أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - المخرجة هيفاء المنصور أنا ضد تحويل الممثل إلى آلة أو جسد ينفذ ما يُملى عليه















المزيد.....


المخرجة هيفاء المنصور أنا ضد تحويل الممثل إلى آلة أو جسد ينفذ ما يُملى عليه


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 901 - 2004 / 7 / 21 - 02:49
المحور: مقابلات و حوارات
    


أنا ضد تحويل الممثل إلى آلة أو جسد ينفِّذ ما يُملى عليه
عدنان حسين أحمد/ روتردام
تنحدر هيفاء المنصور من أسرة فنية، تُولي الثقافة والفنون جزءاً كبيراً من عنايتها. فوالدها عبد الرحمن المنصور هو واحد من روّاد قصيدة التفعيلة الحديثة في السعودية، وأختها الكبيرة فنانة تشكيلية، وأخوها الأكبر ملحن معروف. فلا غرابة أن تختار هيفاء المنصور دراسة الأدب الإنكليزي المقارن في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وتتخرج منها عام 1997، ثم درست لاحقاً إدارة الأعمال في جامعة هال البريطانية، وبعدها تفرغت للورش والدورات السينمائية فأتقنت كتابة السيناريو، والتصوير، والإخراج، وإضطرت في فيلميها " مَنْ " و " الرحيل المر " أن تشترك في التمثيل لعدم توفر الكادر النسائي. وعبر رحلة قصيرة إستطاعت هيفاء المنصور أن تنجز ثلاثة أفلام روائية قصيرة هي " مَن "، " الرحيل المر " و " أنا والآخر " وتستعد لفيلمها الرابع الذي يعالج قضية الحريم في السعودية. تعتبر هيفاء المنصور أول مخرجة سينمائية في السعودية، خصوصاً بعد أن صوّرت فيلمها الثالث " أنا والآخر " سينمائياً، إذ إعتمدت في تصوير فيلميها الأولين على تقنية الديجيتال التي أصبحت مُتاحة للجميع. وبالرغم من حداثة تجربتها الإخراجية زمنياً إلا أن إسم هيفاء المنصور بات يقترن بأسماء مخرجين سعوديين مهمين " مع فارق المنجز الفني طبعاً " أمثال عبدالله محيسن، مشعل العنزي، سعد الخميسي، عبد الخالق الغانم، غافل الفاضل، وعلي الأمير. وبمناسبة إشتراكها في الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام بفيلم " أنا والآخر " الذي حاز على جائزة تقديرية إلتقيناها على هامش المهرجان، وكان لنا معها هذا الحوار:
* درستِ الأدب الإنجليزي المقارن في الجامعة الأمريكية في القاهرة، كما درستِ إدارة الأعمال في جامعة هال البريطانية. كيف تبلور الهاجس السينمائي لديك؟ ومنْ ساعد على تفتّح هذا الهاجس الفني، هل ثمة أصدقاء أو أصابع خفية كانت تحرّضك على تحقيق هذا الهاجس، أم أن هناك رؤىً وإرهاصات فنية محددة كانت كامنة في نفسك ووجدت طريقها إلى النور في اللحظة المناسبة؟

- أعتقد أن الهاجس الذي تتحدث عنه كان ذاتياً، أو أُسرياً في أغلب الأحوال، ولم يلعب فيه تحريض الأصدقاء أو المعارف أي دور. والسبب هو أنني كنت أعيش وسط عائلة فنية منذ الطفولة، فأبي عبد الرحمن المنصور كان شاعراً معروفاً، صحيح أنه كان شاعراً مُقلاً، لكنه كان من أوائل الذين كتبوا شعر التفعيلة الحديث. وأختي الكبيرة كانت رسّامة لها منجز تشكيلي واضح، وأخي الأكبر كان ملحناً. عشت وسط هذا الجو الثقافي الذي يحترم الفن بكل أشكاله، ولا يفرّق بين أنواعه الإبداعية. لهذا السبب لم أشعر بالخوف من الخوض في هذا المجال الفني، وأعني به الإخراج السينمائي. دراستي للأدب الإنكليزي المقارن لعبت دوراً مهماً في صقل موهبتي الإخراجية، كما ساعدتني كثيراً في كتابة قصص أفلامي أو إعداد سيناريوهاتها وحواراتها. ولابد من القول بأنني كنت منذ أيام الدراسة الإبتدائية والثانوية أعشق الأفلام السينمائية، وأحب مشاهدتها، وحينما لا أجد فرصة لمشاهدة فيلم سينمائي جميل كنت أستعيض عنها بخشبة المسرح المدرسي.
