|
نعم لحرية التفكير و الاقرار و عدم النزوح وراء الخطابات التوجيهية
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3019 - 2010 / 5 / 30 - 19:38
المحور:
حقوق الانسان
مقياس حرية المجتمع مقرون بمدى حرية الافراد و سعة مساحة تحركهم و قوة ارادتهم و نضج تفكيرهم، و تقييم الحرية العامة للشعوب يستند على مقدار خروج الفرد من الممنوعات التقليدية التي رسمتها له الالتزامات الدينية و الايديولوجية و السياسية و ما ترسخت من العادات و التقاليد المقيدة لحركته و عمق تفكيره و قراراته الخاصة و العامة. مستوى تقدم اي مجتمع مبني على توفر الاعمدة و الركائز المهمة للنظام الديموقراطي الحقيقي، و هذه الاعمدة تتركز في الحرية و المساواة و حقوق المواطنة و ضمان الحقوق العامة و الخاصة للفرد و حريته في التفكير و اعتماده العقلية المناسبة للعصر التي يعتقد بانها الصحيحة و الملائمة للواقع الذي يعيش فيه بعيدا عن المعوقات و الانحصار الذي تفرضه متطلبات التاثير الديني و المذهبي و العقيدي و العرقي، و ما يتسم به المجتمع من العادات و التقاليد و مهنا البالية ايضا، و المحددات التي رسمها الوضع الاجتماعي عبر التاريخ . الحرية العامة بما تحوي من الاجزاء و الاقسام المتحدة مع بعضها و التي لا تتجزء ومنها حرية المعيشة و السكن و التعبير و الانتخاب و الاحتجاج و الانتقاد، فتعتبر من اهم مقومات تجسيد النظام الديموقراطي الحقيقي، و يفقد اي نظام سياسي الذي يعتبر نفسه ديموقراطيا سمات الديموقراطية و خواصها في غياب الحرية العامة المطلوبة، و عند التشدد في تضييق حدود الحريات التي تلازم الفرد منذ ولادته، تنقص الفرد من انسانيته او تزداد نسبة الى اختلاف سعة و ضيق مساحة هذه الحريات المطلوبة من منطقة لاخرى و من شكل و نوع و خصائص و اخلاقيات شعوب لاخرى، و تبدا المضايقات عند العائلة و ما تؤمن و تعتقد و تفرضه على الفرد و من ثم المجتمع و ما فيه من العراقيل المختلفة امام حرية الفرد، الى الدولة و النظام و شكل ادارة الدولة المتجسدة في النظام العام و الاوامر و القوانين و القرارات الصادرة . الثقافة الاجتماعية و الدينية السائدة لها الدور الاكبر في تحديد العوامل المضيقة للحرية و بالاخص حرية الفرد، و محاولة حصر الفرد في مساحة محدودة من المباديء التي تسود في المجتمع من الناحية الاخلاقية و السلوكية و العقيدية و الروابط الاجتماعية و العادات و التقاليد و الطقوس و الفرائض التي تحددها الاعتقادات و حتى الاساطير. و هنا تحس الافراد بالمضايقة السياسية الاجتماعية اكثر و تحاول اصحاب الارادة من تجاوزها و ازاحتها بكل الوسائل او عبورها في اضعف الايمان عند صعوبة مقاومتها. و هذه المعوقات التي تكبر كلما كبر الفرد و تكون نسبتها مختلفة من منطقة لاخرى ، اي ما يمكن ان نسميها بالمفاهيم المثبتة بفعل التاريخ و الافكار تكون نسبية المقدار و التاثير و العمل و تختلف من حيث الشكل و المضمون من مجتمع لاخرايضا، اي يختلف ما موجود في الشرق عما موجود في الغرب و هكذا بالنسبة لكافة المناطق و باختلاف مكوناتها و ثقافاتها. ان كان النظام و الشكل الاجتماعي و الديني المتبع هو الذي يرسم حدود و الاطار العام للحريات الفردية، الا ان الدولة و النظام السياسي و ادارة البلد و مؤسساته الخاصة هي التي تعيد رسم الخارطة النهائية لنسبة الحرية و مساحتها، و تخلق حجج و مبررات للضغط على مساحة الحرية ان توسعت بفعل فاعل كي يحصر الفرد باسم المصالح العليا او العامة و الاخلاقيات و الاداب العامة و الصفات و العادت و التقاليد التي تدعي عدم امكان تجاوزها و تصر على منع الخروج منها. اي تخلق هذه المؤسسات طوقا حديديا قويا حول تفكير الفرد و تمنعه من حرية التفكير و تخلق لديه الشكوك و تحاول ان تؤثر على ارادته و تزيلها او تنقص منها و تثبط عزمه و همته و بالتالي تمنعه من حرية الاقرار و التنفيذ و تطبيق ما يمكن ان يفكرفيه الفرد في الانعكاف على عمله وهو يؤمن بتغييره من كافة النواحي التي تمس حياته. تدخل في هذه العملية المعقدة