أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الحسين شعبان - الاغتيال السياسي : مقاربة سسيو ثقافية حقوقية















المزيد.....


الاغتيال السياسي : مقاربة سسيو ثقافية حقوقية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3062 - 2010 / 7 / 13 - 19:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



تمثل قضية الاغتيال السياسي ومصادرة حق الحياة ظاهرة خطيرة في الوطن العربي، وللأسف الشديد إنها أخذت بالتوسع والانتشار، في الوقت الذي يتطور فيه الوعي العالمي باحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية. ولم تعد هذه الظاهرة تقتصر على الحكومات التي عمّقت وطوّرت من أساليبها ووسائلها العنفية، بل إمتدّت لتشتمل قوى خارج السلطات، حيث اعتمدت قوى التطرف والتعصب والغلو على وسائل مماثلة لحل النزاع بينها وبين السلطات ولمعارضة اجراءاتها وممارساتها الارهابية بأعمال إرهابية. وقد جرى اغتيال بعض الشخصيات الثقافية والفكرية والسياسية اللامعة بفعل سيادة ظاهرة تغييب الرأي الآخر وإن اقتضى الأمر إلغاء حق الحياة الذي هو حق أساس للانسان لا يمكن الحديث عن أية حقوق أخرى في ظل اهماله.
وقد نصّت المادة الثالثة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 10 كانون الاول (ديسمبر) 1948 على ما يلي: " لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه". وقد جاء حق الحياة والحرية والسلامة الشخصية في مادة واحدة وبصورة لا تخلو من التلازم، وأوضحت المواد التي تلتها تأكيداً لحق الحرية والسلامة الشخصية بعض الحقوق التكميلية كعدم جواز الرق (المادة 4) وعلى تحريم التعذيب والمعاملات القاسية الحاطّة بالكرامة (م-5) وحق الاعتراف بالشخصية القانونية (م-6) والمساواة أمام القانون (م-7) وحق اللجوء الى المحاكمة للانصاف من الاعتداء على الحقوق الاساسية (م-8) وعدم جواز القبض على الانسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً (م-9).
ونصّت المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 والذي دخل حيّز التنفيذ العام 1976 على ان " حق الحياة حق ملازم لكل انسان وعلى القانون أن يحمي هذا الحق ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً ".
ان هذه الحقوق إضافة الى حقوق أخرى، ملازمة لحق الحياة ومكمّلة له في أي مجتمع متمدن، إذْ لا يمكن الحديث عن تلك الحقوق بدون حماية حق الحياة، الأساس الذي تصب فيه وتتمحور حوله بقية الحقوق.
هذه المقدّمة كانت تمهيداً لمحاضرة ألقيتها في لندن في الكوفة كاليري بمناسبة اغتيال الشيخ طالب السهيل التميمي في بيروت. ولا أهدف من وراء هذا التقديم الحديث عن ظاهرة الاغتيال والقهر السياسي في التاريخ العربي فذلك أمر عويص، لكنني أود أن أشير الى أن الظاهرة، قد تطورت كثيراً بتطور وسائل العلم والتكنولوجيا، علماً بأن الهدف ظل واحداً وإن اختلفت الوسائل، ألا وهو إلغاء حق الخصم في التعبير، والاجهاز على الرأي الآخر حتى وإن تطلب الأمر التصفية الجسدية، أو إذلاله للتخلي عن أفكاره وآرائه ومعتقداته.
وأياً كانت الذرائع المستخدمة سواءً سياسية أو فكرية، واياً كانت المبررات سواءً كانت " طبقية" أم قومية" أم " دينية" أم " مذهبية"، وأيا كانت الوسائل المتبعة: رصاصة أو سكيناً أو كاتم صوت أو كأس ثاليوم أو حادث سيارة أو تفجيراً أو مفخخةً أو عبوة ناسفةً، فإنها من زاوية علم النفس الاجتماعي تلتقي عند عدد من النقاط هي باختصار:
الأولى – انها تستهدف تغييب الخصم والغاء دوره ومصادرة حقه.
الثانية- انها تعتمد على الغدر وإخفاء معالم الجريمة في الغالب.
الثالثة- انها تتسم بسرّية كاملة وقد يقوم بها بعض المحترفين.