* لقد ركزتِ في إجابتك على الجو الثقافي والفني الذي كنت تعيشين في وسطه، أنا أريد أن أبحث عن النزوع الفني، كيف تولّد لديك هذا الهاجس الفني، وخصوصاً الهاجس البصري في السينما والتلفاز على وجه التحديد؟
- منذ أيام الدراسة الأولى كنت أقوم بإخراج المسرحيات في المدرسة، وفي الجامعة إزداد هذا النشاط المسرحي، والثقافي أيضاً، ُإذ كنا نؤلف نشرة جدارية عن الثقافة السعودية، ونعرّف بها. وعندما كبرت قليلاً شعرت أنني أحب السينما، وأريد أن أشاهد الأفلام، لذلك بدأت أقرأ أغلب ما يكتب عن السينما، وفي حينها شعرت بأنني يجب أن آخذ قراراتي بنفسي، ولا أقبل أن يملي عليّ أحد هذه القرارات الشخصية. هكذا أحببت السينما، فتمكن مني هذا الحب، فقررت أن أدرس السينما. وفي تلك الأثناء شاركت بفيلم " مَنْ؟ " في مسابقة مهرجان سينمائي في الإمارات العربية المتحدة إسمه " أفلام من الإمارات " وقد رحب بي السينمائي المعروف مسعود أمر الله كما هو دأبه في الترحيب بمخرجي الأفلام المبتدئة كلهم. وهذه المشاركة بحد ذاتها أعتبرها محرضاً حقيقياً للشروع في هذا الطريق الجميل.
* هل أنت متمردة بطبيعتك، أو هل في مكوناتك الشخصية شيء من هذا التمرد بحيث إخترت الإخراج مهنة، ودرست الأدب الإنكليزي، وسافرت كثيراً، وأخرجت أفلاماً جريئة؟
- والله أنا لا أحس بأنني متمردة، وإنما أشعر أنني أريد أن أفعل شيئاً وفعلته، أو قُل لدي أحلام أريد أحققها فحققت البعض منها. لم يكن القصد أن أتمرد، وإنما أردت أن أفعل أشياءً أرى فيها نفسي وذاتي. أحس أن الإنسان يجب أن يفعل الأشياء التي يجد نفسه فيها لكي يحقق إنسانيته، وإلا فسيكون الإنسان إمعة لا شخصية له إن لم يحقق ما يريد.
* حينما بدأت كسينمائية هل وضعت في ذهنك أنك ستكونين المخرجة الأولى في السعودية؟
- أبداً، لأنني ببساطة لم أكن أتوقع أن أحداً سينتبه إلى تجربتي. حمداً لله أن صار لي ولتجربتي الفنية بعض القبول.
* كم هو عدد المخرجين السعوديين الذين يشغلون فعلاً مكانة المخرج السينمائي الذي يقدّم إنجازاً سينمائياً واضح المعالم؟
- هناك عدد محدود من المخرجين السعوديين من بينهم الأستاذ عبد الله محيسن، ومشعل العنزي. هناك مخرج سعودي شاب حاول أن يشترك في مهرجان بانوراما في الإمارات إسمه علي الأمير! ولابد من الإشارة إلى المخرج سعد الخميس الذي يريد الآن أن يصنع فيلماً بعنوان " الخلايا النائمة "، هذا فضلاً عن مخرجي الدراما التلفزيونية بينهم عبد الخالق الغانم، وغافل الغانم وغيرهم ممن لا تحضرني أسماءهم الآن. لقد أتاحت تقنية الديجيتال منذ وقت ليس بالقصير للكثير من المخرجين أن يصعنوا أفلاماً قصيرة، وبتكلفة مادية بسيطة. أن الشخص الذي يتوافر على موهبة فنية ما أو مسكون بهاجس إبداعي لم يعِقه الجانب المادي، لكن تظل التجربة السعودية محاصرة ضمن البوتقة التي هي فيها. أتمنى على السعوديين خاصة والخليجيين عامة أن ينفتحوا على هذه التجربة البصرية المهمة. وفي حوار سابق قلت إن على الخليجيين أن يحتكوا بالتجارب السينمائية الأخرى من أجل خدمة تجربتهم السينمائية الوليدة.
