أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - المعرفة عنصر أساسي في التعبير عن الهوية















المزيد.....


المعرفة عنصر أساسي في التعبير عن الهوية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3014 - 2010 / 5 / 25 - 00:14
المحور: مقابلات و حوارات
    


عبد الحسين شعبان لجريدة الحركة (المغربية )
المعرفة عنصر أساسي في التعبير عن الهوية
الطموح في أن تكون الوحدة العربية ديمقراطية الاسلوب واجتماعية المضمون
الهوية معطى متغير ومتطور

حاوره: عبد المجيد الحمداوي
الاربعاء 5/5/2010 ، جريدة الحركة (المغربية) العدد 6893.

• بداية هل يمكن الحديث عن هوية عربية؟
- لا بد من العودة الى تعريف الهوية، فهل الهوية هي معطى جاهز، سرمدي، كامل ومتكامل، يبدأ مع الانسان منذ الولادة أم أنها معطى قابل للاضافة والحذف والتغيير، لاسيما بالتفاعل مع المحيط أولا ومع الآخر ثانيا؟ أعتقد أن هوية، الأنا، لا تتحدد أو لا تتوضح إلاّ من خلال الآخر، وهذا يستوجب شكلاً من أشكال الحوار والتعايش والاعتراف بالآخر، وقبول حق الاختلاف، وبموجب هذه المنظومة المتكاملة التي يمكن ان نطلق عليها "منظومة التسامح"، يمكن ان تتحدد الهوية كمعطى متغيّر ومتطوّر ومتحوّل ومتراكب.
ومن هنا يمكن ان نقول ان بعض عناصر الهوية ثابتة لكن بعضها متغيّر، أما الشيء الثابت في الهوية فهو اللغة والدين، ولكن حتى اللغة والدين قابلة لتجاوز الساكن والجامد، الذي ولا يستجيب ويستوعب التطورات الجديدة، لاسيما العالم الذي حوله، بحيث يضيف اليه ويغنيه ويثريه!
والمتغيّرات نلمسها في العادات والتقاليد والفنون والآداب، وهذه يمكن أن تضيف الى الهوية عناصر جديدة تغنيها، بحيث تكون هوية منفتحة، قابلة للتعايش والتعاون والتفاهم مع الآخر.


