أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - حول صياغة مشروع مدني ووطني ديمقراطي حديث للعراق الاتحادي















المزيد.....



حول صياغة مشروع مدني ووطني ديمقراطي حديث للعراق الاتحادي


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 3025 - 2010 / 6 / 5 - 22:29
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


برلين في 4/6/2010

الأخوات والأخوة الأفاضل
تحية قلبية حارة
أضع بين أيديكم وللنشر أيضاً مسودة لصياغة مشروع "برنامج مدني ووطني ديمقراطي حديث" لبناء العراق الديمقراطي لأغراض المناقشة.
لا شك في أن مناقشة هذه المادة كمسودة ستتيح الفرصة لإغناء موضوعاته من خلال تعديلها أو تحسينها أو تغيير بعض جوانبها حين نتحسس معاً ضرورة مثل هذا المشروع وأهمية المشاركة في مناقشته ووضع صيغته النهائية لأغراض التثقيف العام ولأغراض العمل من أجل جلب انتباه القوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية العراقية لما فيه من أفكار ومهمات تستوجب الأخذ بها و العمل من اجلها.
يمكن لكل من ذوي الاختصاص أن يعالج جانباً واحداً أو أكثر من موضوعاته وعلى صفحات الصحف والمواقع بأمل تعميم النقاش حوله للوصول إلى أفضل صيغة ممكنة.
ليس هدف هذا المشروع منافسة مشروعات وبرامج أي حزب أو تنظيم أو كتلة سياسية, كما ليس هدفه تشكيل حزب أو تنظيم أو كتلة سياسية في العراق أو خارجه, بل هو مادة من أجل النقاش والتثقيف العام ومشاركة عدد كبير من الأخوات والأخوة في العراق في هذا النقاش.
أملي أن يلقى اهتمامكم .
مع خالص الود والتقدير.
كاظم حبيب


د. كاظم حبيب


موضوعات للمناقشة
حول صياغة مشروع مدني ووطني ديمقراطي حديث للعراق الاتحادي


برلين – حزيران/يونيو 2010

المحتويات


حول صياغة مشروع مدني ووطني ديمقراطي حديث للعراق الاتحادي 2
المحتويات 3
شكر وتقدير 4
المدخل: 5
أولاً : السياسة 19
هـ : القطاع الزراعي 35
و : التجارة الخارجية 40
ز : السياسة المالية 42
الفساد المالي والإداري 44
خامساً : التربية والتعليم 56
سادسا : العلوم ومراكز البحث العلمي 62
سابعاً : الثقافة 66
ثامناً : التنوير 71
تاسعاً : البيئة 76
عاشراً: الأمن الداخلي 83
أحد عشر : القوات المسلحة 90
اثنا عشر: العلاقات الإقليمية والدولية 94
ثلاث عشر : أجهزة الإدارة والاقتصاد 97





شكر وتقدير

جين أنجزت هذه المادة المتواضعة وجهتها كمسودة إلى عدد من المثقفات والمثقفين في العراق وفي الخارج راجياً أن يبدو ملاحظاتهم بشأنه ليكون مادة لأغراض التعبئة الشعبية لصالح التحول الديمقراطي في العراق. وليس الهدف منه تشكيل حزب سياسي أو منظمة سياسية أو منظمة اجتماعية , أو مواجهة مشروع بمشروع آخر , بل الغرض منه هو التثقيف العام. وقد أبدى بعض الأخوة الأصدقاء ملاحظات قيمة مثل الأستاذ الدكتور جعفر عبد الغني والأستاذ الدكتور كاظم المقدادي والدكتور مهند أحمد البراك والدكتور سامي خالد , كما أبدى بعض الأصدقاء ملاحظات عامة نافعة مثل الأستاذ الدكتور صادق أطيمش والدكتورة كاترين ميخائيل. وقد استفدت من هذه الملاحظات في إعادة صياغة بعض فقرات المشروع , ولكنهم لا يتحملون مسؤولية هذا المشروع بأي حال. إن المشروع مادة للمناقشة أولاً , ولتحريك الجهات المختصة لغرض الانتباه إلى أهمية وضرورة مثل هكذا مشروع للعراق ثانياً , إضافة إلى اعتباره مادة للتثقيف العام. أملي أن يكون نافعاً.
أقدم شكر الجزيل وامتناني للصديق والأخ العزيز الشاعر الرقيق والمبدع المميز يحيى السماوي على تطوعه بتدقيق هذه المادة لغوياً.


المدخل:

انقضى من عمر الجمهورية الخامسة 86 شهراً. وخلال هذه الفترة تشكلت ثلاث وزارات. واستحق الآن وبعد الانتخابات الأخيرة في آذار/مارت من العام 2010 تشكيل وزارة جديدة. كانت الغالبية العظمى من الوزراء فيها من الأحزاب الإسلامية السياسية , كما كانت رئاسة الوزراء في حكومتين متتاليتين بيد هذه الأحزاب , أي حكومة الجعفري وحكومة المالكي , وكلاهما من حزب الدعوة الإسلامية في العراق , والأخيرة لا تزال تمارس مهمة تصريف الأعمال. وهي حكومات استندت إلى تحالف بين القوى والأحزاب الشيعية والتحالف الكردستاني بشكل خاص مع مساهمات هشة ومحدودة لقوى سياسية أخرى ومنها الأحزاب الإسلامية السياسية السنية والقائمة العراقية والحزب الشيوعي العراقي. واستندت الحكومات الثلاث على المحاصصة الطائفية والقومية. ورغم وجود برامج لهذه الوزارات , إلا أنها كانت شكلية. وفي الحكومتين المتتاليتين اعتبر كل وزير وزارته ملكاً صرفاً لحزبه السياسي وطائفته وراح يحولها إلى مقاطعة خاصة بحزبه وطائفته أو قوميته. ورغم مرور أكثر من سبع سنوات على سقوط النظام تواجه الشعب في العراق كثرة من الأسئلة التي تستوجب الإجابة , منها مثلاً :
هل امتلكت الوزارات المنصرمة مشروعاً مدنياً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وبيئياً حين تسلمت الحكم؟ وهل تمتلك الحكومة الراهنة مثل هذا المشروع؟ أم أن هذه الحكومة لا تزال تمارس سياسة ردود الفعل وتحوم حول مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي مبهم وعائم ولم تحقق الكثير غير بعض الأمن الذي ما زال هشاً؟ وكيف ستتشكل الحكومة القادمة؟ وهل ستقوم على نفس الأسس الطائفية التي قامت عليها الحكومتان السابقتان؟ وكيف ستتعامل الحكومة القادمة مع المهمات الكبيرة التي يفترض إنجازها خلال السنوات ( الأربع ) القادمة؟
إن طرح هذه الأسئلة يقترن بالظواهر التي يعيشها العراق في المرحلة الراهنة والأزمة الطاحنة التي لا تزال تحيط بالحكم والمجتمع وتخلف سبل معالجتها. فالأزمة الراهنة هي أزمة تشمل الدولة بسلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية , تشمل السلطة التنفيذية بكل أجهزتها والمجتمع بأغلب طبقاته وفئاته الاجتماعية , وهي تشدد من خناقها بشكل خاص ومؤلم على الفئات الكادحة والفقيرة والأكثر عوزاً وصغار الموظفين والمستخدمين وبقية الناس من ذوي الدخل المحدود , أزمة تشمل الأحزاب والتكتلات السياسية وتحالفاتها , أزمة أفراد , وأزمة قيم ومعايير فردية وجمعية , أزمة ثقة عامة ومتبادلة , إضافة إلى كونها أزمة علاقات معقدة ومركبة مع دول وقوى الجوار والعالم , ومنه مع القوات الأجنبية الموجودة في البلاد. وحين يدرك الإنسان هذا الواقع , عليه أن يتحرى عن حلول لجميع هذه الأزمات التي تواجه العراق. وهي مهمة تقع على عاتق الحكومة وجميع المسئولين والقوى والأحزاب السياسية المشاركة في العملية السياسية , كما تقع على عاتق المثقفات والمثقفين العراقيين في الداخل والخارج , إضافة إلى مراكز البحث العلمي التطبيقي التي تعالج المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية والتربوية في المجتمع... الخ.
حقق العراق , وفق تقديرات أغلب المتابعين , خلال الأشهر المنصرمة بعض المهمات الأمنية والعسكرية الصعبة ونشأت عنها مهمات سياسية جديدة أكثر تعقيداً وصعوبة على المدى القريب وكذلك على المدى المتوسط والمدى البعيد وإذا كانت بعض الأهداف والمهمات التي أنجزت بدت قبل ذاك بصيغتها العامة ودون تفاصيل , فإن تفاصيلها هي التي وضعت ويمكن أن تضع الدولة والمجتمع في العراق أكثر فأكثر أمام مسؤوليات أكبر , وهي التي يمكن أن تضع البلاد على كف عفريت وفوق برميل مليء بالبارود القابل للاشتعال في كل لحظة , ما لم تتبلور رؤية عقلانية ووعي بالواقع العراقي ومشكلاته والقوى التي تحيط به من جهة , ووعي بتاريخ العراق خلال سنوات القرن العشرين من جهة ثانية , وما لم تدرس بوعي ومسؤولية حاجة العراق وإمكانياته على التقدم المطلوب خلال الفترة القادمة لكي لا تكرر ما ارتكبه الحكام الآخرون من أخطاء وما ترتب عليها وعنها من عواقب وخيمة على كل مكونات الشعب العراقي , وما لم يتجل كل ذلك في برنامج واسع ولكنه شامل لما يفترض أن يتحقق في الفترة القادمة.
حين نتابع تصريحات ونشاط أغلب السياسيين العراقيين في المرحلة الراهنة , يمكننا تشخيص عدد من السمات السلبية التي تؤثر على المجتمع العراقي وعلى حل المشكلات التي تواجه العراق , ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
1. الابتعاد عن الالتزام بمواد الدستور التي تم إقرارها , بل إن كل طرف سياسي يرى ويسعى إلى تطبيق ما ينسجم مع رغباته ويبتعد عن تلك التي لا تتناغم مع وجهات نظره , وفي هذا تجاوز على الدستور وعلى التعامل الواعي والمتساوي مع مواد الدستور , أي أن الأمور تقاس من جانب غالبية السياسيين العراقيين بمكيالين , وكأن بالإمكان حصول مناخين صيفي وشتوي على سطح واحد. كما أن هذا يعني تجاوزاً على كل الاتفاقات التي تمت بين القوى السياسية العراقية المعارضة لنظام الدكتاتورية قبل سقوطه. ولا شك في أن الدستور فيه الكثير من المثالب وحمال أوجه في عدد غير قليل من مواده والتي تخلق بدورها تفسيرات كثيرة واجتهادات لا تساهم في تنفيذ بنود الدستور على أسس ديمقراطية رصينة. كما لم يتم إلى الآن وضع القوانين الكفيلة بتحقيق ما تضمنه الدستور من مواد بهذا الصدد.
2. لا تختلف غالبية السياسيات والسياسيين في العراق بشكل عام عن بقية المواطنات والمواطنين في واقع معاناتهم من انفصام الشخصية والتصريح بشيء في مقابل العمل بشيء آخر , أو امتلاكهم لوجوه عدة , وهو الأمر الذي يُسقِطُ مصداقية الكثير من العاملات والعاملين في الحقل السياسي , إذ أن هذه السمة حين يتميز بها السياسيون تكون عواقبها أشد سلبية على الإنسان العراقي وعلى المجتمع وعلى التطور والتقدم المنشود وكذلك على العلاقات الداخلية والخارجية.
3. غياب الصراحة والمجاهرة والشفافية الضرورية مع المجتمع لمواجهة ما ينتظره من مشكلات وسبل معالجتها والعقبات التي تعترض سبل الحل. ومثل هذه المشكلة تساهم في تحويل الصراعات حول قضايا معينة إلى نزاعات سياسية تتخذ مجرى أخر مضرا بالمجتمع.
4. هيمنة الروح الفردية ونموها وتحولها إلى استبداد فردي قاهر ينتشي تدريجاً في ذهنية ونشاط غالبية السياسيين في العراق , وأقل من ذلك بالنسبة للسياسيات. وتبرز عواقب ذلك في حصول كوارث متلاحقة على العراق وشعبه. وقدم مجلس النواب إلى الآن نماذج مهمة وصارخة لهذه الظاهرة السلبية.
5. الإهمال الجدي وغير المسئول لإرادة ومطاليب ومشاعر المجتمع والتصرف باسمه وكأن هذا السياسي أو ذاك هو الممثل الشرعي والوحيد لهذا المجتمع بكل طبقاته وفئاته الاجتماعية. بل يصل الأمر برئيس الوزراء مثلاً إلى إهمال مجلس الوزراء والوزراء والتصرف بقرارات فردية غير مدروسة وغير مقررة. بما فيها تلك الأمور البسيطة التي يتخذها المسؤول دون التفكير العميق بعواقبها الاجتماعية , ولكنه ينطلق من ذهنية دينية محافظة مثل منع حفلات الزفاف في الفنادق والأماكن العامة وحصرها بفنادق الدرجة الأولى , أي للقطط السمان وأصحاب النعمة الحديثة , أو منع المشروبات الروحية في مجتمع متعدد الديانات والثقافات والاتجاهات الفكرية ...الخ!
ومن جانب آخر فالمجتمع العراقي يعاني من اقتصاد مخرب وعاجز عن تلبية حاجات السكان اليومية ويعتمد بالدرجة الأولى على الاستيراد بسبب وجود موارد النفط المالية التي تستهلك دون أن تساهم في إغناء الثروة الوطنية والدخل القومي من خلال تحقيق التراكمات الرأسمالية في الاقتصاد.
ورث الحكام الجدد من النظام الاستبدادي السابق اقتصاداً مخرباً ومديونية كبيرة , وزاد في الطين بلة مجموعة من العوامل الأساسية , ومنها على نحو خاص:
1. التدمير الهائل للبنية التحتية الذي حصل نتيجة القصف الجوي في حرب الخليج الثالثة والتي اقترنت بإسقاط النظام الدكتاتوري , رغم ضعف ومحدودية مقاومة قوى النظام للقوات الأمريكية والدول المتحالفة معها.
2. السياسة الاقتصادية الاستعمارية المشينة التي مارسها المحتلون الأمريكيون والحاكم المستبد بأمره پول بريمر في العراق والتي أدت إلى المزيد من المشكلات وإلى تعميق التخلف والتبعية في الاقتصاد العراقي لاقتصاد النفط الخام واعتماد سياسة اللبرالية الجديدة المتطرفة في العراق دون إدراك الأضرار التي تلحق , والتي لحقت فعلاً بالاقتصاد العراقي والمجتمع من جراء تلك السياسات.
3. غياب البرنامج الاقتصادي الواضح لدى مجلس الحكم الانتقالي ولدى الكثير من قوى المعارضة العراقية وعجزها عن التحكم بالسياسة الاقتصادية العراقية , إذ كان الراسم الوحيد لها هو پول بريمر.
4. الإرهاب الدموي الذي ساد البلاد قبل الحرب وسقوط النظام وبعد الحرب وخلال السنوات المنصرمة من قبل قوى الإرهاب (القاعدة وفلول البعث ألصدامي) والمليشيات الطائفية المسلحة والقتل على الهوية من تلك القوى التي كانت مرتبطة عضوياً بقوى سياسية إسلامية عراقية والتدمير الهائل والتعطيل الفعلي للقدرة على ممارسة سياسة إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية بحدود غير قليلة.
5. الفساد المالي الذي اقترنت به إدارة پول بريمر والكثير ممن عمل معه في الوزارات اللاحقة وفي أجهزة الدولة المدنية والعسكرية بحيث أصبح نظاماً فاعلاً في الاقتصاد والمجتمع العراقي. لقد كان الفساد منتشراً في العراق منذ منتصف العقد الثامن من القرن الماضي , وخاصة مع بدء الفورة النفطية , وتحول تدريجاً إلى نظام فاعل وتعمق أكثر فأكثر بارتباطه بالشركات الأجنبية الفاسدة التي دخلت العراق مع القوات الأمريكية , إذ جعلت من هذا الفساد نظاماً قائماً بذاته يستنزف ثروات البلاد ووطنية الإنسان لحساب المال الحرام.
6. التناحر بين القوى السياسية العراقية الذي منع تشكيل رؤية واضحة لتنفيذ مشروعات البنية التحتية في الاقتصاد العراقي. وهنا يفترض القول بأن إقليم كردستان العراق حقق خطوات مهمة على طريق بناء البنية التحتية بخلاف الوسط والجنوب والمحافظات العربية في غرب بغداد , إضافة إلى محافظة كركوك رغم ما تخلل ذلك من فساد مالي وإداري ومحسوبية ومنسوبية أيضاً. ومن هنا تبرز معاناة غالبية فئات الشعب وخاصة الفقيرة والكادحة منها من نقص في الكهرباء والماء وبقية الخدمات العامة والأساسية , ومنها تراكم القمامة والمياه الآسنة في الشوارع والطرقات وخراب شبكة الطرق والمواصلات.
7. ولا شك في أن التعليم بمختلف مراحله غير مصاغ بطريقة تسهم في خدمة عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء الإنسان الجديد , بل انه ما زال مثقلا fالكثير من سلبيات الماضي مضافاً إلى ذلك الكثير من الفكر الديني الطائفي الذي يثير الصراع بدلاً من تأمين الوحدة الوطنية.
8. ويمكن أن نرى التخلف الحاد في مجال الرعاية الصحية للمواطنين , وبشكل خاص في الريف العراقي والمدن الصغيرة والذي له عواقب وخيمة على المجتمع.
الشعب العراقي ما زال أمام أزمة شاملة رغم مرور هذه السنوات العجاف على عليه, وهو بحاجة ماسة إلى مشروع وطني وديمقراطي يجري تنفيذه من أجل الخروج من هذه الأزمة الطاحنة ووضع العراق على طريق الحياة الديمقراطية المستقلة والسيادة الوطنية. وهذا الكراس يعتبر محاولة لصياغة أفكار أولية لمشروع وطني ديمقراطي لبناء العراق المدني الديمقراطي الاتحادي الجديد , أضعه تحت تصرف الباحثين والسياسيين والمهتمين بالشأن العراقي لمناقشته وتعديل أو استكمال جوانب النقص فيه وجعله قابلاً للتطبيق.


المشروع الوطني الديمقراطي
1
المشروع الوطني الديمقراطي الذي أطرحه للمناقشة يتضمن خطوطاً عامة وأساسية تشمل جميع قطاعات وفروع الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والتنويرية البيئية والعسكرية , حزمة من المشروعات الداخلية والعلاقات الإقليمية والدولية المستقلة عن بعضها , ولكنها متشابكة ومتفاعلة ومتبادلة التأثير في ما بينها والمتسمة بالديناميكية والمرونة والقابلية على التعديل والتطوير والإغناء , والتي تشكل في المحصلة النهائية خطاً واحداً تلتقي عند إستراتيجيته والتي يفترض فيها أن تدفع بالبلاد نحو التقدم المنشود, أي نحو الأهداف المركزية التي يمكن أن تتحدد في المشروع الوطني الديمقراطي والتي يأخذ بها القطاع الخاص المحلي والقطاع الحكومي أو القطاع الأجنبي. ويمكن أن يطلق على هذا المشروع الوطني الديمقراطي والمدني الحديث "إستراتيجية التنمية الوطنية الشاملة" على المستويين الاقتصادي والبشري , وعلى المستويات الداخلية والإقليمية والدولية.
ومثل هذا المشروع في خطوطه الأولية غائب إلى الآن عن السياسة العراقية وعن برنامج وهدف الحكومة بشكل خاص , وهو ما أكده الكثير من المسؤولين والمختصين والعاملين في العراق , كما يؤكده عشرات المختصين في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ...الخ. وبالتالي يصعب على العراق أن يجد حلولاً للأزمات التي يعاني منها حالياً وفي مختلف المجالات وعلى صعد الدولة والحكومة والمجتمع دون أن يمتلك مثل هذا المشروع الوطني والديمقراطي الحديث.
2
يُفترض وضع المشروع الوطني الديمقراطي بالتعاون الوثيق في ما بين الجهات التالية بصورة مباشرة أو غير مباشرة:
1. الدولة بكل سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية وفيدرالية كُردستان ومجالس المحافظات وفق مراحل مختلفة من عملية وضع المشروع. وتلعب السلطة التنفيذية المركزية وحكومة إقليم كُردستان ومجالس المحافظات الدور الأول والأساس في مجمل هذه العملية مصحوبة بمراقبة ومصادقة مجلسي النواب في كل من بغداد وأربيل.
2. مشاركة فعالة وفعلية من جانب الأحزاب والقوى السياسية في تقديم المقترحات ومناقشة ما تضعه الدولة في هذا الصدد.
3. مشاركة منظمات المجتمع المدني التي يفترض , في أجواء وظروف الحكم الديمقراطي , أن تمارس دور الرديف المستقل والفعال والمؤثر للحكومة في مجمل نشاطها وفي هذا المجال أيضاً لصالح قواها والمجتمع في آن.
4. مشاركة الجامعات ومراكز البحث العلمي والمؤسسات المختصة والمختصين.
5. مشاركة الإعلام بكل أجهزته وأدواته ووسائل وأساليب عمله في مجمل عملية وضع المشروع حيث يسهم بدور فعال ومكمل لبقية الأدوار في الوصول إلى الإنسان الفرد والمجتمع ليحركهم جميعاً صوب المشاركة في مهمات وعمليات وضع المشروع وتنفيذه ومراقبة التنفيذ. ومع تطور أجهزة ووسائل وأدوات الإعلام وفق التقنيات الحديثة , أصبح لهذا العامل الدور الكبير والمتزايد أهمية وخطورة في إنجاز هذه المهمة المتعددة الجوانب والأهداف.
6. ويفترض هنا أن تلعب وزارة التخطيط الدور المباشر في ثلاث مراحل من عملية وضع إستراتيجية التنمية الشاملة , مرحلة وضع التوجهات والخطوط الأساسية التي تكون موجهة لكل الوزارات والمؤسسات في ضوء ما تمتلكه من معلومات وإحصائيات , والمرحلة الثانية حيث تأخذ الوزارة على عاتقها عملية تجميع وتنسيق المشروعات التفصيلية التي يراد إقامتها على صعيدي الاقتصاد والمجتمع , ثم تبدأ المرحلة الثالثة بمناقشة وتطوير وتحسين الإستراتيجية وتفاصيلها لتنتقل إلى الإقرار والتنفيذ في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية.
7. ويتوجب أن تلعب وزارات: العلوم والتكنولوجيا ، والبيئة ، والصحة ، والتعليم العالي والبحث العلمي ، والثقافة , دوراً أساسياً في وضع إستراتيجية في ضوء دراسة وتقييم المشاكل البيئية والصحية القائمة ورسم خطط قصيرة المدى وبعيدة المدى لمعالجتها بمساعدة ودعم الوكالات الدولية المتخصصة ، مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة ، والوكالة الدولية للطاقة النووية، ومنظمة الصحة العالمية ومراكز الأبحاث الإقليمية والوطنية المعنية ، وخاصة في الدول المجاورة..
3
يفترض أن يشمل المشروع الوطني الديمقراطي المجالات الأساسية التالية التي تتفرع عنها بطبيعة الحال مجالات فرعية أخرى وتتداخل مع بعضها بسبب المهمات المشتركة التي تمارسها وتسعى إلى تحقيقها. فالمشروع الوطني الديمقراطي يتوزع على الحقول التالية:
السياسة, الاقتصاد , الخدمات الاجتماعية والتنمية البشرية , التربية والتعليم , الصحة , الحالة النفسية , البيئة , العلوم ومراكز البحث العلمي , الثقافة , التنوير , الأمن الداخلي , القوات المسلحة , والعلاقات الإقليمية والدولية. وسأحاول تناول بعض هذه المفردات بالبحث وطرح التصور الأولي لمثل هذا المشروع , والذي سأضعه تحت تصرف الباحثين والمختصين والراغبين في مناقشته وجعله قابلاً للتنفيذ , علماً بأن وضع وتنفيذ مثل هذا المشروع من جانب الحكومة يستوجب ابتداءً وجود حكومة وطنية ديمقراطية تعبر عن وحدة القوى السياسية العراقية , وأن يشكل هذا المشروع القاسم المشترك الأعظم الذي تعتمده تلك القوى المتعاونة في الحكومة وخارجها.

4
أولاً : السياسة

وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: ما هي المكونات السياسية للمشروع الوطني الديمقراطي الحديث؟ وكيف يمكن عبر هذا المشروع توفير مستلزمات وأجواء إقامة مجتمع مدني ديمقراطي حر وحديث؟
نشير هنا إلى ما نراه ضرورياً لواقع العراق وتطوره الديمقراطي المستقل , إذ يفترض أن يستند نشاط السلطة إلى المبادئ التالية لا نظرياً , بل وبالعمل الفعلي أيضاَ:
** النظام السياسي الديمقراطي له فلسفة من جهة وآليات وأدوات من جهة أخرى. وتقوم فلسفته من حيث المبدأ على مبدأ أن الحكم للشعب ويتم عبر الشعب ومن يختارهم ليمثلوه في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وأن يحقق الحكم مصالح الشعب. أي حق الشعب في اختيار ممثليه أولاً والتداول السلمي والديمقراطي للحكم وتأمين العدالة الاجتماعية في الحكم لصالح الشعب. وأدوات وآليات الحكم هي السلطات الثلاث وأجهزتها المختلفة وأساليب عملها وحل المشكلات والصراعات بالتفاوض والطرق السلمية والتحري عن حلول ديمقراطية. وهذا يعني ضرورة:
** الالتزام بمفهوم الاحتكام إلى الشعب في القضايا الأساسية وإلى ممثليه المنتخبين ديمقراطياً , وإلى مبدأ الأكثرية والأقلية واحترام الأقلية وحقها في التعبير عن رأيها والأخذ بمفهوم القوى الحاكمة والقوى المعارضة للحكم وفق أسس موضوعية وسلمية وآليات ديمقراطية.
** مفهوم المواطنة المتساوية بغض النظر عن القومية والدين والمذهب والفكر والرأي السياسي أو اللون واللغة ...الخ. وبغض النظر عن الجنس , سواء أكان رجلاً أم امرأة. وهنا لا يقتصر الأمر على النظر إلى الإنسان كمواطن متساوٍ في الحقوق والواجبات , بل يمارس عمله عملياً من خلال وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب , والأجر المتساوي لعمل متماثل , والحق في الوصول إلى كل المناصب في الدولة بغض النظر عن القومية أو الدين أو المذهب أو الفكر أو الجنس ... الخ.
** رفض إخضاع السياسة للدين أو الدين للسياسة , فكلاهما حقل مستقل عن الآخر ولا تداخل بينهما , وكذلك الالتزام بمبدأ الاحترام المتبادل بين المؤسسة الدينية والمؤسسة الحكومية وعدم التداخل في ما بينهما. ويفترض هنا أن يسود مبدأ "الدين لله والوطن للجميع".
** ليس المطلوب من السياسيين أن يتخلوا عن قومياتهم أو دياناتهم أو مذاهبهم الدينية أو اتجاهاتهم الفكرية بأي حال إذ أنها قضية شخصية , ولكن المفروض أن يتخلوا عنها سياسياً , إن كانوا متأثرين بأي من العلل الاجتماعية , ومنها بشكل خاص التعصب القومي والطائفية السياسية والتمييز الديني والمذهبي أو التمييز ضد المرأة أو الالتصاق بالعشيرة والمحلة على حساب الوطن والمواطنة. وهذا يمس الجميع , ولكن بشكل خاص من يتسلم مسؤوليات في الدولة والمجتمع. إن تمسك أي مسؤول سياسي بأي موقف طائفي أو تشم منه رائحة طائفية سياسية , يقود إلى المزيد من المصاعب وإلى إعاقة التحول صوب المشروع الوطني الديمقراطي , وإعاقة خلق مستلزمات أساسية لبناء المجتمع المدني الديمقراطي الحديث. كما يفترض أن تصدر القوانين الصارمة التي تدين وتكافح من يدعو أو ينشر أفكاراً أو يمارس العنصرية والطائفية والتمييز بمختلف أشكاله , ومنه التمييز ضد المرأة.
** احترام المرجعيات الدينية للأديان والمذاهب الدينية القائمة في العراق وإبعاد تدخل السياسيين في شؤونها أو تدخلها في الشؤون السياسية والأحزاب السياسية القائمة. ورفض إقامة أحزاب سياسية على أسس دينية أو مذهبية إذ أنها لا تعني سوى ممارسة سياسة تدين بالتمييز بين أتباع الديانات والمذاهب الدينية.
** التبشير بمبادئ وشرعة حقوق الإنسان وحقوق القوميات وحقوق أتباع الديانات والمذاهب ونشرها على أوسع نطاق ممكن وممارستها فعلاً ومعاقبة من يعمل ضدها , كما يفترض تدريسها في مختلف المدارس والمعاهد والجامعات وتثقيف العاملين في المؤسسات بها وتنشيط دور منظمات المجتمع المدني في هذا الصدد.
** إصدار القوانين الديمقراطية المنظمة للحياة الدستورية والبرلمانية والحياة الحزبية والتداول الديمقراطي السلمي للسلطة , إضافة إلى تنظيم تشكيل ونشاط وحقوق وواجبات منظمات المجتمع المدني المهنية والوطنية والديمقراطية وبما يخدم قضايا الشعب والوطن.
** تنظيم عمل الحكومة بما يستند إلى الجماعية في العمل وتداول الرأي مع اتخاذ القرارات بالأكثرية والتخلي الكامل عن الفردية لدى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة مجلس الوزراء والوزراء ومؤسسات الدولة التي تقود إلى الاستبداد. ولنا في ذلك تجارب مريرة.
** إصدار التشريعات المدروسة جيداً والمقرة من جانب الحكومة المركزية وحكومة إقليم كُردستان قبل تقديمهما إلى البرلمانين لإقرارهما حول العلاقة بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة الإقليم في أربيل بشأن جميع القضايا التي تمس النشاط الحكومي الداخلي والعلاقات الدولية في مجالات السياسة والتنمية والاقتصاد واقتصاد النفط والتجارة الخارجية والمال والخدمات العامة والاجتماعية ومؤسسات النقل والمواصلات والصحة والتربية والتعليم والثقافة والفنون ...الخ , إضافة إلى سبل وآليات وأدوات حل الخلافات المحتملة في أي مشكلة يمكن أن تنشأ بين الطرفين , وخاصة عند المحكمة الاتحادية أو المحكمة الدستورية ذات التشكيلة القضائية المستقلة والخاصة. وهذه المسألة تشمل العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم من جهة , ومجالس المحافظات من جهة أخرى.
** تأكيد الالتزام بحل جميع المشكلات المعلقة , أياً كانت طبيعتها وحجمها وتعقيداتها , بالطرق السلمية التفاوضية ووفق الدستور وبآليات ديمقراطية , والتخلي الكامل عن العنف والقوة أو التهديد باستخدامهما في العمل السياسي. وهذا يمس القضايا المعلقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم في مسائل التشكيلات الإدارية للإقليم والمحافظات أو في ما بين المحافظات العراقية التي نشأت بسبب المضمون العنصري والشوفيني والطائفي لسياسات وإجراءات النظام الاستبدادي السابق, وخاصة سياسات التعريب والتهجير القسري وتغيير جغرافية المحافظات.
** تطوير مراكز خاصة للبحث العلمي التطبيقي الخاص بمعالجة وحل المشكلات الداخلية والإقليمية قبل أن تتحول من مشكلات أولية إلى صراعات ومن ثم إلى نزاعات سياسية يصعب تقدير عواقبها. إن الاهتمام بهذه المراكز العلمية التطبيقية التي تعتمد على نظريات علمية وتطويرها محلياً يعني بشكل مباشر خلق مصدات سياسية واجتماعية جيدة لمواجهة المشكلات المحتملة أو القائمة قبل استفحالها في المجتمع وفي إطار القوميات أو أتباع الديانات والمذاهب الدينية أو بشأن قضايا الحدود الإدارية أو الإقليمية ومشكلات المياه ...الخ.
** ويفترض في هذا الصدد أن نفهم العلاقة الجدلية المتبادلة بين ثلاثة مكونات وأن نتعامل معها بكل دقة وبحساسية عالية , وأعني بذلك:
"الالتزام بمبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والمساواة بين المرأة والرجل من جهة , وضمان أمن وسلامة الفرد والمجتمع واستقلال الوطن من جهة أخرى , وضمان العمل والخدمات العامة والعدالة الاجتماعية في المجتمع من جهة ثالثة".