* كيف تكوّنت فكرة الفيلم الأول " منْ " بإعتباره الإطلالة الأولى لكِ على المشاهد السعودي خاصة أو العربي عامة، هل كان النص لك شخصياً أم لكاتب آخر؟ ومن أعد السيناريو إذا كان هناك كاتب سيناريو؟
- في فيلم " من " أنا تكلمت مع الأستاذ مسعود أمر الله، وهو الذي أعطاني اللائحة، وقال لي يجب أن تراعي الشروط التالية، ويجب أن تكون المشاركة بعنصر إماراتي. إبتدأت في تلك الفترة بالبحث عن قصة، في تلك الأثناء كانت هناك قصة " السفّاح " الذي يرتكب الجريمة تلو الأخرى، وقد أُشيع في حينها بأنه " إمرأة " ثم تبين أنه رجل يتخفى في زي إمرأة منقّبة. هذه القصة تفصح لك عن غياب هوية المرأة. وتشير إلى إستغلالها حتى في موضوع القتل. أحسست أن هذه القصة تتحدث عن هذا السفاح بشكل مهول. أنا أخذت هذه الشائعة، وعالجتها معالجة سينمائية فنية بسيطة، صحيح لم يأخذ هذا الفيلم جائزة في أي مهرجان، ولكنه نجح جداً على مستوى الشارع السعودي، ونشر على الإنترنيت وشاهده الكثيرون، وأنا أحسست أن هذا الفيلم حقق لي شهرة جماهيرية واسعة.
* كيف قوبل الفيلم الأول نقدياً؟
- كتب عن هذا الفيلم الأستاذ محمد رضا، كما كتب آخرون عروضاً عن الفيلم، وهم على العموم فرحون بتجربي كسعودية تقدم شيئاً مختلفا وجريئاً. على مستوى النقاد لم يصدر شيئاً ضد تجربتي الإخراجية، وحقيقة أنا أعتبر نفسي مبتدئة بالرغم من أنني أنجزت ثلاثة أفلام، وسأنجز الفيلم الرابع عما قريب. أنا لا أنكر أن تجربتي ما تزال في أول مراحلها، ولكنني مصرة على التعلم، وإكتساب الخبرة. على مستوى الشارع هناك بعض الناس شعروا بأن هذا الفيلم يتصدى لهم ولعاداتهم وتقاليدهم، وهناك الرأي الآخر الذي يشعرك بضرورة الإنفتاح والتعاطي مع مشكلات العصر الحديث. بإختصار كان الفيلم مثيراً للجدل من نواحٍ مختلفة. وجريئاً في طرحة لقضية حساسة جداً حتى وإن جاءت في إطار شائعة لا غير.
* ما هي أبرز نقاط الإثارة والجدل في هذا الفيلم؟
- الفيلم يبتدئ بعبارة " نخاف المجهول، وبعضنا بلا وجوه، ويظل السؤال: مِنْ؟ " كثير منا كان يعتقد أنني أهاجم الحجاب، وأهاجم العباءة، وهذا كما تعرف موضوع حساس في السعودية، أو في دول الخليج العربي برمتها، ولكنني كنت أركز على غياب الهوية. فعندما أقول نخاف المجهول، وبعضنا بلا وجوه أعني غياب الهوية. وأعني إستغلال المرأة، كما أتيح إمكانية التأويل حين أكشف في النهاية بأن هذا السفاح ليس إمرأة وإنما هو رجل مجرم متخفٍ في زي إمرأة محجبة بالسواد من أعلى رأسها إلى أصابع قدميها.