لكل مجموعة بشرية أكثر من هوية
• في اعتقادكم هل للهوية حدود جغرافية؟
- الهوية ليس لها علاقة بالجغرافية، وإن كانت مناطق معينة تلعب في تكوين جزء من صورة الهوية، باكتمال العناصر الأخرى، فلكل شخص ولكل مجتمع ولكل مجموعة بشرية أكثر من هوية، ولربما هو نتاج لقاح هويّات، حيث تتداخل وتتفاعل وتتخالق وتتجانس الهويات المتعددة وإن كان لأحدها تميّزاً على الباقيات.
هناك جدل ديناميكي ما بين الهويات المختلفة، وعلى سبيل المثال يمكن أن تكون للفرد أكثر من هوية، فالعربي هويته الاساسية العربية لغة، وهو مسلم بحكم دينه، وهو يقبل مفاهيم تتعلق بالحداثة وبقضايا التنمية والتطور واحترام الحقوق والحريات، الأمر الذي يجعل منه أحياناً يمثّل أكثر من هوية.
وبتقديري لا يمكن الحديث عن هوية دون المجالات الاخرى المكوّنة لها، أذكر هنا حواراً دار في الرباط (المغرب) قبل أكثر من عشر سنوات في ندوة حول شمال جنوب، كان الوزير أوجار قد دعاني اليها الى جانب نخبة من المفكرين والمثقفين العرب والأجانب، وكان هناك احدى الشخصيات المغربية المدعوّة وإسمه " أسامة الشربيني" وهو يعيش في بروكسيل قال:" عندما آتي الى المغرب، أشعر أنني امتداد من هذا المجتمع وإن هويتي مغربية، عربية - اسلامية، وعندما أكون في بروكسيل أشعر أن هويتي أوروبية، وأنني جزء من الثقافة الاوروبية الغربيةالحداثية، ولا يمكن لأحد أن يفصلني عنها"، وهذه المطالعة تعني أنه يجمع هاتين الهويتين في نوع من الانسجام والهارموني المتجانس، فأسامة الشربيني والمئات والآلاف غيره، يحملون هذا التنوّع والثراء الروحي الشخصي المكوّن من تلاقح هويات.
وإذا أردنا أن نطبّق المسألة على جماعة بشرية أو على مجتمعات معينة، فستلاحظ أن تفاعلاً وتداخلاً وتلاقحاً وتعاشقاً لهويات مختلفة في تلك المجتمعات، وهناك هوية عامة جامعة ومانعة، لكن هناك هويات فرعية، البعض يطلق عليها هويات كبرى وهويات صغرى، هويات عليا وهويات دنيا، هويات قوية وهويات ضعيفة، ولكن أنا أفضل أن نطلق عليها هويّات في إطار التنوّع الثقافي، لمجتمع متعدد الانتماءات، ولكن في إطار موحد، أي التعدد والتنوّع في إطار الوحدة.
هناك هوية عامة في المغرب، هي الهوية المغربية، وهناك هويات خاصة ، في العراق هناك هوية عامة، غالبيتها عربية ولكن في نفس الاطار هناك خصوصية لهوية ثقافية وقومية(كردية، تركمانية، كلدانية، أشورية...)، هناك هوية غالبة عامة هي هوية اسلامية، لكن هناك تكوينات أخرى في المجتمع العراقي تتكون من المسيحيين والأيزيديين والمندائيين " الصابئة"، وهناك أيضا تكوينات دينية أخرى، بهذا لا بدّ من تعايش وتداخل هذه الأديان أو المكونات القومية والاثنية المختلفة في إطار التنوع.
متى إذن يقع الانشقاق ؟ أنا أقول الانشقاق أو الانقسام أو الانفصال ما بين الهويات يقع، عندما يهيمن أو يتغلب عنصر واحد ويتعامل بالاستبداد أو بالقمع أو بالارهاب أو بالتمييز على المكوّنات الأخرى، وهنا يحدث نوع من ردود الفعل ولا شك أن بعضها يمتاز بـ الانغلاقية والتعصبية، حيث يحدث ضيق الأفق القومي أو ضيق الأفق الديني، إزاء عوامل التسيّد أو الهيمنة التي تمارسها القوميات الكبرى أو الديانات الكبرى، أو غير ذلك من المكونات التي تريد أن تسود بالهيمنة، وهنا يتدخّل العنصر الخارجي.

السياج الحقيقي للدفاع هو العدل

• يمكن أن يحمل المرء هوية واحدة ولكن قد يقع اختلاف بخصوص طبيعة الفكر الذي قد يتراوح ما بين الفكر الليبرالي واليساري، في هذا الإطار هل يمكن أن يقع تعايش بين فكرين متناقضين؟
- هنا يجب الحديث عن العناصر المساعدة في تكوين الهوية على المستوى الفردي، ولكن الفكرة الليبرالية تختلف عن الفكرة الشمولية، فهناك محددات على سبيل المثال، في تكوين العناصر الأساسية لهوياتنا المشتركة، وهي كما قلت اللغة والدين وبعض العناصر التي تشكّل الأساسات في تكوين الهوية.
وهنا أعود الى العامل الخارجي الذي تحدثت عنه من قبل، فالعامل الخارجي يتدخل بحجة حماية " الأقليات " والدفاع عنها، وهو يقصد بذلك بعض الهويات الفرعية، حيث يستثمر ويستغل، القمع أو الالغاء أو الاقصاء أو التهميش، التي تمارسه المكوّنات الكبرى على المكوّنات الفرعية، الأمر الذي يتم توظيفه من جانب بعض القوى الكبرى المتسيّدة كالولايات المتحدة التي تتعكز على بعض الممارسات الاستبدادية، لكي تنفذ الى بلداننا وأوطاننا لتفتيت وتقسيم وتجزئة مجتمعاتنا.
ولعل الرد على ذلك هو تلبية الحقوق، لاسيما مبادئ المواطنة الكاملة التي ترتكز على أربع ركائز أساسية وهي: الحريات العامة والخاصة والمساواة الكاملة والتامة ومبادئ المشاركة السياسية في تولّي المناصب العليا دون تمييز، فضلاً عن مبادئ العدالة لا بمعناها القضائي حسب، بل بمعناها الاجتماعي أيضاً.
وإذا ما توفرت هذه العناصر فيمكن ردم الكثير من الثغرات التي ينفذ منها العدو الخارجي، الذي يغذّي مشاعر عدم الود أو الكراهية أو محاولات التسلط أو الهيمنة في داخل المجتمعات المتنوعة ثقافياً، وبالمقابل فهو ينمّي روح الانغلاق أو ردود الفعل المتعصبة أيضاً.
وتتعزز المجتمعات بالحرية وبالعدل، وأتذكر ان عمر بن عبد العزيز الخليفة الاموي الذي سمي بالخليفة العادل، تيمنا بالفاروق عمر، ارسل اليه أحد ولاته يطلب منه أن يرسل جيشاً ومعدّات لمساعدته في التصدي الى المتمرّدين، وفي مصطلحنا المعاصر نطلق عليهم " المعارضة"، فكان جواب عمر له، " سيّج مدينتك بالعدل" فالعدل هو السياج الحقيقي للدفاع، والعدل بمعناه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والنفسي، فشعور المواطن بأنه غير مغبون وغير مظلوم، يعطيه فرصة لكي يدافع عن بلده، وبالتالي يتصدّى لما تتعرض له بلداننا ومنطقتنا وشعوبنا وأمتنا العربية من تحديات كبرى ومن تحديات صغرى.

الهوية تتعمق وتتطور بالمعرفة
• هل ترى بأن هناك ارتباط للهوية بالتنمية الشمولية بعبارة أخرى هل من الضروري الانتقال من مرحلة تحديد الهوية الى التنمية ؟

تتعمق الهوية وتتطور بالمعرفة. المعرفة عنصر أساسي في التعبير عن الهوية، ولا يمكن لمجتمع محروم من حقوقه ويعاني من الفقر و20 بالمائة من سكانه تحت عتبة الفقر، وراتبهم اليومي لا يزيد عن دولار واحد ويعانون من أوضاع صحية صعبة ومن بطالة، فضلاً عن شح في فرص التعليم وانتشار للأمية أن يكون مواطنا صالحاً.
سيكون هناك نقصاً في مواطنته، وستكون هناك ثغرة في كينونته وانتمائه الوطني، فالنقص في المعرفة الذي هو تعبير من تعبيرات الهوية، سيؤثر تأثيراً كبيراً على عملية التنمية ، حسب ما تذكره تقارير التنمية البشرية، التي كان لي شرف المساهمة في إعداد أوراق خلفية لها على مدى السنوات الماضية، وحسب هذه التقارير تعاني بلداننا العربية من شحّ ونقص في المعرفة ومن أميّة ومن مظاهر التخلف وعدم اللحاق بالعالم المتحضر، لاسيما فيما يتعلق بتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والثورة العلمية والتقنية والثورة الرقمية.
وتعاني أيضاً من شحّ في الحريات العامة والخاصة، وكذلك من مواقف سلبية واضحة من حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل، كما تعاني أيضاً من نقص فادح في الإقرار بحق الآخر، لاسيما بالتنوع الثقافي أو ما يسمى اصطلاحاً حسب تعابير الأمم المتحدة من حقوق "الأقليات" وفق إعلان الأمم المتحدة لعام 1992 الخاص بحقوق الأقليات.
كل هذه المعطيات تحول وتحدُّ دون استثمار الموارد الهائلة للبلدان العربية سواءً بلدان اليسر أو العسر، البلدان النفطية وغير النفطية، البلدان الغنية وغير الغنية، ولا يمكن في هذه الظروف استثمار الموارد التي لدينا على نحو رشيد في إطار العقلانية، وصولاً الى ما نطلق عليه" التنمية المستدامة المستقلة"، التي لا يمكن بدونها الحديث عن تقدّم مجتمعاتنا، والتنمية المستدامة والمستقلة لا يمكن أن تحدث دون احترام الحقوق والحريات، لاسيما حقوق الانسان والمنظومة الكاملة للحقوق، المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

