أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين تملالي - عن المونديال والببغاء ماني والإخطبوط فيفا















المزيد.....

عن المونديال والببغاء ماني والإخطبوط فيفا


ياسين تملالي

الحوار المتمدن-العدد: 3064 - 2010 / 7 / 15 - 13:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عن المونديال والببغاء ماني والإخطبوط فيفا

انتهى المونديال، فرحت إسبانيا وحزنت هولندا وأثبتت جنوبُ إفريقيا فعاليتَها في قمع الجريمة عندما يتعلق الأمر بحماية السياح، وبرهن سيب بلاتير على مواهبه الخارقة في استغلال كل ما يمكن استغلالُه (بما في ذلك صورة نيلسون مانديلا، الذي طيف به في الملعب يوم النهائي على عربة كهربائية) لتصوير كأس العالم موعداً رياضيا يقرب بين الشعوب (تصويرُها بهذا الشكل الزائف ضروريٌ لتلميع صورة الفيفا، إحدى أغنى وأعتى الشركات متعددة الجنسيات).
وفي إطار إدارته البارعة للعلاقات العامة، أشاد بلاتير بحسن تنظيم جنوب إفريقيا لهذه التظاهرة، ولم يرد في كلامه، وهو يمتدحُ قادةَ المؤتمر الوطني الذين أطاحوا بالأبارتيد، أيُ اعتذار عن كون الفيفا لم تقتنع بواجب طرد الفيدرالية الجنوب-إفريقية (العنصرية) من صفوفها إلا سنةَ 1976، أي بعد أحداث سويتو وتعمم الإدانة الدولية لنظام الميز العرقي.
وأدلى بلاتير بتصريحات عاطفية أخرى وهو يزور سويتو قبل المقابلة النهائية. قال "إننا تحتفلُ اليومَ بالإنسانية" وأضاف متأثرا : "كان مهماً جدا بالنسبة إلي أن أقابلَ ويني مانديلا والقس ديسموند توتو." ويُرجَح أنه كان صادقا في كلامه كل الصدق، فمقابلةُ هاتين الشخصيتين قد تُنسي صفقات مشبوهة كثيرة أبرمتها الفيفا في إطار المونديال، منها صفقة منحت احتكارَ تنظيم أسفار المشجعين إلى جنوب إفريقيا لشركة "ماتش هوسبيتاليتي" (تساهم في رأسمالها شركة "إن فرونت سبورتس أند ميديا" التي يديرُها أحد أقارب بلاتير وتحتكرُ حقوقَ التغطية التلفزيونية لكأس العالم).
وأثبت مونديال 2010 بما لا يقبل الشكَ أن كرةَ القدم أصبحت تجارةً وأن منافساتها، القارية منها والدولية، أجدرُ بأن تُقارَن بكرنفالات لا بتظاهرات هدفُها تناقلُ القيم الإنسانية بين الأجيال وحثُ البشر على الاعتناء بأبدانهم. مشاهدةُ "العرس الإنساني" والتشبعُ بهذه "القيم" مثلا ليسا متاحين إلا بمقابل يعجز عن دفعه الكثيرُون فيُجبرون على مشاهدة المباريات في المقاهي أو الميادين العمومية، وسط ضجيج السيارات وأدخنتها، أي في ظروف يتعسر وصفُها بالصحية.
ويعتمدُ تحويلُ المونديال إلى عرض مسرحي-كرنفالي على ابتداع أحداث جديدة (رياضية وغير رياضية) كلَ ساعة بل كل دقيقة، وتصوير كسب المقابلات أو خسارتها كمسألة حياة أو موت. وبطبيعة الحال، فإن الكمَ الهائلَ من المعلومات والصور التي تبثها التلفزيونات صباحَ مساءَ خليقٌ بأن يُنسيَ المشاهدين سلبيات وعيوبا واضحة للعيان، منها ما رأيناه في جنوب إفريقيا من حرمان فقرائها من حضور "عرس كروي" يجري على أرضهم وتشديد العقوبة على "الجانحين" و"المجرمين" حمايةً للسياح وانعدام الروح الرياضية في مباريات (كالنهائي) كثيرا ما تحولت إلى صراع جسدي لا صلة له بالرياضة (بلغ عددُ الإنذارات في مقابلة النهائي 13 إنذارا منها 8 للفريق الهولندي).
.ويمكنُ القولُ إن مونديال 2010، رمزيا على الأقل، عمق الشرخَ الاجتماعي في جنوب إفريقيا بدلَ المساهمة في رأبه، لا لأن تذاكرَه لم تكن في متناول الفقراء (الفيفا حددت أسعارها دون مراعاة مستوى دخولهم) فحسب، بل كذلك لأن حكومة جاكوب زوما لم تبذل في تأمين الأحياء الشعبية ما بذلته من جهد ومال في تأمين الملاعب. "أشعرُ بالحزن حين يحضرني ما فعله بعضُ البشر يبعضهم الآخر"، قال بلاتير وهو يزور قلعة مقاومة الأبارتيد سويتو. هل فكر فيما فعله بعض محبي الكرة (إدارة الفيفا) ببعضهم الآخر (الفقراء والمعدَمين) ببيع حقوق نقل المقابلات لقنوات لا تستهدف ترقية الرياضة بقدر ما تستهدف الربح ؟