* كيف ولد فيلملك الثاني " الرحيل المر " ووجد طريقه إلى الوجود؟
- فيلم " الرحيل المر " يتحدث عن شاب صغير أو عن التغريب بمفهومه الأوسع. هذا الفيلم مدته 12 دقيقة، وهو روائي قصير. الفيلم يتحدث عن الهجرة للمدينة وللمدنية، هذه الهجرة التي دعتنا أن ننسى حضارتنا وزماننا وبساطتنا، شاب سعودي بسيط، وجميل، وراقي يقدر الفن والغناء والشعر والكلمة الشعرية الجميلة يهاجر بحجة الدراسة ولا يعود. هناك أشياء كثيرة ضاعت بسبب النزوح من القرى إلى المدينة، أو لنقل إلى الحياة المدنية، وهذا المدنية بمفهومها السعودي هي ضياع للكثير من الأشياء. مثلما ضاع الولد الصغير الذي ترك أهله من أجل الدراسة ولم يرجع لهم بعد أن تولّد لديه إحساس بالغربة والتغريب وعدم الإنتماء إلى أي مكان.
* الفيلم الثالث " أنا والآخر " هل كان هذا التضاد مرسوماً في ذهنك مسبقاً، هل أخرجت هذا الفيلم إعتماداً على نوايا مسبقة لهذه الإثارة الجدلية أو الفكرة المُستفزة، أم لأن الموضوع ساخن وحار على الساحة العالمية؟ هل هناك أسباب فنية إن لم تكن هناك أسباب آيديولوجية؟
- بصراحة أنا دائماً أريد لفيلمي أن يعكس شيئاَ مما يحصل في الواقع الراهن في السعودية. الشئء الحاصل في السعودية الآن أن هناك تيارين، التيار الأول ليبرالي، والتيار الثاني إسلامي، وهذان التياران يحاول كل منهما إلغاء الآخر، وهذا الألغاء سبّب حواراً جدلياً وفلسفياً في السعودية، وهذا بالنسبة لي ليس أمراً مريحاً لأن الشعب السعودي أصبح مثقفاً ويعي معاناة مختلف شرائحه الإجتماعية، ولا يتمنى لها صراعات عبثية غير مجدية من هذا النوع. أي ببساطة أصبح هناك موقف رافض لما يحصل في السعودية.
* لم تعتمدي على فنانين نجوم، وإنما أعتمدت على فنانين شباب، هل وقع هذا الإختيار لأنك ما زلت في أول الطريق، أم أن هناك أسباباً أخرى وراء هذا الإختيار؟
- إن الفنانين الذين إخترتهم في هذا الفيلم لديهم تاريخ فني أيضاً، ولكن ثمة متطلبات ينبغي أن تتطابق مع شروط القصة، فهكذا وقع الإختيار على الفنان طلال السدر، وصالح العلياني، ومشعل المطيري. أنا أعتقد أن الفنانين الثلاثة لديهم القدرة على العطاء، كما أشعر أن لديهم طاقات غير محدودة، ولو تسنح لهم الفرصة لقدموا أشياء كثيرة. الشاب السعودي عنده زخم من العطاء الشديد ممكن أن يعطي كلما جاءت سانحة الحظ. أشعر أن عندهم أشياء كثيرة في أعماقهم، وربما لم أستخرج من أعماقهم إلا الشيء البسيط.
* هل كانت النهاية في فيلم " أنا والآخر " مدروسة بالنسبة لك؟ أعني هل كانت مرسومة على الورق بهذه الطريقة، أم أن الكاميرا والأحداث أخذتك إلى هذه النهاية؟
- لا والله كانت هذه النهاية مرسومة. لقد كتبنا قصة الفيلم والسيناريو والحوار، وحاولنا أن ننفذه بحذافيره. هناك الكثير من الأصدقاء وقفوا ضد هذه النهاية. بعض النقاد قالوا إن هذه النهاية كانت مباشرة أكثر من كونها رمزية أو إيحائية. أنا أردت أن أقول حتى في الحوار الذي كان مباشراً أننا نحن السعوديين لم نتكلم في السياسة ولم نتعاطى بها ولم نفصح عن مشاكلنا سابقاً. أما الآن أصبح السعودي يتكلم، ويحكي من دون خوف أو تردد.