الفكر التقليدي القومي العربي السائد لم يكن ديمقراطيا

* في سياق آخر هل تعتبرون ان عدم تحديد الهوية تشكل عائقا أمام الوحدة العربية؟

- هذه مقاربة بحاجة الى كثير من الفحص، والتدقيق والتمحيص، لاسيما إذا أردنا أن نخضعها لتجارب في الماضي لماذا فشلت الوحدة العربية، فحسب قناعتي، أن جانباً من الجوانب المهمة التي أدّت الى فشل التجارب الوحدوية، أن الفكر التقليدي القومي العربي السائد لم يكن ديمقراطيا، وبالتالي فإن الحديث عن الوحدة يتطلب ان تكون هذه الوحدة ديمقراطية الأسلوب واجتماعية المضمون، وإلاّ ستصل الى طريق مسدود لا محالة.
وبتقديري لا يمكن تحقيق الوحدة دون وجود حريات ودون مساواة بين المواطنين، فالوحدة تحتاج الى وحدويين، ومعظم التجارب الوحدوية التي نفذّت لم تكن قد أقيمت من قبل من قيادات تؤمن حقيقة بالوحدة، إذ لا يمكن جمع الوحدة مع نقيضها، مثلما لا يمكن جمع الاستبداد مع الوحدة ، ولا يمكن لمشروع نهضوي عربي ان يستقيم مع الديكتاتوريات ومع الاستبداد.
المشروع النهضوي العربي بحاجة الى حريات وتنمية وفك الاشتباك التبعي لدول وكيانات كبرى مهيمنة، ولازال هذا المشروع بحاجة الى إعادة قراءة التاريخ لاستلهام أهم ما في الانبعاث الحقيقي دون تزيين أو تبييض لتاريخنا .
ففي تاريخنا يوجد أمثلة كثيرة من عدم التسامح، ولأن كان فيه الكثير من الجوانب المشرقة والايجابية التي يمكن استلهامها، ولكن علينا أن نسمّي الأشياء بمسمياتها دون زيادة أو نقصان، وإلاّ سنقع في الوهم وستتبدد طاقتنا لمشاريع غير مجدية وسيكون الأمر مضيعة للوقت.
نحن بحاجة الى علاقات ما بين الدول العربية تدرّجية، تطوّرية، طويلة الأمد، والى تراكم وتنسيق وتعاون في مجالات عديدة، من بينها إلغاء تأشيرات الدخول، وحرية الإقامة في هذه البلدان، وتقديم تسهيلات خاصة بـ حق العمل، والتنسيق في ميدان القضاء والتعليم وصولا الى ما نطمح اليه مثل وحدة أوروبا على سبيل المثال، التي بدأت من قضايا تتعلق بالمصالح الاقتصادية ضيقة خاصة بالفحم الحجري وذلك في بداية العام 1951 الى أن وصلوا الى توحيد العملة، وإلغاء الحدود وحق العمل والإقامة والتطبيب والتعليم، كل هذه الحقوق أصبحت مكتسبة ولهم دستور موحد وبرلمان موحد، ولا يمكن للمواطن الأوروبي أن يفكر بالتخلي عنها ولا يمكن لحاكم في يوم من الأيام أن يفكر بإلغائها بقرار مثل القرارات التي تصدر في بعض بلداننا، بجرّة قلم تشطب على العلاقات بين هذا البلد وذاك.
نحن نجتمع ولدينا كل مكوّنات التوحد لدينا لغة مشتركة وتاريخ مشترك ولدينا ثقافة مشتركة ودين ومصير مشترك ، كينونة وسيرورة مشتركة، يمكن أن تتكامل إذا ما اقتربنا من بعضنا البعض في إطار مشروع وحدوي تدرّجي طويل الامد، مشروع واقعي لا يعبر المراحل ولا يقفز فوق الواقع، مشروع ينطلق من الواقع على أساس تنازل متبادل ما بين الحكومات والأطراف السياسية وصولاً الى ما نصبو اليه.
يمكن أن يقام تعاون في إطار مغاربي، أو وحدة واد النيل أو على سبيل المثال في المشرق بين دول الخليج وهذه الوحدات أو نواة الوحدة يمكن ان تشكل اتحاداً عربياً تنسيقياً يصل بنا الى ثلاث قضايا رئيسة هي: تحقيق انتماء هذه الكيانات الى هوية عامة، وتحقيق سيرورة هذه الكيانات كجزء من مكوّن كبير في إطار الوحدات أو الكيانات العالمية الكبرى، وترشيد صرف الموارد بما يتناسب وحاجيات كل بلد.

كل الثقافات والفلسفات والأديان فيها شيء من التسامح

• الشق الثاني في هذا اللقاء هو التسامح، هل الحديث عن التسامح اليوم جاء نتيجة ما عرفه العالم من ظاهرة الارهاب؟
اشتغلت على هذا الملف منذ سنوات طويلة، لاسيما عندما كنت رئيساً للمنظمة العربية لحقوق الانسان في لندن، ونظّمت "ملتقى فكري" سنة 1995 بعنوان "التسامح والنخب العربية"، وصدر في كتاب لاحقا تحت عنوان " ثقافة حقوق الانسان"، وفيه مداخلات لرجال دين ولشخصيات ليبرالية ويسارية وإسلامية، بعضها متطرف وبعضها متنوّر، وبعضها أصولي وبعضها منفتح، ولا أقصد الشخصيات الاسلامية، وإنما أقصد الشخصيات اليسارية والقومية والدينية وغير ذلك أيضاً.
وأصدرت كتابا في عام 2005 بعنوان " فقه التسامح في الفكر العربي الاسلامي – الثقافة والدولة" ونشرت خلال هذه السنوات باقة عريضة حول قضية التسامح، بما فيها كتاب عن "الإسلام والإرهاب الدولي" ناقشت فيه أحداث 11 سبتمبر الارهابية الإجرامية، ولاسيما الاتجاهات الغربية التي تنظر الى العالم العربي بالجملة، باعتباره ككل مجتمعاً غير متسامح، ويحضّ على الإرهاب وعلى التعصّب والتطرف، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه، "الاسلامافوبيا" أي " الرهاب من الاسلام، والعدائية للإسلام والكراهية للإسلام.
نحن لدينا أيضاً نوع من الأنواع " الغربفوبيا" وبعضنا يرى في الغرب كله شرّ مطلق وأن هذه الحضارة الغربية حضارة كافرة وتدميرية، ولا بد من القضاء عليها وأن كلّ ما يستهدفه الغرب، هو التصدي لعاداتنا وتقاليدنا وغير ذلك، وهذا ما أطلق عليه " الغربفوبيا" أي " الرهاب من الغرب".
وبعض الأطروحات تنطلق من ما يمكن أن نطلق عليه بـ "الاسلامولوجيا" أي استخدام التعاليم الاسلامية بالضد من الاسلام، مثل استعمال "الجهاد" في بعض الأحيان في غير محلّه، ونستخدم التعاليم الاسلامية بتفسير وتأويل مغرض، في أحيان أخرى، ولاسيما تلك التي تحضّ على القتال أحياناً أو على رفض الآخر، وعلى كراهية الآخر، وتكفير وتحريم وتجريم الآخر.
في هذا الإطار وبالعودة الى تاريخنا، فالاسلام الذي يدعو الى الصفح والعطف والتآزر والتواصي والتآلف والتعارف وهذه القيم كلّها من مكونات التسامح، ربما لم يأتِ في القرآن الكريم بكلمة أو مصطلح للتسامح، لكن كل معانيها جاء بها القرآن الكريم، لكن هذا لا يعني أن تاريخنا كلّه يدلّ على التسامح، بل هناك جوانباً كثيرة في تاريخنا لا وجود فيها للتسامح، حتى في الفترة التي نطلق عليها فترة الخلافة الراشدية أي "عهد الخلفاء الراشدين" فهناك الكثير من مظاهر ومعاني " اللاتسامح" بدليل أن ثلاث أرباع من الخلفاء الراشدين ماتوا قتلاً، الفاروق عمر والخليفة عثمان والامام علي، لكن هذا لا ينبغي أن يكون سبباً لوصف المجتمعات العربية والإسلامية باللاتسامح.
في كل تاريخ الأمم هناك جوانب لا متسامحة وفي تاريخ الغرب أيضاً، هناك الكثير من مظاهر اللاتسامح، وقد شهد تاريخ أوروبا حروباً وإبادات جماعية وتعذيباً وإقصاءً الى درجة يكاد أن يقضي الواحد منهم على الآخر، واستمر الحال لأكثر من مائة عام الى أن وصلوا الى ما وصلوا اليه.
إن فكرة التسامح هي فكرة معاصرة، وإنْ كان لها امتدادات في التاريخ، لكنها من حيث تبلورها، فهي فكرة معاصرة نضجت على يد " جون لوك" في القرن السابع عشر والى حدود القرن الثامن عشر، وكانت لأفكار " فولتير" دوراً كبيراً في نشر وتعميم فكرة التسامح، أي منذ عهد التنوير بدأت فكرة التسامح تروج، لكن هذه الفكرة ليست فكرة غربية، لكي نقول أنها تنتسب الى الغرب، فكل الثقافات والفلسفات والأديان، فيها شيء من التسامح، وبالتالي، فهي نتاج تفاعل وتلاقح الثقافات والحضارات المختلفة، على ضد من الأطروحات التي جاء بها "هنتنغتون" في " صدام الحضارات" أو " فرانسيس فوكوياما" حول " نهاية التاريخ"، أو بيان المثقفين الأمريكان، الذي نشر بعد أحداث 11 سبتمبر والذي كان أشبه بالبلاغ الحربي، وإن دعا الى الحوار لكنه وظّف ذلك بطريقة تنمّ على اتهام الآخر.
أريد أن أقول من موقعي، أن هناك وجهان لفكرة اللاتسامح، وجه غربي الذي يتهم الاسلام والحضارة العربية الاسلامية وشعوب وأمم بكاملها بالإرهاب وبالعنف وباللاتسامح وبالتعصب، وهناك اتجاه لدينا يحكم على الغرب بالعنصرية وباللاتسامح وبالتعصب وبالارهاب.
يستند هذا الفريق وذاك على عدد من العوامل وعدد من الأحداث، فمثلا في الغرب نلاحظ أنهم يعتبرون أن كل ما لدينا هو " بن لادن" و" الظواهري" و"تنظيم القاعدة" و" الطالبان" بالمقابل، وأحياناً، يعتبر البعض عندنا كل ما في الولايات المتحدة هو " جورج بوش" الذي غزا أفغانستان واحتل العراق ودمّر ما دمّر، وما يجري في فلسطين المحتلة خير دليل على اللاتسامح والعنف والإرهاب، الذي هو جزء من مكونات أساسية للدولة الصهيونية التي قامت سنة 1948، والتي لا زالت مستمرة في اغتصاب الحقوق العربية الفلسطينية في مشروع عدواني مستمر منذ ذلك الوقت وحتى اليوم الحاضر.
ففي إطار التشارك الانساني، نحن شعوب نتطلع بأن نعيش تحت الشمس، مثل بقية شعوب العالم المتقدم، نريد أن يذهب أطفالنا الى المدرسة وأن ينتعلوا الأحذية، وأن يتطببوا، ونريد العمل والحريات والأنظمة الديمقراطية المؤسسية والمساواة بين النساء والرجال والمواطنة الكاملة.
