أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - أعمارنا ليست عزيزة علينا ، وحربنا معها مستمره .














المزيد.....

أعمارنا ليست عزيزة علينا ، وحربنا معها مستمره .


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2962 - 2010 / 4 / 1 - 21:09
المحور: المجتمع المدني
    


منذ اللحضات الاولى لبشائر الولاده ، وحين تنطلق في الفضاء المحيط أحلى صرخة يسمعها الآباء ، حين يبدو للعيان كائن جديد يحمل أسماءهم ، ويجسد أمامهم أعمق معاني التكوين الاسري المقبل .. منذ تلك اللحظات الجميلة للبعض ، والمريرة للبعض الآخر .. يبدأ العد العكسي متسارعا وعلى غير طبيعته وباتجاه النهايه .. فما أن يمر اليوم الأول لولادة طفلنا العزيز حتى نستعد لاحياء حفل بلوغه أسبوع من العمر ، يليه الانتظار لأن يبلغ من عمره حدا يجعلنا مطمئنين لحاله حينما يحبو .. ويستمر العد وبعجلة من الامر ، وكأننا في تسابق مع الزمن ، كي نفخر أخيرا بانه قد بلغ الصبى ، كل ذلك وعملية الحساب والشطب على الأيام في رزنامة التاريخ وبدون أي شعور بالملل مستمرة ، والعمر يجري وهو يقضم بعضه ساعيا لبلوغ مؤخرته ، لا يوقفه عن ذلك الا بلوغ تلك المؤخره .

الحصيلة دائما في نهايات أعمارنا واحدة .. قبر بائس مهما بالغنا في إعداده ونحن على قيد الحياة ، محفور على أرض موحشة يخاف ان يطأها بقية البشر ، وحكايا لجن يسرح ويمرح فيها ، وأصوات لمخلوقات يخيل لنا بأنها تخلد هناك .. المكلفون بالدفن في مقابرنا هم من الفنانين بكسر رقاب الموتى ، وثني اجسادهم كي تكفيهم حفرهم التي أعدت لمثواهم الاخير ..

أحدهم ذكر لي وملامحه تنطق بالرعب ، كيف أن موتانا نحن فقط ، تنتظر البعض منهم أنواع من الافاعي الضخمة ، تسكن في قبورهم قبل حفرها ، لتستقبلهم وتنتقم منهم شر انتقام .. عندها كان عجبي ليس له حدود من أننا نستعجل بلوغ اعمارنا نقطة اللاعوده ، حينما نبالغ في محو شهورها لنلقي بها خلف ظهورنا دون ابطاء .

لقد بدأت أنا مثلا بالإنابة عن والدي ووالدتي حين غابا عني ، حيث كانت لي رفقة حميمة مع عمليلت العد تلك ، فكنت وعلى الدوام ، اقوم بتنظيم قائمة متسلسلة باسماء الايام وتواريخها لأشطب عليها واحدا تلو الاخر ، منتظرا وبفارغ الصبر ان ينقضي شهر من مدة خدمتي في الجيش ، وكنت حينما أبلغ اليوم الاخير من الشهر، أحس بسعادة غامره ، متناسيا بان ذلك الشهر قد ذهب من عمري ، حيث لم يكن أي معنى لشيء اسمه عمر ، المهم هو ان تنقضي تلك المدة المليئة بكل شواخص الخوف والمذلة وترقب النهايات غير المعروفه .. كان اليوم الواحد يحمل في طياته مئات الاحتمالات السوداء والتي توحي بالعذاب والمهانه .. جوع دائم للحرية والانعتاق ، ولم يكن خلال تلك الايام العصيبة هدف واحد يمكنني من خلاله اعتبار ما أنا فيه ، دفاع عن مقدسات ارض سليبة أو وطن مهدد .

أعقب ذلك عد آخر ، حين إرتحلت بي الظروف لتجعلني عسكري بهيئة مدنيه ، وكنت يومها اشطب أيامي بقوة وكأنني في عداء مستفحل معها .. لقد كان جميع من معي يفعلون ما أفعل .. إنه إلغاء جماعي للايام والاشهر والسنين كي تندفع جميعها باتجاه النهاية ليحل الخلاص .. ترى من .. من العراقيين لم يلجأ الى شطب أيامه وبالطريقة التي كنت افعل بها أنا ؟ ..

إنني أتذكر جيدا تلك القصاصات التي كنا جميعا نعلقها على الجدران القريبة من مضاجعنا ، حيث نقوم احيانا بشطب يوم لم ينتهي بعد ، وحين نفعل .. كنا نحس بلذة متناهية ، كوننا اقتربنا خطوة جديدة من موعد تحررنا من المشاركة في لعبة موت لا تريد أن تنتهي .

أسرنا هي الاخرى مشغولة بشطب أيامها بانتظارنا .. تفعل ما نفعل ، ولكن بطريقة أخرى .. إنها تقوم بدفع نهارها والليالي ، كي يحل موعد عودة ربها من ساحات الوغى الموبوءة بروائح الفناء ، علها في تسارع الايام الراحلة من العمر ، تحضى بحلول الفرج ، وتلتئم العائلة كاملة لتنعم بالسعادة المفقودة ولو لأيام .

الموظفون والعمال ، ومن يقود حافلات النقل العام ، الطلبة والاساتذه ، الجنود والبحاره ، النساء والرجال ، وغيرهم في بلادنا ، جميعهم في شغل من أمرهم ، جادون في عمليات ذبح الزمن ومحاولة التخلص منه على عجل .. إنه ثقيل الحضور لا تهواه النفوس ، ممل لا يحمل الجديد .. أغبر تملؤه الحسرات ويلفه الضجر .. زمن كئيب ، حينما يدفعه صاحبه الى هاوية ينكفيء عندها ولا يعود ، يحس بالراحة والهناء .

لا أعرف سببا بعينه لتلك العداوة المزمنة بيننا وبين الزمن .. فالجميع منا حاذق في عمليات قتله والتخلص منه عن عمد ومع سبق الاصرار والترصد .. أعمارنا بدت حملا ثقيلا على قلوبنا وعقولنا ، وكذلك أجسادنا .. ومن يشعر بخفة وزن العمر على اكتافه فهو إما غير سوي العقل ، أو أنه ليس منا ، ولا ينتمي إلى عالمنا المسمى باسمائنا المعروفه .

لقد إخترعنا ، وبعزيمة الابطال ، سبلا شتى لقتل الزمن ، فكانت الاركيلة والمسبحة وجلسات القات والاسترخاء الطويل على تخوت المقاهي ، وكانت لنا صولات انتصرنا فيها جميعا حينما نلنا من أوقاتنا الفائضة على الدوام ، لنحيلها الى ركامات من عدم ، لا معنى لها ولا مضامين بعينها وليس لها من أثمان .

ومما إخترعناه أيضا ، هو أن نجعل من سنتنا مقسمة الى عطل لا حدود لها .. إننا حينما نضجر من زمننا ، نحيله الى عطل رسمية كي ننعم بنعمة القيلولة الهانئة .. وعندما لا تكفينا مناسباتنا الحاضرة ، نغور في اعماق الماضي لنبحث في السيرة الذاتية لعضمائنا القدماء ، كي نعثر على تواريخ ميلادهم وزواجهم ، ويوم ضاجعوا سباياهم ، لنحتفل بتلك المناسبات ، ونمنح انفسنا فرصة كي ننعم من خلالها براحة البال .

هكذا نحن .. أمة لم تغفل قدسية قتل الزمن وهدر دمه على الدوام ، وسوف تبقى سلسلة عمليات هدر الدم تلك ، قائمة لا تنقطع ، حتى تتوقف أعمارنا عن الحركة رغما عنا .. حينها ، سوف لن يكون علينا بالضرورة أن تستمر حربنا مع شيء بغيض إسمه الزمن .. فنريح ونستريح .



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا هذا الإهمال المتعمد للكفاءات العراقية المهاجره ؟؟ .
- ألواقع الاجتماعي العربي .. بين ثورة الجسد والعقل ، وعبثية رد ...
- أفكار مهشمه !
- أليسار في دول العالم العربي ، ومقاومة التجديد .
- من ذاكرة الحرب المجنونه
- بعيدا عن رحاب التنظير السياسي .. 2
- ألحريه .. حينما تولد ميته .
- الزمن العربي .. وسوء التسويق
- حلوى التمر
- سلام على المرأة في يومها الأغر
- مراكز نشر الوعي في الوطن العربي .. الى أين ؟
- بغداد ... متى يتحرك في أركانها الفرح من جديد ؟
- أفكار تلامس ما نحن فيه من أزمه
- نحن والتاريخ
- بعيدا عن رحاب التنظير السياسي
- حينما يصر أعداء العلمانية على رميها بحجر
- عمار يا مصر ... 2
- عمار يا مصر
- نذور السلطان .. 5
- ما لا يدركه الرجال .


المزيد.....




- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - أعمارنا ليست عزيزة علينا ، وحربنا معها مستمره .