5
ثانياً : الاقتصاد الوطني

إن عملية تصفية أوكار الإرهاب وتجفيف منابع مدهم بالأفراد والمعلومات والأموال والأسلحة والمهمات لا يمكن أن تتم بإجراءات أمنية وعسكرية صرفة على أهميتها حسب , بل تستوجب مشروعاً وطنياً ديمقراطياً واسعاً وجذرياً يحتل الجانب الاقتصادي منه موقعاً أساسياً كبيراً وحيوياً , إذ بدونه يمكن أن تعود تلك الجماعات المتوحشة لتمارس أفعالها الإجرامية ضد المجتمع من جديد. وهذا الدرس الكبير تقدمه لنا تجربة دولة الجزائر خلال العقدين المنصرمين تقريباً. فالبطالة الواسعة والفقر المدقع والشعور بالمهانة والحيف وملامسة التمييز الاقتصادي والاجتماعي والقومي والديني والمذهبي والجنسي في التعامل اليومي والتعرض للاستغلال الفاحش ومواجهة الغنى والتخمة الفاحشتين كلها من بين أبرز وأهم العوامل التي تحرك باتجاه الانعزال والاغتراب داخل المجتمع والشعور بالمذلة والحقد والكراهية والاستعداد لممارسة الإرهاب أو الالتحاق بتنظيمات قوى الإرهاب. علينا أن لا نستخف بعواقب الجوع والحرمان والفاقة , فهي تقود إلى البؤس الفكري والسياسي وإلى التمرد ونشوء احتمالات كثيرة وباتجاهات مختلفة لمن يعاني وعائلته من كل ذلك. وبهذا الصدد أورد رئيس بعثة الأمم المتحدة آد ميلكرت في تقرير قدمه لمجلس الأمن الدولي في الخامس والعشرين من شهر أيار الحالي (2010م) لبحث آخر التطورات في العراق، إن "الأمم المتحدة تنصح جميع الأطراف بالتركيز على تقاسم الإيرادات النفطية في جميع أنحاء العراق، ومن ضمنها إقليم كردستان العراق وكركوك واتخاذ الخطوات الكافية بهذا الخصوص لحل مشاكل البلاد الاقتصادية". واعتبر مليكرت في تقريره أن "الاقتصاد العراقي يواجه تحديا يتمثل بترجمة التوقعات الكبيرة بشأن التقدم المحرز على المستويين السياسي والأمني وتحويله إلى نمو اقتصادي بما يسهم بخلق فرص عمل تساهم بتحسين الظروف المعيشية للمواطن العراقي بشكل جذري"، لافتا إلى "وجود عجز في جميع الميادين الاقتصادية في البلاد".
6
يواجه الاقتصاد العراقي خمس مسائل جوهرية يفترض البت فيها ديمقراطياً , ومنها على مستوى الدستور , والذي ما تزال الكثير من مواده حمالة أوجه , والتي يمكن تلخصيها في النقاط التالية:
أ. الاحتفاظ بالثروات الأولية , وخاصة النفط والغاز الطبيعي , ضمن ملكية الشعب كله ولا يجوز تحويلها إلى القطاع الخاص , سواء أكان محلياً أم أجنبياً.
ب. تستوجب المرحلة الراهنة دوراً كبيراً يفترض أن يمارسه القطاع الحكومي دون أي تغييب لدور ومهمات القطاع الخاص المحلي والإقليمي والأجنبي , بل السعي للاستفادة منها وفق منظور إستراتيجي واضح يساهم في دعم الجهد لتعجيل التنمية وتحسين مستوى توزيع وإعادة توزيع واستخدام الدخل القومي. وفي المرحلة الراهنة يفترض أن تدرس عملية الخصخصة , التي يركز عليها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بصورة غير مشروعة , بشكل جدي وعقلانية بعيداً عن التسرع والتشنج والموافقة على ما تطلبه هاتان المؤسستان الماليتان الدوليتان اللتان تسيطر عليهما الولايات المتحدة والاحتكارات الدولية , دون تمحيص دقيق لعواقبه على الاقتصاد والمجتمع وبما يساعد على احتفاظ الدولة بشيء مناسب وضروري من التأثير الإيجابي على العملية التنموية والنشاط الاقتصادي وحماية الإنسان العراقي من الكثير من العوامل والعواقب المضرة بالفرد والاقتصاد الوطني. ولا بد من دعم جهود القطاع الخاص ومده بالقروض الميسرة , وخاصة بالنسبة لبعض فروع الاقتصاد الوطني وبعض مناطق العراق المتخلفة التي تستوجب التطوير وتحقيق التوطين الصناعي وتحديث ودعم الزراعة.
ج. تنمية وتطوير القطاع الصناعي وتحديثه ومشاركته الفعالة في إشباع جزء متزايد من حاجة السوق المحلي للسلع المصنعة. ويفترض أن يرتبط التصنيع المنشود بعدد مهم من المؤشرات الجوهرية:
- استخدام التقنيات الحديثة وتطويعها بما يسهم في رفع إنتاجية العمل وجودة الإنتاج وقدرته على المنافسة الفعلية من حيث حجم الإنتاج والتكاليف والجودة - اعتماد مبادئ الإدارة الحديثة، وبضمنها الإدارة البيئية، وتقييم الأثر البيئي للمشروعات،والجدوى الاقتصادية ، والعمل من أجل اختيار تقنيات مناسبة والعمل على تطويعها بما يساعد على حماية البيئة وصيانتها من التلوث. وتحقيق التعاون العلمي الدولي من أجل تنفيذ المبادئ المذكورة ، وتطوير هذه التقنيات محلياً ووفق واقع العراق والمنطقة. وخلال العقود الثلاثة الأخيرة تضررت البيئة والطبيعة العراقية كثيراً بسبب الحروب المتواصلة واستخدام أسلحة محرمة دولياً , كما تضرر المتبقون من سكان العراق من جراء تلك السياسات والحروب وعدم حماية البيئة والطبيعة.
- تشجيع إقامة وتطوير المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة في المرحلة الراهنة حيث تسود البطالة الواسعة , إذ بإمكان مثل هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة استيعاب نسبة مهمة من العاطلين عن العمل ونقل قوى البطالة المقنعة إلى مجالات عمل جديدة.
- تحديد حجم الإنتاج من هذه السلعة أو تلك في ظروف عدد من المؤشرات التي ترتبط بوضع السوق المحلي والأسواق الإقليمية.. الخ ودراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من هذه الصناعة أو تلك بالنسبة لقطاع الدولة , مع تقديم المقترحات بالنسبة للقطاع الخاص الذي يمكنه أن يلعب دوراً مهماً في عملية تصنيع البلاد.
- العناية التامة بالتوزيع الجغرافي العقلاني المناسب للمنشآت الصناعية بما يساعد على توطينها وتطورها وامتصاص البطالة فيها وتغيير نوعية الحياة في المجتمع ، وبما لا يضر البيئة والصحة العامة.
- العمل من أجل توفير مستلزمات نمو وتطور القطاع الصناعي الخاص ومشاركته في عملية التنمية والتشغيل وإنتاج الدخل القومي. كما يمكن في الوقت نفسه توفير مستلزمات دخول رؤوس الأموال الأجنبية إلى الاقتصاد العراقي من خلال تهيئة البنى التحتية الضرورية والأمن الداخلي وحماية رؤوس الأموال والأرباح.
- إمكانية التنسيق والتكامل مع الدول العربية ودول الجوار أو دول أخرى في العالم بشأن تحديد طبيعة وحجم وموقع التصنيع الحديث لهذه السلعة أو تلك وتأمين اسواق أكبر لتصريف السلع المنتجة.
- أهمية اعتماد مبدأ التعاون والتنسيق بين مراكز ومعاهد البحث العلمي ووضع المعاهد والمراكز والجامعات العراقية , وخاصة الدراسات العليا , في خدمة مشاريع التنمية المتعددة الأغراض وربط البحث العلمي بها.
- تطوير الفروع والدراسات المهنية والفنية التطبيقية على نحو خاص , يما يسهم في خلق الكوادر الفنية والمهنية الوسيطة للتنمية الصناعية والزراعية , وعدم إهمال البحث النظري في العلوم الصرفة.
- إلزام القطاعين العام والخاص المحلي وكذلك القطاع الأجنبي الصناعي باستقبال وتدريب عدد متزايد من خريجي الدراسات الابتدائية (التي يفترض أن تصل الدراسة فيها إلى ثماني سنوات بدلاً من ست سنوات , والمتوسطة أو الثانوية للتدريب في مؤسساتهم لفترة معينة وقبل دخولهم إلى المعاهد الصناعية والفنية مع قيام الدولة بالتعاون مع القطاع الخاص لتحمل أجور وتكاليف هؤلاء المتدربين.
إن إمكانات العراق الفعلية تساعد على إقامة سلاسل صناعية مهمة , سواء بالاعتماد على الموارد الأولية المتوفرة في العراق كالنفط والغاز الطبيعي وبعض الموارد الأولية الأخرى مثل الكبريت والفوسفات ... وفي الصناعات الزراعية الغذائية , سواء أكان ذلك بالنسبة للخضروات أو الفواكه أو التمور أو اللحوم أو التبوغ , وفيما بعد الأسماك. ويوفر إقليم كُردستان العراق منطقة ملائمة للصناعات الزراعية والتعليب وصناعة السجائر والسجاد والملابس والصناعات البتروكيماوية والإنشائية .., الخ.
7
د : اقتصاد النفط الخام والغاز الطبيعي
يشكل النفط الخام والغاز الطبيعي الثروة الوطنية الأساسية في الاقتصاد في الوقت الحاضر ولسنوات طويلة من القرن الحادي والعشرين , وبما أن النفط ثروة وطنية ناضبة لا بد من استخدامها وفق أسس عامة وعلمية تكون ملزمة للدولة والمجتمع , ومنها :
- استمرار عمليات التنقيب عن النفط الخام في كل أنحاء العراق والتي يمكن أن يكتشف فيها النفط , سواء أكان للاستخدام المحلي أم للتصدير.
- الاستخدام الفعلي للثروة النفطية والغاز الطبيعي في عمليات التصنيع الحديثة والصناعات البتروكيماوية وسلسلة من الصناعات الأخرى المرتبطة بها , إضافة إلى تطوير وتوسيع مصافي النفط في مختلف مواقع وجود النفط الخام وتلك القريبة من الموانئ وخطوط نقل المنتجات النفطية والغاز الطبيعي لأغراض التصدير والنقل الداخلي. كما يفترض أن يجري تطوير جاد وسريع لاستخدام بقية المواد الأولية والمنتجات الزراعية في عملية التصنيع , وخاصة الصناعات الزراعية . إن هذه الوجهة تساهم في وضع برنامج خاص للأمن الغذائي في العراق والذي يفتقده العراق حالياً , رغم تنامي الحاجة إليه , كما برهنت الحياة على ذلك , كما أنه يمكن أن يوفر مواداً أولية زراعية لتنمية الصناعات الغذائية والتعليب لأغراض السوق المحلي أساساً وللتصدير لاحقاًً.
ولا شك في أن قطاع النفط الخام يستوجب وضع سياسة وطنية مدروسة بعناية تأخذ بالاعتبار عدداً من الأمور الجوهرية التي نشير إلى أهمها , رغم أنها معروفة للكثير من المتابعين لقطاع النفط الخام , ولكن حولها اختلاف وخلاف غير قليل , ومنها :
+ إبقاء اقتصاد النفط ضمن ملكية الدولة للموارد الأولية , فهذه الثروة ملك الشعب للأجيال الراهنة والقادمة والتي يفترض أن تستغل لصالحه ووفق معايير وأسس واضحة وشفافة.
+ تشكيل شركة وطنية واحدة أو أكثر تأخذ على عاتقها إنتاج النفط الخام وتسويقه وفق الأسس والمعايير الدولية ومصلحة الاقتصاد الوطني العراقي.
+ الأخذ بالمبادئ الأساسية التي تضمن للعراق مصالحه في قضايا استخراج وتصدير أو استخدام النفط الخام محلياً , سواء تم ذلك من خلال عقود الخدمة أم (أو ) الحصول على التقنيات الفنية أو التأجير , على أن تعطى الأسبقية للشركات الوطنية العراقية التابعة للدولة. ولا تمنح عقود المشاركة بالإنتاج لتلك الحقول التي اكتشف فيها النفط أو المنتجة فعلاً, إذ في مقدور الشركات العراقية القيام بذلك.
+ يمكن منح عقود المشاركة في الإنتاج في تلك المناطق التي لم يكتشف فيها النفط والتي تستوجب البحث والتنقيب وحفر الآبار ومد الأنابيب .. الخ والتي تحتاج إلى الكثير من رؤوس الأموال. ويتم ذلك وفق أفضل العطاءات وأكثرها في مصلحة العراق , إضافة إلى الأخذ بالاعتبار المعايير والأسس الدولية المعمول بها في سوق النفط الدولي في وقت عقد الاتفاق عند منح مثل هذه العقود , سواء أكان من حيث نسب توزيع النفط المستخرج أم الفترة الزمنية للعقود ...الخ.
+ تجميع وتوزيع موارد النفط الخام مركزياًً وفق الأسس التي أقرها الدستور والقانون الخاص الذي يفترض صدوره لتنظيم توزيع موارد اقتصاد النفط الخام.
+ يجري الصرف على اقتصاد النفط الخام مركزياً من حيث البحث والتنقيب واكتشاف واستخراج النفط الخام وتسويقه.
+ يمكن الاتفاق على عقد الاتفاقيات النفطية من جانب الشركات الوطنية التي تشكل وفق قانون خاص بها شريطة أن تخضع تلك الاتفاقيات لإقرار الحكومة الاتحادية أو اللجنة الخاصة بهذا القطاع لدى مجلس الوزراء من حيث شروط الاتفاقية ومدى مطابقتها للمصالح الوطنية والقواعد والأسس الدولية في هذا المجال.
+ التحديث المستمر والتطوير الدائم لهذا القطاع ليكون على المستوى التقني الدولي الحديث , إضافة إلى التأهيل المستمر لكوادره وتنشيط البحوث العلمية فيه وتأسيس معهد خاص ببحوث النفط والغاز الطبيعي وتكوين الكوادر العلمية.
+ معالجة المشكلات الصحية الراهنة وسط شغيلة قطاع النفط في الحقول الجنوبية الناجمة عن التلوث الإشعاعي نتيجة عمليات استخراج النفط وبسبب ضرب المنطقة بالذخائر المشعة أثناء الحروب.
+ النفط ثروة ناضبة ولا بد من الاستخدام الفعال لها استناداً إلى بعض القواعد المهمة , وهي:
• أن تخضع كميات الاستخراج والتصدير لحاجات العراق المالية وقدراته في استخدام فعلي بعيداً عن الهدر المالي الذي شهدته العقود المنصرمة.
• أن توجه نسبة جيدة ومتزايدة سنة بعد أخرى من هذه الثروة الخامية المستخرجة لأغراض الاستخدام المحلي سواء أكان في التصنيع أم التكرير وإنتاج مشتقاتها.
• أن يجري العمل في هذا القطاع بشفافية عالية وكشف حساباته ومكافحة الفساد المالي فيه ومنع تهريب هذه الثروة بأي طريقة كانت.
+ كما يفترض أن يسعى مشروع الحكومة إلى استخدام بدائل أخرى لإنتاج الطاقة في العراق لضمان استمرار النفط أطول فترة ممكنة في باطن الأرض العراقية واستخدامها من قبل الأجيال القادمة ولن تبور هذه الثورة بأي حال. ومن الممكن استخدام العراق للطاقة الشمسية لأغراض الإضاءة والتدفئة والكثير من المجالات الأخرى , أو استخدام مياه العيون ومساقط المياه لإنتاج الطاقة الكهربائية في أرياف كُردستان أو استخدام الصحراء لمد التوربينات الهوائية أو مولدات الهواء لإنتاج الطاقة.

8
هـ : القطاع الزراعي


يطرح القطاع الزراعي المهمات التالية على الحكومة والمجتمع:
* حل مشكلة الأرض الزراعية التي عجزت قوانين الإصلاح الزراعي الأول والثاني وتعديلاتهما والقانون رقم 90 لسنة 1975 عن حلها , رغم صواب الكثير من المواد التي وردت في تلك القوانين الثلاثة. ولم يكن الخلل في القوانين , وخاصة القانون الأول , بل كان العيب يكمن في السياسات الحكومية فيما بعد وفي دور أجهزة الدولة الإدارية المسؤولة التي كانت في تعارض مع مضمون تلك القوانين , إضافة إلى الصراعات الطبقية والسياسية التي تفاقمت حينذاك. ومن هنا يفترض استصدار قوانين ملزمة تعاقب في حالة عدم التنفيذ .
* تنظيف الأراضي الزراعية والمناطق الحدودية الملوثة بالمواد المشعة والأسلحة الكيماوية وبالألغام المزروعة فيها.
* إن ضرورات تنمية وتحديث الزراعة كثيرة ومعروفة للجميع , ولكنها تستوجب إقرار وتنفيذ مجموعة من السياسات والإجراءات , كما تتطلب تعبئة المجتمع عموماً وسكان الريف والعاملين في القطاع الزراعي خصوصاً , وأهمها:
- العمل من أجل تغيير بنية الإنتاج الزراعي لصالح التنوع وتكامل الدورة الزراعية لتحسين خصوبة الأرض وزيادة الإنتاجية والإنتاج وتحسين مستوى السلع المنتجة والوارد المالي منها. كما يفترض التصدي للجهود السيئة التي تبذل حالياً لإدخال مجموعة من المحاصيل لإنتاج المخدرات على الطريقة الأفغانية التي تهدد الاقتصاد الوطني والمجتمع بمخاطر جدية. وهذا الخطر ليس وهمياً , بل هو قائم حالياً في بعض مناطق الوسط والجنوب وفي شمال العراق وفي كُردستان.


- تحديث أساليب وأدوات ووسائل الإنتاج الزراعية وزيادة استخدام المكننة الزراعية والسماد العضوي والبذور المحسنة والابتعاد عن استخدام البذور التي جرى تغيير كبير ومضر في جيناتها والتي يمكن أن تتسبب في بروز مشكلات صحية للإنسان , كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد فرضت دول الاتحاد الأوروبي إجراءات مشددة ضد استيرادها أو استيراد منتجاتها رغم الضغوط الأمريكية المتزايدة على الاتحاد الأوروبي.
- تأمين التوظيفات المالية والقروض الميسرة والخدمات الزراعية التي تساهم في مساعدة الفلاح على تحسين مستوى إنتاجية الغلة في الدونم الواحد وتحسين النوعية وزيادة مدخولاته المالية السنوية لتحسين ظروف معيشته وحياته.
- العودة إلى إصلاح شبكات الري والبزل التي أهملت والتي أدت إلى زيادة كبيرة في ملوحة الأرض وتراجع خصوبتها وغلتها , إضافة إلى تنظيم مشكلات المياه لحوضي دجلة والفرات والمناطق الأخرى لضمان استخدام عقلاني للماء الذي تزداد سنة بعد أخرى شحته لأسباب عديدة. كما أن استخدامه غير العقلاني والتبذير الشديد فيه قاد ويقود إلى عواقب سلبية على الأرض والمنتجات والإنسان.
- التأثير الإيجابي على أسعار السلع الزراعية من خلال تقديم الدعم المالي لتحقيق التوازن العقلاني في مصروفات وإيرادات الفلاح وحاجاته الفعلية واستمرار عمله في الزراعة.
- بذل جهود حثيثة لتطوير الريف ومده بالخدمات الاجتماعية , وخاصة الطرق والجسور والكهرباء والماء والمدارس والمستوصفات ومراكز الإرشاد الزراعي ومخازن نظامية للخزن السلعي والنقل المناسب للمنتجات الزراعية وتسويقها , ومحطات المكننة وإقامة دور ثقافية ودور عرض الأفلام السينمائية والجوالة ومسارح جوالة ...الخ.
إن هذه وغيرها من السياسات والإجراءات التي ستسهم في تحقيق خمس نتائج مهمة تساعد على تحقيق الكثير من الأغراض التي عجزت نظم وحكومات القرن الماضي إلى الآن على تحقيقها , وهي:
** زيادة في الإنتاجية أو الغلة والإنتاج الزراعي الإجمالي وزيادة الدخل القومي المنتج في الريف وتحسين القدرة على تحقيق التراكم الذاتي أيضاً.
** تقليص الحاجة إلى استيراد المزيد من السلع الزراعية وتقليص الانكشاف على الخارج وتحسين مستوى الأمن الغذائي للسكان وتقليص الموارد المالية الموجهة لأغراض الاستيراد السلعي الزراعي.
** تحسين مستوى حياة ومعيشة وظروف عمل الفلاح وأفراد عائلته وتأمين المجال لبنات وأبناء الريف على التعليم والتزود بالثقافة الحديثة والتمتع بالرعاية الصحية.
** تقريب مستوى حياة الريف من مستوى حياة المدينة تدريجاً بهدف إزالة التفاوت الراهن والكبير بين المدينة والريف خلال العقدين القادمين , رغم تخلف المدينة ذاتها.
** تقليص الهجرة السكانية غير المنقطعة من الريف إلى المدينة والتخفيف من المصاعب التي تعاني منها المدينة حاليا بسبب هذه الهجرة , والعمل من أجل تحقيق هجرة معاكسة مطلوبة قدر الإمكان لصالح الريف والاقتصاد الوطني , كما يسهم في تقليص البطالة الراهنة .


9
و : التجارة الخارجية

يتميز الاقتصاد العراقي بسمة التبعية الكاملة للتجارة الخارجية استيراداً وتصديراً. فصادرات النفط الخام كانت ولا تزال تشكل أكثر من 95 % من قيمة إيرادات التجارة الخارجية العراقية , في حين كانت ولا تزال الحكومات المتعاقبة تصرف النسبة الأكبر من هذا الدخل على استيراداتها السلعية وخاصة الاستهلاكية منها ولأغراض التسلح وحروب النظام الداخلية والخارجية وبذخ الحكام و"عطاياهم" نحو الداخل والخارج. والميزان التجاري العراقي يتسم بالسلبية والتشوه بدون النفط ولكن يتحول إلى الحالة الإيجابية , مع استمرار التشوه , مع إيرادات النفط الخام. ويتطلب هذا الواقع إجراء تغيير تدريجي وجذري في بنية التجارة الخارجية العراقية استيراداً وتصديراً. ومثل هذه العملية ستستغرق وقتاً طويلاً , ولكن لا بد من البدء بها.
إن أي عملية تنمية فعلية مستديمة ومتطورة تستوجب في المرحلة الراهنة إخضاع التجارة الخارجية لخمسة عوامل أساسية . وهي :
** وضعها في خدمة عملية التنمية الصناعية والزراعية والتعليمية والثقافية والبيئية.. , أي التنمية الاقتصادية والبشرية ومن أجل تحقيق تراكم عقلاني مستمر للثروة الوطنية.
** الإشباع المناسب لحاجة السوق المحلية للسلع الاستهلاكية والاستهلاك الدائم مع الاهتمام بنوعية السلع المستوردة.
** كما يفترض أن تلعب الدولة ولسنوات طويلة قادمة دور المنظم والمؤثر إيجاباً على حركة وفعل قانون العرض والطلب لضمان استقرار الأسعار وخلق توزان عقلاني بينها وبين الأجور والمدخولات السنوية للأفراد والعائلات من ذوي الدخل الواطئ والمحدود , وخاصة بالنسبة لأكثر السلع أهمية وضرورية لنسبة كبيرة جداً من السكان.
** تنويع مصادر الدخل القومي من خلال زيادة دور المنتجات الصناعية والزراعية غير النفط الخام والغاز الطبيعي في إجمالي صادرات العراق.
** السعي لتحقيق التوازن التدريجي في الميزان التجاري العراقي مع الدول المختلفة وبين الصادرات والاستيرادات , والتي يمكن أن تؤثر إيجاباً على ميزان المدفوعات.


