أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - الخواء والاغتراب هي من أبرز سمات الخطاب السياسي للمؤتمر القومي العربي الخامس عشر!- الحلقة الثالثة[1] –















المزيد.....


الخواء والاغتراب هي من أبرز سمات الخطاب السياسي للمؤتمر القومي العربي الخامس عشر!- الحلقة الثالثة[1] –


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 829 - 2004 / 5 / 9 - 01:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


صدر عن الدورة الخامسة عشرة للمؤتمر القومي العربي بياناً سياسياً موجهاً إلى الأمة أعلنه السيد معن بشور, أمين عام المؤتمر القومي العربي, في مؤتمر صحفي عقده في فندق كراون بلازا ببيروت قبل ظهر يوم الجمعة المصادف في 23/4/2004.

وعند قراءة البيان الختامي للمؤتمر القومي العربي يلاحظ القارئ بأن المؤتمر قد تبنى عدداً من المواقف التي طرحتها أبحاث ندوة مركز دراسات الوحدة العربية التي عقدت قبل ذاك بحوالي ستة أسابيع, رغم عدم إشارة المؤتمر إلى تلك الندوة ولو بكلمة واحدة, وبالتالي أعتقد بأن عدداً من المستقلين الديمقراطيين والقوميين التقدميين الذين حضروا الندوة لم يقدروا بأنها كانت بمثابة التهيئة غير المباشرة للمؤتمر القومي العربي. وليس في هذا أي ضير بطبيعة الحال, إذ أن عقد الندوات في المرحلة الراهنة مسالة مهمة وضرورية لبلورة الأفكار بالنسبة إلى جميع القوى السياسية الحزبية وغير الحزبية أو المستقلة للتداول بشأن المشكلات التي تواجه الأمة العربية.

والبيان المشار إليه يعالج الوضع في العالم العربي ويتطرق كعادته إلى الغزوة الاستعمارية الجديدة والصراع العربي الصهيوني والقضية الفلسطينية والقضية العراقية والأوضاع السياسية في سوريا ولبنان والصومال والسودان ومشروع الشرق الأوسط الكبير وقضايا الإصلاح السياسي والديمقراطية ومسألة التنمية العربية والعدالة الاجتماعية, ثم انتهى إلى جملة من القرارات والتوصيات التي تمس المجتمع العربي وعلاقاته الإقليمية والدولية وعملية التنمية فيه. وأطلق على الدورة الخامسة عشر للمؤتمر القومي العربي بدورة الشهيدين الفلسطينيين "الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وشهداء المقاومة الفلسطينية والعراق". وحضر المؤتمر, حسب البيان الختاميو 300 عضو وضيف من 20 بلداً ومن المهجر, إضافة إلى عدد من الضيوف الأجانب.



ولا شك في أن البيان الختامي يحتوي على وجهات نظر القوى القومية العربية العاملة في المؤتمر القومي العربي, وهي قوى موزعة على جميع الدول العربية وتشكل أحد أجنحة التيار القومي العربي الذي يتسم بالحيوية في عقد الندوات والمؤتمرات وإصدار البيانات السياسية, كما يحتشد فيه الكثير من المسئولين السابقين في الدول العربية الذين تولوا مراكز هامة في حكوماتها في حينها, وخاصة في الحكومات القومية في كل من مصر والعراق وسوريا, إضافة إلى لبنان والأردن والسودان, كما أن فيهم بعض السياسيين في الدول المغاربية, وخاصة من تونس والمغرب والجزائر.