الرابعة- انها تستخدم كل الأساليب لتحقيق أهدافها من أكثرها فظاظة وبربرية الى أكثرها مكراً ونعومة، بحيث يمكن إخفاء أي أثر يستدل عليه من الضحية.
الخامسة- الحرص على اخفاء هوية المرتكبين وقد يمشي المجرم في جنازة الضحية وقد يدفع الذهن للانصراف الى أطراف أخرى بهدف التمويه ودق الأسافين وتوريط جهات أخرى.
السادسة- أنها تتجاوز على القانونية والشرعية سواءً كانت حكومات هي المسؤولة عن تطبيق القانون والشرعية وهكذا يُفترض أو كانت من قوى التطرف التي عانت من الانتهاكات والتجاوزات والارهاب، فأقدمت هي الأخرى على إصدار أحكامها بعيداً عن المحاكم والشرعية والقانون، منصّبةً نفسها كجهاز تنفيذي وقضائي في الآن ذاته، بل كجهاز تشريعي " مخوّل"، محللة استخدام كل الوسائل للقضاء على الخصم.
ومهما كانت المبررات والأسباب التي استخدمت لتبرير الاغتيال وظواهر العنف والعنف المضاد والقهر، فإن هذه الظواهر تنتشر في ظل غياب الديموقراطية وعدم الاعتراف بالتنوع وانكار التعددية الفكرية والسياسية والدينية، وانعدام حالة الحوار بين السلطة والمعارضة وبين الجماعات والتيارات العقائدية والسياسية.
لعل اللجوء الى تصفية الخصم انما يعكس حالة الضعف والخوف من جانب الجهات التي تلجأ الى وسائل العنف والاغتيال والقهر لحل خلافاتها السياسية والفكرية، فالحكومات أو القوى التي تثق بنفسها وتشعر انها تحظى بتأييد الرأي العام ومؤسساته، ناهيكم عن الشفافية والرقابة والمساءلة ووجود قضاء مستقل، لا تلجأ الى مثل هذه الاساليب لأنها ستغامر بواقعها ومستقبلها، لاسيما إذا كانت تحكم بصورة شرعية أو وصلت الى الحكم عن طريق الانتخاب واختيار الشعب، ولذلك فهي لا تفكر في اللجوء الى وسائل العنف أو الاغتيال لالغاء حق الخصم في التعبير الذي قد يصل الى الغاء حياته.
ولا بدّ من الاشارة الى أن الاغتيال السياسي ومصادرة حق الحياة هما أسوأ درجات انتهاك حقوق الانسان، وهما دليل ضعف وليس وسيلة قوة، ولذلك فإن الجهات التي تلجأ اليهما أحياناً، تحاول التنصّل منهما رسمياً أو تنفي مسؤوليتها عن أعمال ترتكب باسمها، بل تحاول خلط الأوراق لضياع هوية المرتكب.
كما لا بدّ من الاشارة الى أن القوى التي تلجأ الى الاغتيال ومصادرة حق الحياة في الغالب، تزعم أن لديها أفضليات وتقوم بممارسة تلك الأعمال استناداً الى الايمانية المطلقة أو اليقينية الثابتة، وهي جزء من الفكر الشمولي، الاطلاقي الوحيد الجانب، وهي لا تؤمن بالتعددية وبحق الآخرين، بل تعطي نفسها الحق أحياناً في تأثيم وتحريم وتجريم الآخرين، أو مصادرة حقوقهم تارة باسم " الشعب" وأخرى باسم الأمة أو القومية أو مصالح الكادحين وثالثة باسم الدين.
ولا يربط القوى والجماعات التي تعتمد على الاغتيال والعنف رابط مع العقلانية والمدنية والديمقراطية أو الموضوعية، فالانحياز المسبق والتفكير المعلب المصنوع خصيصاً من نسيج التصورات الناجزة هو الذي يفعل فعله ويحكم علاقة هذه القوى والجماعات بالآخرين وبالموقف منهم، خصوصاً وأنها تستخدم أساليب القهر السياسي وسيلة لحل الخلافات مع الآخرين. أما الآخر بالنسبة لها فهو المريب الغريب، الخارج على ما تؤمن به وتسعى لتحقيقه، ولهذا فهي تبرر ما تقوم به ضده وما تفعله بخصوصه.
