبو طالب ، كان منها عضو مجلس الشعب ، و د. حسين طبيب القلب المشهور ، وأساتذة في الجامعات، أنا شخصيا كنت مرشحا لوكيل وزارة . لكن؟ الله وحكمته . لو كنت في عمر الشباب لهاجرت إلي أي مكان . لاشيء يربطني بهذه البلد. لاحظ المقاول أنه لم يوميء بكلمة للعشرة جنيهات فقال على الفور: عائلة أبو طالب معروفة. ناس أفاضل كلهم . توكيل قضائي يا سيد بك .
في هذه اللحظة انشقت الأرض عن فتاة بيضاء كالحليب ، طويلة ، ملفوفة ، أنيقة ، كل ما فيها بمقاس ، فكأنما ارتفع فجأة عمود نور وعطر جمد من حوله كل شيء ، يدي المقاول ، ونظرات أبوطالب ورقبته ، والهواء . قالت بلكنة أجنبية : من فضلك توكيل تصرف في سيارة . ولمعت عينا سيد أبو طالب ومط رقبته مثل ديك البرارى وقال بصوت جميل : " تحت أمرك ". سألها عن الاسم فقالت" مرجريت يوسف ". قال " مصرية ؟ " . قالت " نعم . بابا مصري لكن ماما هولندية ". قال " لكنك تتكلمين المصرية ؟ " . أجابت " نعم أنا هنا منذ عشر سنوات " . قال لها : " أنا سيد ابو طالب . من عائلة أبو طالب ، منها أساتذة وأطباء ، أنا شخصيا كنت مرشحا لوكيل وزارة . وضع يده على شعر رأسه المصبوغ وقال : " أعجبتك مصر؟ " . قالت " أحسن ناس " . توقف عن تسجيل البيانات وقال لها بحزم " مصر بلد عظيمة . ومادام والدك مصري لازم تحبي بلدك مضبوط ؟ " . ابتسمت " إن شاء الله " . تساءل بتشكك " بلدك مهما كان ، تحبينها فعلا ؟ " . هزت رأسها وقالت " الحمد لله " . عاد يملأ الخانات في ورقة التوكيل وقال" مصر جميلة صدقيني ، تاريخ وحضارة . رأيت الأهرامات والقلعة والمتاحف؟. شفت الناس عندنا يتعاملون بطيبة رغم الظروف الصعبة ؟ هذه هي بلدنا يامرجرييت ". قالت " مصر أم الدنيا " . بدا كأنها تكرر عبارات محفوظة . تناولت الورق ، فقال لها : ادفعي الرسوم في الخزانة واستلمي التوكيل في الحجرة الثانية . وأي وقت تحتاجين أي شيء تفضلي . نحن المصريين هكذا ، نساعد الناس ، ونحل ، لا نتأخر أبدا . استدارت لتنصرف ، فألقى نظرة من طرف عينه على العشرة جنيهات ، وعاد إلي الفتاة ببصره ، واستوقفها يسألها بنظرة معذبة حائرة وشيء يعتصره من الداخل : " لكن ما الذي تحبينه في بلدنا ؟ صدقا .. قولي لي ؟ " .



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبيعة لا تجد من تراسله !
- مقدمة في الفولكلور القبطي - ثقافة الوحدة الوطنية
- اعتراف جوركي .. الباحث عن الإيمان
- سيد درويش .. عبقري الشعب طريد الدولة
- خرج المنطق من حياتنا .. من يجده يتصل بنا
- من وراء سحابة
- لماذا لا يقرأ المصريون ؟
- لماذا يعشق المثقفون هذه - الديمقراطية - ؟
- زهور للمرأة العراقية
- الفن وزملاء المهنة
- الاستشراق الأمريكي .. طلعت الشايب
- الروس يقرءون الآن رفاعة الطهطاوي
- - قصة- - أحمد الخميسي - قصة قصيرة
- محمد ناجي ، وليلة سفر
- جريمة الطائفية في نجع حمادي
- معاذ شهاب .. قصاص جديد
- مظروف - قصة قصيرة
- أزواج نادين البدير وحكاية الكوب النظيف
- زكي مراد .. حياة الأسطورة
- قوى عاملة وهجرة وشاي بلبن


المزيد.....




- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - بلدنا - قصة قصيرة