|
حوار الذات وجدل الآخر
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3018 - 2010 / 5 / 29 - 13:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حوار الذات وجدل الآخر
ماركسية عبد الحسين شعبان الوضعية النقدية الى أين
هند عبيدين
الدكتور عبد الحسين شعبان وأنت تقرأ كتبه وتتابع نشاطاته يدفعك للغوص معه في إشكاليات وأزمات العقائد المتناقضة والمتصارعة، فتارة يجرك معه إلى عالمه السياسي الفلسفي، وتارة أخرى يحملك إلى عالم سحر اللغة والإبداع من خلال سرد إيقاعي ذي نفحة إنسانية محببة. كتابه «تحطيم المرايا، في الماركسية والاختلاف» الذي صدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون/بيروت، ومنشورات الاختلاف/الجزائر، هو عبارة عن مجموعة من الحوارات أجراها معه الناقد العراقي خضير ميري، مرتحلاً معه من بلد إلى آخر، باحثاً عن إجابات الحداثة لدى مفكر أبى المكوث داخل قمقم الصنمية الفكرية، مؤكداً رفضه للتجمد في قوالب فكرية أبدية. بادئ ذي بدء استوقفني العنوان. تحطيم المرايا؟ أية مرايا وأية انعكاسات؟ هل هي مرايا الأيديولوجيا، أم هي مرايا السلطة، أم هي المرايا الاجتماعية بمذاهبها الفكرية والدينية المتناقضة، هل هي انعكاس الأنا؟ أم هي أنا الانعكاس؟ أسئلة تثير قلق المعرفة، وقلق الغوص في الفكر الذي يضم مجموعة من الأضداد المتصارعة حيناً والمتصالحة أحياناً، والتي لم تستطع أن تفقده انسجامه مع ذاته وثقته بعقله وقناعاته. يؤكد الدكتور شعبان في معرض رده على تساؤلات محاوره بأنه كان وما زال في حالة قلق إنسانية مستمرة، ولا تستكين روحه لموقف سرمدي نهائي، فهو في حالة نقدية دائمة للأنساق الجاهزة، وعلى استعداد للغوص حتى الأعماق لمعرفة ما في داخلها من شوائب ومن قصورات ذهنية. يتقاطع الكتاب مع نمط متقدم من السيرة الذاتية للدكتور شعبان، حيث نتعرف ومن خلال إجاباته المتمردة، على تجربته الذاتية المضمخة بمعاناة ونضال، وعشق وارتحال، وعثرات ونهوض، رافقته على مدى عقود مع ذاته ومن خلال تجربته الحزبية، وخصوصاً مع النظرية الماركسية التي التزمها نصّاً وممارسة، وأطل علينا ناقداً للذات قبل نقده للآخرين. تضمن الكتاب ثلاثة أقسام: القسم الأول: حوار القاهرة: أنطولوجيا الحوار. كنت قبل قراءتي لبعض فصول الكتاب شغوفةً بالتماس الإجابة عن سؤال الأنا والآخر، حيث أني أرى أن أخطر ما في أدغال الأنا والآخر، تأليه الأنا في مقابل امتثال الآخر أمام وعيي، إجابة الدكتور شعبان حاسمة «أنا موجود بوجود الآخر، «أنا وأنت»». ثم يقول: «الحوار الذاتي هو تواصل مع الأنا والأنت، الماثل في الأنا، أما الحوار مع الآخر فهو تواصل وانفتاح صوب الخارج بضرورات وحاجات الداخل». يؤكد الكتاب على أهمية الحوار والتواصل للخروج من أنساق التفكير الجاهزة والمقولبة ومن اجترار الذات، إلى فضاءات المعرفة التواصلية، متبنياً الوضعية الجدلية، متفقاً مع طروحات وأفكار ما بعد الحداثة، وهو هاجس يسكنه ويغلب على تفكيره، مؤكداً على أهمية البحث جدلاً عن الدلالة والمعنى كقيم إنسانية رفيعة. أما العناوين الرئيسة التي تناولها القسم الأول فقد كانت تتمحور حول: ماركسية القرن الحادي والعشرين، وماركس وأزمة الماركسية، ومتحفية الماركسية، والنقد الماركسي للماركسية وطوباويات ماركس والدولة، وحزب شيوعي من طراز عتيق، وماركس وألتوسير، والماركسية والأممية الرابعة، وكيف نقرأ ماركس والماركسية؟ القسم الثاني حوارات بيروت: أصوات الحوار وديناميته. تناول فيه شعبان الماركسية وإشكاليات ما بعد الحداثة، والماركسية الجديدة، والماركسية والتفكيكية، والماركسية والقانون، والثقافة وإصلاح الفكر الماركسي، وأسلمة الماركسية، وفكرة المثقف الكوني، ونكبة المثقف الماركسي، والدين والهوية وفيورباخ، والدين وفتوى الحكيم: الشيوعية كفر وإلحاد، ومفارقات الحب والمرأة والجنس. وخصص القسم الثالث للذات وللتاريخ: الماركسية والقومية. وفيه تناول الماركسية وفلسطين، كما توقف عند المسألة الكردية من خلال حدود الموقف الماركسي، وحق تقرير المصير. اشتملت الحوارات على مراجعات الدكتور شعبان ووقفات انتقادية للماركسية السائدة، واصفاً الماركسية التي وصلت إلينا بأنها «كانت معلّبة ضمن قوالب وأنساق، ولا سيما طريقتها المدرسية، التي تستبطن الاصطفافات الجاهزة، حيث تذوب كيانية الفرد وخصوصياته في إطار جماعة، تعبر عن الرأي الواحد المركزي، الذي ينبغي أن يخضع له الجميع وفق تراتبية نمطية مفروضة عمودياً، فالحقيقة معها وما عداها ليست سوى بطلان وشرور»، ما جعلها أيديولوجيا ميتافيزيقيا ولاهوتاً جديداً بوصفه يحمل خلاصاً للبشرية، وقد اقتربت كثيراً من الأيديولوجية الدينية التي لا ترى خارجها أي فكر أو إيمان. وبحسب تصنيف شعبان، فهناك «الماركسيون الطقوسيون» الذين لا يفقهون شيئاً في الماركسية، وتقوم مهمتهم على المشاركة في الاحتفالات وإحياء بعض المناسبات، و«الماركسيون المدرسيون» الذين يحفظون استظهارياً بعض العناوين حول الاشتراكية المستقاة من المدرسة السوفياتية ويرددونها ببغائياً. و«الماركسيون المسلكيون» الذين هم جزء لا يتجزأ من الماكينة الحزبية والمنفذين لسياستها من دون أي نقاش. أما «الماركسيون الذرائعيون» فهم أصحاب الجمود العقائدي الذين يبررون كل خطوة يتخذها الحزب ويعتبرون أن النظرية الماركسية لا تخطئ حتى ولو تناقض النص مع الواقع في النظرية. وأخيراً «الماركسيون العولميون» الذين روّجوا في السنوات الأخيرة للمشروع الأميركي في المنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتظروا منه الخلاص وخصوصاً في مواجهتهم للديكتاتوريات العربية، وقد هلل قسم كبير منهم للاحتلال الأميركي للعراق. يخلص شعبان من هذا التصنيف ليرى أنّ «الماركسيين النقديين المجتهدين» الذين يصنّف نفسه من ضمنهم، لا يزالون قلة في العالم العربي، ويعيشون على الهامش قياساً على سائر الحركات الحزبية. إن الماركسية عنده قد قصرت عند رؤية الدين والموقع الذي يحتله في حياة الشعوب، فاستخفّت به وأطلقت نظريتها الشهيرة ضمن مصطلح «الدين أفيون الشعوب»، بل حولت الإلحاد إلى دين وفرضت تعليمه والتزامه حيث وصلت إلى السلطة. ومع ذلك وبكل شفافية يعترف بأن الدين من وجهة نظره حالة خاصة تحمل مقومات حضارية فيقول: «يجب الاعتراف