ولم يكتفِ من يزعم أن الحقيقة بجانبه باستخدام الاغتيال وسيلة لتغييب الآخر، بل يلجأ أحياناً الى اعتماد محترفين للقيام بمهمات الاغتيال ويلجأ الى استئجار مرتزقة وقد شاعت فضيحة بلاك ووتر في العراق وما قامت به من أعمال قتل في وضح النهار أحياناً إضافة الى عملياتها السرية وذلك بعد احتلال العراق، وأحياناً يقوم هؤلاء بإجبار الضحايا على القيام بارتكاب جرائم للنجاة بأنفسهم، مقابل اغتيال خصوم تختارهم هي.
كما تعتمد بعض الجهات الارهابية أحياناً على بعض الديبلوماسيين والبعثات الديبلوماسية التي تتمتع بالحصانة الديبلوماسية بموجب اتفاقية فيينا لعام 1961 حول " العلاقات الديبلوماسية " وفي الكثير من الأحيان ساهم بعض الموظفين الدبلوماسيين في تهريب الأسلحة والمعدّات ووسائل القتل بالحقائب الديبلوماسية، مستفيدين من المزايا التي تمنحها اتفاقية فيينا.
هكذا تتحول الديبلوماسية التي هي جناح من أجنحة الدولة تطير بها لإظهار حسن علاقتها مع الآخر ولحماية مصالحها الوطنية ورعاياها خارج البلاد ولتعزيز وتطوير علاقاتها الدولية، الى جهاز من أجهزة القمع يجمع بعض المحترفين من القتلة بحيث تساوي الديبلوماسية " عين المقر" على حد تعبير حسن العلوي في كتابه" دولة المنظمة السرية" وهي لا تعني سوى عين استخبارية مصحوبة في لغة فكر- الاستبداد- بالعنف والارهاب.
وحين نكون أمام حالة انعدام المعايير واختلاط الرغبة في تطويع الآخر بتبرير حق تصفيته وادعاء امتلاك الحقيقة والرغبة في الحفاظ على المواقع بمصادرة حق الآخرين بما فيهم حياتهم، فإنها الخطوة الأولى لمصادرة القانونية والشرعية، بل والانسانية في الانسان، وهي مقدمة لإلغاء حياته ووجوده حتى وإن كان بريئاً أو مظلوماً، سواءً كان الهدف خلق الرعب في صفوف الآخرين أو "مواجهة" الله قرباناً لزرع العدل على الأرض، كما سمعنا الكثير من المسوّغات، لاسيما من قبل الاسلامويين في إيران أو غيرها من القوى المتطرفة.
أغلب الظن أن الذين يمارسون الارهاب والعنف ويصدرون أوامر الاغتيال يريدون أن يصوروا الأمر لنا على هذه الشاكلة: هكذا يموت الانسان بدون مرتكب، بالمصادفة يشرب كأس الثاليوم وعن طريق رصاصة طائشة تستقر في رأسه يفارق الحياة وبقدر غاشم تصطدم سيارته أو تسقط طائرته أو يلقى على قارعة الطريق أو عن طريق حزام ناسف وانتحاري غير معروف الهوية، وتلقي السلطات القبض على الضحية ويهرب الجناة.
هكذا يريدون أن نصدّق بأن الأشياء تحدث بدون مرتكب سوى الصدفة المجنونة، وفي الواقع ليس ذلك سوى إهانة للعقول وتمادياً في الزيف واستخفافاً بالمنطق.
والاغتيال لم يعد فردياً، فقد وسّعت الحملات الجماعية من مفهومه وتحول الى نوع من العقوبة الجماعية، حروب إبادة لجماعات عرقية أو دينية أو مذهبية وأحياناً لشعوب بكاملها، فلم تكتفِ اسرائيل والصهيونية العالمية بإلغاء وجود شعب فلسطين وحقه في الحياة وتقرير المصير، بل اقتطعت أجزاء عربية عزيزة في جنوب لبنان والجولان السورية وغيرها، وامتدت يد الارهاب الصهيوني لتحاول اقتلاع بعض رموز ثقافة المقاومة ولتجهز على مثقفين بارزين أمثال غسان كنفاني، الذي طارت أشلاؤه في بيروت بانفجار سيارته وكمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار، الذين اغتيلوا في وضح النهار بقرصنة اسرائيلية في بيروت، وماجد أبو شرار في روما وخليل الوزير (أبو جهاد) الذي اغتيل في تونس وباسل الكبيسي في باريس وناجي العلي في لندن ومحمود المبحوح في دولة الامارات العربية وآخرين.