10
ز : السياسة المالية


_ يفترض أن يتضمن المشروع الوطني والديمقراطي الحديث سياسات مالية ونقدية , سياسات مصرفية وتأمينية وضريبية حصيفة تعتمد على الإستراتيجية التنموية ومجمل العملية الاقتصادية التي يسعى إلى بلورتها النظام السياسي القائم , إذ من المهم بمكان أن يفهم واضعو المشروع عدة مسائل حيوية في هذا الصدد , وهي:
- تشكل السياسة المالية والنقدية الأداة الفعلية لتنفيذ السياسات الاقتصادية , أي لتحقيق أهداف التنمية والعملية الاقتصادية المقررة سلفاً.
- اعتماد مبدأ توزيع الموارد المالية المتأتية من النفط الخام المصدر باتجاهين , هما: 70% منها لأغراض التنمية الاستثمارية , و30% منها لأغراض الخدمات الاستهلاكية أو ميزانية الدولة الاعتيادية والتحكم العقلاني بالواردات والصادرات في الميزان التجاري وميزان المدفوعات والميزانين الاستثماري والاعتيادي.
- اعتماد مبدأ الضريبة التصاعدية المباشرة على الدخل الفردي ودخل المؤسسات والشركات على نحو خاص وضمان سياسة جمركية عقلانية تسهم في دعم التنمية الصناعية والزراعية وتصريف الإنتاج المحلي.
- إيلاء اهتمام كبير بتوزيع وإعادة توزيع واستخدام الدخل القومي بما يسهم في إنماء الثروة الوطنية وتحقيق التراكم الرأسمالي وضمان استفادة الكادحين من الخدمات الاجتماعية المختلفة التي يفترض أن توفرها الدولة للمجتمع على نطاق واسع.
- الاستمرار في تأمين البطاقة التموينية على نطاق واسع بالنسبة لكل الناس من ذوي الدخل الواطئ والمحدود والعاطلين عن العمل والعجزة والمرضى والمعوزين. ويفترض أن تقطع عن فئات اجتماعية غير قليلة ما دام في مقدور السوق المحلي تأمين السلع للقادرين على اقتنائها.
- عدم الكف عن دعم الأسعار بالنسبة للسلع الضرورية , وخاصة الغذائية ، الطبية ، المحروقات , وملابس وأحذية ولعب الأطفال الذكية , التي يعجز المحتاجون لها من ذوي الدخل الواطئ والمحدود عن اقتنائها.
- دعم السلع الزراعية الأساسية ذات الاستعمال الشعبي الواسع والضروري لضمان الاستمرار في إنتاجها وزيادة وتحسين إنتاجها بدلاً من التوقف عن إنتاجها.
- اعتماد سياسة تأمين وإعادة تأمين متقدمة تسهم مع طبيعة دورها الاقتصادي على حماية الموارد الاقتصادية واستخدام المتراكم منها لصالح التنمية الوطنية واعتماد الأسس الحديثة والشروط الدولية السليمة التي تساعد على حماية الاقتصاد الوطني وعدم إلحاق أضرار به. أن شركات التأمين وإعادة التأمين الوطنية وجدت لتواجه الكوارث المحتملة وتراكم رصيداً يسعى لتعويض ما يمكن أن يتحمله المجتمع ن ( من ) خسائر بسبب تلك الكوارث الطبيعية أو البشرية.

11
الفساد المالي والإداري


ابتلى العراق , مثل الكثير من دول العالم النامي , وكذلك الدول المتقدمة صناعياً كلها تقريباً وإن كانت بدرجات متفاوتة , بالفساد المالي والإداري منذ عقود أربعة بشكل خاص. وإذا كان الإنسان يصطدم في فترة العهد الملكي بالفساد المالي والإداري , فقد تمثل بمبالغ جزئية وبانتشار المحسوبية والمنسوبية , إضافة إلى التمييز القومي والديني والمذهبي , وبحدود واضحة. ولكنها كانت ظواهر ولم تكن نظاماً سائداً. ولكن تحولت في العهد البعثي الأول والعهد العارفي والعهد البعثي الأخير بشكل خاص إلى نظام متكامل من الفساد المالي والإداري , وخاصة بعد الفورة النفطية في منتصف السبعينات , وتفاقمت في فترة الحرب العراقية-الإيرانية وبعد غزو الكويت وحرب الخليج الثانية وفرض الحصار الدولي. وبعد سقوط النظام البعثي وفرض الاحتلال وسلطاته الإدارية والعسكرية نما الفساد المالي والإداري وتفاقم بشكل مريع بحيث أصبح أمراً مقبولا تتعامل به الدولة والحكومة والمجتمع والشركات الأجنبية على حد سواء ودون حياء أو خشية. ولم تعد تشمل بعض الملايين من الدولارات الأمريكية , بل المليارات منها. وهو أمر مرير ويلحق أفدح الأضرار بالاقتصاد الوطني والمجتمع والفرد في آن واحد , وهو والإرهاب وجهان لعملة واحدة. فكيف السبيل إلى مواجهته؟ لا بد من وضع رؤية ونظام عمل وآليات دولية مجربة لمواجهة الفساد على صعيد الدولة والمجتمع
12

ثالثاً: الخدمات الاجتماعية (البنية التحتية)

كان قطاع الخدمات الاجتماعية واحداً من أكثر القطاعات الاقتصادية الذي تعرضت مشروعاته الأساسية إلى التدمير الواسع النطاق خلال الحروب المنصرمة. وكانت حرب الخليج الثالثة والأخيرة أكثرها تدميراً للبنية التحتية والقاعدة المادية لأي عملية تنمية اقتصادية وبشرية. فقد دمرت على نطاق واسع محطات الكهرباء والهاتف والاتصالات وشبكة تنقية مياه الشرب ومئات المدارس والمستوصفات والمستشفيات والطرق والجسور ووسائط النقل السلعي والبشري والمخازن والمؤسسات الحكومية ومراكز جمع المعلومات والكثير من محطات المكننة الزراعية ومصافي تكرير النفط الخام وإنتاج المنتجات النفطية ومحطات التوزيع.. الخ. لقد كانت هذه العمليات العسكرية ذات بعدين: أولهما تعطيل قدرة النظام على استخدامها لصالح عملياته العسكرية في الحرب , وثانيهما الانتقام من المجتمع , على حد تعبير شوارتزكوف (قائد العمليات العسكرية الأمريكي في حرب الخليج الثانية في العام 1991), بسبب تأييد الشعب لصدام حسين! وكم كان هذا الرجل جاهلاً وقاسياً وجائراً بحق الشعب العراقي وانطباعه عنه. وبعد مرور أكثر من سبع سنوات على نهاية الحرب الأخيرة لا يزال الشعب العراقي يعاني بشدة من نقص خدمات كبير جداً في هذه المشاريع الأساسية. ولهذا تتحمل الحكومة مسؤولية التعجيل بإقامة مشاريع البنية التحتية (الهياكل الارتكازية) التي يستحيل تحقيق أي عملية تنمية بدون أن تتوفر مشاريع واسعة لهذا القطاع. ومع البدء بتجديد أو بناء مدارس جديدة أو مستوصفات للرعاية الصحية أو إعادة بناء الجسور ومحطات الكهرباء وإسالات الماء , فإن المجتمع لا يزال مصابا بصدمة هائلة من جراء تلك الضربات القاتلة والمدمرة التي وجهت لتلك المشاريع والتي حولت العراق إلى قاع صفصفٍ تقريباً وأعادته لفترة ما قبل التصنيع في العراق. لا شك في أن الوضع في إقليم كردستان العراق هو أفضل بكثير من بغداد والمنطقتين الوسطى والجنوبية , إذ أن هناك عملا دؤوبا في الإقليم في مجال البنية التحتية وتحقق الكثير الإيجابي في هذا الصدد.
13
ولا بد من وضع مشروع يتضمن توجيه المزيد من الأموال والأيدي العاملة والمواد الأولية وتكليف شركات محلية وإقليمية ودولية لإنجاز مشاريع الكهرباء والماء والهاتف بسعات إنتاجية عالية تكفي لتغطية حاجة الطلب المحلي خلال السنوات الخمس القادمة مع رؤية إستراتيجية لإنتاجها , إضافة إلى تضمين المشروع بقية المشاريع التي تستوجبها البنية التحتية لتكون في خدمة التنمية وتسمح لرؤوس الأموال الأجنبية بولوج العراق فعلاً والاستثمار فيه في مجالات الطرق والجسور والنقل الداخلي والرعاية الصحية والنقل. ويمكن أن تنجز هذه المهمات على ثلاثة مستويات:
** المستوى المركزي حيث تقوم الوزارات المختصة في الحكومة المركزية بإقامة مشاريع في تلك القطاعات وتصرف عليها من الخزينة المركزية , مثل الكهرباء والهاتف والماء والطرق والجسور والسدود والنقل بين المحافظات ونحو الخارج والمدارس والمستشفيات ...الخ.
** المستوى المحلي حيث تقوم الوزارات المختلفة في حكومة الإقليم والمديريات الخاصة في كل قطاع خدمي والتابع للمحافظات بإنجاز ما يتم عليه الاتفاق من تقسيم عمل لإقامة مشاريع البنية التحتية في مجال عملها.
** مستوى القطاع الخاص المحلي الذي يمكنه أن يشارك في إقامة الكثير من هذه المشاريع على مستوى المركز أو الإقليم أو المحافظات.
ولا بد في هذا الصدد الاهتمام بثلاث مسائل أساسية , وهي:
- التعاون الوثيق والتنسيق التام بين جميع هذه المستويات لصالح التعجيل في إنجاز المشاريع لتقديم الخدمة المفقودة أو الناقصة للسكان.
- توفير الموارد المالية والمواد الأولية في أوقاتها لضمان إنجاز المشاريع دون تأخير , إضافة إلى تامين الأيدي العاملة القادرة على العمل فيها.
- الرقابة والإشراف والمتابعة الرسمية والشعبية على إنجاز هذه المشاريع لضمان السرعة والالتزام بوقت البرامج ؛ الالتزام بالتخصيصات المحددة وعدم تجاوزها ؛ الالتزام بالرقابة النوعية والمواصفات المحددة ؛ الشفافية في الصرف ومنع السرقة والنهب للمواد الأولية أو الأموال المخصصة أو قبول الرشوة لمنح المقاولة للعطاءات غير الجيدة أو إهمال المواصفات النوعية المقررة .. الخ.
إن المعلومات المنشورة في الإعلام الدولي والمحلي وعلى مستوى المنطقة تشير إلى اكتشاف ووجود فضائح كبيرة تزكم الأنوف , بسبب وجود وسيادة فساد مالي وإداري فظيعين في هذه المجالات والتي تمارسها ثلاث جهات هي: الشركات الأجنبية , وخاصة الأمريكية والعملاقة منها على وجه الخصوص , والشركات المحلية المتنفذة وذات العلاقات العائلية والعشائرية والحزبية والإقليمية بالمسئولين السياسيين , وأجهزة الدولة المسؤولة.

14
رابعاً : الحالة النفسية

إذا كان الشعب العراقي قد عانى في فترة الحكم الملكي من تشويه بنود الدستور والتجاوز على الديمقراطية في مواده عند وضع القوانين أو في الممارسة العملية في العلاقة مع الفرد والمجتمع وقوى المعارضة السياسية , وإذا كان الشعب في غالبيته قد أصيب , من خلال تلك السياسات ودور المؤسسة الدينية والعلاقات العشائرية والبطالة والبؤس الاجتماعي والثقافي والاستغلال , بانفصام الشخصية والفردية والخشية من المستقبل أو تعمق كل ذلك لديه , فإنه كان يتوقع بعد قيام ثورة تموز 1958 أن تصحح تلك المسارات وأن تسير العملية السياسية بالاتجاه الصحيح لمعالجة مشكلات الدولة والحكم والمجتمع. إلا أن هذا لم يحصل , بل تفاقم التناقض والصراع وتزعزعت الثقة أكثر فأكثر بعد تنفيذ انقلاب شباط الدموي ضد الحكومة الوطنية لعبد الكريم قاسم في العام 1963 , رغم الأخطاء الكبيرة والفردية وسلبيات بعض سياساته وخاصة في مجالات الحريات العامة والديمقراطية وغياب الحياة الدستورية. وما أعقب ذلك من انقلابات سياسية عسكرية حتى سقوط النظام الدكتاتوري في العام 2003.
إن العقود الخمسة المنصرمة تشير إلى معاناة الشعب العراقي من حالة الغربة والاغتراب في وطنه. وهي غربة واغتراب مركبة وذات عواقب خطيرة على الفرد والمجتمع. فالفرد يعاني من اغتراب ذاتي , اغتراب في عائلته ومنها , اغتراب في مجتمعه ومنه , اغتراب في دولته ومنها , اغتراب في دينه ومنه , ثم اغتراب في قوميته ومنها. وعلينا أن نسجل بوضوح بأن حالة الاغتراب المركبة والمعقدة تشمل الماضي , بسبب الحنين المرضي والمشوه لهذا الماضي , كما تحمل معها اغتراباً من المستقبل لخشية منه وما يمكن أن يجلبه معه. ولا شك في أن هذا الاغتراب قد نشأ بفعل عوامل كثيرة تقف في المقدمة منها الفردية والانفراد بالسلطة والجور والقسوة والقمع وغياب العدالة الاجتماعية عن سياسات الدولة والحكومات المتعاقبة وتغييب إرادة الفرد ومصادرة حقوقه وتشويه واجباته , وهي نتيجة لتربية وثقافة بالية تعود لقرون خلت في ظل العلاقات الأسرية والأبوية والعشائرية المتخلفة والعلاقات الإقطاعية وشبه الإقطاعية الاستغلالية البالية , كما أنها ترتبط بالمؤسسة الدينية وشيوخ الدين الذين يقرنون كل ما يحصل للإنسان بقوة غيبية هي الله لا غير وعلى الإنسان أن يتحملها ويخضع لها فهي بمثابة امتحان لصلابة وصدق إيمان الإنسان! كما أنها حصيلة التخلف الذي يعاني منه المجتمع واستمرار وجوده في تلك العلاقات القديمة والبالية , رغم ما يحيط به من عالم جديد لم يأخذ منه سوى القشور اليابسة غير المفيدة حتى الآن , ولكنها كانت كافيةً لتنشأ عنها تناقضات وصراعات غير قليلة تجسد العلاقة الجدلية بين الماضي والحاضر , بين القديم والجديد , بين الماضي الحاضر والمستقبل.
15
إن عواقب ذلك متنوعة على الفرد والمجتمع , فهي تقود إلى غيبوبة واغتراب الفرد والمجتمع عن الواقع القائم والغوص في الغيبيات أو التمرد عليها , وهي تقود إلى العزلة عن الذات والمجتمع وعن الدولة , كما أنها تعني احتمال الخروج عن القيم التي فرضتها الدولة عبر الزمن وما يمكن أن ينشأ عنها من عواقب. وفي مثل هذه الأوضاع تشتد حالة انفصام الشخصية باعتبارها حالة مرضية شديدة الأثر على الإنسان وعلى مجتمعه والدولة التي تسببت فيها ويعيش في ظلها. وتبرز حالة من الانتهازية والتدافع بالمناكب والغيرة والحسد والكراهية والحقد والكذب والخداع وتزداد حالات الانتحار. وأكثر الفئات الاجتماعية تعرضاً لمثل هذه العلل هي الفئات الكادحة العاجزة لوحدها عن معالجة مشكلاتها وما تنشأ عنها من تعقيدات , كذلك فئات البرجوازية الصغيرة.
الاستبداد والقسوة والعقوبات القاسية والشديدة كلها تحد من خروج هذه العلل عن طورها في غالب الأحيان ولا تظهر على السطح , ولكن غياب هذا الاستبداد بالإطاحة بالدكتاتور الفرد أو الحزب أو الدولة يقود إلى حرية غير محددة وغير مفهومة , إلى انفلات وحرية مطلقة , والتي لا تعني الحرية بمعناها السليم بأي حال. إنها فوضى الحرية وحرية الفوضى بكل معنى الكلمة. وهذا عين ما حصل في أعقاب سقوط الدكتاتورية في العراق وهو نتاج تلك الدكتاتورية ونتاج سياسة احتلال مقيتة.
وإذا كانت نسبة غير قليلة من أفراد المجتمع لم تلجأ إلى ممارسة أشكال مضخمة من الإرهاب الدموي في العراق بسبب سياسات وإجراءات الدكتاتورية الغاشمة , إذ كان الشعب قد عاش تحت وطأة الخشية والموت المحقق والحصار الاقتصادي الدولي الذي أذل وجوع الغالبية العظمى من سكان العراق , فإنها , رغم ذلك , لم تقصّر مجموعات غير قليلة من البشر في ممارسة عمليات الخطف والتهديد والقتل الفردي والسطو على البيوت والسرقة والاحتيال ونهب أموال الدولة أو المتاجرة بالجنس وأعضاء جسم الإنسان حتى بلغ عدد المعتقلين المشاركين في مثل هذه العمليات الإجرامية في فترة حكم صدام حسين عشرات الألوف , في حين كانت هناك عشرات ألوف أخرى لم تعتقل لأنها كانت في حماية المسؤولين أو لأسباب أخرى. ومن اعتقل منهم أطلق النظام ألصدامي سراحهم قبل بدء حرب الخليج الثالثة لكي يعيثوا بعد سقوطه في الأرض فساداً ويشيعوا الفوضى والموت والنهب والخراب في البلاد. وهذا ما حصل فعلاً. وبعد سقوط النظام تحولت تلك العمليات , ومع دخول تنظيمات إرهابية جديدة وتشكيلات الجريمة المنظمة إلى العراق والقوى المعادية للتغيير الذي حصل في العراق , إلى نشاطات إرهابية فردية وجماعية واسعة النطاق شاركت فيها نسبة معينة من أولئك المصابين بهذه العلل النفسية والعاهات المرضية , بسبب الفراغ والانفلات الذي تسببت به وسمحت له قوى الاحتلال تحت شعار " ليتمتع الشعب بحريته بعد أن حرم منها طويلاً !" , وكانت الطامة الكبرى التي لا يزال يعاني منها الشعب. وعلى هذا الأساس فالمجتمع العراقي مريض عصبياً وعليل نفسياً ومشوه ثقافياً وقيماً وسلوكيات بالرغم منه وليس باختياره. إذ أن كل فرد فيه يعاني من هذا المرض أو العلة أو من كل تلك الأمراض والعلل , وكذلك المجتمع بشكل عام. وهي حالة ليست نادرة في بلدان عاشت أو يمكن أن تمر بتجارب مماثلة.
16
إن علينا أن نقرر بأن هذه العلل لن تزول في فترة قصيرة ولن تزول دون معالجات جادة وعبر حزمة من الإجراءات السياسية والاقتصادية والصحية والنفسية والثقافية والاجتماعية والبيئية. وهذا يعني أن العراق بحاجة إلى مشروع وطني ديمقراطي طويل الأمد يمتد إلى مدى ربع قرن قادم ويتضمن:
• تأسيس معاهد ومراكز للبحث العلمي تابعة للدولة تقوم بدراسة ميدانية للأوضاع العصبية والنفسية في العراق وتشخيصها والسعي للتحري عن معالجات فردية وجماعية لها.
• الاستعانة بخيرة الكوادر العراقية والعربية والدولية في هذا المجال وتوظيفها في تلك المعاهد وفتح عيادات خاصة لهذا الغرض.
• التعاون الوثيق والتنسيق في مجال البحث العلمي وتبادل الخبرة والكوادر والتأهيل مع معاهد دولية لها خبرة في أوضاع الإنسان بعد المرور بفترات من الدكتاتورية والحروب والحصار الاقتصادي الدولي فترات الجوع والحرمان والخوف والقمع في آن.
• تطوير سياسات الصحة النفسية , الوقاية والعلاج والتأهيل وإرشادات الدعم النفسي والاجتماعي والسياسي وتفعيل دور المؤسسات الدولية في دعم الخدمات النفسية , وكذلك تنشيط دور وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في هذا المجال
• البدء بإدخال نتائج تلك المعالجات في عمليات التربية والتثقيف العائلي والمدرسي وفي المعاهد والجامعات لتأمين معرفة الإنسان بما يعاني منه وسبل معالجته.
• ولكن قبل هذا وذاك وأثناء ذلك لا بد من العمل لإزالة كل الأسباب التي أدت إلى بروز هذه الأوضاع والعقد والمشكلات النفسية والعصبية لدى الإنسان العراقي , وبشكل خاص في صفوف الأحزاب والقوى السياسية والحكومة , إذ أنها كانت في واقع الأمر السبب وراء ما يعاني منه الشعب في الوقت الحاضر. ففردية الأحزاب والطاعة التي تفرضها نظمها الداخلية وقياداتها والصراعات التي تثيرها والطائفية أو العنصرية والشوفينية التي يدين بها البعض من تلك الأحزاب , وروح الاستبداد والقسوة وإقصاء الآخر كانت وراء ما يعاني منه الإنسان العراقي.
• إن البرنامج الذي يفترض أن يوضع في هذا الحقل يستوجب أن يضعه متخصصون في الطب والبحث النفسي والاجتماعي وفي الاقتصاد والثقافة والتربية والتنوير الديني والاجتماعي ..الخ ليكون برنامجاً جدياً ومتعدد الجوانب وقادراً على التأثير وتحقيق نتائج إيجابية خلال ربع القرن القادم.

