أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين تملالي - هل الرقابة على الأفلام -المزعجة- اختصاص فرنسي ؟














المزيد.....

هل الرقابة على الأفلام -المزعجة- اختصاص فرنسي ؟


ياسين تملالي

الحوار المتمدن-العدد: 3025 - 2010 / 6 / 5 - 01:22
المحور: الادب والفن
    


اتهاماتٌ بأن الفيلمَ "حرف الحقائقَ التاريخية"، ضغوطٌ على القنوات التلفزيونية العمومية كي لا تشتركَ في إنتاجه وعلى مسؤولي "مهرجان كان" كي لا يدرجوه في القائمة الرسمية لأفلام هذه السنة، طلباتٌ متكررة من رئاسة الجمهورية لمشاهدته قبل افتتاح هذا الموعد السينمائي... ومطالباتٌ بمنع عرضه "حمايةً للنظام العام" !

لا يحدثُ هذا في دولة "متخلفة" تُداس فيها حرية الإبداع بالأقدام. يحدث في فرنسا، التي اختصت بعض نخبها في تقديم دروس الحضارة لسكان "العالم الثالث". الفيلمُ المعني بالأمر هو "الخارجون عن القانون" ("Hors-La-Loi") للسينمائي الفرنكو-جزائري رشيد بوشارب، صاحب "أنديجان" ("Indigènes") الذي يروي مشاركة المستعمَرين (المغاربيين والأفارقة السود) في تحرير أوروبا من النازية وما كان جزاؤُهم على ذلك من جحود ونكران.

ما سببُ هذه الضجة يا ترى ؟ سببُها أن "الخارجون عن القانون" يشيرُ إلى مجازر 8 مايو 1945 التي ارتكبها الاحتلالُ الفرنسي في حق عشرات الآلاف من المظاهرين الجزائريين الذين تجرأوا على المطالبة بالاستقلال في يوم تحرر فرنسا من الحكم النازي. ويزيدُ هذه الضجةَ غرابةً أن لا أحدَ شاهد الفيلم بعدُ (عدا طاقمه وبعض المؤرخين) وأن الأحداثَ المذكورة، حسب تصريحات مخرجه، مجرد خلفية تاريخية لسيناريو هو أساسا قصةُ ثلاثة إخوة جزائريين رحلوا إلى باريس بعد هذه المجازر والتحق اثنان منهما بجبهة التحرير الوطني.

منذ إعلان عرض هذا العمل في "كان"، تتوالى البياناتُ المنددة بتجنيه على "الذاكرة الفرنسية". إيلي بيزيي، نائبُ تجمع الأغلبية الرئاسية (الحاكم) ورئيسُ مجموعة عمل برلمانية عن "المرحلين" (أوروبيي الجزائر الذين غادروها بعد الاستقلال) أدان "استخدامَ المال العام لشتم الجمهورية"، وأندريه مايي، زميله في الحزب ومسؤولُ "دار المرحلين" لمدينة "كان"، طلب منعَ عرض فيلم بوشارب حماية "للأمن العام" بعد أن دعا هو ذاتُه إلى احتلال سلم القصر الذي يحتضن المهرجان !

ودون أن يشاهدَ الفيلمَ هو الآخر، لم يتورع نائب ثالث في كتلة الأغلبية الرئاسية، ليونيل لوكا، عن الحديث عنه وكأنه أطروحةٌ تاريخية لا إنتاجٌ فني، منتقدا تمويلَه من طرف المركز القومي للسينما وداعيا وزيرَ قدامى المحاربين، هوبير فالكو، إلى بذل قصارى جهوده لعدم إدراجه في قائمة الأفلام الفرنسية المشاركة في "مهرجان كان". وقد كللت هذه الجهود بنجاح كبير، نتجت عنه مفارقةٌ مذهلة : "الخارجون عن القانون" سيمثل الجزائرَ لا فرنسا في هذا الملتقى الفني العالمي مع أن تمويله فرنسي بنسبة 59 بالمائة وجزائري بنسبة لا تفوق 20 بالمائة.

ورغم أن فرنسا ليست "بلدا سوفياتيا"، طلبت حكومةُ فرانسوا فيون رسميا من إحدى هيئات وزارة الدفاع رأيَها في سيناريو "الخارجون عن القانون". وردت عليها هذه الهيئة بتقرير لجنرال حقيقي اسمه جيل روبير (نشرته اسبوعية "Minute" اليمينية المتطرفة) قال إن المخرج "يريد إيهام المتفرجين بأن مجازرَ عمياء اقترفت يوم 8 مايو 1945 بحق الجزائريين، والحقيقةُ، بإجماع المؤرخين، أن قام به الأوروبيون لم يكن سوى ردة فعل على ما قام به الجزائريون". وبطبيعة الحال، اعتمد وزيرُ قدماء المحاربين على هذا التقرير بالغ الموضوعية ليعلن أنه "دفاعا عن الذاكرة (الوطنية)"، سيسهر على تفادي أي تبن رسمي" لعمل بوشارب.

