|
أيام عمانية -عادل محمود وبريد الغرباء -الحلقة الرابعة
أحميدة عياشي
الحوار المتمدن-العدد: 2977 - 2010 / 4 / 16 - 09:09
المحور:
الادب والفن
عادل محمود، كان من أجمل اكتشافاتي في أيام عمان الثقافية، لم أسمع بهذا الاسم من قبل، لم أقرأ له من قبل، ولم التقه من قبل، لكن عندما التقيته شعرت بتلك الجاذبية إلى صمته، إلى هدوئه، وإلى تلك اللغة الشفافة المرتسمة على محياه•• قدمت إليّ صديقي الدافئة راشا•• ابتسم ومد يده إليّ•• انضممت إلى مائدة الشعراء والفنانيين التشكيليين وكتّاب المسرح الذي سبق وأن تعارفوا•• في تلك الليلة انطلق كعادته في التدفق الشاعر اللبناني وكاتب الزاوية السياسية في جريدة اللواء غسان جواد•• يتحدث وكأنه سيل من الكلمات والضحكات والمداعبات المتأنقة•• يتحدث بسخرية عن العالم، وعن نفسه، وعن الشعر والشعراء•• وهو بمقدار ما يبدو مستعرضا لسخريته، فإنه يحمل صورة طفل بريء ومتمرد في أعماقه•• بينما عادل محمود، ينظر إلى من هم حوله وابتسامته دائما مطلقة في السماء•• انتظرت منه أن يتدفق كما غسان جواد، لكنه ظل متدثرا بابتسامته المعلقة في السماء•• سألته، فابتسم وهو يتناول عرقه الشامي•• فبقيت محتفظا بباقي أسئلتي وأنا في الوقت ذاته أنصت إلى صوت راشا المتعالي والمتألق كصوت الشحرور الممتد إلى قلب الصمت الشامخ، قالت لي راشا إنها تتذكر بحب تلك الرحلة التي قادتها منذ وقت إلى الجزائر•• وراحت تحدثني عن لقائها بي صدفة في أحد مطاعم العاصمة، بينما كانت هي مع الروائي أمين الزاوي وثلة من الكتاب والشعراء الذين استقدمتهم المكتبة الوطنية في ذلك الوقت•• راحت تحدثني عن شوارع العاصمة وعن نسائها الجميلات، وعن بسطائها الذين يحملون القمر وهو يغرد نورا في قلوبهم•• قالت لي، إنها أحبت بياض وبحر وسماء الجزائر، ثم راحت تحدثني عن تحضيراتها لأيام شعرية في سوريا، ومع راشا استرجعت تلك اللحظات التي كانت ضائعة في زحمة الأيام المتوالية والراكضة على وجهها مثلما تركض الخيول وهي تسابق الرياح والزمن••• وفي لحظة أخرى، ؟انبثق كلام شفاف بيني وبين عادل محمود••• مد إليّ وهو يبتسم أحد كتبه النثرية، وكتب على الصفحة الداخلية للكتاب هذه الكلمات ••• فلنتعارف، حميدة العزيز•• المحبة بداية•• وكان كتابه المهدي إليّ بريد الغرباء•• كلمات وصور•• عبارة عن كتب محبة•• محبة الآخر في كل حالاته وأحواله••• دخلت إلى الغرفة بالطابق الرابع، ورقم الغرفة .416 أخذت دشا، واستسلمت إلى لذة الماء وهو يداعب الجسد••• ثم جلست على السرير وفتحت بريد الغرباء وواجهتني هذه العبارة لتكون بمثابة مفتاح أدخل به عالم عادل محمود•• حياتنا ازدحمت بما ليس عبثا وحسب، وإنما بما هو خطر، ليس على القيم الاستعمالية للأشياء، بل وعلى القيم الجمالية للحياة•• هذا الدفتر ينطوي على تعليق خاطف على هذا الازدحام•• لم يكن ازدحام عادل محمود ازدحاما مقلقا، بل ازدحاما أشبه بهسهسة اللغة، وهسيس القلب المنفتح في نبضه على النبضات الراقصة للذاكرة المفتوحة•• مفتوحة على المحبة والحب، ومفتوحة على لغة شفافة مليئة بسخرية ضاحكة ونزقة من كل تلك التفاهات التي تتحول فجأة في حياتنا اليومية إلى يقينيات خاطفة للحظات