ونتج عن تحول المونديال إلى تظاهرة مسرحية-كرنفالية ترسخُ اقتناع اللاعبين بأنهم أشخاصٌ فوق العادة وأنهم، كالأعلام الوطنية، رموزُ بلدانهم، حتى وإن كوفئوا على وطنيتهم بسخاء ولم يبذلوا مقابل ما ينالون من أموال سوى دقائقَ من وقتهم للظهور في كليبات مناهضة للعنصرية لا يهتم بها أحد اهتمامَه بدعاية بيبسي كولا وكوكا كولا وأديداس. وكيف لا يقتنعون بأنهم ملوكُ العالم وأباطرته وأكثر تصريحاتهم سطحيةً ("سنهزمهم" أو "الفريق الفلاني فريق متوسط" أو حتى ما هو تحصيل حاصل، مثل "أتمنى أن نفوز" و"أتمنى ألا ننهزم"...) تتحولُ بقوة سحرية إلى دُرر لم يعرف لها مثيل، تتنازعها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والالكترونية؟
هذه المقدرة على صناعة "الحدث" من أتفه الأحداث هي نفسُها التي حولت تنقلات الإخطبوط بول اللزجة وإيماءات الببغاء ماني المتشنجة إلى حركات سحرية فيها من الرهبة والجلال ما في حركات العرافين الأسطوريين وهم يقرأون الغيبَ في خطوط الرمل أو يسبرون أغوارَه في مسارات النجوم.
ونتيجةً لهذه "المسرحة" البالغة للرياضة ازداد اهتمامُ السياسيين (الانتهازي) بتشجيع فرقهم (أنجيلا مركيل، بالرغم مما يعرف عمها من جدية، كادت تطيرُ فرحاً بأهداف ألمانيا الأربعة ضد الأرجنتين) وتحولت مبارياتُ المونديال إلى مناسبات اجتماعية يظهر فيها المشاهير (نشك في أن نجومَ هوليوود، الذين توافدوا على إستادات بورت اليزابيت وجوهانسبورع يفقهون شيئا في قواعد كرة القدم).
كذلك، أصبحت "نوعية أداء" الفرق الوطنية قضايا وطنية، فرأينا المدرب الفرنسي ريمون دوميناك يشرحُ للنواب، في جلسة سرية مغلقة، أسبابَ خروج منتخب بلده من الدور الأول، في وقت الفرنسيون منشغلون فيه بقانون المعاشات الجديد، بل ورأينا تنظيما سياسيا فرنسيا (تجمع الأغلبية الرئاسية) يدعو إلى إصلاح قوانين كرة القدم باستعمال أوسع للفيديو في التحكيم، وكان أحرى به الاهتمامُ بإصلاح نظام مكن وزيرَ العمل، إريك وورث، من أن يجمعَ طوالَ سنوات ثلاثة بين أمانة المال في حزبه ووزارة الميزانية في حكومة صديقه نيكولا ساركوزي.
ولا جدلَ في أن أكثرَ سلبيات تحول كأس العالم إلى عرض مسرحي وكرنفال تجاري هي تعمقُ الشوفينيات القومية التي يُفترض في الرياضة أن تساعدَ على تجاوزها. لم يكن من حديث لوسائل الإعلام واللاعبين والمدربين والمشجعين، منذ بدء "عرس الكرة" في جنوب إفريقيا إلى انتهائه، سوى عن الثأر و الانتقام ورد الصاع صاعين، وهو كلامٌ فيه، كما نلاحظ، كثيرُ من رقة الشعور ورهافة الحس الإنساني.
ولا يبدو أن اللاعبين يعيرون اهتماماً كبيراً لمبدأ الأخوة وهم يرفسون بعضهم بعضا (من سينسى الضربة شبه القاتلة التي وجهها الهولندي نيجال دي يانغ إلى الإسباني كسابي ألونسو في المقابلة النهائية ؟) ولا أنهم يكترثون للروح الرياضية وهم يفخرون بلجوئهم إلى حركات غير رياضية لإنقاذ منتخباتهم من الهزيمة (اللاعب الأرغواني لويس سواريز أصبح بطلاً وطنياً بعد أن أنقذ مرماه بيده من هدف كان سيؤهل غانا إلى نصف النهائي). كذلك الأمرُ في المدرجات، حيثُ ترفع كلُ مجموعة من المشجعين بفخر كبير علم الدولة-القبيلة التي تنتمي إليها وكأن لا دولة سواها تستحق الذكر.
في حديث للبي بي سي، قال بلاتير عن كأس العالم 2010 إنها "كانت مليئةً بالمشاعر والانفعالات". كيف لا وقد جنت منها الفيفا أعلى عائدات في تاريخها ؟ قد يكون اقتصادُ جنوب إفريقيا حقق هو الآخر من هذه التظاهرة بعض الأرباح، لكنها أيضا كلفته مبالغَ طائلة وستكلفه مبالغَ طائلة أخرى، هي ضروريةً لصيانة منشآت لن تستفيدَ منها الممارسة الرياضية الشعبية كثيرا، كإستاد نيلسون مانديلا الذي تتجاوز كلفة صيانته السنوية 2 مليون دولار وإستاد امتاتا، الذي عدَلت الفيفا عن استعماله فذَكَرها عمدةُ المدينة التي شُيد فيها (يومية "ليبراسيون" الفرنسية، 3 و4 يوليو 2010) بأنه سيحتضن قريبا حدثاَ أهم من المونديال بكثير، مأتمَ الزعيم نيلسون مانديلا (هكذا).
ياسين تملالي



