أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين تملالي - الكاتب وتمثاله : حديث عن -تصنيم- كاتب ياسين














المزيد.....

الكاتب وتمثاله : حديث عن -تصنيم- كاتب ياسين


ياسين تملالي

الحوار المتمدن-العدد: 2905 - 2010 / 2 / 2 - 13:00
المحور: الادب والفن
    


في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 1989، تُوفي كاتب ياسين وهو لم يتجاوز بعدُ الستين. كانت الجزائر في بداية «انفتاحها الديموقراطي»: جبهة الإنقاذ تقودها بالسلاسل إلى الجنة الإسلامية، والجيش يشجع أكثر القيادات الدينية تطرفاً ويتذرع بها لإطلاق النار على هذا الانفتاح المزعوم. لم يُقدر لكاتب ياسين أن يتساءل: هل نساند النظام ضد خصمه المتشح برداء الدين؟ هل نلعن كليهما أم نبقى على الحياد، وما أبشع حياد المثقفين؟ نجا من واجب حل هذه المعضلة وأنقذه الموت من مشهد السلطة اليوم وهي تلبس ثوب الإسلام ومشهد ثوبها الوطني وهو يتسع للإخوان المسلمين.
ما عسانا أن نقول في ذكرى رحيل كاتب ياسين؟ هل نسرد قائمة أعماله ونردد أن «نجمة» هي إحدى أجمل القصائد في تاريخ الرواية، وإحدى أجمل الروايات في تاريخ الشعر؟ كل ما يمكن قولُه عن أدبه سبق أن قيل. أما ما يشار إليه نادراً، فمحاولة استرجاعه من طرف النظام وسعي بعض أصدقائه إلى جعله صنماً يطاف حوله كغيره من أصنام المثقفين.
في ذكرى وفاته العشرين، قررت البيروقراطية الثقافية تكريمه على طريقتها الخاصة. «قررت نصب تمثال له في المكان المسمى عين غرور، قرب حمام نبيلس، موطن القبيلة التي ينحدر منها والذي استوحى منه الكثير من أحداث روايته نجمة». هذا نص الخبر كما أوردته جريدة «الوطن». لم يتوقع أحد، ولا أكبر العارفين بجزائر المعجزات، أن يُنظر يوماً إلى عنصر فني في نصوص كاتب ياسين (أي الأصول المتخيلة لبعض شخوصها) كحقيقة من حقائق «علم الأنساب». ثم أليس من المضحك أن يساق صاحب «الأسلاف يزدادون ضراوة» إلى ساحة القبيلة عنوة، وهو من كان يحلم بالعالم قطعة واحدة دون فواصل أو حدود؟
عوّدتنا البيروقراطية الثقافية على اعتبار النصب التذكارية أرقى عروضها التكريمية، وعلى ابتسار أكثر الحيوات ثراءً في كلمات باهتة تلح على جنسية الراحلين وعلى ما قدموه من «خدمات جليلة للثقافة الوطنية». عوّدتنا، بحجة انتماء الجميع إلى «أرض الجزائر، بلد المليون ونصف مليون شهيد»، على أن تقدس فلاناً ونقيضه على السواء، مؤسس جمعية العلماء المسلمين، عبد الحميد بن باديس، والعلماني كاتب ياسين، مقاوم الاحتلال الروماني يوغرطة وحليف هذا الاحتلال القديس أوغسطين. عودتنا على كل شيء، فلم نعد نستغرب لا تجاهلها للأحياء ولا مبالغتها في الثناء على الأموات، لكنها أول مرة تتصرف فيها بهذه السوريالية الفذة فتنصب لأحدهم تمثالاً في «المكان المسمى عين غرور».
هذا عن المحاولات الرسمية لاسترجاع كاتب ياسين. أما بعض أصدقائه فحوّلوا إلى صنم من كان يعتبر الكتابة «الثورة عارية بل الثورة ذاتها دائمة الانفجار». عملية «التصنيم» هذه بدأت وهو بعدُ حي، باعتباره أكبر أديب جزائري على مر العصور، واعتبار رموزه الفنية أحجيات تستعصي على غير المقربين ممن شربوا معه قهوة فأسرّ إليهم بالأسرار الكامنة في ثنايا «نجمة» و«الجثة المطوقة» و«الرجل ذي النعل المطاطي». وكان هو يضيق ذرعاً بهذا التمجيد كما يبين ذلك رده على صحافية فرنسية قالت له إنه «أديب عملاق»: «عملاق؟ بل قولي إني خرافة بالأحرى. كنت أمثل إلى حد الآن أحد جوانب استلاب الثقافة الجزائرية. كنت أعتبر كاتباً كبيراً لأن فرنسا قررت ذلك. الحقيقة أن اسمي معروف كاسم لاعب كرة أو ملاكم، لكن كتبي لم تقل للشعب شيئاً لأنه لم يقرأها».
وعدا هذا «التصنيم» الصادق الساذج، هناك تصنيم غيره تشتمّ فيه رائحة الانتفاع. حال وفاة كاتب ياسين أصبح «شرح» أدبه (وهل يشرح الأدب؟) وإفناء العمر في كشف «أسراره» يدران الكثير من الشهرة، وأحياناً بعض المال. تسابق «الأصدقاء» إلى تفسير «نجمة» وكأنها طلسم من طلاسم القدماء أو حفرية لا تُعرف لغتها ولا في أية حقبة غابرة خطت على الصخر. تناسوا أن لا أكثر عتاقة وتقليدية من شرح «مقصد الكاتب» لأن النص، أي نص، مجال مفتوح ليس لأحد أن يزعم إدراك «معناه العميق». وكانت النتيجة، كما تقول الناقدة نجاة خدة، أن اقتنع الجزائريون بأن هذه الرواية الجميلة «غيهب سميك»، لا سبيل لفهمه دون عشرات الكتب والمعاجم والقواميس.
تحوّل كاتب ياسين كذلك إلى بضاعة رمزية، تضخم عدد «صحابته» فكلهم تلميذه أو رفيقه أو صديقه الحميم، ولولا مانع السنّ لزعم بعضهم بنوّته بل حتى أبوّته. أصبح ادعاء القرب منه وسيلة لتلميع صورة البعض في أوساط مغلقة تجتر نفسها، وأداة لإكساب الموهبة لمن لا موهبة له. تحوّل أيضاً إلى تيمة بروباغندا في سوق السياسة. سمعنا من يقسم أنه كان «ديموقراطياً صميماً» وهو لم يتكلم يوماً عن الديموقراطية، ومن يؤكد أنه كان اشتراكياً سوفياتياً رغم أنه كان أقرب إلى الفوضوية الشاردة منه إلى السوفياتية الجنائزية، ومن يزعم أنه كان ستالينياً رغم أن إعجابه الاستفزازي بـ«أب الشعوب» لم يجعله يهتدي بهدي دار التقدم الموسكوفية. نُسي أنه كاتب لا غير، وأن الكاتب، كما كان يقول، «هو داخل الفوضى فوضويُّها الأبدي».
* صحافي جزائري