وكان رد الفعل الامريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام إزاء أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الارهابية الاجرامية، التي حصلت في الولايات المتحدة، عنيفاً، وهو لم يكتفِ بالضغط على الجاليات العربية والمسلمة، والتضييق على بعض الحقوق المدنية، الأمر الذي استفزّ منظمات حقوق الانسان في العالم أجمع، بل ذهب بعيداً حين برّر احتلال أفغانستان وغزو واحتلال العراق بحجة مكافحة "الارهاب الدولي" في حين أن العالم العربي والاسلامي كان من أكثر ضحايا الارهاب الدولي على مدى عقود، وهو ما لم تأخذه واشنطن بنظر الاعتبار قبل أن تمتد يد الارهاب اليها والى الغرب عموماً.
كما لم تكن حكومات عربية أكثر رحمة مع الفلسطينيين من غيرهم، كما أن بعضهم لم يكن أقل عنفاً من " الغرباء"، لاسيما في الصراعات العربية- الفلسطينية والفلسطينية – الفلسطينية. وكان الرصاص المشبوه الهوية قد تكفلته الصراعات الداخلية، وحلّ محل الحوار والعقلانية وحق الاختلاف وحرية التعبير... رصاص ملتبس ومتسلل وإن تعددت المصادر والجهات، ولعل صراع حماس مع فتح (غزة والضفة) الذي ما يزال مستمراً منذ ثلاث سنوات ونيف خير دليل على ما نقول في حين تمارس الآلة العسكرية الاسرائيلية قضماً تدريجياً للقدس والأراضي الفلسطينية، خصوصاً بناء جدار الفصل العنصري، كما يستمر الحصار اللاانساني ضد قطاع غزة والعدوان المتكرر والمفتوح، لاسيما بعد الحرب التي قادتها اسرائيل ضد سكان غزة أواخر العام 2008 ومطلع العام 2009 والتي دامت 22 يوماً، إضافة الى مهاجمة قافلة الحرية وقتل 9 أتراك وجرح أعداد أخرى (2010).
وشملت أعمال الاغتيال والارهاب في الجزائر، أعداداً كبيرة من المواطنين وخصوصاً من المثقفين حيث اغتيل إضافة الى الكاتب الجزائري المعروف الطاهر جعوط ونحو 33 صحافياً وفناناً إضافة الى عدد غير قليل من النساء اللواتي جرى اغتصاب العديد منهن ثم اغتيالهن، مع عشرات الآلاف من الضحايا.
وفي مصر امتدت قوى التطرف لتنال من الكاتب والمبدع الكبير نجيب محفوظ الذي حاولت سكين حاقدة أن تمتد الى رقبته وتصادر حقه في التعبير، خصوصاً بعد محاولات ظلامية لتفكيره عن رواية "أولاد حارتنا" التي كان مضى على إصدارها أكثر من ثلاثة عقود، كما حدث مع الكاتب فرج فودة الذي اغتيل غدراً في القاهرة، وبتصاعد موجات التطرف تضاعف الحكومة من أعمالها العنفية والارهابية، لتضيف ذرائع جديدة على كبت الحريات وتقليص دائرة المشاركة.
وفي لبنان يوم سقط الشيخ حسين مرّوة مضرجاً بدمائه وقف مهدي عامل مودعاً زميله أمام ضريح السيدة زينب في دمشق مخاطباً المثقفين بالقول إذا لم توحدنا الثقافة بوجه الظلام والتخلف فماذا سيوحدنا بعد... أهو كاتم الصوت أم ماذا؟ ولم يدر بخلده أنه سيكون الضحية القادمة بعد مرّوة بثلاثة أشهر سبقه الصحافيان خليل نعوس وسهيل طويلة وشملت عمليات الاغتيال والقهر عشرات الأسماء اللامعة والتي تشكل منارة مشرقة في الثقافة اللبنانية والعربية.