#ياسين_تملالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيد طنطاوي:من كراهية -بني إسرائيل- إلى الدفاع عن -السلام مع ...
- دعم إسرائيل في قلب خطاب اليمين الراديكالي الأوروبي الجديد
- قمة نيس -الفرنكوإفريقية- : الثابت والمتحول في علاقات فرنسا و ...
- هل الرقابة على الأفلام -المزعجة- اختصاص فرنسي ؟
- برنارد هنري ليفي : بؤس الفلسفة في خدمة بنيامين نيتانياهو
- تعليق على مقال -الأمازيغ أو الدولة المجهولة من مرسى مطروح إل ...
- الجزائر : -حكومة- فرحات مهني وأسطورة -الشعب القبائلي-
- -على الجبهة المصرية-، شهادة جزائرية على حرب الاستنزاف
- النقابات المستقلة الجزائرية : حدود تجربة واعدة
- قراءة في -على الجبهة المصرية- مذكرات الجنرال الجزائري خالد ن ...
- عن قانون جزائري افتراضي -يجرم- الاستعمار
- الكاتب وتمثاله : حديث عن -تصنيم- كاتب ياسين
- مسيحيو البلدان الإسلامية : حوار مع القرضاوي وهويدي عن المساو ...
- عن مكافحة الفساد في الجزائر أو «الأيادي النظيفة» الوسخة
- الجزائر و مصر : بعد كرة القدم، ماذا عن الاقتصاد ؟
- عن الجزائر ومصر يوسف زيدان أو صورة الكاتب عنصريا
- الإعلام الشوفيني : 1 - مصر والجزائر : 0
- الجزائر : -تأسلم- السلطة و-تسلطن- الإسلاميين
- هل ما زالت الجزائر دولة مدنيّة؟
- بين «ولاية» الشيعة و«ولاية» الإخوان»


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين تملالي - عن المونديال والببغاء ماني والإخطبوط فيفا