المؤثرة على طبيعة و معيشة الفرد عدة عوامل و مصالح مختلفة و ربما تُذكر منها على العلن العديد باسم المصالح العليا للشعب كمبرر للضغط على الفرد و و لاسباب اخرى سرية و ذاتية لا يمكن لهم الافصاح عنها و اجبار الفرد على التوجه الى الاتجاه المعين من السلوك و توجيهه في التفكير و القرار و تحديد صور و اشكال المعيشة التي يرومونها له دون ارادته، و اختلاف الاماكن و طبائع المجتمعات تبني هذه التوجهات و تعين الموجهات و مدى او سعة او ضيق الحريات و وجود الافاق للتحرر او عدمها. و بازاحة الضغوطات و ايدي و عقول التوجهات الدينية و المذهبية و الايديولوجية الضيقة ستتوسع مساحات الحرية و تقوي من ارادات الافراد و تقلل من تاثيرات الخطابات الموجهة للافراد. على الرغم من ان الحرية هي صفة ملزمة بالفرد بشكل عفوي و مغروسة في طبيعته منذ الولادة و تكبر و تعلو كلما كبر الفرد ، و انها تحتاج لارضية خصبة للاستناد عليها و تقويتها و اعتبارها مسندا و دافعا هاما للقرارات التي يتخذها الفرد في حياته، و يتم تجسيد الحرية بسهولة في موقع يكون فيه الانسان هو الهدف و الغاية و الحرية من الاولويات، و النظام يهتم بما يخص الانسان قبل التوجهات المتعددة التي ذكرت من قبل. هذا بشكل عام ما يخص الحرية و التفكير و كيفية الاقرار و دور الارادة بعيدا عن الخطابات الموجهة للفرد اينما كان في اية بقعة من العالم، اما ما نحن فيه في الشرق الاوسط بشكل عام و العراق بشكل خاص فيتحمل التفسيرالكثير اننا نقر منذ البداية بان الفرد هنا معتاد على التوجيهات الفوقية و مدمن على استلاب الارادة و متورط بخطابات موجهة غارقة في حدود دائرة من الاوامر و الواجبات العامة، و يضحي الفرد بحرياته الخاصة من اجل النظام و القواعد السائدة المفروضة عليه بعنف و قوة و من دون ارادته في اكثر الاحيان و التي يرسمها الوضع الاجتماعي و الثقافي و السياسي الموجه دائما. هذه المنطقة التي نعيش فيها على العموم اسير مجموعة كبيرة من المحددات الاجتماعية و العادات و التقاليد و توجيهات و اوامر الدين و السياسة و الايديولوجيا التي اصبحت من اكبر العوائق امام حريتها المنشودة و امام حرية الفرد الخاصة التي تستخدم الفرد كآلة و اداة ليبرهنوا النتائج المرجوة من توجيهاتهم و النظريات الشائكة المتبنية التي يعتمدونها في فرض ارائهم و مواقفهم ، و يفرضوا على الفرد دائما الالتزام بالاوامر و القرارات و التوجهات التي تصدرها النظام السياسي و النظريات و السمات الاجتماعية الغالبة المتجسدة، و هو خاضع دائما للنصوص المقدسة التي تفرض عليه، و اصبحت مفاهيم لا يمكن للفرد البسيط الخروج عن اوامرها و مضمونها او الاستغناء عنها كالخير و الشر و الخطا و التوبة و الثواب و العقاب و الصفة الجيدة المقبولة من المجتمع و ان كانت خاطئة علميا، و الاحترام و الاساءة و مقاييسها الشرقية... الخ . و هذا ما يفرض الجمود في التفكير و البقاء على حال دون تغيير او خروج عن السائد. هنا في هذه المنطقة ايضا، عدا ما تفرضه الظروف الاجتماعية و ما يزيد الطين بلة هو النظام السياسي القائم و القوانين و القرارات و حالات الطواريء و الاوامر العسكرية و السياسية الصادرة من الجهات العليا و توجيهات الاحزاب الشمولية و سيطرتها على عقل الفرد و توجيهه بالاتجاه التي تريده و التي لا يمكن تخطيها او عدم تنفيذها باي شكل و الا اتهم بالفرد بالخيانة و التهرب من الواجب و التمرد و الى اخره من التهم المعدة سلفا لمن يفكر بعقله و يقرر بحريته، و عدم التنفيذ خطر محدق بالفرد و المجتمع و مستقبله. الانفراد، سوى في القيادة او الحزب يجعل الفرد الامر اِله و المامور آلة و اداة يوجَه كيفما يشاء الموجه سوى كان قائدا او تيارا اوجماعة متنفذة او حزب مستند على افراد في خدمة المجتمع و المصالح العامة، استنادا على نظرية ما يمكن ان نسميها خدمة المصالح العامة ذات المضمون المتعدد الشكل و التركيب ، و هي التي ترسَم و تخطط بشكل يعكس مصلحتهم و يخدمها و يوفرها و لا يخرج من اطار توجهاتهم و اهدافهم الخاصة باسم المصالح العامة. ان الاحزاب التي تشكلت في العراق لم تنبثق في ظروف اجتماعية سياسية طبيعية و ربما بعضها جاءت كضرورة تاريخية لا نريد التعرج اليها، و انما الاكثرية تاسست في اوضاع غير مستقرة و استثنائية و في وقت لم تناضل هذه الاحزاب بشكل علني في العراق و بداياتها كانت سرية او خارج الحدود ، و هذا ليس بذنبهم او خلل و لا يعابون عليه ، لان الدكتاتورية المقيتة و انفرادهاو شموليتها و انفراد الحزب الحاكم الاوحد فرض عليهم ان ينشؤا او يؤدوا واجباتهم بشكل غير طبيعي و يجب ان نفتخر بهم جميعا، لذا ، لازالت عملية ادارة البلد و الاحزاب كما هو حال ايام المعارضة و تسير الامور وفق توجيهات احادية الجانب و رافضة للاخر ، و لم نجد على ارض الواقع اختلافا في التطبيق بين جميع الاحزاب الموجودة ، و الخطاب موجه للفرد لتوجيهه و خنوعه و تنفيذه للاوامر دون ان يكون له راي او موقف و ان لم يقتنع بما يؤمر به شخصيا، و لتبرير ذلك ياتوا بحجج لا تحصى و لا تعد و ان لم تكن مقنعة، و الدليل الحكم و الصراع على السلطة و الاداء السياسي للجميع على نفس الشاكلة ، و اخيرا التوجيهات التي صدرت اثناء الترويجات للانتخابات و الاداء الحزبي للافراد و خاصة المنتمين للاحزاب بجميع مشاربهم. و من هذا المنطلق المثبت لحد اليوم، يجب ان نكثف جهودنا على ايجاد الطريقة الملائمة لفض المشاكل القديمة الجديدة ، و يجب ان يبدا الفرد بنفسه و من نفسه و من ثم النخبة و مدى قدرتهم على التوعية و ايجاد السبل لبناء جدار كبير امام التوجيهات الفردية و الانفراد الحزبي او الشخصي من اجل منع اتباع الفرد للاوامر و التوجيهات اعتباطيا او نزوحه وراء الخطابات التوجيهية مهما كانت نوعها، و فسح المجال للفرد بذاته للتفكير و الاقرار بنفسه، و هذه المهمة الصعبة من اولوياته لضمان ترسيخ الحرية و تجسيد النظام الديموقراطي الحقيقي .
#عماد_علي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماتفرضه الاحساس بالمسؤولية على السياسة
-
هناك شيء اعمق و اهم من اللغة باعتبارها كلمات و جمل
-
الم نحتاج الى الحوارات بعيدا عن السياسة في هذه المرحلة ؟
-
متى نقطع دابر الانحناء امام الكاريزما
-
من يقف ضد تأليه القيادات الجديدة في العراق؟
-
لم نلمس الردود الفعل الاقوى ازاء ما تعرضت اليه كوردستان ايرا
...
-
اين وصلت حركة الخضر الايرانية؟
-
هل من المعقول ان تبدا و تنتهي الاحتجاجات العفوية بامر خاص
-
هل حقا لا يريد الشعب الكوردستاني ممارسة حقه في تقرير المصير
-
اسرع انجاز سياسي في تاريخ العراق الحديث !!
-
مقومات بقاء فاعلية الايديولوجيا او استنفاذها
-
هل يتجه العراق الى الحداثة في التعامل مع الواقع الجديد ؟
-
هل بالامكان توفير فرص العمل لكافة العراقيين ؟
-
تسييس الفعاليات المدنية لمصلحة من ؟
-
ما التيار الفكري المناسب لهذه المرحلة في الشرق الاوسط
-
منع الانتقاد هو الخطوة الاولى نحو الدكتاتورية
-
لم يدان تطاول تركيا و ايران على اقليم كوردستان!!
-
الاغتيالات ما بين الاخلاق السياسي و التحزب
-
موقف المثقفين من الخروقات لحقوق الانسان في كوردستان
-
قلنا فلتكن كوردستان بوابة للحرية و الديموقراطية!
المزيد.....
-
مقترح أمريكي - إسرائيلي لحماس: نزع السلاح وإطلاق سراح الأسرى
...
-
إسرائيل بعد فيديو أسير إسرائيلي يعاني الجوع في غزة: يجب الإف
...
-
عائلات الأسرى الإسرائيليين: توسيع الحرب يحكم بالموت على أبنا
...
-
لازاريني: تهميش الأونروا إجراء متعمد لمعاقبة سكان غزة وتجويع
...
-
عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة: توسيع الحرب يحكم بالموت على
...
-
تحقيق صحفي يكشف تعرض مدعي المحكمة الجنائية الدولية كريم خان
...
-
الأونروا توضح سبب المجاعة بغزة وتحمل إسرائيل المسئولية
-
كم تدفع ألمانيا للاجئين العائدين طوعاً إلى بلادهم؟
-
36 شهيدا في غزة والمجاعة تبلغ مراحل خطيرة
-
-اليونيسف- تحذر.. أطفال غزة يموتون بمعدل -غير مسبوق-
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|