وللأسف، ليست هذه أولَ مرة تثورُ فيها ثائرةُ اليمين الفرنسي على إنتاج فني يتطرق إلى المغامرة الكولونيالية الفرنسية، بل يمكن القولُ إن فرنسا، مقارنةً بامبراطوريات استعمارية أخرى، اختصت في حظر الإبداعات التي تلقي نظرةً نقدية على هذا الشق من تاريخها. تكفينا، لندرك ذلك، نظرةٌ إلى الأعمال السينمائية التي منعتها خلال الثورة الجزائرية (أغلب أفلام الشيوعي الفرنسي روني فوتيي، "الجندي الصغير" للسويسري جان لوك غودار، "لن تقتل أبدا" للفرنسي كلود أوتان-لارا، إلخ...) وحتى بعد قيام الدولة الجزائرية المستقلة في 1962 (حظر "معركة الجزائر" للإيطالي جيلو بونتيكورفو رسميا من 1966 إلى 1971).

وزاد حدةَ الضجة السوريالية المثارة حول "الخارجون عن القانون" عاملان اثنان. الأول هو التوترُ الذي تعرفه العلاقاتُ الجزائرية-الفرنسية منذ سنوات والذي كان أحدُ أسبابه صدورُ قانون فرنسي يرمي إلى تخليد مساعي فرنسا "التحضيرية" وراء البحار (قانون 23 شباط/ فبراير 2005). أما العامل الثاني، فإخراج الفيلم في خضم النقاش الذي افتتحه الرئيس نيكولا ساركوزي حول "الهوية الفرنسية" في منتصف نوفمير 2009.

وليس من المبالغة القولُ إن التصويتَ على قانون 23 شباط/ فبراير 2005 وافتتاحَ هذا النقاش الغريب وجهان لعملة واحدة : التغذيةُ المستمرة لما تسفر عنه الأزمة الاقتصادية من تساؤلات لدى الناخبين (من قبيل : "هل أحفادُ المستعمَرين يهددون هويتنا؟" و"هل من إسلام فرنسي متسامح؟") بغرض تحقيق الإجماع على نظرة اليمين إلى بعض المسائل التاريخية (مهمة الاستعمار "التحضيرية") والهوياتية (لا مكان للهويات "الدخيلة" في الهوية الفرنسية الديموقراطية الأبدية-الأزلية). ويتمثل هدف العملية برمتها في توسيع القاعدة الانتخابية اليمينية لتشمل قسما من اليسار يستهويه الدفاع عن العلمانية ضد "الخطر الإسلامي" وقسما من اليمين المتطرف ترمي الإشادةُ بالاستعمار إلى كسب ود أهم مكوناته، ("المرحلون"، قدامى عساكر المستعمرات، إلخ).

هل ستصلُ رغبةُ الحكومة الفرنسية في "الحفاظ على النظام العام" إلى درجة منع "الخارجون عن القانون" بعد انتهاء "مهرجان كان" ؟ قد يبدو السؤال سخيفا لكن لا شيء مستحيلٌ في جمهورية ساركوزي، حيث تُعرض سيناريوهات الأفلام على وزارة الدفاع. ولاشيء يستعصي على اليمين المتطرف حين يستفيد من تواطؤ السلطات، فتاريخ الفن السابع يذكر بأسى أن محاولات التعريف بـ"معركة الجزائر" في فرنسا سنةَ 1970 باءت بالفشل تحت ضغط "المرحلين"، ما أخر اكتشاف هذا الفيلم في "وطن الحرية" إلى 2004 !

ياسين تملالي



#ياسين_تملالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برنارد هنري ليفي : بؤس الفلسفة في خدمة بنيامين نيتانياهو
- تعليق على مقال -الأمازيغ أو الدولة المجهولة من مرسى مطروح إل ...
- الجزائر : -حكومة- فرحات مهني وأسطورة -الشعب القبائلي-
- -على الجبهة المصرية-، شهادة جزائرية على حرب الاستنزاف
- النقابات المستقلة الجزائرية : حدود تجربة واعدة
- قراءة في -على الجبهة المصرية- مذكرات الجنرال الجزائري خالد ن ...
- عن قانون جزائري افتراضي -يجرم- الاستعمار
- الكاتب وتمثاله : حديث عن -تصنيم- كاتب ياسين
- مسيحيو البلدان الإسلامية : حوار مع القرضاوي وهويدي عن المساو ...
- عن مكافحة الفساد في الجزائر أو «الأيادي النظيفة» الوسخة
- الجزائر و مصر : بعد كرة القدم، ماذا عن الاقتصاد ؟
- عن الجزائر ومصر يوسف زيدان أو صورة الكاتب عنصريا
- الإعلام الشوفيني : 1 - مصر والجزائر : 0
- الجزائر : -تأسلم- السلطة و-تسلطن- الإسلاميين
- هل ما زالت الجزائر دولة مدنيّة؟
- بين «ولاية» الشيعة و«ولاية» الإخوان»
- اغتيال مروة الشربيني والحرية الدينية لدى المتزمتين
- عدم الانحياز بين الأمس واليوم
- 1964-2009 : -عدم الانحياز- من القاهرة عاصمة حركات التحرر إلى ...
- باراك أوباما ووهم -العالم الإسلامي-


المزيد.....




- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسين تملالي - هل الرقابة على الأفلام -المزعجة- اختصاص فرنسي ؟