أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - أحلام عصفورة صغيرة















المزيد.....

أحلام عصفورة صغيرة


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2986 - 2010 / 4 / 25 - 23:31
المحور: الادب والفن
    



ما شدني إليه هو قدرته على إدارة الحديث بسهولة تثير الانتباه.. واثق يأسر من حوله.. ابتسامته لا تفارق شفتيه, وضحكته الخجول المعتذرة لمن يخالفه الرأي..
كنت على أعتاب سنتي الدراسية النهائية.. طموحي التفوق في الإدارة والمحاسبة باللغة الانجليزية, للالتحاق بوظيفة محترمة في إحدى الشركات, أو الالتحاق بسلك التدريس معيدة في الجامعة وإكمال دراساتي العليا, فقد عشت حياتي الجامعية بعيدا عن مجتمع الطلاب, محددة خطواتي بين البيت والجامعة,عملا بتقاليد أسرتي المتدينة المحافظة التي تحذر من الاختلاط الذي يؤدي إلى فواجع تغضب الله والناس, وكنت ارتجف هلعا من حكايات الطلاب والطالبات, وكنت أعجب من لامبالاة بعضهم حول ما يثار حولهم من شبهات باتت على كل لسان!!
فهل كان القدر يخبئه لي, ليقذفه في طريقي في نهاية الرحلة!! أم هو استدراك أتى في حينه..
كنا في الكافتيريا نتبدل الأحاديث حول العام الدراسي الحدي وأحوال الأساتذة الذين سنكمل معهم الدراسة.. فجأة ظهر عادل, وأخذ الحديث إلى مسار جديد, وفجأة وعلى غير توقع مني سألني:
- ما رأي نور التي نورتنا اليوم
حدق في وجهي كمن يحاصرني حتى لا أمكن من الهروب.. عبر إلى عينيَّ وأخذ يفتش فيهما عن شئ ما.. أكمل:
- ما رأي نور في الصداقة والحب بين الجنسين؟؟
صمت.. لم أجب, وسرحت أمام مفاجأة السؤال, وخيل لي أن صوت أبي يحذرني من بعيد " المؤمنة لا تغضب الله " حاولت انتزاع صوتي قلت مرتبكة:
- بما لا يغضب الله ولا يتعارض مع الشرع
- كل الأديان تدعو الى الرحمة والتواد والمحبة بين بني البشر!!
تدخلت صديقتي زينب ضاحكة:
- هذه الأسئلة صعبة على نور يا عادل..
انفجر الجميع بالضحك ما عداه, وارتسمت على وجهه علامات الجد والصرامة..قال:
- نور لديها الجواب, ولكن ربما لا تريد البوح به!!
وكما حضر فجأة, انسحب فجأة متعللا بارتباطه بعمل ما.. وبقيت في حيرة من أمري.. هل رماني بسهم سكن صدري ووصل لإلى شغاف قلبي.. ونرك فيَّ ضحكته الخجول الصافية التي حاصرتني وما زالت, رغم أنني تحاشيت اللقاء به في الجامعة, وأصبحت حذرة من التواجد بين الطالبات اللواتي يتجمعن حوله كلما ظهر.. وفي يوم وجدتني أسأل زينب:
- هل لعادل علاقة مع فتاة ما
- عادل يؤمن بالصداقة ولم يتورط بعد بالحب!!
- وهل الحب ورطة يا زينب؟
- إذا كان أحد الطرفين تكون ورطة وربما تصبح فضيحة
وسرحت زينب بعيدا.. همست بحياد:
- أنت طيبة يا نور..
حيرني أمر زينب التي بدت لي كقطة بللها المطر وما زالت ترتجف من البرد!! هل أثار حديثي معها خذلان المعيد لها الذي تنكر لحبها وتزوج ابنة الدكتور المشرف على رسالته, وهل كل علاقات الحب تنتهي كما انتهت مع زينب الجميلة الطيبة, إذا كان الحب ورطة, فكيف تتأسس العلاقة بين رجل وامرأة يحلمان بحياة سعيدة, وهل الذي بين أمي وأبي حبا أم احتراما؟؟
فهما لم يكن بينهما علاقة سابقة, وأن أبي اختارها من بين بنات الحي العاملات لملاحة مظهرها, وحتى تساعده على تحمل أعباء الحياة, لكن ما بينهما من تفاهم يثير الإعجاب, فهل يأتي الحب بعد الزواج كما يقولان, أم هل هما حالة خاصة, وما الذي يمنع نشوء علاقة حب بين رجل وامرأة تؤدي في النهاية إلى الزواج!!
وفي أحد الأيام وفي طريق عودتي من الجامعة إلى البيت, قفز فجأة إلى الأوتوبيس الذي استقله وجلس بجوارها ودفع عنها الأجرة عني, حاولت الاعتراض لكن صوته ردني:
- ألسنا صديقان؟!
- وأكثر يا عادل..
ابتسم بحياء وقال:
- طبعا وأكثر يا نور..
وراح يراقب الطريق, بينما رفرف قلبي مثل عصفور حبيس يحاول الخروج من القفص.. لكن عادلا قفز في محطة قبل محطة وصولي.. وفي صباح اليوم التالي, وبينما كنت أسير باتجاه الجامعة وجدته يحاذيني ويجاذبني الحديث, كان رشيقا ضاحكا.. قلت بصوت خفيض كما أحدث نفسي:
- يا بختك يا عادل خالي من الهموم.. دائما تضحك..
- لا يوجد أحد بدون هموم يا نور!!
كان في حديثة لوعة وحسرة.. هل يخفي وراء هذا الضحك حزنا.. وهل باطنه غير ظاهره.. ولكنه سرعان ما غير دفة الحديث..
- أنا معجب بك يا نور
سبقني لساني رغما عني:
- وأنا أكثر
ومشيت إلى جانبه صامتة مرتبكة, خجلة من تسرعي.. هل هي زلة لسان.. أم هي اعتراف فاجأني.. خيل لي أن عصفورا طار من صدري ورقص على لساني.. اختلست النظر إليه, كان ينظر إلى وجهي وكان مبتسما.. أغمضت عينيَّ.. رأيته فارسا بعباءة بيضاء, على فرس أشهب وأنا خلفه أتشبث بخاصرتيه وشعري يطير خلفي مثل موج الليل.. وفجأة نبت للفرس جناحين وطار بنا إلى الغيم.. وصحوت على صوت ودود:
- هل نتقابل في مكان ما
شهقت وقلت أحاصر لهاثي:
- اتركها للصدف نحن نتقابل في الجامعة يا عادل..
- ثقي أنني حريص عليك
- وأنا أكثر..
ضحك.. فخيل لي أن الفرس الذي كنا على ظهره يصهل.. سألته:
- أراك تضحك!
- كل مرة تردي وتقولي, وأنا أكثر.. خطر لي ان أناديك من اليوم وصاعدا, يا نور وأكثر
وانفجرنا بالضحك.. كنت سعيدة لدرجة الطيران.. وفي الجامعة افترقنا كل في اتجاه..
***
صار الأتوبيس رفيقنا في الذهاب والإياب, وكافتيريا الجامعة مجلسنا الأثير.. أجلس إلى جانبه مثل قطة وديعة لم تغادر بيتها..يحاصرني بعينيه العسليتين.. حدثني عن أسرته ذات الدخل المحدود, وعن اضطراره للعمل منذ تفتح على الدنيا.. وحدثته عن أبي المحاسب وأمي المدرسة وأسرتي المحافظة المتدينة.. نفتح صفحاتنا البيضاء دون زيف.. وكنت أدرك أن ما نقوم به هو بداية الانطلاق نحو حياة قادمة.. وما كان يخيرني أن عادلا لم يتجاوز حدوده ولم يلامس حتى يدي, وكنت أتمنى أن يفعل ذلك, وكنت أرى مدي الشوق في عينيه وبحة صوته.. لم يطلب مني أن نلتقي في مكان ما بعيدا عن العيون, الأمر الذي عزز ثقتي به وجعلني أتنازل عن حذري ومحظوراتي وأنا معه.. أشعر أن كل اليوم الذي يجمعنى به هو اليوم الأجمل.. واندفعت في دراستي نحو التفوق وباتجاه الحصول على وظيفة مجزية, صرت نورا أخرى ولدت من جديد, أحرص على أن أكون الأجمل والأجدر به.. طال وقوفي أمام المرآة.. أفرد شعري الخيلي الذي لم يره عادل حتى الآن.. وأتخيل انبهاره عندما يراه يغطي ظهري حتى خاصرتي.. كنت أنام عارية تحت لحافي استدعيه.. أفرد ضفيرتي على صدري وأحلم.. ينقر بأصابعه على الحلمتين فتنهضان مثل عصفورين نقرا قشرة البيض وطارا.. يتحسس جسدي ويرسم عليه عشنا.. اعشق جسدي من أجله, وأكتشفه من جديد فأحترمه أكثر.. أدخر مصروفي لشراء أدوات الزينة والملابس التي أعتقد أنها تروق له..الأمر الذي لفت انتباه زينب التي لم أعد أنفرد بها كثيرا.. سألتني ذات يوم وكانت فرحة بي:
- هل أنتِ نور من أين كل هذا الجمال!!
ارتسم عادل على وجهي..قلت:
- لصاحب القسمة والنصيب
- ومن يكون أمير الأحلام يا ترى؟؟
راوغتها:
- عندما يحدث أخبرك
ومرت الأمام مثل ومض البرق.. ووصلت بنا إلى نهاية العام الدراسي, وقل حضورنا في الجامعة استعدادا للامتحانات النهائية.. وفي يوم كنت انتظره في الكافتيريا.. جاء مرحا سعيدا.. وفجأة وجدتني أهتف:
- خذني إلى مكان بعيد نكون فيه لوحدنا
هلل فرحا:
- وأخيرا يا نور قررتِ
لأول مرة انفرد به في التاكسي الذي أخذنا إلى كازينو على صفة النهر.. كنت أراقب الماء منبهرة.. ولفت نظري أن قوارب العشاق تمخر عباب الماء ضد تيار جريان النهر.. تساءلت:
- تسير قوارب العشاق ضد التيار
همس وكان في حالة هيام
- العشاق متمردون
- أتمنى أن يسير قاربنا مع اتجاه التيار
- هيا نجرب
وسحب يدي.. تسمرت بين الرغبة والخوف.. قال:
- ما بكِ يا نور!!
- أخطبني يا عادل.. البارحة قدم لي عريس.
- لا استطيع يا نور
- والذي بيننا!!
توتر.. حدق في وجهي, كان يتمزق.. كررت وكلي ينتفض:
- والذي بيننا يا عادل!!
- صداقة أتمنى أن تدوم
وخرجت هاربة من المكان..

