أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - من هو المسؤول عن مأساة ( منتهى ) ؟؟ .















المزيد.....

من هو المسؤول عن مأساة ( منتهى ) ؟؟ .


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 3007 - 2010 / 5 / 17 - 23:49
المحور: المجتمع المدني
    


حفزني الزملاء عبد القادر أنيس والحكيم البابلي وصلاح يوسف ، من خلال تعليقهم على مقالي بعنوان ( أنا والمجانين ) ، لأن أسرد حكاية الصبية ( منتهى ) .. تلك الضحية التي ستبقى روحها تلعن الى نهاية الدهر ، إن كان للدهر نهايه ، أولئك الذين تسببوا في قطع سلسلة عمرها ، وهي لم تزل طفلة لا تحمل وزرا غير كونها إبنة لعائلة فقيره .

منتهى .. وهذا هو اسمها الحقيقي ، وقد سموها بهذا الاسم ، لتكون ولادتها خاتمة للعنة حلت بالعائله ، سببها ولادة البنات ، حيث لم تترك ( فتحيه ) والدة منتهى حلا إلا وسلكته لتحقق رغبة زوجها بأن تلد له ولدا يحمل إسمه .

وبعد ستة بنات .. آخرهن منتهى .. أنجبت فتحيه ( هاشم ) .. كان هاشم كالمطر الذي يهطل على ارض تشققت بسبب الجفاف .. لقد جندت جميع البنات مع والدتهن لخدمة الوافد الجديد ، وسط فرحة لا تطالها فرحة ، غمرت قلب الوالد المبهور بإطلالة ولد تكرم الله عليه به بعد صبر طويل .

كانت منتهى أكثر البنات حضوة عند ابيها من اخواتها ، لأنها كانت تحمل فعلا علامات النهاية ، فبها انقطع نسل الاناث ، ولهذا السبب فهي مبروكة كما يقول والدها عنها ، كلما سنحت له الفرصة للتعبير عن فرحته الكبيرة بهاشم .

وعلى ما يبدو فإن للقدر حكمه الآخر .. حيث توفي هاشم بعد مرور سنة واحدة من عمره ، حين أصيب بمرض مفاجيء ، لم يمهله غير ليلة واحدة فقط قضاها في مستشفى المدينة ... لقد كنت أتابع فتحيه المسكينه ، وهي تبحث عن إبنها هاشم بين أشجار النخيل المحيطة بقريتنا عند الغروب من كل يوم ، كانت تصرخ بحشرجة غريبه ، وهي تناديه وكأنه يجري من حولها مداعبا إياها بالتواري خلف الاشجار ..

في تلك الفتره ، كانت منتهى ، وهي تحمل جمالا متميزا يفوق ما لدى أخواتها ، تشب وجسدها الفتي يقاوم الحرمان المسلط عليها وعلى شقيقاتها ، كونهن لم يتحن للاهل فرصة انجاب الذكور .. ولن انسى كيف كانت تحمل وهي لم تزل ابنة السادسة ، حزم ( التبن ) لتقدمه علفا لبقرتين ، كانتا تحضيان برعاية تفوق تلك التي تخص بها جالبات النحس من الاناث .

عندما بلغت الثامنه من العمر ، ظهرت عليها بوادر مرض ( الصرع ) .. وقد شخص طبيب المستشفى الحكومي في المدينة مرضها على أنه لم يزل في مراحله الاولى ، ومنحها علاجا على ان تلتزم بالتردد عليه في اوقات محدده .

بدأ الصراع الجدي بين الايمان بما يقرره العلم ، وبين أن يستجاب لدعوات ممتهني الشعوذة وآكلي لحوم البشر ، ولكون فتحيه ملتزمة بدينها ، مؤمنة بأثر أضرحة الاولياء الصالحين ، وقدرة تلك الاضرحة على بتر يد السارق لمجرد القسم بحضرتها كذبا وفي أية لحضه ، فقد اختارت السبيل الثاني ، للتعجيل بشفاء ابنتها قبل ان يبلغ المرض أشده ... فكانت الصبية تخضع لعدة مرات في الشهر الواحد ، لعذاب يسلطه على جسدها الضعيف ، شذاذ الآفاق من مرتكبي القتل العمد ، أولئك الذين قرروا بارادتهم ، ودون ان يتبرع أحد من حملة الفقه ومراجع الفتوى بردعهم عن غيهم وبشكل صريح ، أن يكونوا حلقة وصل بين الله وعباده ، فراحوا يعتدون على حرمات البيوت وهتك اعراض الناس دون وجه حق ، ليقرروا وعلى سجيتهم المتخلفة ، كيف يجب ان تمارس الحياة ، وماهي ضروراتها وكيف تحدد معالمها وفق رؤاهم الجامدة والمغرضة .

لقد تعرضت الفتاة الى ابشع عمليات الكي بالنار ، والضرب المبرح لاخراج الجن من جسدها ، وربطوها بالسلاسل الحديدية لقبور الاولياء .. وحين رأتها جارة لاهلها ذات يوم وعن طريق الصدفه ، وهي تحاول الافلات من سياط مجرم معتوه يرتدي العمامة ، القت بجسدها لتحتضنها وتحميها منه ، فهاج الوحش وراح يوجه سوطه للمرأة غير مبال بصراخها ما دام مكلفا من قبل السماء ، ووكيلا معترف به من قبل صاحب القبرالمقدس .