وفي ليبيا ظلّت قضية منصور الكيخيا غامضة وتتراوح بين اختفائه في مصر العام 1993 مع اشارات أعقبت ذلك ، صدرت من طرابلس الغرب تدعو الى هدر الدم وتصفية الخصوم وما زال مصيره مجهولاً حتى الآن وكذلك مصير السيد موسى الصدر العام 1979، وفي السودان اغتيل الفنان الخوجلي عثمان بحجج واهية، كما أعدم الكاتب والمفكر الاسلامي محمد محمود طه لاعتبارات تتعلق بحرية الفكر وحق التعبير.
والقائمة تطول عربياً ولا يتسع المجال لذكر كل التفاصيل، لكنني سأتناول بشيء من التركيز الاغتيال كوسيلة من وسائل تعميم الارهاب في العراق، حيث يكاد يكون النموذج الأصرخ ليس على صعيد العالم العربي وحسب، وإنما على الصعيد العالمي.
ومثلما حصلت ارتكابات جماعية في جنوب العراق وبخاصة في مناطق الأهوار وفي شمال الوطن كردستان، خصوصاً خلال الانتفاضة في 1991، وقبلها في حلبجة عام 1988، وعمليات الأنفال السيئة الصيت التي هي أقرب الى عمليات الاغيتال الجماعي، فإن الاغتيال السياسي مورس ضد جميع القوى والتيارات والاتجاهات السياسية والفكرية على الصعيد الداخلي والخارجي، وشملت قائمة الذين تم تصفيتهم رجال الدين وزعماء وقادة منظمات اجتماعية وأكاديميين وسياسيين، رجالاً ونساءً، وكانت الممثليات الدبلوماسية العراقية في الكثير من الأحيان أداة لملاحقة المعارضين في الخارج.
وقد كشفت حادثة اغتيال الشيخ طالب السهيل (رئيس عشيرة بني تميم العربية) على أيدي عضوين من السفارة العراقية في لبنان مدى تورط البعض في أعمال الاغتيال والعنف السياسي، خصوصاً وقد ألقي القبض على المرتكبين، اللذان التجأا الى السفارة العراقية، واعترفا بأنهما قدما الى لبنان خصيصاً بهدف قتل الشيخ طالب السهيل. ونشأت أزمة ديبلوماسية بين لبنان والعراق العام 1994 نجم عنها قطع العلاقات الديبلوماسية واغلاق السفارة العراقية في بيروت في حينها.
هذه الحادثة تجعلنا نفكّر بأي زمن نعيش فيه حيث يتم اختلاط الاشياء وتداخلها وتنوّع وتبادل الأدوار والمواقف بقصد خلط الأوراق وإخفاء الحقيقة. وقد كانت اسرائيل منذ تأسيسها الأكثر استخداماً للدبلوماسية كحاضنة ذات حصانة للاغتيالات السياسية وهناك عشرات ومئات الأمثلة منذ اختطاف ايخمان من الأرجنتين ونقله سراً الى اسرائيل ومحاكمته واعدامه العام 1960.
هكذا يصبح الشرطي ديبلوماسيا والديبلوماسي الذي يفترض فيه احترام قواعد القانون الدولي والبروتوكول الديبلوماسي، يتحول الى قاتل محترف، والدولة التي يفترض فيها أن ترعى حقوق رعاياها تتحول الى صياد للخصم ولانتهاك الشرائع والأعراف والحجة هي تصفية الآخر.
ولعل ما حصل بعد الاحتلال الامريكي للعراق فاق كل التصوّرات، ابتداءً من اغتيال دميليو ممثل الامين العام للأمم المتحدة في العراق وبعدها السيد محمد باقر الحكيم، وكرّت المسبحة لتشمل علماء دين سنّة وشيعة ومسيحيين ويزيديين وصابئة وخطباء جوامع ورجال علم وأكاديمين واعلاميين، من شتى التكوينات العراقية العربية والكردية والتركمانية والكلدانية والآشورية وغيرها، لاسيما حين أصبح العنف ظاهرة مميزة في العراق، بل على الصعيد العالمي.