#ياسين_تملالي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسيحيو البلدان الإسلامية : حوار مع القرضاوي وهويدي عن المساو ...
- عن مكافحة الفساد في الجزائر أو «الأيادي النظيفة» الوسخة
- الجزائر و مصر : بعد كرة القدم، ماذا عن الاقتصاد ؟
- عن الجزائر ومصر يوسف زيدان أو صورة الكاتب عنصريا
- الإعلام الشوفيني : 1 - مصر والجزائر : 0
- الجزائر : -تأسلم- السلطة و-تسلطن- الإسلاميين
- هل ما زالت الجزائر دولة مدنيّة؟
- بين «ولاية» الشيعة و«ولاية» الإخوان»
- اغتيال مروة الشربيني والحرية الدينية لدى المتزمتين
- عدم الانحياز بين الأمس واليوم
- 1964-2009 : -عدم الانحياز- من القاهرة عاصمة حركات التحرر إلى ...
- باراك أوباما ووهم -العالم الإسلامي-
- ساركوزي وإيران وعصر «ازدواجية الخطاب»
- السودان على ضوء البترول
- أسطورة -المغرب العربي الكبير- وواقع الحدود
- نيكولا ساركوزي والدين كبضاعة سياسية
- مغالطات عن التبشير المسيحي في الجزائر
- المهاجرون الأفارقة ضحايا «المصالحة الإيطاليّة الليبيّة»


المزيد.....




- فيلم -الملحد- يعرض في دور السينما المصرية بقرار قضائي مصري و ...
- -شرير هوليود-.. وفاة الممثل الألماني الشهير أودو كير
- محكمة الجنايات تفرج عن الممثلة الكويتية إلهام الفضالة دون ضم ...
- وفاة نجم موسيقى الريغي الجامايكي جيمي كليف عن 81 عاما
- نظرة داخل المتحف المصري الكبير
- -عالم سعيد العدوي-: كتاب موسوعي عن أبرز فناني الحداثة في مصر ...
- وفاة نجم موسيقى الريغي الجامايكي جيمي كليف عن عمر 81 سنة
- -سينما فوق الركام-.. أطفال غزة يصنعون الحياة من قلب الدمار ف ...
- وزارة الثقافة تدين اقتحام الاحتلال مسرح الحكواتي في القدس
- -بيروت المرفأ-.. معرض لبناني يربط تاريخ العاصمة بحاضرها


المزيد.....

- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين تملالي - الكاتب وتمثاله : حديث عن -تصنيم- كاتب ياسين