أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحميدة عياشي - في بلاغة المكان والزمان














المزيد.....

في بلاغة المكان والزمان


أحميدة عياشي

الحوار المتمدن-العدد: 2939 - 2010 / 3 / 9 - 07:37
المحور: الادب والفن
    


لم أر المكان الذي فتحت فيه عيني على الدنيا منذ زمن، لم أر أناسه منذ زمن•• يا ترى هل هم على قيد الزمان، وعلى قيد المكان، هل المكان لا زال على قيد الزمان•• قد يكون تحول، والأناس أيضا يكونون قد تحولوا•• قد اختفوا، قد رحلوا إلى أمكنة أخرى مثلما أنا انتقلت وتحولت•• وقد يكونون قد تاهوا في المكان، وصاروا علامة واحدة متدثرة بالأطياف والأصوات والأصداء•••
كيف لي أن أملك من جديد كل ذلك المكان والزمان الذي انطوى مع الأيام؟! الإستذكار؟! لأحاول•• كان الشارع الذي فتحت عيني فيه أشبه بأفعى ملتفة حول نفسها، أو أشبه بهلال•• يطل مدخله على شارع اسفلتي عريض يؤدي إلى غابات بحيرة سيدي محمد بن علي وأيضا في الجهة المعاكسة إلى وسط مدينة سيدي بلعباس•• كان شارعا متربا، مرصوصا بالبيوت الحجرية المتلاصقة كالفقاقيع•• المنزل رقم واحد، كان بابه أزرقا وكانت تقطنه عائلة سي صالح، والدهم كان يتجاوز الخمسين، يرتدي لباسا أسودا ويضع على رأسه الأصلع بيري أسود، وبالرغم أنه يسكن في عمق شارع عتيق إلا أنه ربى أولاده على الطريقة الفرنسية، وفي مقابل المنزل رقم واحد، كان منزل جدي عياشي الذي توفي عن عمر يتجاوز الخامسة والتسعين، سافر وهو شاب إلى فرنسا وناضل في صفوف مصالي الحاج، كانت اللكنة الأمازيغية تطغى على كلامه بالعربية الدارجة، وكان محبا للمبارزة، زوجته فاطمة ذات البشرة السوداء كانت تركن إلى الصمت في جميع الأحوال، وكنت أتشوق إلى ضحكاتها التي كانت نادرة طيلة سنواتها الثمانين•• أما المنزل رقم ثلاثة، فكان مرتفعا، ذا لون أزرق، وكانت تقطنه عائلة غاسول، منذ أيام أخبرتني والدتي أن إحدى بناتهم ماما توفت، وأيضا والدتها رحلت عن دنيانا، والأبناء الآخرون؟! كلهم تفرقوا•• في حين أن يامنة، أيضا لم أعد أعرف عنها شيئا•• أتذكر ذلك اليوم الذي أحبت فيه أحد شبان الشارع العتيق، كانت تريد الزواج به، لكن أسرتها رفضت وأغلقت عليها البيت، فما كان من يامنة إلا أن وضعت الرهج في الحليب الذي كان يتناوله والداها•• وكادا أن يفارقا الحياة، وأتذكر ذلك اليوم كيف خرجنا نحن من بيوتنا وتجمهرنا أمام المنزل الذي امتلأ برجال البوليس الذين قادوها في سيارة بيضاء••• وبين منزل غاسول ومنزل المازوزي كانت تقبع زاوية صغيرة تضاء فيها كل مساء شمعة وذلك لطرد كل الأرواح الشريرة، وكانت الزاوية تسمى بزاوية سيدي محمد••• وكلما كنت أمر على الزاوية في الليل لأقضي بعض الحاجات من حانوت بوزيان، كان قلبي يخفق وتتصاعد دقاته من الخوف، كنت دائما أخشى أن تخرج الجنون من زاوية سيدي محمد التي طالما حكت لي عنها جدتي•• كان المازوزي سكيرا، والغريب أن منزله كان ملاصقا للعمري، وهو رجل موشم الذراعين، ثخين، كرشه متدلية، وكان يتنافس مع المازوزي على الأكل•• وكانا عندما يثملان يحولان الشارع إلى مكان للشجار والصراع••• ثم هناك بيت عمتي التي توفيت وتركت زوجها حمو وراءها وأولادها وبناتها•• كان حمو متسابقا في رياضة السيكليزم•• كانت ملامحه أقرب إلى ملامح الإسبان•• وكان هو أيضا يتحدث الإسبانية وعاشق للغجر••• يوم كان يحتضر كنت لا أفارق سريره•• كان يهذي، يغرق في كلام غائم، ثم يفتح عينيه ليسأل عن دراجته وعن أصحابه ثم يعود إلى هذيانه الطويل••• ويوم توفي خرج كل الشارع إلى جنازته، وكانت الجنازة الأولى في حياتي التي مشيتها خلف النعش الذي وضعوه على سيارة خضراء، كتب عليها يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية••• كان الموكب مهيبا•• وكان الكبار يقرأون البردة بصوت جنائزي لا زالت أصداءه تتردد في مغاور ذاكرتي••• ثم هناك الحياة التي كنت أراها كل صباح تتجلى في تلك العادات والكلمات والعبارات التي قد تكون هي بدورها قد رحلت••• هل كان كل ذلك الزمن والمكان مجرد طيف؟! مجرد لحظات عابرة؟!
إن المكان مثل الزمان هو شيء غير خارج عنا، غير قابع هناك••• بل هو بمروره يزداد ثباتا واستقرارا فينا وفي أعماقنا••؟! إن المكان هو شكل من أشكال الروح التي قد يختفي ملمحها ويضمحل صداها ويتيه لكنها تبقى تتجدد كالعود الأبدي في كل ذرة من ذرات كياننا ووجودنا•••
احميدة عياشي



#أحميدة_عياشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سليمي رحال في زمن البدء
- رسالة دبي
- يوم من فبراير
- المال. . التركة المسمومة
- نهاية مأساوية ومحاولة فهم
- في لعبة الكآبة والتفاؤل
- بين جان دانيال وهيكل
- الجمر والرماد
- الشيخ يوسف سلامة في -الجزائرنيوز-
- بين الجزائر وايران . . قصة خفية
- الصحافة والحقيقة
- محقورتي يامرتي
- صدام , ستالين , واليهودالمغاربة
- لخضر شودار
- سعدان يتمادي في عناده . . هل نصمت ؟
- رضا مالك
- الحياة السرية للجنرال العربي بلخير { الحلقة الخامسة} في لعبة ...
- الحياة السرية للجنرال العربي بلخير { الحلقة الرابعة } يوم أن ...
- الحياة السرية للجنرال العربي بلخير 3 - مناورات في القصر وحرب ...
- الحياة السرية للجنرال العربي بلخير - حرب الخفاء - الحلقة الث ...


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحميدة عياشي - في بلاغة المكان والزمان