17
خامساً : التربية والتعليم


لقد شهد هذا القطاع الخدمي الأساسي أسوأ عمليات الهيمنة والتسلط من جانب الحكم البعثي الذي هيمن على رقاب الشعب ومارس أسوأ وأكثر إجراءات التغيير والتشويه والعبث بعقول الناس وعواطفهم وتطلعاتهم ومستقبلهم. فقطاع التربية والتعليم يعتبر المسؤول الأول عن إيصال أسس التربية العلمية والقيم الرفيعة والفكر الحر الديمقراطي والثقافة العامة للأطفال والصبية الشباب في مختلف مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي من ثم التعليم والجامعي. فحزب البعث أدخل إلى كل هذه المجالات ليس الفكر القومي الشوفيني الممجد للقومية العربية على حساب القوميات الأخرى حسب , بل وفرض عليها الفكر الشمولي والقوة ومفهوم العنف , وأن "الحق لا يمنح بل ينتزع":
السيف أصدقُ أنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب هذا المفهوم القبلي الذي يعود إلى عهود الصحراء والقبيلة والترويج لمبدأ حق الغزو والحرب "لاستعادة أو امتلاك الحق!" فالحق والقوة صنوان لديهما. لقد روج وعمق الفكر الفاشي الممجد للفرد الدكتاتور وحزبه وأهدافه العدوانية وعسكرة المجتمع واعتبار القوة والحرب هما الوسيلة للوصول إلى الحقوق والتوسع. لقد كانت تربية قومية ودينية متفاعلة ومتبادلة التأثير ومشوهة للمسألتين. لقد كانت عواقب ذلك شديدة السلبية على عدد من الأجيال التي ولدت قبل وصول البعث وتربت وتعلمت على أيدي كوادره الحزبية والحكومية. وقد عرفت هذه المجالات إبعاداً للديمقراطيين والتقدميين والفكر الديمقراطي والتقدمي الإنساني الحر والمستقل.
ولهذا فأن العمل في هذا المجال كان وما زال شديدة الصعوبة ومعقدا للغاية وأحياناً يحمل معه مخاطر غير قليلة ويستوجب جهوداً كبيرة وحثيثة ومديدة. إلا أن المشكلة برزت في أن من أخذ على عاتقه تغيير وتعديل المناهج في بغداد ومدن الوسط والجنوب هم من العناصر الدينية السلفية الأكثر تخلفاً في المؤسسة الدينية والأكثر استبداداً وشمولية. مما جعل ما يطرح على الأطفال ليس الفكر الديمقراطي , بل الفكر الديني السلفي والشمولي والعقلية التي تدمج بين الفكر القومي الشوفيني المبطن والمقترن بالفكر الديني السلفي والغيبي. ماذا يعني ذلك ؟
إن هذا يعني أن العراق أصبح الآن بحاجة ماسة جداً إلى إجراء عملية تغيير جذرية في الفكر الديني الطائفي السائد حالياً والمشحون بممارسات القوة والعنف واستئصال الأخر التي مورست خلال السنوات السبع الأخيرة. فمناهج التربية والتعليم الجديدة لا تختلف كثيراً عن سابقاتها كثيرا, إذ أفُرغت هذه المرة من كل ما تبقى فيها من جوانب علمية وحشيت بالفكر الغيبي المتخلف والبعيد عن واقع الحياة. وستقع على عاتق الدولة , إن قررت السير في طريق التطور الديمقراطي الحر , أن تبدأ بتشكيل لجان متخصصة من عناصر علمية وديمقراطية مستقلة وواعية تضع مناهج التربية والتعليم لمختلف مراحل الدراسة وتلتزم بالعلمية والموضوعية والفكر الديمقراطي الحر المتفتح والحواري من أجل بناء أجيال جديدة بهذا الاتجاه. إنها مهمة معقدة وستواجه صراعاً عنيفاً من جانب قوى الإسلام السياسية , سواء أكانت شيعية أم سنية , ومن جانب القوى القومية الشوفينية في آن , ولكن لا بد من خوض هذه المعركة الفكرية التنويرية والديمقراطية من أجل أن يكون للعراق مشروعه الوطني والديمقراطي الاتحادي الحديث في مجال التربية والتعليم الحديث. وأكثر المسائل أهمية في هذا المجال هو إبعاد الدين عن المناهج الدراسية لجميع المراحل واعتماد العلم والمنهج الجدلي في وضعها واستخدام الأساليب الحديثة في التربية والتدريس. فالمجتمع لا يحتاج إلى محو أمية القراءة والكتابة حسب , بل إلى عملية تنوير دينية واجتماعية عميقة وجذرية وتخليص الإنسان العراقي من الفكر الديني السلفي الشمولي المغرق بالتخلف ومعاداة العلم والتقدم والحداثة والمليء بفكر القوة والعنف واستئصال الآخر. ومن يتابع ما جرى ويجري في العراق خلال السنوات السبع المنصرمة يدرك أي درك سحيق وصل إليه فكر الإنسان العراقي وغياب العقل وهيمنة العاطفة البدائية على سلوكه وتصرفاته. وهي حصيلة منطقية لتغييب أو إزالة ما أقيم من قيم وقواعد وسلوكية مأخوذة من أسس المجتمع المدني. سنوات سبع عاش المجتمع في ظل التوحش والعدوانية , وإن استمرارها يقود إلى عواقب مريرة , والبدء بمكافحتها يتطلب وضع وتنفيذ المشروع الوطني والديمقراطي الحديث والشامل لتحقيق التغيير الجوهري المنشود في العراق.
يعاني التعليم في العراق من تراجع شديد في مجال استيعاب التلاميذ. فالمعلومات المتوفرة تشير إلى ثلاث حقائق جوهرية تعكس بسلبياتها الحادة الآن وفي المستقبل على المجتمع بأسره:
1. "نحو خمسين بالمئة من أطفال العراق هم اليوم خارج المدارس , أي "أن هؤلاء الأطفال يتوزعون بين الشوارع , والأسواق التجارية , وورش العمل (أعمال السمكرة , وصيانة السيارات , وغيرها ...).
2. قلة وبؤس أبنية المدارس وتضخم عدد الطلبة في الصف الواحد واستخدام الأبنية لأكثر من وجبة تعليم في اليوم الواحد , وقلة وضعف مستوى الهيئة التعليمية وما ينجم عن ذلك من صعوبة وصول المعلومات والعناية بالطلبة ومستواهم التعليمي , إضافة إلى التسرب الكبير والمتواصل من مراحل الدراسة الابتدائية والثانوية. وأن هذا الواقع يعكس تأثيره السلبي على الجامعات التي تعاني هي الأخرى من مصاعب جمة.
3. إن وجود هذا العدد الكبير من الصبية خارج العملية التعليمية المرتبط بالحاجة المعيشية لعائلاتهم قد أدى ويؤدي إلى بروز علل اجتماعية كبيرة بما فيها سقوط الصبية , أولادا وبنات , ضحايا سهلة بأيدي المتاجرين بالجنس وعصابات التسول والجريمة المنظمة ...الخ.
وعلى صعيد إقليم كُردستان فقد توفرت فرصة كبيرة لتطوير التعليم وتغيير مناهج التربية والتعليم التي فرضت على نظام التعليم في العراق , ومنها الإقليم , بعد العام 1991/1992. وعبر السنوات المنصرمة تحققت خطوات مهمة على هذا الطريق وتخلص النظام التعليمي في الإقليم من الفكر الشوفيني والفاشي العسكري الذي كرسه نظام البعث في العراق. تأسست في الإقليم سبع جامعات حكومية موزعة على ثلاث محافظات وأقضيتها , إضافة إلى العديد من الجامعات والمعاهد الأهلية وكذلك الجامعة الأمريكية في السليمانية الجديدة في السليمانية. ورغم أهمية هذا العدد , فإنها من الناحية النوعية لا تزال ضعيفة في جهازها التعليمي وقدراتها العلمية والفنية ومختبراتها وما يحتاجه البحث العلمي. كما أن هناك ضعفاً في مراكز البحث العلمي وندرة الأبحاث العلمية. وقد ازداد عدد التلاميذ والطلبة في المدارس والمعاهد والجامعات الكردستانية.
من الضروري تبادل المعارف والخبرة مع نظم التعليم العالمية الحديثة من جهة , كما يمكن تحقيق التعاون على مستوى العراق ومع المركز في بغداد للتأثير الإيجابي على المركز بسبب الصعوبات التي يواجهها في هذا الصدد باتجاه جعل التعليم مدنيا علمانيا وديمقراطيا حديثا وبعيداً عن الفكر القومي الشوفيني أو ضيق الأفق القومي أو التعليم الديني غير المتنور.
والعراق بحاجة ماسة إلى إقامة شبكة واسعة جداً من المدارس الابتدائية والثانوية ومعاهد للدراسات المهنية والفنية على صعيد القطر كله , مدارس تتميز ببنايات نظامية ومؤهلة للتدريس ومجهزة بمستلزمات الدراسة ومزودة بالمختبرات الضرورية وورشات للتدريب والتأهيل وفيها كل وسائل تطوير الفنون والرياضة .. الخ , وجهاز تعليمي وتدريسي واسع من النساء والرجال مؤهل للمهمات الكبيرة ويشارك باستمرار في دورات تأهيلية حديثة.
18
سادسا : العلوم ومراكز البحث العلمي


ليس التخلف الذي يعاني منه العراق مرتبطا بغياب الإنتاج المادي واعتماده على الاستهلاك السلعي المستورد , وليس في قلة التقنيات الحديثة المستخدمة في الاقتصاد الوطني , ولا في ضعف معدل حصة الفرد الواحد من الدخل القومي ووجود بؤس وفاقة حسب , بل وبالأساس في تخلف العلوم والتقدم التقني والبحث العلمي وفي ضعف مستوى تطور القوى المنتجة البشرية والمادية التي ينتج عنها كل ما أشير إليه سابقاً , أي أن تلك الظواهر والمظاهر ليست سوى النتيجة , في حين أن السبب يكمن في طبيعة علاقات الإنتاج القائمة في البلاد والمهيمنة على الحياة العامة والمانعة لتطور الإنسان وقواه وقدراته الفعلية. وهذا الحقيقة ليست خافية على الكثيرين من بنات وأبناء الشعب العراقي , ولكن غالباً ما يشار إليها وكأنها السبب في واقع العراق القائم , في حين إنها نتيجة , وأن السبب يكمن في مكان آخر. وإزالة هذا التخلف السائد في علاقات الإنتاج والقوى المنتجة لا يغطيه شراء العلوم والتقنيات الحديثة من الخارج , بل يفترض أن يكون المجتمع قادراً على استخدامها وتطويرها وتطويعها ووضعها في العملية الإنتاجية , وهذا يعني ضرورة تطوير التربية والتعليم في جميع مراحله من جهة , وتطوير مراكز البحث العلمي التطبيقي والصرف من جهة ثانية , وزيادة عدد الكوادر العلمية المتجهة صوب البحث العلمي الجماعي (فرق بحثية) الذي يمكنه أن ينشئ قاعدة علمية وفنية حديثة لتطوير الاقتصاد من خلال تطوير قوى الإنتاج من جهة ثالثة. تمكن النظام السابق من تطوير خمسة أنواع من مراكز البحث باتجاهات عدة وحقق نجاحات مهمة فيها معتمداً في ذلك على كوادر متخصصة عراقية وعربية ودولية , كما وضع تحت تصرفها المليارات من الدولارات الأمريكية المتأتية من عوائد النفط الخام , وهي :
** مراكز علمية للبحث في مجال تطوير العلوم العسكرية والبحث فيها وكتابة رسائل ماجستير ودكتوراه وبحوث تطبيقية بهذا الصدد ودراسة المعارك المحلية والعربية والإقليمية والدولية السابقة.
** البحث في تطوير إنتاج الأسلحة بمختلف أنواعها بما فيها أسلحة الدمار الشامل بالاعتماد على شراء خبرات ومعارف دولية من الشرق والغرب والبلدان النامية والدول العربية ومنح أموالا ببذخ كبير لهؤلاء الخبراء ومن أجل شراء التقنيات والأسرار الضرورية لصنعها. كما أبدى اهتماماً ملموساً بالبحوث العلمية في مجال النفط وتطوير الكوادر باعتباره القطاع الجالب للأموال.
** تطوير البحث في مجال الأمن والاستخبارات والمخابرات ومطاردة ومكافحة القوى المناهضة. وقد ساعدته في هذا الصدد كل الدول الشرقية والغربية وبعض الدول المجاورة وفي فترات مختلفة.
** تطوير مراكز البحث في مجال الإعلام وسبل نشر الضبابية والتشويش الفكري ونشر المعلومات المسيئة للقوى المناهضة له معتمداً على مقولة جوزيف غوبلز , وزير الدعاية السياسية في عهد هتلر: "اكذبوا ثم اكذبوا ثم اكذبوا , لعل بعض أكاذيبكم تعلق بأذهان الناس!
** مراكز بحث لتمجيد القائد وحزب القائد وتاريخ الأمة العربية وإعادة كتابة التاريخ ونسبه بطريقة مشوهة لذلك التاريخ ومسيئة للقوميات الأخرى , وهي في كل الأحوال لم تكن في صالح العرب , إلى أن أصبح صدام حسين سليل علي بن أبي طالب , كما نادى البعض في مصر في آخر عهد فاروق بأنه خليفة المسلمين ويعود في نسبه إلى النبي محمد بن عبد الله.
إن كل ذلك لم يساعد على خلق مجتمع متقدم لأنه لم يستند إلى أسس تغيير بنية الاقتصاد والعلاقات الإنتاجية واتجاهات التنمية والوعي الاجتماعي بشكل صائب , بل كان موجهاً صوب تعميق ونشر الحقد والكراهية والحروب والهيمنة والذهنية العسكرية. فكانت النتيجة أن أصبح العراق حطاماً وهي تركة طبيعة للدكتاتورية التي سادت العراق والدكتاتور صدام حسين الذي حكم العراق قرابة 35 عاماً.
ولهذا لا بد من التوجه صوب العلوم ومراكز البحث العلمي بالاقتران مع عملية تغيير علاقات الإنتاج وتنمية الإنسان وتربيته وتعليمه وتنويره والجماعية في البحث العلمي وفي مختلف مجالات العلوم والتقنيات الحديثة والدراسات التطبيقية وتحقيق التعاون الدولي في هذا المجال.
إلا أن مراكز البحث العلمي لا تستوجب توفير الكوادر والأموال والإدارة الجيدة والارتباط بينها وبين بقية مراكز البحث العلمي والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والمناهج والدراسات الجامعية ومختلف الحقول الثقافية .. الخ حسب , بل تستوجب الحرية الأكاديمية والديمقراطية التامتين في التدريس والبحث العلمي وفي الانفتاح على العالم والعلوم والثقافة وإبعاد الدين عن مجالات ومراكز البحث العلمي والجامعات والمعاهد والتعليم كلية , إذ أن العلم له مجاله والدين له مجال آخر وليس بينهما من علاقة , بل يسود بينهما التناقض والصراع إن جرت محاولة الربط بينهما.
ولا تقتصر مراكز البحث العلمي على الجوانب العلمية الصرفة , بل تشمل جميع مجالات الحياة في البلاد , ابتداءً من مختلف مراحل العملية الاقتصادية الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك وفي مختلف فروع وقطاعات الاقتصاد الوطني ومنها اقتصاد النفط والغاز الطبيعي والتصنيع والزراعة , وكذلك في العلوم الاجتماعية والنفسية والعصبية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والديمقراطية والمجتمع المدني وتجارب العقود المنصرمة ودروسها , ومروراً بالبحوث الأدبية والفنية أو الثقافية بشكل عام , وانتهاءً بعلوم الطب والصيدلة والفيزياء والكيمياء والحيوان والنبات والرياضيات والهندسة بمختلف فروعها ...الخ. وباختصار فإن العراق بحاجة إلى مراكز للبحث في مجالات حياة الإنسان والاستقرار والسلام والتآخي والتضامن والبناء والتقدم , وهو ليس بحاجة إلى بحوث في استخدام القوة والعنف والعسكرة والسلاح والحروب والعدوان بأي حال.

