استعمار جسم الانسان

جمشيد ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 2956 - 2010 / 3 / 26 - 12:27
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    

لقد استطاع الانسان ان يسوق كل شئ يقع عيناه عليه. فهو لم يقم فقط بتسويق كرتنا الارضية رغم انها ملك لجميع البشر بل بدأ بقطع غصن الشجرة الذي يقف عليه دون ان يحس بالخطر الا في اللحظة التي يقع فيها على الارض. لقد تم تقسيم الارض و البحار و الجو و خصخصتها و تحويلها الى سلعة. و الان بدأ الانسان ايضا باستعمار اخر و اعز ما لديه: جسمه بعد تحويله الى سلعة.
تستطيع ان تقيس الوضع الاخلاقي في بلد معين و تطوره العلمي عند فحص مؤسسته الصحية فهي تشبه المناعة الصحية ضد الامراض. ترى اليوم تسويق و تجارة الصحة في تحويل الانسان اعضاء جسمه من ضمنه الجنين عند الحمل الى بنوك للاعضاء و النسيج يستطيع ان يذبحه (او يستعمره بلغة الثوريين) و يبيع الاجزاء الصالحة للتسويق. لقد حدث هذا فعلا في الدول النامية و الفقيرة و في العراق اثناء الحصار (الحصار الجائربلغة صدام) خاصة تسويق الكلية. جميع التطورات التي تحدث في الطب تأتي بسبب الحاجة و الخوف من الموت. لقد تطور تجارة زرع الاعضاء من جسم الى جسم آخر اضافة الى تسويق ادوية لكي لا يرفض الجسم الجديد العضو الغريب.

بعض الاعضاء مثل القلب و الكبد و الرئة حساسة يجب ان تكون ملطخة و منقعة بالدم في جميع اجزائها و لهذا السبب لايمكن استئصالها من الموتى و لذلك نحتاج الى تعريف جديد للموت: الموت يعتبر موت عند موت الدماغ و لكن هذا يدفع الانسان الى قتل اخيه الانسان او اعتبارالطبيب شخص ما ميت عقليا لاجل استئصال الاعضاء من جسمه حتى اذا لم يعلن الميت موافقته على استئصال اعضائه عندما كان على قيد الحياة. هذه الاعضاء تسمى في انجلترا بخضروات بشرية human vegetables و طريقة الحصول علها بالحصادharvesting

يدفع الربح العلماء اليوم في مؤسسة National Institute of Health في امريكا الى الاسراع بتسجيل حق البراءة عند رسم جدول لجميع جينات الانسانhuman genome لتصبح بعدها ملك الشركات الكيمياوية و الصيدلة. يشجع التسويق تطور تكنولوجيا للتلاعب بالجينات اضافة الى انعاش سوق التجميل التي تستهدف المرأة و الرجل معا. اصبح الجسم البشري بذلك يشبه ببناية قديمة في حاجة الى تصليحات و تجميل و استبدال اقسام بأخرى. اضافة الى ذلك اصبح الوقت سلعة ايضا له قيمته مما يدفع الطبيب ان يقصر الوقت المخصص للمريض و العمليات للوصول الى اعلى نسبة من الربح في اقل وقت ممكن مما يؤدي الى ارهاق نفسه و تدهور العلاج المقدم للمرضى ماعدا الذين لديهم تأمين صحي خاص بهم. ترى المستشفيات و المستوصفات نفسها اليوم في منافسة شريرة على كعة المريض.

تظهر هنا اسئلة كثيرة عن الهوية بعد زرع اعضاء جسم في جسم آخر اوعندما يعرف المريض ان في جسمه عضو شخص آخر قد يتقزز منه. المهم ليس عدد السنين الذي يعيش و انما المدة التي يستطيع الانسان ان يعيش باعضاءه ولايوجد جسم غريب في داخله.
www.jamshid-ibrahim.net

#جمشيد_ابراهيم (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل