أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - حكاية تعذيب!















المزيد.....

حكاية تعذيب!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3020 - 2010 / 5 / 31 - 16:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تلقيت باهتمام كبير دعوة الصديق إبراهيم الحريري (الصحافي في جريدة طريق الشعب الشيوعية) إلى اجتماع عاجل ضد التعذيب في العراق، يضم مثقفين وأكاديميين وناشطين وممثلين عن الرأي العام، وهي القضية التي تجد هوى في نفسي وعملت عليها لسنوات طويلة، وشعرت وأنا أستعيد علاقتي «المعتقة» مع الحريري وحواراتنا المستمرة بعد قصته القصيرة «يارا» التي نشرها في أواسط الثمانينيات، وكأنه يوجه كلامه إليّ أو أنني من بين الذين يقصدهم، وأقدّر مثله أن الكلام عن التعذيب سيستفز البعض، وقد يعترض عليه آخرون على حد تعبيره، لكنني سأكون مثله أيضا، وكما فعلت طيلة حياتي، ومثلما يعرف الحريري واختبرته لسنوات طويلة، وبعيدا عن الوعد والوعيد، والإغراء والإقصاء، سأكون «نذلا، متواطئا، خائنا لضميري، لكل مبادئي، ولكل ما تعلمته وكرست حياتي من أجله، لو سكتّ».
لعل ذلك بداية الحكاية، فالحريري يعلم وغيره من الضحايا أيام النظام السابق، كم كتبت وكم حاضرت وكم دافعت في المحافل الدولية والعربية عن الضحايا بغض النظر عن انتماءاتهم وتوجهاتهم وقومياتهم وأديانهم وطوائفهم ولغاتهم وأجناسهم وانحدارهم الاجتماعي، فالضحية بالنسبة لي هو الضحية، بغض النظر عن الاختلاف بكل أنواعه، ولا يمكن تحت أي مسوّغ أو أي حجة تبرير التعذيب، سواء كان عملا فرديا متفرقا أو منظما ومنهجيا، وهو ما ينبغي كشفه بعيدا عن السياسة والسياسيين وأغراضهم الخاصة، القريبة أو البعيدة!
وأتذكر أنني عندما اقترحت على القيادة الكردية في عام 2000 إنشاء وزارة لحقوق الإنسان في كردستان، وقلت في جملة ما قلته إن حساسية الضحايا ينبغي أن تكون أكبر إزاء الانتهاكات، لاسيما إزاء التعذيب، وعندما طلبت مني القيادة الكردية مساعدتها لإخراج الفكرة إلى حيز التنفيذ، قمت بإعداد هيكلية الوزارة وأقسامها ومديرياتها ووضعت أهدافها ووسائل تحقيقها، فضلا عن نشر ثقافة حقوق الإنسان، وكنت قد أوليت اهتماما كبيرا لموضوع التعذيب، وهو ما ألمحت له في الكثير من المحاضرات التي ألقيتها على طلبة الدراسات العليا في جامعة صلاح الدين أو في غيرها، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني، وعلى امتداد الوطن العربي والعالم.
وإذ أستذكر هذه المسألة الحساسة، فإن عددا من الذين يتصدرون الواجهات اليوم، كانوا قد تعرضوا للتعذيب أيضا، الأمر الذي ينبغي أن تكون حساسيته لديهم شديدة وموقفهم منه حاسما وجريئا، والمساءلات بخصوصه صارمة ولا تقبل التهاون، إلا إذا أرادوا أن يقلدوا الجلادين، وهكذا ينقلب الضحية إلى جلاد باستعارة أخلاقه، لاسيما محاولات إذلال الخصم وإجباره على التخلي عن معتقداته.
وأنا أكتب هذه المادة أستعيد حواراً كان قد جرى بين القائد الشيوعي الجزائري بشير الحاج علي وأحد الشباب الذين كانوا معه في «حفلة» التعذيب، وهو ما يرويه في كتابه «العسف» الذي قرأته قبل أربعة عقود من الزمان، فالشاب بحماسته وردود فعله وبين جلسة وأخرى، وبعد صحوته من المغطس أو استفاقته من غيبوبة يقول: إذا وصلنا إلى السلطة سأقوم بتعذيب الجلادين بالطريقة نفسها التي يعذبوننا بها، وهنا يبادر بشير الحاج علي بالقول: ستكون مهمتنا المشرفة هي القضاء على التعذيب وليس ممارسته ضد خصومنا، ولا بد من إنهاء هذه الظاهرة المشينة، ولعل في ذلك استعادة إنسانية الإنسان وكرامته، فكرامة الإنسان وحريته هي أغلى ما في الوجود الإنساني.
كنت أتجاذب أطراف الحديث مع الصديق البروفيسور الجزائري عروس الزبير، وأنا أروي له هذه الواقعة وما يشابهها حين كنا في الأنصار، وإذا بصديق يقول ملطفاً المسألة: لا نريد أن «نعذبهم»، بل نجلبهم ليحلوا مكاننا في ذلك الجبل الشهير الشديد الوعورة الذي اسمه قنديل وفي بشتاشان المهجورة وغيرها، وفي ذلك الوادي القريب من نوكان، حيث تتناثر بعض القرى النائية على السفوح. وكم كانت مثل تلك الأطروحات تثير نقاشا شديدا، فما كان من الصديق الزبير إلا أن ينقل لي حكاية عن إحدى النساء الناشطات وهي أستاذة في طب العمل وعضوة في اللجنة الوطنية لمناهضة التعذيب العام 1988، التي كان هو عضوا فيها، حين قالت بعد اعتقال مجموعات من الإسلاميين عام 1989: دعهم يفعلوا بهم مثلما يفعل الرجال بالنساء، وذلك في موجة حقد كيدية انتقاما وثأرا واستئصالا، فما كان من الزبير إلا أن قدم استقالته، لأن من يدافع عن التعذيب مهما كانت المبررات لا يستحق أن يكون عضواً في لجنة مناهضة التعذيب.
استذكرت عدداً من السجون المعروفة في تازمامات في المغرب والجفر في الأردن والمزة في سورية وأبوزعبل في مصر وسجن نقرة السلمان وسجن بعقوبة وسجن الحلة والموقف العام وقصر النهاية ومديرية الأمن العامة وأبوغريب في العراق، ناهيكم عن السجون السرية في الجادرية ومطار المثنى وغيرها، كيف كانت تحطم معنويات مفكرين وأكاديميين ومثقفين ومناضلين، وتنتزع عقائدهم وكراماتهم، كما أستذكر اليوم سجون غوانتنامو والسجون السرية الطائرة والسجون السرية العائمة لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية الإجرامية، ولذلك لا بد أن تكون اتفاقية مناهضة التعذيب التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1984 حاضرة دائما، خصوصا وهي تتحدث عن التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة.
وحتى مطلع العام 2010 صادقت على الاتفاقية 146 دولة، وقد دخلت حيز النفاذ يوم 26 يونيو 1987. وتدعو هذه الاتفاقية الدول الأطراف إلى اتخاذ تدابير تشريعية وإدارية وقضائية فعالة لحظر التعذيب وجعله جريمة معاقب عليها، ولعل جريمة التعذيب لا تسقط بالتقادم، أما التعريف القانوني للتعذيب فهو «أي عمل يسبب ألما أو عذابا شديدا جسديا أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما قصد الحصول منه أو من طرف ثالث على اعترافات أو معلومات أو معاقبة الشخص لعمل دفع لارتكابه، أو اتهم بارتكابه، أو ارتكبه طرف ثالث، بالإضافة إلى إكراهه أو تهديده هو أو شخص ثالث، أو لأي سبب مبني على التمييز من أي نوع» (المادة الأولى من الاتفاقية).
ولا يمكن تبرير التعذيب بظروف استثنائية أو حالة الحرب أو التهديد بها أو عدم استقرار الأوضاع السياسية أو حالات الطوارئ أو الإرهاب أو غيرها، وقد ذهبت اتفاقية مناهضة التعذيب إلى تأسيس «لجنة دولية» تتكون من 10 خبراء، وتتمتع بصلاحيات واختصاصات دراسة التقارير المقدمة إليها من الدول والأفراد بشأن التعذيب.
وحتى 31 مايو 2009، أعلنت 67 دولة إقرارها بقبول اختصاص اللجنة وصلاحيتها لذلك. وتتمتع اللجنة بالسلطة للقيام بأعمال تقصٍ سري بالتعاون مع الدولة المعنية في الحالات التي يدعى فيها وجود تعذيب منهجي، وتنقل نتائج التقصي إلى الدولة الطرف المعنية.
وفي عام 2002، تم تبني بروتوكول اختياري ملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، ودخل حيز النفاذ في 22 يونيو 2006، ويؤسس هذا البروتوكول آليات للرقابة الدولية من أجل التطبيق الفعال للاتفاقية، ويقرر إيجاد جهاز دولي من الخبراء يمكنهم القيام بزيارات إلى أماكن التوقيف والاعتقال ومراقبة تطبيق الدول الأطراف للاتفاقية، كما يوفر تأسيس آلية وطنية بواسطة الدولة.
أما آن الأوان ليشمر بعض المثقفين عن سواعدهم لوضع حكاية التعذيب في المكان الذي تستحقه، لا في الذاكرة فحسب، بل كقضية راهنة مستمرة بما ينسجم مع القواعد والمعايير الدولية، فضلا عن انسجامه مع الشرائع الوضعية والسماوية التي تحرم التعذيب، حيث لا تسقط جريمته مهما تقادم الزمن!
إنها مجرد فكرة أو خاطرة هبطت علي بعد قراءة مقالة إبراهيم الحريري النازفة ودعوته الحارقة: كفى صمتا والسكوت يعني التواطؤ!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العروبة والدولة المنشودة!*
- حوار الذات وجدل الآخر
- ضوء على تدريس حقوق الانسان في العراق*
- إسلام واحد وقراءات مختلفة
- العروبة والمواطنة
- المعرفة عنصر أساسي في التعبير عن الهوية
- العروبة والأيديولوجيا
- المفكر عامر عبد الله في ذكراه العاشرة:الجوهر وجدلية الأمل وا ...
- التسامح: مثل الريح الخفيفة التي تسبق المطر!
- الإعلام وحق الحصول على المعرفة
- العراق ومعركة المياه -مصححة-
- حقيقة السجون السرية في العراق
- حلم وردي مرعب!
- الثقافة والشرعية: الوعي الموروث
- ثقافة التغيير وتغيير الثقافة
- الجواهري وسعد صالح: صديقان وثالثهما الشعر!
- العراق بعد لبنان: تجربة الحكم التوافقي-
- الوصل والفصل بين العالمية والخصوصية
- أرمينيا وسيمفونية المبارز!
- كاظم حبيب: النقد الشجاع والاختلاف الجميل*


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - حكاية تعذيب!