إن فضائح سجن أبو غريب وسجن الجادرية وسجن مطار المثنى كانت مثالاً صارخاً تجاوز جميع القوانين والشرائع السماوية والوضعية ، بما استخدم فيها من أعمال تهدف الى القهر السياسي، إضافة الى القتل على الهوية والتطهير العرقي والمذهبي وغيرها، خصوصاً التي سادت على نحو منفلت من عقاله بعد تفجير مرقدي الامامين الحسن العسكري وعلي الهادي في سامراء في شباط (فبراير) العام 2006 وما بعده، وأدّت الى هجرة مئات الآلاف من العراقيين ونزوحهم الى مناطق داخل البلاد، أو اضطرارهم للتوّجه الى المنفى.
وأمام ظاهرة الاغتيال والقهر السياسي عربياً، وبخاصة في العقدين الماضيين نتساءل هل نحن حقاً أمام حكومات تمتثل للشرعية والارادة العامة للناس وتسوسهم باختيارهم وتمثيلهم ومشاركتهم وهو ما يفعله الميليشياويين والارهابيين والمتطرفين لا فرق إن كانوا باسم الدين أو الطائفة أو الطبقة أو مصلحة الأمة أو المصلحة الوطنية العليا؟
وأمام بعض أعمال الاغتيال من جانب قوى التطرف والتعصب والارهاب نتساءل أيضاً هل يمكن كسب الجمهور وتحقيق البرنامج السياسي بقوة السلاح، وقد جرّبت قوى وأنظمة ذلك تحت واجهات مختلفة لكنها لم تصل الى ما تصبو اليه؟ ألم يحن الوقت لمراجعة سسيوثقافية حقوقية لظاهرة العنف والاغتيال والقهر السياسي وانعكاساتها على المجتمع والفرد، استناداً الى العقدين الأخيرين، خصوصاً وأن الدولة، حكومات وجماعات سياسية ودينية، بل والشعوب العربية والاسلامية بكاملها كانت ضحيتها؟
ولا شك أن الاغتيال السياسي يمثل قمة الفشل السياسي للذين يقومون به سواءً كانت قوى سياسية أو جماعات مذهبية أو قيادات دينية أو اعمال اجرامية فردية، لأنه دليل توتر وفشل وعدم قدرة على خوض الصراع السلمي.
لعل هذه أسئلة قاسية بحاجة الى وقفة جدية سسيو- ثقافية حقوقية لقراءة تفاصيل مشهدها، مثلما هي بحاجة الى حوار مفتوح وشفاف وتحت ضوء الشمس بين النخب الفكرية والسياسية والدينية، كما هي بحاجة الى تراكم وتطور تدريجي طويل الأمد، والأمر يتوقف أيضاً على توفير بيئة تشريعية مناسبة، مثلما يحتاج الى بيئة تربوية وتعليمية ومناهج دراسية مشجعة، ويمكن للاعلام والمجتمع المدني أن يلعبا دوراً كبيراً في نشر ثقافة التسامح والحوار والمشترك الانساني .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلطة العقل.. السيد فضل الله حضور عند الرحيل!
- الثقافة والتغيير
- ظلال غورباتشوف في صورة أوباما الأفغانية
- النيل والأمن المائي
- الانتخابات ومستقبل العراق!
- الأزمة الكونية وحلم التنمية
- 5 رافعات للتسامح
- هل تستقيم المواطنة مع الفقر؟!
- الثقافة والتربية.. لا حقوق دون رقابة
- قرصنة وقانون: أليست كوميديا سوداء؟
- مسيحيو العراق: الجزية أو المجهول!
- الطائفة والطائفية: المواطنة والهوية!!
- العروبة والهوية والثقافية
- حكاية تعذيب!
- العروبة والدولة المنشودة!*
- حوار الذات وجدل الآخر
- ضوء على تدريس حقوق الانسان في العراق*
- إسلام واحد وقراءات مختلفة
- العروبة والمواطنة
- المعرفة عنصر أساسي في التعبير عن الهوية


المزيد.....




- عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
- واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال ...
- هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
- اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو) ...
- أعراض غير اعتيادية للحساسية
- دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
- مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر ...
- ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
- الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الحسين شعبان - الاغتيال السياسي : مقاربة سسيو ثقافية حقوقية