* أنا أرى أن النهاية المناسبة للفيلم هي اللحظة التي يهاجم فيها الأصولي الليبرالي ويريد أن يدهسه بالسيارة. فهذه النية الإجرامية تكاد تحسم الجدل بين الليبرالي والأصولي، وأن هذا الأصولي يريد أن يوحي، أو يصرّح بالفم الملآن بأنه ليس هناك توافق بين الإثنين؟
- لكن أنا لا أريد أن أقول بأنه ليس هناك توافق بين الإثنين. أنا أريد أن أقول أنه نحن نحاول أن نتفق. أنا أود أن أرى السعوديين متوافقون، وغير مختلفين خلافاً حاداً، هذا هو همي. أنا نفسي أن أرى السعوديين يتقبلون بعضهم بعضا، ويحبون بعضهم بعضاً، ويتوافقون، ويعملون من أجل الجميع. أنا أعيش في السعودية وأهلي في السعودية وهكذا الأحفاد فيجب أن يكون عندنا وطن يتقبلنا على إختلاف آرائنا وتوجهاتنا. أنا أريد أن تحب الناس بعضها بعضاً وأن يكون السعودي مسكوناً بحب الوطن.
* كم تعيرين من الأهمية للتقنيات بوصفك مخرجة غير مبتدئة الآن بعض تجربة الفيلم الثالث؟
- في هذا الفيلم " أنا والآخر " حاولت على الصعيد التقني أن أقدم شيئاً مختلفاً، وكان هذا هاجسي وهمي الأول، كما حاولت أن أعمل أشياء كثيرة في الفيلم بنفسي، ولكن في ظل غياب المعاهد، والمختبرات، وورش العمل، والأستديوهات السينمائية تصادفك الكثير من المعوّقات. أنت تعرف أننا ليس لدينا مراكز متخصصة تتبنى تجارب الشباب. تقنياتنا بسيطة، أنا بحضوري إلى مهرجان الفيلم العربي في روتردام تعرفت على الكثير من التقنيات الجديدة، ولهذا تراني أحرص على حضور الكثير من المهرجانات من أجل إكتساب الخبرة. كما أستفيد كثيراً من آراء النقاد الذين يقدمون لي ملاحظات شديدة الأهمية، خصوصاً النقاد الذين يحبون تجربتي وينتقدونني من أجل الإرتفاع بمستوى تجربتي الإخراجية، كما تمنحني المهرجانات فرصة مشاهدة العديد من الأفلام والتجارب الجديدة.
* في ظل غياب الأستديوهات، والمختبرات كيف تمنتجين أفلامك إذاً؟ وكيف تستخدمين المؤثرات الصوتية؟
- وليد الشحي هو الذي مَنتج أفلامي في الإمارات وخصوصاً الفيلمين السابقين أما هذا الفيلم الثالث فقد مَنتجته في أحد المختبرات السعودية. في فيلم " الرحيل المر " حاولت ألا تكون هناك مؤثرات صوتية، بإستثناء المؤثرات الطبيعية لأني كنت سمعت من بعض النقاد يقولون إن المبالغة في إستخدام المؤثرات الصوتية تتحول إلى نقطة ضعف في الفيلم، وكأن المخرج يستعين بالموسيقى لكي يعطيك الإحساس بالفرح أو بالحزن، الغضب أو الإسترخاء أو غيرها من المشاعر الإنسانية. أو أن يغطي على عيب أو نقص ما. أنا أردت أن تكون الصورة طبيعية ولا تتكئ على مؤثر سمعي. حتى في فيلم " أنا والآخر " لم تكن هناك مؤثرات صوتية كثيرة بإستثناء البداية والنهاية.
* مشروعك القادم هو فيلم عن الحريم، هل لك أن تتحدثي لنا عن طبيعة هذا الفيلم؟
- الفكرة جاهزة، أو لنقل أنجزنا بعض المشاهد منها، سبعة مشاهد منجزة. وهو يتكلم عن المرأة السعودية العادية تماماَ. الناس دائماً تعتقد أن المرأة السعودية ضعيفة وشخصيتها ممحوة، ولا وجود لها، لكنني أنا أعتبر المرأة السعودية من أقوى النساء في العالم العربي لأنه رغم التهميش والضغط الإجتماعي والسياسي الذي وقع على المرأة السعودية إلا أنها لا تزال صامدة وتقاوم بضرواة. بعض النساء السعوديات رغم هذا الإقصاء أثبتن أنهن كاتبات جيدات، وفنانات، وتشكيليات، ومفكرات، وباحثات. كنت أريد أن أبين للعالم أن المرأة السعودية يمكن أن يكون وضعها صعباً ومعقداً وحولها بيئة قاسية تهمشها وتحاول أن تلغيها ولكنها بالمقابل تظل صامدة وقوية. هذا هو جوهر قصة الفيلم القادم.