لدينا متطرفون متعصبون، ولكن إسرائيل كلّها قامت على أسس العنصرية وعلى الإرهاب وإلغاء وتهجير الشعب العربي الفلسطيني، ومثلما لدينا الكثير من الجوانب المشرقة، علينا أن نعترف أيضاً أن في الغرب، جوانب مشرقة، الغرب الآن هو مستودع الحضارة البشرية، فكلما أنجبت الحضارة البشرية من علوم، وتكنولوجيا وتقدم وثورة علمية تقنية، فهو من نتاج الغرب، فهذا المستودع لا بدّ ان تستخدمه البشرية، رغم الوجه المتوحش للعولمة، الذي يريد فرض نظام الاستغلال والهمينة وإملاء إرادة على شعوب بكاملها ونهب ثرواتها ومواردها، لكن هناك وجه مشرق للعولمة لا بدّ أن نعمل على اظهاره بحيث نستطيع أن " نعولم" حقوق الانسان و"الثقافة" ومنجزات العلم، وكل ما يمكن أن نطلق عليه ثورة الاتصالات والمعلومات والثورة الرقمية، وهو ما يمكن توظيفه في مقاومة الهجمة الشرسة التي تشنها علينا القوى العدوانية العنصرية غير المتسامحة تحت حجج ومزاعم ودعاوى مختلفة.
في الختام، أريد أن أفرّق بين الغرب السياسي الذي لديه مصالح تقوم على فلسفات قسم منها عنصري وعدواني ورغبات في إملاء الإرادة على شعوب مستضعفة وشن حروب عليها واحتلالها وحصارها، وبين الغرب الثقافي الذي وقف جزء كبير منه مع حقوقنا العربية العادلة والمشروعة في فلسطين وضد احتلال العراق، كما وقف مع قضايا حقوق الانسان في العالم العربي والاسلامي.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العروبة والأيديولوجيا
- المفكر عامر عبد الله في ذكراه العاشرة:الجوهر وجدلية الأمل وا ...
- التسامح: مثل الريح الخفيفة التي تسبق المطر!
- الإعلام وحق الحصول على المعرفة
- العراق ومعركة المياه -مصححة-
- حقيقة السجون السرية في العراق
- حلم وردي مرعب!
- الثقافة والشرعية: الوعي الموروث
- ثقافة التغيير وتغيير الثقافة
- الجواهري وسعد صالح: صديقان وثالثهما الشعر!
- العراق بعد لبنان: تجربة الحكم التوافقي-
- الوصل والفصل بين العالمية والخصوصية
- أرمينيا وسيمفونية المبارز!
- كاظم حبيب: النقد الشجاع والاختلاف الجميل*
- العالم الثالث وسلة المهملات
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (24) ملكوت السماء وملكوت الأرض
- فضاء الثقافة القانونية وحكم القانون
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (23) الاشتراكية والإيمان الديني
- الشراكة والتنمية
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (22) كاسترو والدين


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبد الحسين شعبان - المعرفة عنصر أساسي في التعبير عن الهوية