19
سابعاً : الثقافة


حين يجري الحديث عن ثقافة شعب العراق , يفترض أن يتركز البحث على ست مسائل جوهرية :
** ماضي هذه الثقافة وما فيها من منجزات إيجابية وإنسانية نافعة , وما فيها من سلبيات وجوانب غير إنسانية , تشكل مجتمعة تاريخ الثقافة العراقية مثلاً , ولكن لا يجوز القبول بالسلبي منها وتمجيده أو السعي لتكريسه , بل العمل لتخليص الثقافة العراقية الحديثة والمنشودة منه ومن آثاره السلبية , رغم أنه يبقى جزءاً من نتاج هذا المجتمع بإيجابياته وسلبياته.
** واقع الثقافة الراهنة ومكانتها ودورها في العملية الثقافية في البلاد , مواطن قوتها وضعفها وقدرتها على تجاوز المحن والأزمات وإمكانيتها في التأثير في المجتمع لدفعه صوب التنوير والتقدم والتفتح والانطلاق من جهة , والعناصر السلبية التي تدفعه باتجاه التقوقع والانغلاق والسلفية المرضية من جهة أخرى.
** آفاق انطلاق هذه الثقافة في المستقبل , وهل تعاني من غربة واغتراب , وما هي العوامل المتسببة في بروز مثل هذه الظواهر , وكيف يمكن فتح الأبواب والنوافذ أمامها لاستنشاق الهواء النقي والتمتع بالحرية والديمقراطية والتفاعل والتلاقح الثقافي بكل معانيه الإنسانية الحديثة.
** ثقافة الشعب العراقي تتميز بثلاث سمات جوهرية , يمكن أن نجدها لدى شعوب كثيرة أخرى أيضاً , وهي:
= إنها مكونة من ثقافات عدة لقوميات قائمة بذاتها لها لغتها وتاريخها ومنتجاتها الفكرية والثقافية العامة ولها مبدعوها والمتمتعون بها: الثقافة العربية والثقافة الكردية والثقافة التركمانية وثقافة الكلدان والآشوريين والسريان , كما أن هناك مكونات تفصيلية في هذه المكونات القومية الرئيسية.
= إنها تحمل في جعبتها الكبيرة ثقافة عشرات الشعوب والأقوام التي مرت بالعراق أو استوطنته طيلة عشرات القرون المنصرمة , وهي لم تطرد بعضها للبعض الآخر , بل تفاعلت وتلاقحت في ما بينها وأثمرت ما وصل إلينا منها في المرحلة الراهنة.
= لعبت الأديان الوضعية القديمة والأديان الأخرى كاليهودية والمسيحية والإسلام , وقبل ذاك المجوسية والزرادشتية والإيزيدية والمانية (نسبة إلى ماني) والصابئة المندائية , إضافة إلى الكاكائية والشبكية , دورها الفعال في تكوين الثقافة العراقية , وهي لا تزال بهذا الشكل أو ذاك تؤثر على الإنسان سلباً أو إيجاباً. ليست هناك ثقافة في العالم لا تحمل في طياتها جانبيها , الإيجابي والسلبي. وتقدم لنا ثقافات شعوب في منطقة الشرق الأوسط وعلى الصعيد العالمي تجارب كثيرة وغنية في هذا الصدد.
6. انقسام المثقفين وعلى امتداد القرون المنصرمة إلى مثقفي السلطة المستبدة , ومثقفي المعارضة المقموعة , مثقفي الأقلية ومثقفي الأكثرية , وهي ظاهرة عامة مرت بها الكثير من شعوب العالم او لا تزال تعاني منها إلى الآن. وهذا الواقع يستوجب العناية واستخلاص ما يسهم في التخلص من هذا التقسيم , ولكن لا يعني هذا حرمان الثقافة من التنوع في صفوف المثقفين والثقافة العراقية.
لكي تنطلق الثقافة في العراق إلى أبعادها الرائعة وبكل مكوناتها وفروع نشاطاتها تحتاج إلى خمسة شروط أو مستلزمات أساسية :
** الحرية الكاملة لكل مثقفي العراق ليتعاونوا ويتفاعلوا ويتنافسوا في تقديم روائعهم الفكرية والفنية والأدبية والعلمية الإنسانية.
** توفير الموارد المالية الضرورية لمساعدة الثقافة والمثقفين في انطلاقتهم دون وضع الشروط والمعوقات أمامهم وبعيداً عن هيمنة السياسة والسياسيين على مصادر التمويل المالي.
** جعل المنتج الثقافي سهل الوصول إلى الناس من خلال توفير كل ما هو ضروري لذلك , وجعل التمتع بالثقافة لا يكلف الإنسان مالاً لا يستطيع دفعه. ويفترض أن يشمل هذا الكتاب والمسرح والسينما والموسيقى والرسم والنحت والغناء والعلوم ...الخ.
** فتح نوادي ومراكز ثقافية في جميع محافظات العراق وتنظيم الفعاليات والمهرجانات الثقافية العامة وفتح الأبواب أمام الشباب للاستفادة منها لصالح تطورهم.
** جعل الدراسة في المعاهد الفنية والثقافية وبمختلف جوانبها مجانية للجميع.
** ويفترض تأمين فرص وإمكانية الدراسة الخارجية والتبادل الثقافي والفني بين الفرق العراقية المختلفة وفرق مماثلة في بقية بلدان العالم.
** ويفترض أن يحتل العمل بين الشباب والنساء أهمية استثنائية لأهميتهم في حياة المجتمع ومستقبله وتطوره, فالشباب هم أمل المجتمع في بناء الحياة الجديدة والانطلاق نحو العمل المنتج لصالح الفرد والمجتمع والتخلص من كل أدران الماضي القريب والبغيض , كما أن النسوة يشكلن نصف المجتمع غير المستثمر بشكل فعال حالياً لصالح المجتمع , وهو النصف المغضوب عليه والمضطهد والفاقد لحريته والكثير من كرامته بسبب النظم التي سادت أو بسبب البعض الكثير من قوى الإسلام السياسية التي ترى في المرأة عيباً وناقصة عقل ولا يمكن الثقة بها أو اعتماد حريتها , ولا يمكن أن تكون إلا تابعة للرجل! إن تحرير المرأة من قيود الماضي والحاضر ومن هذا التفكير المتخلف هو جزء من عملية التنوير المنشودة ومن العملية التربوية والتعليمية والثقافية في البلاد , ولا بد من النهوض بها , وإلا فإن المجتمع لن يتقدم خطوات إيجابية وكبيرة وضرورية نحو الأمام. ويلعب المثقف العراقي , امرأة كانت أو رجلاً , دوراً أساسياً في إنجاز هذه المهمة الإنسانية النبيلة.
** العمل من أجل أن تسود الثقافة والمثقفين والمجتمع ثقافة الحوار الهادف والهادئ والرصين والموضوعي , بعيداً عن الادعاء والاتهام والسعي لاستئصال الآخر أو الوقوع في النزعات النرجسية المرضية التي يعاني منها السياسيون . وهي الإشكالية الكبرى التي كان ولا يزال يعاني منها المجتمع العراقي وتعاني منها السياسة في العراق والعلاقات في ما بين القوى السياسية.
20
ثامناً : التنوير


التنوير يعني عملية إزالة الأخطاء والتشوش والبلي الفكري والديني والاجتماعي من ذهن الإنسان واتجاهات تفكيره وسلوكه وتنقية وعيه من التشوه والزيف وإعادته إلى الرشد. ويمكن بلورة ما يسعى إليه التنوير بالنقاط التالية:
• نقد الموروث الديني باتجاهين :
أ) تأشير ما فات أوانه وكان مقبولاً حين طرح لأول مرة من جانب الأنبياء والمصلحين لمجتمعاتهم , ولكن لم يعد مناسباً ومنسجماً مع المرحلة الجديدة التي يمر بها المجتمع.
ب) تأشير ونقد ما أضافه شيوخ الدين والفقهاء والمؤسسات الدينية إلى الأسس الأولى التي اعتمدها كل دين من الأديان والتي وضعت لأغراض لا تمت بصلة إلى مضمون الأديان ذاتها. وقد جاء في تعريف الفيلسوف "كانت" للتنوير ما يلي: "التنوير هو خروج الإنسان من أللارشد الذي اقترفه بحق نفسه" , ويمكن أن يضاف إلى ذلك "وما اقترفته المؤسسات الدينية وفقهاء الدين والحكومات الاستبدادية والظلامية من أللارشد بحق الإنسان".
• تخليص المجتمع من الأفكار البالية والمعتقدات غير العلمية والخرافات التي ألحقت وتلحق أفدح الأضرار بالإنسان ووعيه وعلاقته بالآخر ومن الأحكام المسبقة التي يحملها إزاء الآخر وما يطلق عليه بالنمطية.
• توجيه الإنسان نحو الفكر الحر الديمقراطي والعلمي ورفع مستوى وعيه بالواقع الذي يعيش فيه وبحقوقه وواجباته كإنسان وبحقوق الآخرين كبشر والفجوة المتسعة بين الشعب العراقي وبين الشعوب الأخرى المتقدمة نتيجة سيطرة تلك الأفكار البالية على ذهنه ووعيه ووجهة تفكيره وسلوكه وأحكامه المسبقة إزاء الآخر.
• رفض القبول بأفكار التمييز بين البشر على أساس عرقي أو قومي أو ديني أو مذهبي أو فكري أو التمييز ضد المرأة وعدم مساواتها بالرجل أو رفض منحها كامل حقوقها...الخ.
ويفترض أن يؤدى التنوير من عدة جهات بالتتابع , ومنها :
1. من جانب الإنسان الفرد ذاته من خلال نضاله من أجل رفع وعيه ومستوى ثقافته واستيعابه لمفهوم الحرية باعتباره إدراك الضرورة , ونضاله مع المجتمع لنفس الغرض والخلاص مما علق بذهنه من أوهام وأحكام مسبقة وكليشهات عفا عليها الزمن.
2. من جانب تلك الجهات والمؤسسات التي كرست في وعيه التشوه وحشته بتلك الأفكار المشوهة والعقائد البالية والطقوس الغريبة والخرافات والأساطير التي لا تمت إلى الواقع بصلة , ومنها المؤسسات الدينية على نحو خاص.
3. من جانب الحكومة التي يفترض أن تسن القوانين والنظم التي تساهم في رفض ما هو قديم وبالٍ , والدعوة لما هو حديث وإنساني متفتح , والذي لم يحصل في العراق إلى الآن.
4. من جانب المثقف الديمقراطي الذي يحمل فكراً حراً ومبدعا قادراً في التأثير المباشر على فكر الإنسان بالشعر والقصة والرواية , وبالرسم والنحت والكاريكاتير والتصوير الفوتوغرافي والسيراميك (الفنون التشكيلية ..) والخط والموسيقى والمسرح والسينما , بالعلوم الحديثة وما هو جديد يفرض على الإنسان التخلي عن القديم المتخلف منطقياً وعلمياً.
5. من جانب المؤسسات العلمية , المناهج التربوية والتعليمية في مختلف مراحلها , إضافة إلى منظمات المجتمع المدني , ومنها منظمات حقوق الإنسان.
6. من جانب أجهزة الإعلام التي يمكنها بوسائلها التقليدية والحديثة إيصال الفكرة السليمة إلى وعي الإنسان بأسلوب سلس وسليم ومتناغم مع العلم والواقع , والتصدي لكل ما هو مناهض للعلم والواقع.
إن أهمية التنوير الديني والاجتماعي تبرز في دورها في تحقيق عدة نتائج أساسية لأي تقدم وتطور في البلاد :
1. احترام مفهوم الحرية الفردية وخصائص المجتمع المدني والديمقراطية وفصل الدين عن الدولة واعتبار "الدين لله والوطن للجميع ".
2. مغادرة أجواء الغوص في الغيبيات والخرافات والتقاليد والعادات التي ترسخت عبر قرون منصرمة في أذهان الناس وتناقلتها الأجيال دون التمحيص بها والتخلص منها , والتفتح صوب حياة حرة جديدة واقعية ومليئة بالحياة والحركة والفعل الإيجابي لصالح الفرد والمجتمع.
3. احترام حقوق الإنسان وحقوق المواطنة المتساوية واحترام المرأة واستعادتها حقوقها كاملة غير منقوصة ومساواتها بالرجل واحترام حقوق القوميات والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية غير العنصرية وغير الشوفينية ورفض التمييز بين الأديان والمذاهب الدينية أو أي شكل آخر من أشكال ظهوره وممارسته.
4. احترام حق الإنسان باختيار ما يراه مناسباً له من دين أو مذهب أو اتجاه فكري أو حزب سياسي.
5. الالتزام بقيم وأسس جديدة لحياة الفرد والجماعة والعلاقة المتبادلة بين الأفراد والجماعات في مجتمع ما وفي ما بين المجتمعات تقوم على أسس التعاون والاحترام المتبادلين والمنفعة المتبادلة.
6. احترام وممارسة الثقافة الحرة والديمقراطية بمختلف صيغ تجلياتها الفكرية والاجتماعية والفنية والرياضية.
7. رفض العدوان وأفكار الجهاد والفتح وما إلى ذلك من مخلفات القرون المنصرمة والكف عن تقسيم العالم إلى "ديار حرب وديار سلام" , وبتعبير أدق "ديار الكفار وديار الإسلام".
إلا أن عملية التنوير لا تتم بشكل عفوي , بل تتطلب عملية تغيير فعلية في الواقع الاقتصادي والاجتماعي للناس في العراق , والذي بدوره يساعد على نشوء قيم ومُثل وتقاليد جديدة ووعي اجتماعي وديني جديدين لا يمتان إلى الماضي بصلة إلا بقدر قناعة الإنسان بعقيدة دينية أو فكرية أو بما هو إيجابي من تاريخ الإنسان ومجتمعه.

تاسعاً : البيئة


جميع المعلومات والمؤشرات المتوفرة تشير إلى أن العالم الصناعي المتقدم هو المسؤول الأول عن التلوث الجاري والمتسارع في البيئة الدولية , سواء في ما ينتجه من غازات عبر الإنتاج أم عبر الاستهلاك المتنامي للسلع والخدمات , إضافة إلى الارتفاع المتواصل في معدلات النمو الاقتصادي التي تنعكس في زيادة الإنتاج والاستهلاك الذي يؤكد بدوره زيادة التلوث في العالم , خاصة وأن إجراءات مكافحة التلوث وتنظيف البيئة العالمية محدودة حتى الآن قاصرة عن مواجهة نسب التلوث السنوية بإطلاق الكميات الهائلة من ثاني أوكسيد الكاربون وغيره من الغازات والمرتبطة بمعدلات النمو العالية.
ولا شك في أن الجهل والفقر من جهة , والغنى والتخمة من جهة أخرى , كل له جوانبه السلبية الحادة في زيادة التلوث , كما أن إنتاج الأسلحة واستخدامها في الحروب , وخاصة الأسلحة المحرمة دولياً وذات التدمير الشامل والقتل الجماعي , وتدمير الغابات , رئة الطبيعة والأرض التي نعيش عليها , والاستخدام غير العقلاني لموارد الطبيعة , بما فيها الأرض والمياه ... الخ كلها تزيد من تلوث البيئة وتلحق أضراراً فادحة بالطبيعة وتساهم في تدمير حاضنة الإنسان.
تعرضت البيئة في العراق خلال عقود حكم البعث إلى اكبر تلوث عرفه تاريخ العراق الطويل , وهو يعادل ما تعرض له عبر مئات السنين من التلوث. وهي نتيجة منطقية لسياسات البعث في مختلف المجالات , وخاصة سياساته العسكرية والحربية والتدمير الجريمي للطبيعة , سواء في إقليم كُردستان العراق أم ( أو ) في أهوار الجنوب ومدنه وبساتينه وغاباته ونخيله وإنسانه.
في الحروب العدوانية الأربعة التي عاشها العراق (حرب الخليج الأولى، وعمليات الأنفال وحلبچة , وحرب الخليج الثانية التي نجمت عن غزو الكويت، ثم حرب الخليج الثالثة والأخيرة , وكذلك تجفيف الأهوار وتشريد ساكنيها) استخدم العراق أو الدول المتحاربة ضده ( وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ) أسلحة مدمرة وفتاكة وعتادا بكميات هائلة وأنواع مختلفة , كما استخدمت أسلحة محرمة دولياً , سواء أكان السلاح الكيماوي أم السلاح الجرثومي (العراق وإيران ) أو أسلحة أو ذخائر اليورانيوم ( وهي ليست طلقات حسب ، بل وصواريخ متنوعة وقنابل متنوعة وإطلاقات مدافع وإطلاقات دبابات ، وغيرها) من جانب الولايات المتحدة وحلفائها أو القنابل العنقودية ، أو القنابل الفسفورية من جانب الولايات المتحدة ... الخ , إضافة إلى سياسات النظام الأخرى كلها أدت إلى مزيد من تلوث الأرض والمياه والنبات والهواء الذي يتنفسه الإنسان والمنتجات الزراعية التي يتغذى بها والماء الذي يشرب منه.
ولم تساعد السنوات السبع الأخيرة على تحسين البيئة العراقية , بل كل الدلائل تشير إلى تدنيها , خاصة ما يرتبط بانتشار ركام الحرب الملوث ، وتراكم النفايات والقمامة ، إلى جانب انتشار برك المياه الآسنة والمستنقعات في الأحياء الشعبية في المدن والأرياف بما ساعد على انتشار الأوبئة وظهور أمراض جديدة وخطيرة , تماما كما نشأت أمراض سرطانية جديدة على نحو وبائي وحصدت أرواح ألاف العراقيات والعراقيين، صغاراً وكباراً ، بعد استخدام العتاد المشع في حرب الخليج الثانية على نحو خاص.