* هل تعتقدين أن وجودك في السعودية كمخرجة يحرّض السعوديات الأخريات على التحرك وكسر التابوهات القاسية، هل تتوقعين هذا الشيء؟
- نعم، يحصل مثل هذا التحريض والإحتكاك، بعد فيلمي الأول بدأ إسمي يتردد وينتشر، البعض منهن ربما كن يعتقدن بأنهن لن يحققن شيئاً إذا ما تحركن، ولكن عندما رأينني أحقق هذا الإنجاز البسيط في الذيوع والإنتشار تحفزن لتقديم عطاءاتهن الفنية. أقول إنشاء الله يكثر عددهن، ويقدمن بحماس أشد أعمالاً إبداعية، ولكن تظل مجتمعاتنا الشرقية قاسية، حتى في مصر هناك قساوة على النساء. قرأت دراسة تقول بأن عدداً كبيراً من المخرجات المصريات يتركن الإخراج ويذهبن للعمل كمونتيرات لأن الإخراج مهنة تفضي إلى الشهرة والظهور، والمرأة في هذه المجتمعات تخشى الظهور والشهرة ولا تريد أن تدفع الثمن غالياً. يجب أن تتغير هذه النظرة المتخلفة. وأتمنى أن تثق المرأة الشرقية بقدراتها، وتعرف أن مهنة الإخراج أو التمثيل أو الغناء حالها حال أية مهنة أخرى، ولا تنتقص من قيمة المرأة على الإطلاق، بل بالعكس هذا يعطيها الإحساس أنها مبدعة وإنسان فعال في المجتمع.
* وأنتِ تصورين أي فيلم من أفلامك، هل تضعين الوحدات الأساسية الخمس" التكوين، زواية الكاميرا، اللقطة المكبرة، القطع، والإستمرارية " في ذهنك، أم أن المصور في فيلمك تأخذه الكامير أو المَشاهد المحيطة به حيثما تريد؟ ما هي توجيهاتك للمونتير، وهل تسمحين له أن يقطّع مثلما يريد؟
- كلا، أنا أحاول أن أكون موجودة في كل شيء في الفيلم. أن أحضر في كل التفاصيل الموجودة لأنني لاحظت إذا لم أكن موجوداً فسيخرج الفيلم بطريقة لا تعجبني تماماً. يجب أن يكون المخرج موجوداً كي يصنع ما يريد، ولكن يجب بالمقابل أن نعطي مساحة معقولة لحرية الحركة والتصرف فإذا كان المصور جيداً ومبدعا ًومتمكناً من كاميرته ولا يخطأ في الذهاب إلى عكس مجرى الفيلم فلا بأس من إتاحة هذه الفرصة. أنا لا أريد أن أغيّب دور المصور أو الممثل أو المونتير خصوصاً إذا كانوا يعرفون واجباتهم. أتمنى أن أعطي للممثلين أيضاً مساحة ما كي يقدموا شيئاَ مما يعن في دواخلهم وذواتهم. أنا ضد السيطرة التامة على الآخر الذي يشترك في العمل معي ولكن ضمن حدود. أتمنى أن يتصرف الكادر الذي يعمل معي بعقل، وبإحساس فني عالٍ بحيث يستطيع كل واحد منا أن يثري العمل ويغنيه، لا أن يعيقه أو يربكه في هذا التدخل. أنا ضد تحويل الممثل إلى آلة أو جسد ينفذ ما يُملى عليه. أنا أعتقد أنه يجب أن يُعطى الممثل مساحة من الحرية لكي يبدع، وإلا فأنه فسينطق بكلمات لا روح فيها. أنا بالمناسبة أستخدم كاميرا واحدة، لأن أفلامي مستقلة وإمكانيايتي المادية محدودة جداً، ونحن نعمل بأقل مما يتوقع الجميع من الإمكانيات المادية. ليس عندي مصادر تمويل مثل الأفلام المصرية التي يُرصد لها سبعة ملايين جنيه مثلاً أو عشرة ملايين أو ربما أكثر بكثير . فيلمي يعرض في المهرجانات فقط، ولهذا في أحيان كثيرة أحاول أن تكون القصة قوية جداً. وأحرص على أن يكون الفيلم خالياً من الأخطاء التقنية، وصحيح من الناحية التوليفية.