ووفق تتبعي لدورات المؤتمر القومي العربي والبيانات السياسية الصادرة عنه والموجهة إلى الأمة العربية فأن المواقف السياسية لقوى المؤتمر القومي لم تتغير طوال الفترة المنصرمة على أول مؤتمر لها من جهة, كما أنها لم تتغير عن مواقف هذه القوى التي تسبق فترة بدء مؤتمراتها الجديدة. وهذا يعني أن المؤتمر ينظر إلى الواقع العربي بطريقة غير حركية وجامدة وكأن لم يحدث شيئاً في العالم العربي وفي المنطقة أو الإقليم والعالم. وتتغلب على مواقف المؤتمر القومي العربي, حسب تقديري, الاتجاهات والنزعات القومية اليمينية المغرقة في التوتر والتعصب والروية الوحيدة الجانب للمشكلات القائمة, إذ أنهم يبتعدون قدر الإمكان عن محاولة تقييم وتقويم سياساتهم ومواقفهم من خلال تحديد مواقع الخطأ. إن المشكلة الغالبة على رؤية هؤلاء الأخوة, والغالبية العظمى منهم من الذكور, رؤية قومية شوفينية إزاء الشعوب والقوميات الأخرى التي تقطن المنطقة أو تدخل مناطقهم ضمن الدول العربية, ومنهم الكرد في العراق وسوريا, أو الأمازيغ في الدول المغاربية, أو الأفارقة في جنوب السودان وفي دار فور, كما أن لعدد كبير من أعضاء المؤتمر القومي العربي مواقف غير سليمة إزاء الشيعة العرب في العراق, إذ غالباً ما يعتبرونهم شعوبيين أو تابعين لإيران في مواقفهم الفكرية والسياسية. وهم لا يتحملون النقد بأي حال. وخلال السنوات الأخيرة ارتبطوا بتحالفات فكرية وسياسية جديدة, من بينها تحالفهم مع حزب البعث الحاكم ونظامه في العراق قبل سقوطه, وحالياً أيضاً, إضافة على تحالفهم مع قوى الإسلام السياسي المتطرفة ذات النهج الديني - القومي المتعصب. ولا شك في أن الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي تدعو باستمرار شخصيات من تيارات فكرية وسياسية أخرى إلى مؤتمراتها السنوية, لكي تناقش أو تطرح أفكارها ولكن الحصيلة واحدة في المحصلة النهائية حيث يصدر البيان الذي أعد مسبقاً من قبل الأمانة العامة ويعلن للملأ وتوضع تحته أسماء كل الذين شاركوا في حضور جلسات المؤتمر بغض النظر عن التباين في وجهات النظر بين الحاضرين, إذ يبدو عندها وكأن الجميع قد وافقوا على البيان الصادر عن المؤتمر. وهي طريقة عمل غير سليمة. وترفض الأمانة العامة تسجيل وجهات نظر المخالفين حول النقاط المختلف عليها, مما دفعت ببعض الشخصيات المدعوة إلى رفض حضور تلك المؤتمرات.

وعلى الرغم من أهمية النقاط التي بحثها المؤتمرون وضرورة الدخول بحوار حولها, فأنا سأركز في حواري هذا حول بعض تلك النقاط التي بحثت في الشأن العراقي. لا شك في أن احترام وجهات نظر الآخرين ضرورية, وبالتالي وأنا أحاور الأخوة في المؤتمر القومي أحترم وجهة نظرهم, رغم اختلافي الكامل في ثلاث مسائل جوهرية, وهي:

1. طريقة عرض القضية العراقية في المؤتمر وأسلوب معالجتها ووحدانية الجانب في النظر إلى ما جرى ويجري اليوم في العراق.

2. محاولة فرض الوصاية على الشعب العراقي وكأن من حقهم التحدث باسم هذا الشعب دون العودة إليه.

3. القرارات والتوصيات المتطرفة التي تريد فرض رأيها على كل الناس بغض النظر عن ضعف إمكانيات وطاقات الشعب العراقي بعد العقود الطويلة من الدكتاتورية والحصار الاقتصادي الدولي الظالم والحروب العديدة التي دفع النظام العراقي الشعب إلى حممها وكوارثها.