بأنّ الدين ذو مقوّمات حضاريّة لا يستهان بها، وهو واحد من الأنظمة التي تحفظ للإنسان حقوقه وواجباته، ولا يجوز اعتبار الدين وجهاً من أوجه التخلّف الاجتماعي». أما عن المسألة القومية فالدكتور شعبان يوضح بأن تلمّس التغيرات الفكريّة في المسألة القوميّة صعّب مهمّة الحركة الماركسيّة عند العرب، فتمّت مخالفة المزاج العام بعناوين أيديولوجيّة قدّمت «الطبقي والاجتماعي على الوطني والقومي». وعن الثلاثية الإنسانية (المرأة والحب والجنس) يرى د. شعبان أن الحياة من دون المرأة قفر موحش يابس بارد، لأن المرأة «تضفي الدفء والإنسانية على الإنسان» ويستبعد خروج المرأة من حياته فيقول: «ليس بوسعي أن أفهم معنى حياتي من دون حضور النساء، فهن وحدهن من يستطعن خلق التوازن وحماية العالم من الانهيار. في كل لحظة من لحظات حياتي كانت هناك امرأة تقف إلى جانبي، لا أدري كيف أراها أو أتغلغل فيها؟.. هو لم يخنق في المرأة أنوثتها، ولم يسجن لها غريزتها، ولم يقيد حريتها، بل جعلها في الدائرة التي تتوازن فيها المسألة الذاتية والمسألة الاجتماعية في نطاق الحالة الخاصة والعامة. كتاب يثير النقاش. يستفز أحياناً ويحرض أحياناً أخرى. وفي كل الأحوال، يدعوك إلى أن تختلف معه في أمور وتختلف معه في شؤون.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضوء على تدريس حقوق الانسان في العراق*
-
إسلام واحد وقراءات مختلفة
-
العروبة والمواطنة
-
المعرفة عنصر أساسي في التعبير عن الهوية
-
العروبة والأيديولوجيا
-
المفكر عامر عبد الله في ذكراه العاشرة:الجوهر وجدلية الأمل وا
...
-
التسامح: مثل الريح الخفيفة التي تسبق المطر!
-
الإعلام وحق الحصول على المعرفة
-
العراق ومعركة المياه -مصححة-
-
حقيقة السجون السرية في العراق
-
حلم وردي مرعب!
-
الثقافة والشرعية: الوعي الموروث
-
ثقافة التغيير وتغيير الثقافة
-
الجواهري وسعد صالح: صديقان وثالثهما الشعر!
-
العراق بعد لبنان: تجربة الحكم التوافقي-
-
الوصل والفصل بين العالمية والخصوصية
-
أرمينيا وسيمفونية المبارز!
-
كاظم حبيب: النقد الشجاع والاختلاف الجميل*
-
العالم الثالث وسلة المهملات
-
كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (24) ملكوت السماء وملكوت الأرض
المزيد.....
-
أمير الموسوي في بلا قيود: تخصيب إيران اليورانيوم بنسبة 60%
...
-
بعد مرور شهر على نظام المساعدات الجديد في غزة، أصبح إطلاق ال
...
-
حكم للمحكمة العليا الأمريكية يُوسّع صلاحيات ترامب، والأخير ي
...
-
عاجل: ترامب يقول إن وقف إطلاق النار في غزة بات قريباً، ويأمل
...
-
ترامب للمرشد الإيراني علي خامنئي: لقد هزمت شرّ هزيمة
-
سوريا تعلن ضبط نحو 3 ملايين حبة كبتاغون بعد اشتباك مع مهربين
...
-
إعلام إسرائيلي: جثث 3 أسرى في غزة أعادها عناصر من مجموعة أبو
...
-
القلق يتصاعد بعد ضربة إسرائيلية استهدفت سجن إيفين... مصير سج
...
-
موقفا تخفيف العقوبات عن إيران.. ترامب لخامنئي: أنقذتك من -مو
...
-
جيش الاحتلال يقتحم كفر مالك والمستوطنون يصعّدون بالضفة
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|