ولا شك في أن اقتصاد النفط الخام وعمليات استخراجه والغاز الطبيعي المصاحب الذي يحرق في الهواء وعمليات تكرير النفط كلها عمليات تلعب دورها في تلويث البيئة العراقية. ولم تفكر الدولة في اتخاذ إجراءات معينة لحماية البيئة , وبالتالي حماية حياة ونوعية حياة الإنسان إذ أصبحت المطالبة ببيئة نظيفة غير ملوثة جزءا من مبادئ ومهام حقوق الإنسان.
المشكلة الأساسية التي تواجه الدول النامية , ومنها العراق , تبرز في ناحيتين , وهما:
الأولى , أنها بحاجة إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي السنوية بسبب أوضاعها الاقتصادية المتدهورة والتخلف الذي تعاني منه والفقر الشديد والواسع النطاق ؛
والثانية , أن أي رفع لمعدلات النمو يتسبب في زيادة التلوث , لأنه يعني نمو الاقتصاد ونمو الإنتاج والاستهلاك في آن واحد. يضاف إلى ذلك إن بلداً مثل العراق يعتمد على النفط الخام باعتباره المصدر الأساسي لدخلة القومي ولإيرادات صادراته , مجبر على استخراج وتصدير النفط الخام , ومثل هذه العمليات تساهم في تلويث البيئة , سواء أكان في عمليات استخراجه أم في تصنيعه وتكريره أم في استهلاكه. ولهذا تقع على عاتق العراق مهمة إيجاد معادلة سليمة تساعد على النمو ولكنها تمنع زيادة التلوث في البلاد.
يتطلب المشروع الوطني الديمقراطي أن يتضمن مجموعة من السياسات والإجراءات التي تلعب دورها في حماية البيئة والحد من درجة التلوث والعمل من أجل مكافحته. ومن بين تلك الإجراءات نشير إلى ما يلي :
1. إيجاد صيغة مناسبة تجمع بين النمو الاقتصادي والنمو الاجتماعي وتحسين مستوى حياة الناس من جهة , وحماية البيئة من التلوث من جهة أخرى.
2. تبني الدولة لإجراءات جدية وفاعلة لمعالجة المشكلات البيئية القائمة ، وأول هذه الإجراءات اعتماد إستراتيجية إدارة الأزمة البيئية ومتطلباتها بالاعتماد على علم الأزمات ، وإصدار قانون حماية البيئة على أسس حديثة ، ونشر التربية والوعي والثقافة البيئية.
3. تشكيل مجلس أعلى للبيئة ومشكلاتها الراهنة يضم ممثلين عن مجلس الوزراء الاتحادي ومجلس وزراء الإقليم ووزارات: البيئة ، والعلوم والتكنولوجيا ، والتعليم العالي والبحث العلمي ، والصحة ، والصناعة والمعادن ، والزراعة ، والداخلية ، ومجالس المحافظات ، وبعض منظمات المجتمع المدني ، ووسائل الأعلام.
4. الموافقة على التعاون الدولي في مجال البيئة , إذ أن عالم العولمة الراهن يستوجب مثل هذا التعاون والتنسيق وأن يكون العراق جزءاً من البرنامج الدولي الذي أقر قبل عقد من السنين في ريودوجانيرو. أي المشاركة مع دول الإقليم والعالم للاستفادة من سياسات وإجراءات حماية البيئة ومكافحة التلوث وتقليص إطلاق ثاني أوكسيد الكاربون إلى الفضاء والعمل على اقتناء تقنيات حديثة غير ملوثة للبيئة.
5. إقامة أكثر من مركز للبحث في مشكلات البيئة في بغداد والسليمانية وكركوك والموصل والبصرة وبابل لمعرفة مستوى التلوث وتأثيره على الإنسان وعلى الآثار العراقية القديمة.
6. العمل من أجل إزالة الألغام من الأرض العراقية , وخاصة في المناطق الحدودية , إذ يشار إلى وجود ما يتراوح بين 25- 30 مليون لغم مزروعة في الأرض. كما يفترض تنظيف البلاد من بقايا وأضرار العتاد المشع المنتشر في مناطق جنوب العراق وعلى الحدود مع إيران.
7. رفض استخدام التقنيات القديمة المنتجة للتلوث , سواء أكان ذلك في مجال الصناعة الاستخراجية والصناعة التحويلية أم في الزراعة ومجالات خدمية أخرى.
8. التربية البيئية والتثقيف الشعبي والرسمي للترويج بأهمية حماية البيئة ومكافحة التلوث وأسبابه وسبل معالجته وأهمية ذلك لحياة الإنسان حالياً وفي المستقبل. كما يُفترض قيادة حملة واسعة من أجل تنظيف البلاد من ركام الحروب والأنقاض والقاذورات والقمامة وبرك المياه الآسنة والمستنقعات وتجميعها للعمل على حرقها , كما لا بد من إقامة منشآت خاصة وحديثة ومتطورة للتخلص من النفايات والقمامة.
9. السيطرة العقلانية على استخدام مياه الأنهر والعيون والآبار الارتوازية وتأمين عمليات بزل وتصريف المياه بما يساهم في تقليل التلوث.
10. إقامة مشاريع تشجير وأحزمة خضراء حول المدن لمنع هبوب الرياح نحو المدن وإيقاف الزحف الصحراوي عليها , وكذا الحال بالنسبة إلى تشجير الجبال لمنع الانهيارات الجبلية وتحسين مناخ المدن والمناطق السهلية. يضاف إلى ذلك ضرورة وأهمية منع قطع أشجار الغابات بصورة عشوائية بل السعي لتنظيمها وتكثيرها , فهي جزء من رئة العراق. كما لا بد من إعادة نشر النخلة العراقية في مناطق الوسط والجنوب بعد الكارثة التي حلت بها منذ حرب الخليج الأولى.

22
عاشراً: الأمن الداخلي


بعد سقوط النظام الدكتاتوري تخلص العراق من أبشع أجهزة أمن داخلية عرفها العراق في كل تاريخه الحديث. فهذه الأجهزة العديدة امتلكت أحدث التقنيات وأكثرها قسوة وشراسة في مكافحة المعارضة السياسية وإخماد صوت المجتمع وإرادته ومصادرة حقوقه كاملة. فهي أجهزة حديثة ومدربة على أحدث طرق التحقيق الفاشية وأكثرها قسوة ووحشية وسادية في الموقف من الإنسان. فقد مارست كل ما هو حديث من تقنيات وأدوات وأساليب لانتزاع المعلومات أو فرض الاعتراف بمعلومات غير صحيحة ضد الإنسان نفسه أو ضد آخرين. وكانت هذه الأجهزة مخولة بممارسة كل الأساليب غير المشروعة للحفاظ على النظام ورأسه. فجرى دس عشرات الألوف من العيون والجواسيس في سائر أنحاء العراق لفرض الرقابة على حركة الإنسان ومعرفة مواقفه وانتماءاته الفكرية والسياسية. كانت هذه الأجهزة منظمة وفق أسس الإدارة الحديثة وبنوك المعلومات وتخصص في العمل إزاء مختلف قوى المعارضة العراقية من خلال هيئات وأقسام خاصة بكل طرف سياسي معارض وكذلك القوى المتحالفة معه أو مراقبة أعضاء وكوادر وقيادات حزب البعث ذاته.
تربت هذه الأجهزة على استخدام العنف وكل أساليب التعذيب الجسدية والنفسية والتشهير الكاذب بالضحية لانتزاع المعلومات , كما منح صدام حسين أجهزة الأمن والاستخبارات الأمان والحق في القتل أثناء التحقيق إن استدعى الأمر ذلك , ولن يحاسب الجلاد القاتل على جريمته النكراء بحق الضحية. وكان أغلب المجندين في أجهزة الأمن الداخلي والاستخبارات والأمن الخاص وفدائيي صدام حسين من أصل فلاحي , في حين كان الضباط من مناطق غرب بغداد , أي محافظة الأنبار وصلاح الدين والموصل وممن انخرط بالحزب وحصل على رتب عسكرية بعد دورات خاصة وقصيرة , ولكن أغلبهم من أصل ريفي وفلاحي فقير.
حصلت هذه الأجهزة على معارفها وتدريباتها وأساليب التحقيق الفاشية والسادية , التي كانت تجبر الضحية على السقوط تحت إرادتها ومصالحها وانتزاع ما تريده منه , من الدول الرأسمالية المتقدمة ومن الدول الاشتراكية ومن مجموعة من الدول النامية.
مع سقوط النظام سقطت أجهزة القمع ألصدامية ومعها أيضاً أجهزة الأمن والاستخبارات وولى أعضاء هذه الأجهزة الأدبار خشية من انتقام الناس الذين عانوا من قمع واضطهاد تلك الأجهزة. وكان فقدان الاتصال بهذه الأجهزة وربطها بالدولة وخضوعها لقراراتها سبباً في بدئها بعد فترة وجيزة بإعادة تنظيم نفسها والتخطيط والتنفيذ للكثير من العمليات العسكرية المعادية للوضع الجديد الناشئ , وللقوات العراقية والقوات الأجنبية وللمجتمع بشكل عام.
وبدلاً من أن تنشأ تدريجاً أجهزة أمنية وطنية عراقية على أنقاض تلك الأجهزة وتمارس أساليب وأدوات أخرى غير أساليب وأدوات القمع الفاشية للنظام ألصدامي , لعبت قوات الاحتلال دوراً كبيراً في العمليات الأمنية من جهة , كما لعبت قوات المليشيات الطائفية الشيعية دوراً كبيراً في عمليات الملاحقة والقتل لمن يقف بوجهها من أنصار النظام السابق أو من القوى الإرهابية الجديدة التي برزت في العراق بعد سقوط النظام , ومنها بشكل خاص قوى القاعدة الإرهابية. وهكذا وتدريجاً تشكلت في العراق أجهزة أمنية تؤمن بالطائفية السياسية في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب من العراق والتي عملت على أساس طائفي سياسي أيضاً. وقد اُرتكبت نتيجة ذلك جرائم بشعة مارستها قوات الاحتلال المسؤولة على المعتقلين والسجناء والقوات العراقية التابعة لوزارة الداخلية والأمن الداخلي والدفاع , إضافة إلى المليشيات الخاصة بالقوى الطائفية المسلحة. ويمكن هنا أن نشير إلى بعضها , ومنها : ما جرى في معتقل أبو غريب من تعذيب ومسخ الإنسان بكل معنى الكلمة من جانب القوات الأمريكية المسؤولة عن هذا السجن الموروث من عهد صدام حسين أو حتى قبل ذاك. كما يمكن أن نشير إلى ما مارسه جيش المهدي في اعتقال وتعذيب وسلخ جلود وقتل المخالفين للتيار الصدري الديني السياسي في النجف أو في مدينة الثورة ببغداد وفي غيرها من مدن الوسط والجنوب. أو ما كان جري في أقبية وزارة الداخلية التي كان يسيطر عليها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وفيلق بدر وجيش المهدي للمعتقلين هناك , إضافة إلى الجرائم التي ارتكبت في البصرة وفي بقية المحافظات من قبل هذه الأجهزة الجديدة وبالتعاون مع الحرس الثوري الإيراني. وليس هناك من يستطيع تقديم أي دليل على انتهاء هذه الأعمال بحق المعتقلين في السجون والمعتقلات العراقية أو في معتقلات قوات الاحتلال الأمريكية إلى الآن , إذ أن التقارير الواردة من منظمات دولية ومحلية تشير إلى استمرار عمليات التعذيب في السجون والمعتقلات وفي سجون غير معروفة بدأت تكتشف تدريجاً.
أي نوع من أجهزة الشرطة والأمن يحتاجها العراق؟
يحتاج العراق إلى أجهزة وطنية وديمقراطية عراقية تتسم بالخصائص التالية :
** أجهزة لا تخضع ولا ترتبط بأي حزب من الأحزاب السياسية العراقية , بل هي مستقلة عنها وتمارس مهماتها وعملها اليومي في صالح المجتمع العراقي ووفق إرادته لا غير.
** أجهزة يؤمن أفرادها بالمواطنة العراقية الحرة ويرفضون العمل وفق أسس ومبادئ القومية الشوفينية وضيق الأفق القومي والعنصرية والطائفية السياسية والتمييز بين أفراد المجتمع من النساء والرجال لأي سبب كان.
** أجهزة شرطة وأمن ديمقراطية تمارس مهماتها وفق آليات ديمقراطية وشفافية عالية واستقلالية ووضوح في المهمات والأهداف لا تخرج عنها.
** أجهزة لا تهدف إلى مراقبة الشعب العراقي أو قوى المعارضة السياسية للحكومة التي تمارس نشاطها وفق آليات ديمقراطية وسلمية وبعيداً عن العمل التآمري أو ممارسة القوة والإرهاب للوصول إلى السلطة.
** وتتوزع مهمات هذه الأجهزة على الجوانب الأساسية : تنفيذ أوامر القضاء العراقي وملاحقة المخالفات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تخرج عن بنود الدستور وأسس التداول الديمقراطي البرلماني للسلطة أو التي تعمل وفق مناهج فاشية وعنصرية وطائفية سياسية وتؤجج العداء القومي والديني والمذهبي أو تثير الكراهية والحقد الاجتماعي والنزاعات المسلحة , وكذلك المخالفات الاقتصادية والاجتماعية التي تتجاوز على الدستور والقوانين المرعية , وخاصة الفساد المالي والإداري.
** لا يحق لهذه الأجهزة اعتقال أي مواطنة أو مواطن دون قرار من قاضي تحقيق مخول بإصدار أمر الاعتقال , ولا يجوز التحقيق مع المعتقل من قبل أجهزة الأمن بل من قبل قاضي تحقيق وبحضور وكيل الدفاع عن المعتقل.
** لا يجوز انتهاك حرمة دور السكن ومواقع العمل والجامعة ... الخ إلا بقرار من قاضي تحقيق وبحضور المختار ووكيل المتهم.
** كل متهم برئ حتى تثبت إدانته , وحين يدان يعامل وفق قواعد ومبادئ المواطنة وحقوق الإنسان ولا يجوز هدر كرامته أو الإساءة إليه أو تعريضه للتعذيب النفسي والجسدي والعصبي , بل يعامل كإنسان مذنب صدرت بحقه العقوبة القضائية لا غير.
** يرتبط جهاز الأمن الوطني بمجلس الوزراء ويخضع لرقابة السلطة التشريعية (مجلس النواب) والسلطة القضائية.
** أي مخالفة بحق الإنسان من قبل أجهزة الأمن , ومنها الاعتداء على حرمة الإنسان وكرامته أو تعريضه للتعذيب النفسي والجسدي أو التجاوز على الدور أو أماكن الدراسة والعبادة محرم تماماً ويعاقب عليها القانون.
** إن الديمقراطية لا تعني كشف أسرار مطاردة قوى الإرهاب والقتلة والمجرمين , بل يحافظ عليها , ولكن يمكن تقديم التقارير الكشفية عن تلك المهمات حين يطلب مجلس النواب ومجلس القضاء العالي ذلك.
** لا يجوز أن يعمل جهاز الأمن الوطني لمصلحة شخص ما أو حزب ما في السلطة , فهذه ليست مهمته , بل مهمته حماية حرية المجتمع والحياة الديمقراطية والدستور وجمع المعلومات عن المخالفات وتقديمها للقضاء الذي يدرسها ويتحقق منها ثم يتخذ الإجراء المناسب الذي تنفذه الشرطة العراقية وفق اختصاصها. ليس من اختصاص أجهزة الأمن اعتقال أحد , ولكن يمكن التعاون مع أجهزة الشرطة لهذا الغرض ووفق القرارات القضائية الرسمية.
** من حق أجهزة الإعلام الكشف عن مخالفات وتجاوزات أجهزة الأمن والمطالبة بتشكيل لجان للتحقيق في ما يطرح في الصحافة من تلك التهم.
** أن يعمل الجهاز وفق أسس علمية وحديثة ويبتعد عن الإساءة في استخدام المعلومات الخاصة بالأفراد أو استخدام أساليب غير إنسانية وغير قضائية للإيقاع بهذا المتهم أو ذاك.
** أن تمنح العاملين في هذه الأجهزة رواتب ومخصصات مناسبة تمنع سقوطهم في مستنقع الفساد المالي والإداري والتزوير ...الخ.
** ولا بد من اختيار الأفراد الذين يريدون الانتساب إلى جهاز الأمن والشرطة من بين الذين أنهوا الدراسة المتوسطة على الأقل ليكونوا قادرين على القراءة والكتابة ومتابعة الأحداث وتطوير القدرات الثقافية العامة لهم.
إن تكوين مثل هذا الأجهزة لا يتم بين ليلة وضحاها , بل سوف تستغرق عدة سنوات إلى أن يستقر الوضع الديمقراطي في العراق وإلى أن يمكن وضع أسس سليمة للتوظيف فيها وإبعاد من يتسم بتلك السمات المرفوضة من الذين يعملون في أجهزة الأمن الوطني والشرطة.
23
أحد عشر : القوات المسلحة


لم يكن مفاجئا لأحد حين انهارت القوات المسلحة العراقية في حرب الخليج الثالثة , إذ كان ذلك متوقعاً لأسباب سياسية وعسكرية وأخرى مرتبطة بطبيعة النظام الاستبدادي وعلاقاته الداخلية. إلا أن هذا الانهيار لم يكن يعني الحل الكامل للقوات المسلحة العراقية والسماح بنشوء فراغ أمني وعسكري كبير جداً لم تستطع قوات الاحتلال الأجنبية , وربما في البداية لم ترغب , بملئه , كما لم تكن قوى المعارضة القادمة مع القوات الأجنبية أو الموجودة في البلاد قادرة على سد هذا الفراغ. وقد نشأ عن ذلك ما عانى منه العراق طيلة السنوات المنصرمة.
ورغم أن الجيش العراقي قد تربى في فترة حكم القوميين وحزب البعث على أيديولوجية قومية وشوفينية مقيتة وعلى ذهنية عسكرية عدوانية راغبة في التوسع على حساب الغير من البلدان المجاورة , وأنه شهد "تطهيراً" مستمراً للضباط غير البعثيين والوطنيين والديمقراطيين , وأن أغلب قادته كانوا أعضاءً في حزب البعث , إلا أن هذا لم يكن يعني ثلاث مسائل مهمة , وهي:
1 . كان هناك الكثير من البعثيين ممن اختلف مع صدام حسين من قادة القوات المسلحة وأصبح مناهضاً له بالسر بطبيعة الحال. كما أن البعض منهم أتهم بالخيانة لصدام حسين وقتل شر قتلة على أيدي أعوان النظام واتهموا بالتآمر على صدام حسين.
2 . بعد غزو الكويت وحرب الخليج الثانية وما حل بالجيش العراقي في تلك الحرب التدميرية , تحول الكثير من الضباط وضباط الصف ضد صدام حسين ونظامه , إذ كان الجميع يعاني من عواقب تلك الحرب والحصار الاقتصادي الدولي على العراق.
3 . كما أن بنية قواعد القوات المسلحة كانت في الغالب الأعم من المناطق المناهضة في موقفها لصدام حسين , أي الجنود والمراتب الصغيرة , سواء أكانوا من الجنود الشيعة أو الكُرد أو من السنة أيضاً.
كما تشكل الجيش العراقي في العام 1921 على أيدي القوات البريطانية , تشكل من جديد في العام 2003/2004 على أيدي القوات الأمريكية على نحو خاص. ولكن التشكيلة الجديدة اقترنت بسلبيات الصراع السياسي الطائفي الذي نشب في العراق في أعقاب سقوط النظام بين الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية والسنية التي هيمنت على النسبة العليا من المقاعد الحكومية والوزارات , ثم أمتد هذا الصراع إلى القاعدة الجماهيرية بحدود غير قليلة.
واليوم يقوم الجيش العراقي بعمليات عسكرية في داخل الوطن وضد قوى الإرهاب , في حين أن مهمته بالأساس هي حماية حدود البلاد من أي غزو أو اعتداء خارجي. ولهذا لا بد من إعادة النظر بمهمات الجيش العراقي وجعلها , بعد انتهاء النضال ضد قوى الإرهاب خلال هذه الفترة العصيبة , محصورة بحماية أراضي وسيادة الجمهورية العراقية , إذ ليست من مهمات الجيش الحفاظ على الأمن الداخلي , بل هي من مهمات وزارة الداخلية والشرطة والأمن الوطني.
ما هي طبيعة الجيش الذي يحتاجه العراق ؟ هذا هو السؤال المهم الذي يحتاج الشعب العراقي الإجابة عنه بوضوح ومسؤولية عالية. وقبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن العراق بحاجة إلى عقد اتفاقيات دولية وإقليمية تصون وتحمي أمن العراق وسيادته الوطنية واستقلاله من أي اعتداء خارجي , كما يلتزم العراق بعدم الاعتداء على سيادة واستقلال أي بلد مجاور له. وهذا يعني أن العراق يدخل باتفاقيات أمنية مع دول الخليج كافة , وربما مع دول الشرق الأوسط كلها تحظر حل الخلافات بالطرق الحربية بل تعتمد الأساليب السلمية والآليات الديمقراطية والتعاون الدولي. كما ترفض التدخل في الشأن الداخلي لهذه البلدان وتحافظ على علاقات الود والصداقة في ما بينها. كما يمكن للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي أن يضمن استقلال وسيادة العراق ومنع التدخل في شؤونه الداخلية. وفي حالة الوصول إلى هذه النتيجة , فأن ( فإن ) العراق :
** لا يحتاج إلى جيش جرار ولا إلى أسلحة هجومية , بل يحتاج إلى جيش صغير يحمي حدود البلاد من التسلل والتخريب وتهريب المخدرات والسلع ... الخ , ويمتلك أسلحة دفاعية حديثة ومتطورة لا غير.
** أن يساهم الجيش في عمليات البناء الاقتصادي والاجتماعي والخدمات العامة.
** أن يبتعد عن العمل السياسي وأن يكون انتماؤه للوطن وليس لأي حزب سياسي أو قوة سياسية أو طائفة دينية معينة.
** أن يعمل وفق أسس ديمقراطية وأن يثقف بمبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية والتداول السلمي والديمقراطي للسلطة وعبر الانتخابات العامة.
** أن يلتزم بدستور البلاد وقوانينها ويبتعد عن السقوط في حبائل المؤامرات السياسية والعسكرية والانقلابات.
24
اثنا عشر: العلاقات الإقليمية والدولية

عاش الشعب العراقي تجارب كثيرة ومريرة , ولكنها في الوقت نفسه غنية , في علاقاته الإقليمية والدولية على امتداد القرن العشرين , وكانت أكثرها سوءاً وتدميراً للاقتصاد والمجتمع تلك التي ارتبطت بوجود حزب البعث العربي الاشتراكي على رأس السلطة في العراق وحين تولى الدكتاتور صدام حسين مقاليد الحكم المباشر حيث خاض العراق حروباً دموية وعدوانية كلفت الشعب العراقي بمكوناته القومية والشعوب الشقيقة والمجاورة الكثير من الخسائر البشرية والمالية والحضارية. وكان حصاد هذه الفترة أشد قسوة وظلماً من أي فترة أخرى في تاريخ العراق الحديث.
لا يمكن أن تستمر العلاقات العراقية مع دول الجوار العربية والدول غير العربية ودول الإقليم على حالها الراهن التي تميزت حتى الآن بالتوتر الشديد والتدخل الفظ في الشأن العراقي من جانب هذه الدول وعلى الصعيد الدولي. ولم يكن العراق البعثي قليل التدخل في شؤون الدول الشقيقة والمجاورة , مما أدى إلى زعزعة الثقة بين حكام هذه الدول , إضافة إلى عواقبها الوخيمة على شعوب المنطقة. فالعراق بحاجة إلى علاقات جديدة تقوم على أسس ثابتة من حسن الجوار والصداقة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واعتماد المنفعة المتبادلة من خلال التعاون والتنسيق في مجالات الاقتصاد والمجتمع والحياة الثقافية والبيئة والخدمات العامة وحل المشكلات المعلقة في ما بينها بالطرق السياسية والدبلوماسية وعبر الهيئات الدولية المختصة بحل الخلافات والنزاعات بين الدول في حالة تعذر الوصول إلى حلول عملية عبر المفاوضات الثنائية.
إن العلاقات العراقية مع الدول الأخرى , أياً كانت تلك الدولة , يفترض أن تستند إلى القانون الدولي في العلاقات بين الأمم , وأن تكون الأمم المتحدة أحد أبرز المنابر الأساسية لمعالجة المشكلات , إضافة إلى الجامعة العربية والمبادئ التي تقوم عليها والنظام الذي تعتمده في علاقاتها الداخلية وفي حل الخلافات مع الدول العربية الأخرى , وكذلك عبر محكمة العدل الدولية وغيرها من الهيئات والمؤسسات الدولية.
إن العلاقات التي يحتاجها العراق مع الدول العربية ودول الإقليم تتوزع على حقول ومجالات كثيرة ابتداءً من التعاون إلى التنسيق , ومن ثم التكامل الاقتصادي , والسعي إلى تطوير وتعزيز دور السوق العربية المشتركة والوحدة الاقتصادية , على أن لا يعيق ذلك التعاون المنشود على مستوى دول الخليج والشرق الأوسط , إذ أن مثل هذا التعاون والتنسيق ممكن أيضاً وضروري في آن بين جميع دول المنطقة. وهي ضمانة لحماية الجميع من التدخل المرفوض في الشؤون الداخلية.
ويُفترض أن يستند العراق في علاقاته الدولية إلى اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف ومتعددة الأغراض. ولكن ما يهمنا هنا علاقات الأمن المتبادلة ومكافحة الإرهاب بصورة مشتركة ورفض التسلح النووي وامتلاك أسلحة الدمار الشامل والقتل الجماعي الأخرى , إذ لا بد أن تكون منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط عموماً خالية من أسلحة الدمار الجماعي والشامل. كما يفترض أن تكون هذه الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف مضمونة ومكفولة من جانب الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي , والتصدي لأي محاولة لإلغائها أو التجاوز عليها من هذا الطرف أو ذاك.

25
ثلاث عشر : أجهزة الإدارة والاقتصاد


رغم أن العراق دولة حديثة تأسست في العام 1921 , إلا أنها ورثت نظم الإدارة الحكومية والبلديات والإدارة السياسية من نظام حكم الدولة العثمانية الذي جسد مزيجاً معقداً وبالياً بين سلطة كبار ملاكي الأراضي الزراعية والسلطة الثيوقراطية للمؤسسة الدينية والتي كانت تجتمع في ممثلها السلطان العثماني. وكانت هذه الإدارة معزولة عن الشعب ومغتربة عنه وعن قضايا المجتمع , همها جبي الضرائب وتحصيل الإتاوات وإشباع حاجات السلطان وعساكره وإدارته.
ومع تأسيس الدولة العراقية سعت الإدارة البريطانية إلى تأسيس جهاز إداري حكومي مستنبط من الإدارة الحكومية البريطانية في الهند باعتبارها مستعمرة تابعة لبريطانيا. إلا أن هذه الإدارة نمت وترعرعت في ظل صراع سياسي مديد أصبح فيه الجهاز الإداري , كمؤسسة , خاضعا لإرادة الحكومة وتابعا لها ومحققا لمصالح النخبة الحاكمة , ولم يكن يجسد مصالح المجتمع وإرادته الحرة. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية تطورت أجهزة الإدارة الحكومية ونشأت إدارة اقتصادية جديدة تبلورت في وزارة ومجلس الإعمار وفي بقية الوزارات , وتغيرت العديد من أساليب وأدوات ونظم الإدارة التي تعجل من تحقيق المهمات المنوطة بها , ولكنها استمرت على غربة هذه الأجهزة عن المجتمع.
وكان المؤمل أن يحصل التغيير الإيجابي في طبيعة ونوعية عمل وأساليب أداء جهاز الدولة في أعقاب ثورة 1958. ولم يتحقق ذلك لأن أي تغيير في بنية وطبيعة ونظم عمل وقوانين وقواعد العمل فيها لم تتغير. ومع بناء قطاع دولة اقتصادي مهم لم يمتلك الرؤية العلمية للإدارة الاقتصادية السليمة والمحاسبة الاقتصادية التي تساعد على تحقيق المردود الإنتاجي والمالي وإنتاجية العمل المنشودة.
وفي فترة حكم البعث جرى تجديد لأجهزة الإدارة , كما أسس مركز للتطوير الإداري , إلا أن هذا الأجهزة سقطت في براثن الفكر القومي الشوفيني والإيديولوجية الفردية والاستبدادية التي تجلت في كل مفاصل الدولة وأجهزتها الإدارية والاقتصادية والسياسية. ولم تعد هذه الأجهزة موجهة لخدمة الشعب , بل لخدمة الدكتاتور وفرض أن يصبح الشعب كله في خدمة الدكتاتور الأهوج. وهنا نشأت العزلة الفعلية , رغم شبابية العاملين في تلك الأجهزة ومحاولة الحصول على المعارف الجديدة في الإدارة , إلا أن طبيعة نظام الحكم وسياساته وعلاقاته تجلت هي الأخرى في طبيعة وسلوك وأداء وعلاقات رئيس الدولة وهذه الأجهزة بالمجتمع.
وفي أعقاب سقوط النظام لم يكن مؤملاً أن يجري تغيير كبير في طبيعة هذه الأجهزة وأساليب وأدوات عملها ونظمها الفاعلة لسببين , وهما:
أ. أسلوب إسقاط السلطة عبر الحرب , إذ إن الظروف الذاتية في الحركة الوطنية العراقية لم تكن مؤهلة لإسقاط النظام وإجراء التغيير النوعي المنشود في كل مفاصل وجوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية والأمنية ..الخ من جهة , ولأن ميزان القوى السياسي كان يميل لصالح قوى الإسلام السياسية التي وجدت التأييد والدعم والمساندة من قبل القوات الأجنبية التي أسقطت النظام واحتلت البلاد من جهة أخرى , ولأن الوعي الفردي والجمعي كان ولا زال متخلفا لم يع مخاطر وجود أجهزة ترتبت وفق فكر وأسس غير إنسانية وغير عقلانية ومناهضة للمجتمع.
ب. احتلال العراق من قبل القوات الأجنبية الأمريكية والبريطانية وبقية القوى المتحالفة خارج إطار الشرعية الدولية لمجلس الأمن الدولي والتي أرادت حكم البلاد بقواها الخاصة ففشلت ووضعت المهمة بيد قوتين , إحداهما في كردستان وبيد القوى الكردستانية التي كانت متحالفة في الجبهة الكردستانية بقيادة حزبين , الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني , والثانية بيد قوى وأحزاب الإسلام السياسية الشيعية التي حولت الوزارات لديها ولدى قوى الإسلام السياسية السنية إلى مواقع لقواها السياسية الطائفية , وبالتالي حولت أجهزة الدولة إلى أجهزة موالية للأحزاب السياسية الطائفية أو القومية , ولكنها ليست موالية للمواطنة العراقية الموحدة.
هذا يعني أن الإدارة العراقية قد استبدلت من الإيديولوجية القومية الشوفينية والشمولية إلى الإيديولوجية الإسلامية الشمولية , ولم تنشأ أجهزة تدين بالولاء للوطن والمواطنة عموماً , وهي أجهزة كانت واستمرت في فسادها المالي والإداري بل وتعمقت هذه السمة فيها كثيراً.
26
العراق بحاجة إلى مشروع وطني ديمقراطي في مجال النظام الإداري والإدارة الاقتصادية ينهض على أنقاض النظم السائدة إلى الآن يأخذ بعدد من المبادئ الأساسية , ومنها :
أ . أن تكون مهمات الإدارة العامة والإدارة الاقتصادية (الأجهزة البيروقراطية عموماً) خدمة المواطن والمجتمع وإنجاز الواجبات الملقاة على عاتقها وفق الدستور والقوانين المشرعة وتلك التي تستوجبها عملية إعادة بناء الاقتصاد الوطني وتوفير مستلزمات تحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية والحياة الثقافية.
ب . يفترض أن تكون الإدارة العامة والإدارة الاقتصادية بعيدتين عن التغيرات السياسية في الحكم , فولاؤها للوطن والمواطن والمجتمع وليس للحزب الحاكم أو النخبة الحاكمة.
ج . ويُفترض أن تعمل الإدارة العامة والإدارة الاقتصادية وفق قواعد النظام الديمقراطي الذي يخضع للرقابة بعدة اتجاهات: رقابة مجلس الشعب , ورقابة المحكمة الدستورية , ورقابة الحكومة ورقابة الشعب عبر أحزابه ومنظمات المجتمع المدني , ومنها النقابات والجمعيات , وعبر الإعلام.
د . العمل وفق مبدأ المحاسبة الاقتصادية والتوفير الاقتصادي وصيانة ثروة المجتمع وحمايتها والعمل على إغنائها والتصدي للفساد المالي ورفض المحسوبية والمنسوبية والتمييز بمختلف أشكاله ومظاهر بروزه في المجتمع , وبشكل خاص التمييز الديني والطائفي أو القومي أو ضد المرأة.
هـ . يفترض أن تأخذ الإدارة العامة والإدارة الاقتصادية بالأسس العلمية الحديثة للإدارة , سواء أكان ذلك في ما يمس توزيع العمل والتخصص , أم في توزيع وتحمل المسؤولية الفردية والخاصة واحترام الموقع والمهمات والحقوق والتدرج الوظيفي دون العوائق والعقبات البيروقراطية المعطلة لانسيابية إنجاز المهمات. وباختصار أن يحتل الإنسان المناسب , أكان رجلاً أم امرأة , المكان المناسب.
و . كسر العزلة المتبادلة والاغتراب الحقيقي بين المواطنة والمواطن من جهة وبين إدارة الدولة والحكومة وإيجاد مواقع لتقديم الشكاوى الخاصة بتعطيل معاملات المواطنات والمواطنين أو التمييز أو أي تجاوز على حقوق الأفراد ومصالحهم.
ز . تنظيم دورات تدريبية وتأهيلية مستمرة لإيصال أحدث المعلومات عن التطور الإداري والتقدم العلمي في هذا المجال إلى العاملين فيه لتحسين الأداء. إضافة إلى تطوير أجهزة وأدوات الاتصالات والتقنيات الإلكترونية الحديثة لصالح تعجيل إنجاز المهمات.
ح . مكافحة التضخم في الأجهزة الإدارية الحكومية وأجهزة الدولة الاقتصادية ورفض البطالة المقنعة في هذه الدوائر التي تقود إلى تعطيل العمل وإعاقة سير الأداء , إضافة إلى التكاليف المالية الباهظة التي تتحملها خزينة الدولة.
ط . وضع سلم جديد للرواتب في أجهزة الدولة الإدارية والإدارة الاقتصادية الحكومية يأخذ بالاعتبار أهمية أن يكون الراتب مجزياً للخريجين والموظفين الجدد بحيث يتسنى لهم النهوض بمهمات تكوين الحياة الجديدة والحياة الزوجية , مع نمو الرواتب وفق قواعد جديدة تسمح بوجود عدالة مناسبة , إضافة إلى تنظيم قضايا الرواتب التقاعدية والمخصصات والحوافز المادية والمعنوية التي تنشط المبادرة والإبداع والمنافسة الديمقراطية العقلانية , وكذلك وضع نظام خاص لمعيشة العاطلين عن العمل وتنظيم المساعدة الاجتماعية للمحتاجين من أفراد المجتمع.
ي . العناية التامة من جانب أجهزة الإدارة العامة والإدارة الاقتصادية بما تنشره أجهزة الإعلام السمعية والبصرية والمقروءة حول شكاوى الناس ومقترحاتهم وانتقاداتهم حول صيغ أداء هذه الأجهزة والعناية بالإجابة الصادقة والشفافة عن الأسئلة والمشكلات المطروحة.
ك . يفترض في أجهزة الإدارة الاقتصادية العناية بعدة قواعد أساسية , وهي :
** العناية بتحقيق مستوى إنتاجية عمل رفيع وتقليص التكاليف والنوعية الجيدة للسلع والخدمات المقدمة للسوق.
** العناية بالربحية المناسبة , إذ لا يجوز لأي مشروع اقتصادي أن لا يعمل وفق مبدأ المحاسبة الاقتصادية وتحقيق الربح أو بعيداً عن المنافسة الحرة.
** تطوير القوى المنتجة المادية والبشرية من خلال زيادة رأس المال الثابت الذاتي الموظف في المشاريع الاقتصادية وتنمية التراكمات والمساهمة الفعالة في تكوين الدخل القومي مع الاهتمام بتحسين الرواتب والأجور والمحفزات المادية والمعنوية للعاملين وتنظيم المنافسة ونشر الروح الديمقراطية في نشاط وعلاقات العاملين في المشاريع الاقتصادية الحكومية.
** العناية بآليات السوق وقوانين العرض والطلب وتحديد الأسعار في ضوء رؤية اقتصادية واعية للعلاقة الجدلية بين السعر والتكلفة والربح وأهمية السلعة للغالبية العظمى من السكان.

أوائل حزيران/يونيو 2010 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق والسرقة الأدبية... !
- في الذكرى العاشرة لوفاة عامر عبد الله / عامر عبد الله الكاتب ...
- مات صديقنا العزيز أبو عشتار ... مات عبد الرحمن الجابري..
- أصوات الشهداء تتصاعد من مقابرنا الجماعية, فهل نحن صاغون لها؟
- جريمتان ترتكبان في العراق , فما هما؟
- هل ناضلنا حقاً من أجل هذا الواقع التعليمي المزري في العراق؟
- اتساع الفجوة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء في العالم الرأ ...
- الخواء والاغتراب هي من أبرز سمات الخطاب السياسي للمؤتمر القو ...
- هل يمكن مواجهة وجود الطائفية السياسية بشعار -الدين لله والوط ...
- خلوة مع النفس : صراع الأجيال وتجلياته الإيجابية والسلبية !
- هل يمكن بناء الديمقراطية في العراق ؟
- هستيريا الصراع على السلطة في العراق ... إلى أين؟
- رسالة إلى رابطة الأنصار الشيوعيين فرع ألمانيا
- هل سيبقى الهم العراقي خلف ظهور الفائزين بالانتخابات؟
- أيها الناس احذروا ثم احذروا ثم أحذروا .. فميليشيات جيش المهد ...
- الفاشيون المجرمون يوغلون بدماء الشعب العراقي...!
- هل من جديد في تجربة القوى الديمقراطية – العلمانية في العراق؟
- رسالة شكر وتقدير واعتزاز
- قراءة حزينة في كتاب -شاهد عيان: ذكريات الحياة في عراق صدام ح ...
- المرأة والكتابة والنشر في موقع الحوار المتمدن


المزيد.....




- هاجمتها وجذبتها من شعرها.. كاميرا ترصد والدة طالبة تعتدي بال ...
- ضربات متبادلة بين إيران وإسرائيل.. هل انتهت المواجهات عند هذ ...
- هل الولايات المتحدة جادة في حل الدولتين؟
- العراق.. قتيل وجرحى في -انفجار- بقاعدة للجيش والحشد الشعبي
- بيسكوف يتهم القوات الأوكرانية بتعمد استهداف الصحفيين الروس
- -نيويورك تايمز-: الدبابات الغربية باهظة الثمن تبدو ضعيفة أما ...
- مستشفى بريطاني يقر بتسليم رضيع للأم الخطأ في قسم الولادة
- قتيل وجرحى في انفجار بقاعدة عسكرية في العراق وأميركا تنفي مس ...
- شهداء بقصف إسرائيلي على رفح والاحتلال يرتكب 4 مجازر في القطا ...
- لماذا يستمر -الاحتجاز القسري- لسياسيين معارضين بتونس؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - حول صياغة مشروع مدني ووطني ديمقراطي حديث للعراق الاتحادي