ندرك جميعاً بأن الحركة الوطنية والشعبية العربية تعيش في فترة جزر قاسية منذ أكثر من ثلاثة عقود من السنين, وأن النهوض بهذه الحركة يحتاج إلى عمل واعٍ, نشيط وفعال في آن, إلى عمل فكري وسياسي ةممارسة يومية متواصلة, وإلى رفع مستمر للمعنويات وتنشيط الحياة السياسية الديمقراطية ومقاومة النظم الرجعية والسياسات العدوانية الخارجية. إلا أن هذه العملية لا يمكن أن تتم عبر النداءات والنفخ في الصور وبأساليب لا تمت إلى الواقع بصلة وتؤثر على حركة التضامن العالمية مع نضالات الشعوب العربية. فعلى سبيل المثال لا يمكن اعتبار أعمال الإرهاب التي تنظمها فلول صدام حسين أو تنظيم القاعدة أو أنصار الإسلام بجانبيه الكردي والعربي أو الفعاليات الإرهابية لمقتدى الصدر والإجراءات الظلامية لقواه إزاء المرأة العراقية والمجتمع وإزاء مختلف الفنون والأعمال الإبداعية صحوة سياسية للشعب العراقي, بل هي استمرار في الظلامية والعنف والعدوان على الشعب العراقي, خاصة وأن أغلب العمليات الجارية استهدفت الناس الأبرياء من الشعب, سواء أكانوا من الكرد أم العرب أم من القوميات والأديان والمذاهب المختلفة. كما أن التحالف مع هذه القوى السياسية المتطرفة والدعوة إلى الاستمرار بالعميات المسلحة بحجة التخلص من الاحتلال يجعل من المتعذر أصلاً تحقيق التحالف مع القوى السياسية العراقية التي تعمل من أجل إنهاء الاحتلال بأساليب وأدوات سلمية أكثر نفعاً وتأثيراً وتحقيقاً للتضامن الدولي في المرحلةة الراهنة. ولا بد للقوى القومية العاملة في هذا الجناح من التيار القومي العربي أن تدرك بأن القوى الظلامية تريد العودة بالمجتمع العراقي إلى عهود سحيقة, إلى ماضٍ يتسم بالاستبداد المطلق للفكر الثيوقراطي الإقطاعي المتخلف. إنها السلفية والإصولية المتخشبة التي ترفض الحضارة الإنسانية المعاصرة بحجة الحفاظ على الدين والتقاليد والأعراف والهوية العربية والإسلامية. وهي كما يبدو لي لا تختلف كثيراً عن الاتجاهات القومية السلفية والشوفينية التي ترى في الماضي القدوة والنموذج الذي يفترض أن يحتذى به, وهي تخشى من كل تقدم حضاري حديث أو فكر معاصر باعتباره يمثل الفكر والحضارة الغربية المعادية, كما تعتقد, للفكر القومي والإسلامي أو الهوية العربية الإسلامية. وهو أمر بالغ السوء والأذى بالمجتمع العراقي وتقدمه اللاحق. ويحق لنا أن نقول حول مثل هذه الهوية بأنها "الهوية القاتلة" إذا ما حق لنا استعارة هذه المصطلح النابت والمعبر من كتاب الروائي الكبير أمين المعلوف الموسوم "الهويات القاتلة". أن هذه المواقف تشكل ارتداداً صارخاً ضد الحضارة الإنسانية وتطورها المعاصر وضد تطلعات الشعب العراقي إلى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية والتنمية وفق الأسس العصرية والتقنيات الحديثة. كما أن الهروب نحو الخلف من واقع قائم عبر الحنين إلى الماضي لن ينفع أحداً ولن يدفع بالمجتمع العربي خطوة واحدة نحو ما يصبو إليه, فهو حنين لن يتحقق إذ أنه مخالف لسنة التطور وقوانين التطور الاجتماعي الموضوعية. إن الجناح اليميني من التيار القومي العربي لا يريد, كما يبدو, دفع العالم العربي صوب التنوير الديني والمجتمع المدني الديمقراطي عندما يمارس سياسة التحالف مع تلك القوى التي تريد منع عملية التنوير والمدنية والديمقراطية من الوصول إلى المجتمع العراقي, إلى الأوساط الشعبية التي احتكر النظام الهيمنة عليهم وعمق الجهالة في أوساطه وفرض عليها الحجر الفكري والعلمي والسياسي لسنوات طويلة, ساعدته في ذلك وبشكل مباشر أو غير مباشر مجموعات غير قليلة من رجال الدين من مختلف المذاهب.

إن من واجب كل الأحزاب والقوى السياسية والقوى الديمقراطية المستقلة أن تلعب دورها في رفع معنويات الشعوب العربية وأن تضع الواقع المزري الذي تمر به أمام أعين الجماهير بشكل عام والكادحين منهم بشكل خاص وأن تساهم في الكشف الموضوعي عن طبيعة وحقيقة النظم السياسية الحاكمة في الدول العربية ودورها في المأساة التي يعيش في ظلها العالم العربي, لا أن تمارس سياسات تكرس ذلك. ويفترض أن يكون نشاطها في هذا الصدد واقعياً ومبنياً على أسس علمية وموضوعية سليمة, إذ لا ينفع النفخ في الصور وتضخيم الذات ونشر الفكر العنفي والسادية في أوساط المجتمع, ومنها العمليات الانتحارية التي تؤدي إلى هلاك العشرات من الناس الأبرياء وجرح المئات منهم. وأؤكد في هذا الصدد أن القوى التي تدعي مقاومة المحتل بالسلاح في العراق عموماً أو ما تمارسه السلطة السودانية في دار فور على سبيل المثال لا الحصر لا يمت إلى الصحوة العربية الإنسانية بصلة, بل يعبر عن ظلامية قاتلة واستمرار فعلي للبؤس الفكري والعنصرية المقيتة التي يفترض أن تدان لا أن تمجد.

فالعراق يعيش اليوم تحت ظل الاحتلال الذي ترفضه جميع الأحزاب والقوى السياسية. ولم تتسبب به, رغم أن بعضها وافق على الحرب, بل تسبب به نظام صدام حسين والقوى القومية العربية في العالم العربي والإسلامي التي ساندته وقدمت الدعم له وعقدت مؤتمراتها في أحضانه وتحت "رعايته الكريمة ومباركته الميمونة!".



يمكنني أن أتفق مع البيان حول تحديد المهمة المركزية التي تواجه المجتمع العراقي, وهي الخلاص من الاحتلال واستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية. ولكن ينبغي أن نتفق أيضاً على الأساليب التي يفترض أن تمارس في هذا النضال وما الأسلوب الذي يفترض أن يمارس حالياً قبل غيره من الأساليب. كما يفترض أن نتفق على القوى التي تساهم في هذا النضال, إذ لا يجوز فرض أسلوب استخدام السلاح على القوى السياسية العراقية وعلى الشعب العراقي في وقت خرج لتوه من حروب دامية, أو التحالف مع قوى كانت السبب وراء كل ما تعرض له الشعب طيلة العقود المنصرمة, أو قوى تريد العودة به إلى حياة البؤس الفكري والفاقة, في وقت تتوفر أفضل الإمكانيات لإخراج المحتل وفق قرارات مجلس الأمن الدولي والرأي العام العالمي والنضال السلمي لأغلب القوى العاملة في مجلس الحكم الانتقالي وخارجه, خاصة وأن الأحزاب التي ناضلت ضد صدام حسين ممثلة بشكل خاص في مجلس الحكم الانتقالي, كما يمكن استكمالها بالقوى الأخرى التي لم تمثل حتى الآن في هذا المجلس وفي الحكومة المؤقتة. لست من أنصار البعض ممن يعمل في المجلس ولا مؤيداً لكل سياسات المجلس, ولكن أليس من حق هذه القوى علينا أن نتحاور معها ونسعى للتوصل وإياها إلى مواقف مشتركة بدلاً من تشتيت القوى, إذ أن الاحتلال مرفوض من الجميع ويبقى السؤال: كيف نتعامل معه ونتخلص منه؟