***
هل ما كان بيننا حبا؟؟
لم يعد الأتوبيس يجمعنا.. ولم نعد إلى طريق الجامعة بعد أن تخرجنا وسار طريقي نحو ضاحية راقية حيث أعمل.. لكنه لم يغادرني.. وبقيت أتتبع أخباره.. لم يرتبط بفتاة غيري, ولم يتزوج, ويجمع بين أكثر من عمل..
هل ما زال يحمل ضحكته الخجول ويأسر من حوله بقدرته الفائقة على إدارة الحديث, حتى كان يوما رن هاتفي النقال وجاء صوته واهنا حزينا:
- اليوم مات أبي بعد صراع مع المرض استمر عشرين عاما
وفتح السؤال من جديد..
هل ما كان بيننا هو الحب؟!!
عاد التليفون يصرخ على دمعة ساخنة
- الذي بيننا هو الحب واكثر
أحسست أن دموعه تغسل وجهي.. وسقطت مغشيا عليَّ..



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حصان أشهب بغرة بيضاء
- رواية جفاف الحلق – 17 - والأخيرة
- رواية جفاف الحلق – 16 -
- رواية جفاف الحلق – 15 -
- رواية جفاف الحلق – 14-
- شهادات محمد أيوب في الجبهة الموازية
- رواية جفاف الحلق – 13 –
- رواية جفاف الحلق – 12 –
- رواية جفاف الحلق -11 –
- رواية جفاف الحلق – 10 –
- رواية جفاف الحلق -9 –
- رواية جفاف الحلق -8 -
- روية جفاف الحلق -7 -
- رواية جفاف الحلق – 6 –
- رواية جفاف الحلق – 5 –
- رواية جفاف الحلق -4 –
- رواية جفاف الحلق – 3 –
- رواية جفاف الحلق – 2 –
- رواية جفاف الحلق – 1 -
- .. في سر العسل


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - أحلام عصفورة صغيرة