أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - زهير قوطرش - لماذا يا أبي؟














المزيد.....

لماذا يا أبي؟


زهير قوطرش

الحوار المتمدن-العدد: 2943 - 2010 / 3 / 13 - 18:40
المحور: حقوق الانسان
    


رسالة إلى المرحوم والدي.

أبي .رحمك الله .لقد تقدم بي العمر ,وأدركت بعد هذه التجربة الحياتية الطويلة ,بأن مشكلتي ومشكلة كل فرد من أفراد هذه الأمة تكمن في البدايات ,بدايات الوعي والنشأة في كنف الأبوة أو العائلة .
في هذا المقام تذكرت غابريل غارسيا ماركيز قوله في رسالة وداعه:
"تعلّمت أن المولود الجديد حين يشد على إصبع أبيه للمرّة الأولى فذلك يعني أنه أمسك بها إلى الأبد".
أي أن يد الأب هي المدرسة الأولى والمعلم الأول ,وسيبقى تأثيرها حتى أخر العمر.
جئت إلى هذا العالم يا أبي ,وقد كُنتُ طفلاً ضعيفاً ,ولكني في الوقت نفسه كنت أملك مواصفات الإنسان ,الذي بدأت شخصيته تتكون ,رغم ضعفي وقلة حيلتي .
وعندما بدأت أعي وأستوعب دلالات الألفاظ بشكلها البدائي ,كنت أسمع منك دائماً ,أنني أبنك ,وأنني صورة تشبهك بكل شيء ,كُنتَ تفاخر بذلك ,وأنت تجهل وبدون علم منك أنك كنت تعتبرني صورتك التي كنت تحاول أن ترسمها على قياس رغباتك ,بدون أن تأخذ بعين الاعتبار رغباتي ,كوني مخلوق له استقلاليته , وحريته ,وشخصيته المميزة
.فكنتُ دائماً أحاول أن أتقمص شخصيتك على حساب شخصيتي كي أرضيك.
تقدمت بي الطفولة ,وكان علي أن أبدأ رحلة الدراسة والتعليم ,لن أنسى ذلك اليوم الأول من دخولي المدرسة الابتدائية ,عندما استقبلنا مدير المدرسة ,يومها عرفته بي ,بأنني أبنك دون أن تذكر حتى أسمي ..... آه يا أبي !!!!!!!!
فأنني مازلت أتذكر المدرسة الابتدائية التي مازال ُيمارسُ فيها التعذيب بحق الأطفال في عالمنا اليوم(العربي) عالم(الرحمة) كما يقال ،الأستاذ هو الجلاد، يمارس ضرب الأطفال بأبشع أنواع السادية .الآباء مع كل أسف يشهدون هذا الظلم بحق أبنائهم وهم يرددون ( اللحم لك يا أستاذ والعظم لنا)أو (ما ُكسر يا أستاذ نحن نجبره) ما هذه الثقافة يا أبي؟ كيف أمكنك قبول ذلك؟ ألم تفكر يومها ماذا سيكون حال هذا الطفل ابنك عندما يكبر؟ ،سيحمل معه أثار هذا الظلم والتعذيب ليُفرغ جم غضبه وحقده إذا تمكن وصار في موقع المسؤولية على من يقع ضحية بين يديه من زوجة وأولاد وغيرهم من عامة الناس لأنه ينتقم من الماضي الذي أذله ، وصار عبداً من داخله لهذه الثقافة.
" يا أستاذ اللحم لك والعظم لنا"
لا أدري لماذا ,شعرت يومها بشعور خفي رافقني حتى شيخوختي ,حيث تصورت ذاتي وقد انقسمت إلى جزأين , لحمي يأكله أستاذ المدرسة ,ويرمي العظم إلى والدي ,ليرميه بدوره إلى الكلاب لتأكله.
هذه الصورة النمطية ,كنت أستعيدها في كل مرحلة من مراحل حياتي المختلفة ,فكان لحمي مستساغاً ,لأستاذي في الثانوية والجامعة ,إلى أن أصبح مستساغأً إلى مديري في العمل وإلى السلطة السياسية ورجال الأمن .الذين هم بدورهم ينتقمون من الماضي الذي أذلهم
لماذا يا أبي ,فرطت بلحمي الغض الطري ,وكأنني ذبيحة خلقها الله وطوعها لتُأكل.دون أن تعلم بأن لحمي مكرم ,ولم يخلق للأكل بهذه السهولة.
كنت أُعاقب على كل فعل لا يرضيك ,كنت تردد أن جدي خلق منك رجلاَ شجاعاً عندما كان يعاقبك بالضرب ,ونسيت أنه خلق منك صورته التي أرادها ,حيث فقدت أنت أيضاً شخصيتك المستقلة ,وها أنت تخلق صورتي على تلك الصورة .
العالم يا أبي ,يريد مني أن أكون حراً , وأن أناضل من أجل الحصول على الحرية التي هي أساس الديمقراطية ,وأساس العدل والقسط .لا أستطيع يا أبي أن أكون حراً ...أتدري لماذا لأنني تربيت على العبودية ,العبد الذي لا يملك الحرية من داخله حتى ولو صار حراً سيبقى عبداً .
منذ طفولتي ,وأنا فاقد لحريتي ,لم أكن أستطيع أن أطرح رأياً يخالف رأيك , حتى أنك منعتي من الكلام بحضور الكبار ,كنت أتصور نفسي حراً بالسر , وعبداً لك ولأسلوبك التربوي في العلن .حتى أصبت بازدواج الشخصية . فكنتُ دائماً بطلاً بيني وبين نفسي وجبان أمام الواقع .
هل تدري يا أبي لماذا مازالت شعوبنا خانعة ,للسلطة السياسية والأمنية وللقوي من الخارج ......لأننا منذ الصغر فقدنا روح المقاومة العلنية .نقاوم في أحلام اليقظة , ذلك لأننا لم نتربى على الحرية التي تُكسب الشخصية ومن ثم تخلق فعل المقاومة العلنية بدون خوف من أن تُأكل لحومها ,وتُرمى عظامها.
سامحك الله يا أبي ....وسامحكم الله يا أباء شعوبنا المقهورة.



#زهير_قوطرش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمي الأرملة.
- ما ذنب الكلاب !!!!
- يا نساء العالم ,ويا نساء المملكة العربية السعودية
- الاشتراكية..... هل انتهت؟
- ماء الحياة
- الإسلام هو الحل
- خال المؤمنين معاوية بن ابي سفيان
- حكاية وعبرة
- العجوز التي فجرت قنبلة
- الحضور الألهي ,والشخصية الإنسانية
- خالد بكداش ,للأمانة والتاريخ (1)
- الأصلاح الديني ما بين الشيخ محمد عبده ,والدكتور أحمد منصور
- فقر أم تفقير
- الأشتراكيون والمتدينون
- نساؤكم حرث لكم
- كل العالم ضد العرب والمسلمين
- الصحوة الإسلامية بين الحقيقة والوهم
- هل أنا سنية أم شيعية؟
- حياك الله يا شعب غزة
- الموروث الثقافي للأمة الإسلامية


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - زهير قوطرش - لماذا يا أبي؟