إن دعم الإرهاب الجاري في العراق والتشجيع على اختراق الحدود العراقية وفتحها أمام من يريد إثارة الفوضى والقتل والتدمير لا يخدم إلا من يريد إطالة أمد الاحتلال وإدامة المعركة في العراق وتحويل العراق إلى فلسطين أخرى دون أدنى مبرر, في وقت يستنكر البيان أي تدخل من دول الجوار في الشأن العراق, ولكنه يطلب منهم فتح الحدود لدخول الإرهابيين إلى العراق, فأي ازدواجية هذه في المعايير أيها السادة؟

ويهاجم البيان الختامي للمؤتمر القومي العربي قانون إدارة الدولة المؤقت دون أن يبذل المؤتمرون جهداً مسؤولاً للتمييز بين ما هو إيجابي وما هو سلبي في هذا القانون, علماً بأنه أفضل قانون صدر حتى الآن في تاريخ العراق, رغم النواقص الجدية التي فيه وكذلك الصياغات الضعيفة غير القانونية أو حتى الاختلاف معه في بعض مواده ومضامينه. ولا يجوز نسيان حقيقة أن هذا القانون وضع ليكون موجهاً لمرحلة انتقالية محدودة تستند إليه الأجهزة التشريعية والتنفيذية المؤقتة لوضع مشروع الدستور الديمقراطي الدائم وعرضه على الشعب لإبداء الرأي بشأنه وإجراء الانتخابات العامة وفق قانون خاص للانتخابات, على أن يطرح الدستور الدائم على المجلس التشريعي الجديد لإقراره. ومع أن من حق كل إنسان أن يتخذ الموقف المناسب من هذا القانون, فأن رفضه جملة وتفصيلاً يدلل على موقف سلبي كامل من مجمل العملية الجارية في العراق وتفضيل الإسلوب المسلح في مواجهة الوضع القائم.

وفي الوقت الذي أتفق تماماً مع البيان في موقف من المسالة الطائفية ورفض إقامة الحكم على أساس طائفي أو توزيع المراكز والوظائف الحكومية على أساس طائفي مقيت, علماً بأن النظام المخلوع كان يمارس الطائفية بأبشع اشكالها عملياً, أختلف مع البيان في الموقف من المسالة القومية. فالبيان يرتكب خطأ فاحشاً في موقف غير العقلاني والشوفيني من الشعب الكردي ومن نضال سكان كردستان من الكرد والتركمان والآشوريين والكلدان إلى إقامة الاتحادية (الفيدرالية) الكردستانية العراقية في إطار الجمهورية العراقية الديمقراطية والمجتمع المدني الديمقراطي الحديث الذي يسعى الشعب العراقي إلى إقامته. إنها أكثر السياسات والمواقف سلبية وإيذاءً, إذ أنها تتجاوز على خبرة العقود الثمانية المنصرمة والمآسي التي عاشها الشعب العراقي بسبب رفض النظم الحاكمة كلها تمتع الشعب الكردي بحقه في تقرير مصيره, والذي اختار بمحض إرادته الوحدة مع الشعب العربي ومع القوميات الأخرى في دولة اتحادية ديمقراطية. فلا أدري من أين يأتي الخوف من هذا الشعب الصديق الذي رافق الشعب العربي في العراق في نضال مشترك من أجل عراق ديمقراطي مزدهر وحياة حرية كريمة؟ إنه الموقف المتشنج والشوفيني الذي يدفع بالأمور إلى نهاياتها المأساوية, تماماً كما ورد في التهديد الذي تضمنه البيان الختامي حين ورد فيه النص التالي: "7- يرفض المؤتمر جميع دعاوى التجزأة والتقسيم للعراق على أساس قومي أو طائفي تحت أية صيغة كانت بما فيها "الفيدرالية" التي تعتبر مقدمة لتقسيم العراق تمهيداً لحرب أهلية بهدف القضاء على عروبته وانتمائه العربي". ثم يواصل البيان الختامي في الفقرة الثامنة الخاصة بالعراق فيذكر ما يلي: "تقديم جميع الضمانات الدستورية والقانونية لأكراد العراق في حكم ذاتي مع التأكيد على مبدأ مساواة جميع العراقيين الذي يضمنه الدستور الدائم الذي يضعه جميع العراقيين لأنفسهم بعد انتهاء الاحتلال, وحقهم في المشاركة في إدارة شؤون الوطن دون تمييز". (البيان الختامي للمؤتمر القومي العربي الخامس عشر. مصدر سابق. ص 6).

عرف الشعب الكردي والديمقراطيون العرب بأن وعود النظام الملكي إلى عصبة الأمم والتزامات الحكومة العراقية حول مصالح الشعب الكردي ذهبت أدراج الرياح من جهة ونفس الوعود الزائة مارستها الجهوريات البعثية والقومية الزائفة, بل حتى سياسة عبد الكريم قاسم تنكرت لحقوق الشعب الكردي. ولهذا لا يحق للكرد والعرب الديمقراطيين أن يصدقوا الوعود وأن يهملوا التهديدات الفاغرة التي يطلقها هؤلاء, إذ عجزوا عن تحقيقها, رغم الضحايا الكبيرة التي قدمها الشعب الكردي والشعب العربي بسبب النزاع حول هذه المسالة. ولهذا فأن الاتحاد القائم على اساس الفدرالية في إطار الجمهورية العراقية هو الحل المناسب والسليم, وعلى القوميين أن يتفهموا هذا جيداً, إن أن العالم العربي لم يعد تحت أمرتهم أو حكمهم ولن يكون أيضاً إن استمرت سياساتهم على هذا النهج الاستبدادي والشوفيني.

إن الأفعال الشنيعة والمجازر الوحشية التي نظمها الحكم البعثي في العراق طيلة العقود المنصرمة ضد الشعب الكردي وضد الكرد الفيلية كادت تقود إلى تخريب حقيقي للنسيج الوطني العراقي وإلى تدمير الصداقة العربية الكردية في الوطن الواحد. في حين أن الحل الديمقراطي العادل يمكن أن يتم بسهولة حين يعترف العرب بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه. لقد كان في مقدور الكرد أن ينفصلوا عن العراق بعد هروب أجهزة صدام حسين من أرض إقليم كردستان العراق, ولكن المجلس الوطني قرر إقامة الفيدرالية باعتبارها جزء من العراق الموحد. فهل بعد هذا نتهمهم بالانفصال, رغم أن لهم الحق في الانفصال أيضاً استناداً إلى مبدأ حق تقرير المصير الذي تضمنه القوانين الدولية ولائحة الأمم المتحدة؟ إن من لا يريد الحرية للغير ولا يريد منحه حقوقه المشروعة والعادلة, لا يعرف حقاً طعم الحرية ولا يفهمها ولا يتمتع بها.

لا شك في أن هناك الكثير من المسائل المقبولة التي طرحت في البيان ومنها موضوع الخصخصة التي يفترض أن يقررها الشعب وحكومة منتخبة من قبل الشعب, أو رفض التشريعات التي يصدرها الحاكم المدني لقوات الاحتلال والتي تتناقض مع مصالح الشعب العراقي أو لم تقررها هيئة منتخبة فعلاً من قبل الشعب أو المجلس الوطني العراقي الديمقراطي مستقبلاً. كما من المهم جداً أن تجري الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة وليس تحت إشراف الجامعة العربية التي لم تشرف على أي من الانتخابات التي جرت في الدول العربية والتي تميزت كلها بالتزييف وعدم النزاهة وتحت سلاح القمع المشين. ورغم معرفة الجامعة العربية بكل ذلك لم تحتج عليها حتى الآن ولم تمارس النقد إزاء التجاوزات على إرادة الشعوب العربية في تلك الدول, كما أنها لم تحرك ساكناً عندما كان النظام العراقي يسحق تحت أقدام صدام حسين وجلاوزته ومؤيديه. إن من حق الجامعة العربية المساهمة في مراقبة العملية الانتخابية وليس الإشراف عليها بأي حال, إلا بعد أن تصبح جهازاً ديمقراطياً يعبر عن مصالح الشعوب العربية.

وترد في البيان جملة من المطالب التي يصعب على الإنسان تحقيقها. فمن يصدر قرارات وتوصيات لا يمكن تنفيذها في الواقع العملي, وخاصة في نظم هي تابعة في أغلبها للسياسة الأمريكية وهو الذي يحميها ويحمي مصالحه ومصالحها في آن واحد. وبعض تلك القرارات لا يعبر عن واقعية وموضوعية, ومنها مثلاً مقاطعة البضائع الأمريكية في عالم نعرف دور الشركات المتعددة الجنسية في العملية الإنتاجية على الصعيد العالمي, وكأن الأخوة الاقتصاديين في المؤتمر القومي العربي لا يفهمون هذه الحقيقة في عالم معولم اقتصادياً وتقنياً وتجارياً ومالياً ...الخ حيث تلعب الولايات المتحدة دور القائد والموجه والفاعل الأساسي فيه حتى فترة غير قصيرة لاحقة. إن من يريد أن يستمع الناس له وينفذ قرارته, عليه أن يعرف كيف يتحدث وكيف يصنع التوصيات والقرارات التي يمكن أن تنفذ فعلاً لا أن تعتبر فاشلة حتى قبل صدورها, خاصة ونحن نعيش في ظل حكومات عربية لا يحترم أغلبها شعوبها ونعرف طبيعتها وسياساتها ومواقفها إزاء الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه جملة من القضايا التي حاولت المرور عليها بسرعة كبيرة, علماً بأن هناك الكثير في ما يخص العراق أيضاً الذي ربما سأتناوله بحلقة أخرى.

برلين في 20/5/2004 كاظم حبيب









--------------------------------------------------------------------------------

[1] ملاحظة: لإزالة كل التباس يمكن أن يحصل لدى القارئة أو القارئ يتطلب مني الإشارة إلى ثلاث مسائل, وهي:

أ‌. أميز تماماً بين الندوة التي عقدت في الشهر الثالث العام2004 وبين الدورة الخامسة عشرة للمؤتمر القومي العربي التي عقدت في الشهر الرابع من نفس العام, وبالتالي فقد بدأت بالحديث عن الندوة, التي اعتبرتها من جانبي التحضير الفعلي للمؤتمر القومي العربي دون أن يبلغ المدعوون من غير أعضاء المؤتمر القومي العربي إلى أنها عملية تحضير للمؤتمر واعتبرت بالنسبة لهم مجرد ندوة دعا لها مركز دراسات الوحدة العربية, ولكل منا الحق في تفسير الأمر كما يراه ويقتنع به.

ب‌. ب. أشرت على أن الندوة قد حضرتها ثلاث قوى أساسية, وهي: أعضاء المؤتمر القومي العربي, ب. أعضاء في تنظيما حزب البعث جناح عفلق, ج. القوى الإسلامية المتطرفة. كما حضرتها بعض الشخصيات التي دعيت إلى الندوة وهذا البعض ليس أعضاء في أحد تلك التنظيمات, إضافة إلى البعض الذي يحضر في كل عرس أو مأتمن, وهذا البعض من غير العاملين في تلك التنظيمات الثلاث أيضاً. لهذا اقتضى التنويه.

ت‌. وقع خطاً في المقال الثاني حيث ورد ما يلي: "ولم يصدر عن السادة أعضاء الندوة أي تصريح أو إشارة في "بيانهم العتيد الموجه إلى الأمة" ما يدين استخدام النظام المخلوع الأسلحة الكيماوية في المدينة الكردية حلبجة أو مجازر الأنفال وما وقع على الشعب الكردي طيلة العقود المنصرمة من ظلم وجور وقهر سياسي واقتصادي واجتماعي وقتل جماعي وإبادة فعلية". وجاءت كلمة الندوة التي وضعت تحتها خط خطأ إذ كان المفروض أن تكون الكلمة هي المؤتمر وليس الندوة, لهذا اقتضى التنويه. ك. حبيب.



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن مواجهة وجود الطائفية السياسية بشعار -الدين لله والوط ...
- خلوة مع النفس : صراع الأجيال وتجلياته الإيجابية والسلبية !
- هل يمكن بناء الديمقراطية في العراق ؟
- هستيريا الصراع على السلطة في العراق ... إلى أين؟
- رسالة إلى رابطة الأنصار الشيوعيين فرع ألمانيا
- هل سيبقى الهم العراقي خلف ظهور الفائزين بالانتخابات؟
- أيها الناس احذروا ثم احذروا ثم أحذروا .. فميليشيات جيش المهد ...
- الفاشيون المجرمون يوغلون بدماء الشعب العراقي...!
- هل من جديد في تجربة القوى الديمقراطية – العلمانية في العراق؟
- رسالة شكر وتقدير واعتزاز
- قراءة حزينة في كتاب -شاهد عيان: ذكريات الحياة في عراق صدام ح ...
- المرأة والكتابة والنشر في موقع الحوار المتمدن
- هل من علاقة بين نتائج الانتخابات والإرهاب الدموي في العراق؟
- الإرهابيون القتلة يمارسون مهنتهم بنجاح .... فهل فشلنا في الم ...
- تحية وفاء ووقفة إجلال لشهداء الكُرد الفيلية , شهداء الشعب ال ...
- أسئلة موقع ومجلة زهرة النيسان وإجابات الدكتور كاظم حبيب
- رسالة مفتوحة إلى الأخ السيد عباس العگيلي
- خلوة مع النفس ...القطط السمان المتنفذة وحديث الناس ...!!
- ملاحظات مطلوبة على تعليقات حول مقالاتي بشأن تصريحات السيد طا ...
- إذا كانت أحداث عبد السلام عارف في الفترة 1958-1963 كمأساة .. ...


المزيد.....




- وزير الخارجية الفرنسي يستهل جولته في الشرق الأوسط بزيارة لبن ...
- مفتي سلطنة عمان معلقا على المظاهرات الداعمة لفلسطين في جامعا ...
- -عشرات الصواريخ وهجوم على قوات للواء غولاني-.. -حزب الله- ين ...
- مظاهرات حاشدة بتل أبيب تطالب بصفقة تبادل
- أوكرانيا تطلب من شركة ألمانية أكثر من 800 طائرة مسيرة للاستط ...
- زواج شاب سعودي من فتاة يابانية يثير تفاعلا كبيرا على مواقع ...
- بعد توقف 4 سنوات.. -طيران الخليج- البحرينية تستأنف رحلاتها إ ...
- ماكرون يعتبر الأسلحة النووية الفرنسية ضمانة لبناء العلاقات م ...
- مقتل 5 أشخاص على الأقل وإصابة 33 جراء إعصار في الصين
- مشاهد لعملية بناء ميناء عائم لاستقبال المساعدات في سواحل غزة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - الخواء والاغتراب هي من أبرز سمات الخطاب السياسي للمؤتمر القومي العربي الخامس عشر!- الحلقة الثالثة[1] –