في جميع انحاء جسد منتهى ، كانت هناك مساحات تحمل آثارا للكي بالنار .. وكانت النهاية المفزعة حينما قام أحدهم بقص ضفائرها الجميلة ، وحلاقة شعرها بالكامل ، وإحداث جروح عميقة في رأسها باستخدامه شفرة حلاقه ، كي يخرج الجن مع الدم النازف .. حينذاك فقدت الضحية عقلها بالكامل ، واصبحت تهذي بشكل مستمر ، وفقدت توازنها الجسدي لعدة اسابيع .. حتى قامت بابتلاع مجموعة كبيرة من حبوب معالجة مرض الصرع كانت متوفرة في المنزل جراء مراجعتها الطبيب في السابق ، وبعد نقلها الى المستشفى تحت غيبوبة كامله ، ارادت الطبيبة المناوبة انهاء معاناة المريضة ، فخيرت الام بين ان تترك ابنتها بدون علاج لعدة ساعات فتموت وتستريح ، وبين ان تقوم بمعالجتها لتعود لآلامها من جديد .. حينها ثارت الامومة بكاملها ، فهددت فتحيه بانها ستشكوا الطبيبة للسيد المحافظ ، لو اقدمت على ترك ابنتها تموت .

كانت المسكينة تستغل الفرص للهروب من المنزل حينما تجد الباب مفتوحا ، ومن كان يعثر عليها من الجيران يقوم باعادتها الى اهلها متطوعا ودون تأخير .. لقد حرصت دوما على ان اجلب لها حلوى ( الملبس ) الملون ، وشريط من العلكة المحلاة بالسكر .. فتهب فور ان تراني لاستلام هديتها وسط أطراف من دموع تتزاحم بين جفوني ، لا تريد ان تنهمر مخافة الاعلان عن الاستسلام للحقيقة المرة ، الحقيقة التي تتجسد من خلالها مظالم تتسع مساحاتها الى ابعد من آفاق الكون ، سلطها على عالمنا قدر مجنون ، جعلنا نبتلع آلامنا مع لقمة الخبز ، ونتنسمه مع أنفاس الشهيق .. لا لشيء ، إلا لكوننا ولدنا ونحن نحمل سمة الشرق الملعونه .

كانت ليلة شتوية باردة ، حينما خلد الاهل جميعا الى النوم ، ما عدى منتهى ، فهي معتادة على السهر والتحرك ضمن فناء المنزل .. ولا اعرف لماذا بقي الشك يزاحمني حين اتذكر بان المدفأة النفطية أبقيت دون ان يطفئها احد ، رغم ان الصبية كانت تحوم حولها .. انهم جميعا يعترفون بالاهمال ، وينكرون وجود أي قصد مبيت لتصرفهم ذاك .. وكانت منتهى عند الساعة الرابعة صباحا ، جسدا قد أجهزت عليه النيران بالكامل ، لتجعله عبارة عن أبخرة تتصاعد في فناء المكان .

ماتت منتهى .. الصبية البريئة الحلوة .. ابنة الخمسة عشر ربيعا .. ليرتفع في سحر ذلك اليوم المفزع ، صوت يجلجل باطلاق اللعنات على كل من كانوا سببا في قضائها وهي لم تزل في عز الصبى .

ماتت منتهى .. وسياط الجلادين لم تمت بعد .. بل إنها تتجدد كل يوم ، وهي تحمل سياطا تختلف مواد صنعها باختلاف الزمن .. إنهم يجددون طرقهم المبتكرة في قتل البشر وتخدير عقولهم ، والسير بهم الى وديان يعمها الدمار ، وفي كل حقبة من زمنهم الرديء ، يبرزون لنا من تحت الرماد ، ليصفوا لنا كيف هي سبل موتنا وعلى أي مذهب تكون ، انهم يجندون اسلحة تفسد العقول والجسد ، وتؤدي الى خلق الكوابح الفعالة والمعرقلة لمسيرة التقدم .

إن أركان الجريمة في هذه القضية واضحة لا لبس فيها ولا غموض .. ويتحمل وزرها جميع من أفتوا زورا وبهتانا بعذابات الفقراء .. ولم ينطقوا بالحق .. ولم يردعوا حلفائهم عن فعل الشر .. أولئك الذين لا زالت اضرحة الاولياء وزوايا الازقة المظلمة تعج بهم ، يترنحون بعمائمهم وتلافيفهم الخضراء ، الملطخة بدماء المساكين دون تكليف من قضاء ، أو إباحة من قانون .

مرت أيام عده .. قبل أن اتجرأ برمي حلوى الملبس الملون ، وشريط العلكة المحلاة بالسكر ، حيث تخمرت في جيبي لأن منتهى ماتت .. وغابت عنا الى الابد .



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا والمجانين
- واحد من مشاريع التمرد ، إسمه ستار أكاديمي
- تشضي الشخصية العربية ، وفقدان وسيلة التخاطب .
- ألنفط وصراخ الكفار
- يوم في مستشفى عمومي
- أين نحن من توقعات مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجي ...
- ألفرات وقربان المدينه .. ( قصة قصيره )
- مشاوير شخصيه ، في ثنايا الماضي .
- حينما تصر الجماهير على رفض مسببات خلاصها .. أين الحل ؟ .
- أعمارنا ليست عزيزة علينا ، وحربنا معها مستمره .
- لماذا هذا الإهمال المتعمد للكفاءات العراقية المهاجره ؟؟ .
- ألواقع الاجتماعي العربي .. بين ثورة الجسد والعقل ، وعبثية رد ...
- أفكار مهشمه !
- أليسار في دول العالم العربي ، ومقاومة التجديد .
- من ذاكرة الحرب المجنونه
- بعيدا عن رحاب التنظير السياسي .. 2
- ألحريه .. حينما تولد ميته .
- الزمن العربي .. وسوء التسويق
- حلوى التمر
- سلام على المرأة في يومها الأغر


المزيد.....




- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - من هو المسؤول عن مأساة ( منتهى ) ؟؟ .