* هل لديكم كُتاب سيناريو محترفون بحيث يستطيعون أن يحولوا قصة أو رواية معينة إلى سيناريو؟
- أعتقد لدينا كتاب سيناريو للدراما التلفزيونية فقط، لكن للسينما لا أظن أن عندنا سينارسيت. عندنا كُتاب وكاتبات من ذوي المواهب الجيدة، ولكن كاتب السيناريو يحتاج إلى دراسة أكاديمية، وورش عمل لهؤلاء الكتاب. الكتاب الجدد كثيرون لكنهم لم يدخلو معهد السينما، ولم يكتسبوا خبرات في هذا المجال.
* هل تعانين من نقص في وجود الفنانات؟
- طبعاً، المرأة عنصر نادر في السينما السعودية ولهذا أنا مثلت في بعض أفلامي مع العلم أنه من الصعب أن تمثل وتخرج في آن معاً. أنا اتمنى ألا أعيد التجربة، ولكن هناك شحة واضحة في عدد الممثلات السينمائيات. أنا إضطررت أن أمثل في أحد أفلامي، كما أشركت شقيقتي سارة أيضاً.
* كيف تختارين بطلات أفلامك القادمة في حال حاجتك إلى بطلة أو شخصيات نسوية أخرى، هل ستختارينهن من خارج السعودية؟
- أنا رافضة لهذه الفكرة حتى الآن، فما العيب في أن تمثّل المرأة السعودية، ولكن ليس عندي حلاً آخر، وأتمنى أن أعثر على إمرأة سعودية تمثل هذا الدور، ولا تضطرني لإستيراد ممثلة من دول عربية أخرى.
* هل تستطيع الفنانة السعودية أن تمثل بعض الأدوار من دون حجاب، أو تأخذ حريتها في اللباس والماكياج؟
- هناك بعض الفنانات السعوديات يمثلن للتلفزيون من دون حجاب. إذ لا يمكن أن تظل المرأة محجبة حتى في بيتها، مع زوجها وبين أولادها.
* ألا تعتقدين أن هناك ظهوراً مبتسراً للفنانة السعودية حتى في الدراما التلفزيونية وكأنه هناك تركيزاً على شخصية الرجل الممثل، أوهناك عدم عدالة في توزيع الأدوار؟
- عدم العدالة في توزيع الأدوار ليس في السعودية حسب، وإنما حتى في مصر ذاتها. نحن نسمع الآن إن هناك فنانات مصريات يصارعن من أجل الحصول على دور البطولة. ويبدو أن في المجتمعات الشرقية لابد أن يكون الرجل مسيطراً ومهيمناً على كل شيء، لكن مع تغيير الآيديولوجيات في الشرق الأوسط بدأت المرأة تأخذ أدواراً مهمة، والآن في مصر هناك العديد من الأفلام كلها بطولة نسائية كما في أفلام " أحلى الأوقات " و " سهر الليالي " و " دنيا " وغيرها.
* هل تثار مشكلة التحليل والتحريم بالنسبة للتمثيل والتصوير السينمائي في السعودية؟
- أكيد هناك تيار موجود ضد الفنون، وضد الغناء، والرقص، والكتابة، وضد التمثيل. هذا التيار المتشدد يريد أن يلغي الفنون كلها، لكنه أثبت عدم جدواه، وعدم محاكاته للتقدم الحاصل في مختلف مناحي الحياة. هذا التيار موجود ولا أستطيع أن أنفيه. هناك أناس ينظرون إلى ما أعمله على أنه خطأ، وهم يريدون أن يمارسوا وصايةهم علينا، لأنهم يرون أن المكان الطبيعي للمرأة هو البيت، ولا يجب أن تخرج على طاعة الرجل، بل يجب أن تقوم بواجباتها البيتية فقط، وألا تختلط بغير بنات جنسها، بينما هناك تيار آخر متحرر يساند المرأة، ويرى أنها هُمشت طويلاً ويجب أن تتحرر.
* بوصفك مخرجة سينمائية بالأساس، ماهي الأفلام التي ترغبين في مشاهدتها، ومن هم المخرجون المفضلون بالنسبة لك، هل هناك أسماء محددة لفنانين محترفين تتوقين لمشاهدة أفلامهم دائماً؟
- دعني أكون صريحة معك فأقول أنني أشاهد الأفلام الأمريكية لأنها متوفرة لدينا. وفي الآونة بدأت أشاهد السينما الأمريكية المستقلة، والسينما الفرنسية، والإيطالية، والألمانية. كما بدأت أشاهد السينما الإيرانية التي لفتت إنتباهي في السنوات الأخيرة، فهذه السينما لها طعم خاص، هذا فضلاً عن السينما المصرية. أنا أحب أفلام يوسف شاهين وأعتبره مخرجاً عالمياً كبيراً، كما أفضل مشاهدة أفلام إنعام محمد علي ومفيدة تلاتلي وغيرهم من المخرجين العرب الذين أتيح لي أن اشاهد أفلامهم سواء من خلال القنوات الفضائية أو من خلال مشاركاتي في المهرجانات العربية والعالمية. أحب الممثلة العالمية تشارلز ثيرون الحائزة على جائزة الأوسكار كأفضل ممثلة عن دورها الرائع الذي أدته بإتقانٍ عالٍ في فيلم " متوحشة " .



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برلين- بيروت لميرنا معكرون: مقاربة بصرية بين مدينتين تتكئ عل ...
- على جناج السلامة للمخرج المغربي عزيز سلمي إستعارات صادمة وكو ...
- بنية المفارقة الفنية وآلية ترحيل الدلالة في - أحلى الأوقات - ...
- فيلم - عطش - لتوفيق أبو وائل ينتزع جائزة التحكيم في بينالي ا ...
- الصبّار الأزرق ) بين مخيلة النص المفتوح وتعدّد الأبنية السرد ...
- في إختتام الدورة السابعة لمهرجان السينما العربية في باريس
- الطيب لوحيشي: في السينما استطيع أن أكون واقعياً وحالماً
- إختتام الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام
- المخرج طارق هاشم في فيلمه التسجيلي الطويل 16 ساعة في بغداد. ...
- فوز الشاعر السوري فرج البيرقدار بجائزة - الكلمة الحرة - الهو ...
- الكاتبة الهولندية ماريا خوس. . قناصة الجوائز، ونجمة الموسم ا ...
- التعالق الفني بين التناص والتنصيص ..قراءة نقدية في تجربة الف ...
- رفعت الجادرجي يسطو على تصميم لعامر فتوحي في رابعة النهار
- بعد أربعين من صدوره يسبّب- منهاج المسلم - بترجمته الهولندية ...
- التابو في المشهد الثقافي العربي والإسلامي إشكالية التحريم وا ...
- مهرجان السينما العربية في باريس يحتفي بالسينما العراقية، ويك ...
- مهرجان الحلقة التونسي في روتردام
- حوار مع الفنانة عفيفة العيبي : العمل الفني أشبه ببناء عمارة ...
- الفنان صادق الفراجي في معرضه الشخصي الجديد يدوّن ذكريات المد ...
- عفيفة العيبي في معرضها الشخصي الجديد: فنانة ترسم بتقنيات نحت ...


المزيد.....




- قيادي بحماس لـCNN: وفد الحركة يتوجه إلى القاهرة الاثنين لهذا ...
- مصر.. النائب العام يأمر بالتحقيق العاجل في بلاغ ضد إحدى شركا ...
- زيارة متوقعة لبلينكن إلى غلاف غزة
- شاهد: -منازل سويت بالأرض-.. أعاصير تضرب الغرب الأوسط الأمريك ...
- الدوري الألماني ـ كين يتطلع لتحطيم الرقم القياسي لليفاندوفسك ...
- غرفة صلاة للمسلمين بمشفى ألماني ـ مكان للسَّكينة فما خصوصيته ...
- محور أفدييفكا.. تحرير المزيد من البلدات
- خبير ألماني: بوتين كان على حق
- فولودين: واشنطن تضحّي بالآخرين للحفاظ على القطب والواحد
- فرنسا تتهم زوجة -داعشي- سابقة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عدنان حسين أحمد - المخرجة هيفاء المنصور أنا ضد تحويل الممثل إلى آلة أو جسد ينفذ ما يُملى عليه