الحية وقاتلة للمعنى الخلاق•• رسائل ينفثها -هكذا- محمود عادل في السماء عارية من حبرها ورسوماتها لتقول الأشياء وهي في غاية العراء المتألق•• تصادفك على الرصيف حوادث تحوّلت إلى تاريخ ما، وكلمات ظلت كالشواهد على قبور الموتى الذين ظنوا أنهم لازالوا أحياء، وإشارات ننفذ عبرها إلى عوامل الفرسان الذين دحروا الظلام وكوم الدياجير وهم لا مبالون•• تلتقي تلك القافلة من الأسماء التي صنعت لحظات للكتابة والحياة•• من المانوط، إلى الوجيلي، إلى ممدوح عدوان إلى زين وميمو إلى إدوارد السعيد إلى بشار بن برد وأبي نواس•• هو دفتر دافئ، فيه شيء من فلسفة الحياة، فلسفة حية تنفذ إلى القلب قبل العقل، وتجر الروح إلى الفردوس النائم فينا حتى وإن كان هذا الفردوس إغراء للروح ذاتها حتى تركض ولو في السماء، هو دفتر ينزل الفلسفة من السماء إلى الأرض وتقذف بها في وسط تلك الجموع الحميمة الباحثة عن لحظة ارتواء في عالم محاصر بالعطش ويغلق على أبواب لحظة الارتواء أعرف أنك مليء بالكنوز يا مولاي•• ولكن أعطني بعض الماء لأشرب•••أنا عطشان. يكتبها: أحميدة عياشي
#أحميدة_عياشي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيام عمانية - عادل محمود وبريد الغرباء - الحلقة 4
-
أيام عمانية - قلب الحدث - جمالية عراقية في وجه الموت
-
أيام عمانية - فوانيس نادر وجمانة
-
الجزائر والعراق. . قدر وقرينة؟
-
في بلاغة المكان والزمان
-
سليمي رحال في زمن البدء
-
رسالة دبي
-
يوم من فبراير
-
المال. . التركة المسمومة
-
نهاية مأساوية ومحاولة فهم
-
في لعبة الكآبة والتفاؤل
-
بين جان دانيال وهيكل
-
الجمر والرماد
-
الشيخ يوسف سلامة في -الجزائرنيوز-
-
بين الجزائر وايران . . قصة خفية
-
الصحافة والحقيقة
-
محقورتي يامرتي
-
صدام , ستالين , واليهودالمغاربة
-
لخضر شودار
-
سعدان يتمادي في عناده . . هل نصمت ؟
المزيد.....
-
تظاهرة بانوراما سينما الثورة في الجلفة بطبعتها الثانية
-
-بطلة الإنسانية-.. -الجونة السينمائي- يحتفي بالنجمة كيت بلان
...
-
اللورد فايزي: السعودية تُعلّم الغرب فنون الابتكار
-
يُعرض في صالات السينما منذ 30 عاما.. فيلم هندي يكسر رقما قيا
...
-
-لا تقدر بثمن-.. سرقة مجوهرات ملكية من متحف اللوفر في باريس
...
-
رئيس البرلمان العربي يطالب بحشد دولي لإعمار غزة وترجمة الاعت
...
-
عجائب القمر.. فيلم علمي مدهش وممتع من الجزيرة الوثائقية
-
كيف قلب جيل زد الإيطالي الطاولة على الاستشراق الجديد؟
-
نادر صدقة.. أسير سامري يفضح ازدواجية الرواية الإسرائيلية
-
صبحة الراشدي: سوربون الروح العربية
المزيد.....
-
المرجان في سلة خوص كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
بيبي أمّ الجواريب الطويلة
/ استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
-
قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي
/ كارين بوي
-
ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا
/ د. خالد زغريت
-
الممالك السبع
/ محمد عبد المرضي منصور
-
الذين لا يحتفلون كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
فرس تتعثر بظلال الغيوم
/ د. خالد زغريت
المزيد.....
|