أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نوري قادر - فريد ماضي...لن أقول وداعاً















المزيد.....

فريد ماضي...لن أقول وداعاً


محمد نوري قادر

الحوار المتمدن-العدد: 2939 - 2010 / 3 / 9 - 09:36
المحور: الادب والفن
    



إحداث القصة حقيقية ,حدثت في إحدى المدن الجنوبية في العراق وبالتحديد في مدينة الناصرية بطلها الشهيد فريد ماضي الذي اعتقل وتم حكم الإعدام فيه في إحدى المعتقلات للنظام الدكتاتور الدموي ....
في صباح يوم ممطر من أيام الشتاء وأصوات متقطعة لطلقات من الرصاص تخترق الصمت والهدوء ,وبعض ما يدعوا للقلق والخوف معا إن يداهم أحدا البيت فجأة وأن تعتقل بسب وشاية من احد ,أو أي سبب أخر حتى وان كان لا يدعوا إلى ذلك, فقط لغرض بث الرعب في نفوس الجميع وتصفية حسابات مريضة ,أعتاد الجميع أن يروها بين فترة وأخرى ,لكل من يعارض سياسة النظام الحمقاء والهمجية ,حيث يزج بك في إحدى السجون والمعتقلات والأقبية السرية المكتظة بأعداد هائلة من المعتقلين بدون أي سبب يذكر ,فقط أن تنال عقابا أنت لا تستحقه , وكي تعلم إنك دائما تحت المطرقة وتحت أنظارهم, وأحيانا يحصل عندما تختلف بالرأي مع أي من تلك الديدان التي لا تعيش إلا في المياه الفاسدة, بحجة مقارعة النظام وإسقاطه ,وان لم تكن قد فعلت شيئا يذكر,انه نظام دموي بكل ما تعنيه الكلمة, لا يعرف معنى للرحمة خاصة بعد إحداث عام 1991 والثورة التي حصلت ضد التسلط والقتل والجوع والحرمان في جميع المدن العراقية,التي كان من ابرز قادتها هم الشيوعيون الموجودين في الداخل ومن ساهم مساهمة فاعلة في جميع فصولها, والتي وضعت النظام في خندق مميت مع كافة أجهزته الأمنية والتعسفية التي تهاوت كالدمى إمام تلك الحشود والأصوات الغاضبة . لكن الفوضى العارمة وتدخل بعض من لا يعنيهم الأمر ,أو ربما يعنيهم أكثر مما يتصور البعض , وتلك حقيقة عرفها الجميع فيما بعد ,جعل الأمور تخرج عن السيطرة مما فاجئ القوات الأجنبية بما قد حصل ,فلم يكن في حساباتها إن يحصل ذلك, وان يكون الأمر بهذا الشكل فقررت الانسحاب منه بأوامر صدرت من سلطة أعلى خوفا إن يسوء الوضع أكثر من ذلك ,بعد إن كانت تدعمه بكل جهدها وقواها وبما تستطيع ,حين أطلقت يدها في البداية وفتحت الباب على مصراعيه للمقاومة ضد كل ما يعيق أهدافها وتحقيق مكاسب تريد بلوغها بأسرع وقت ممكن ,فقد حطمت كل أبواب المعسكرات المغلقة ومستودعات الأسلحة لمن يريد المشاركة ويدخل ضمن اللعبة ,ولكن, حين تغير مسار ذلك الغضب المتقد سنين طويلة باتجاه معاكس من بعض دول الجوار,وخاصة إيران ومن له دوافع أخرى ضد ما يتطلع إليه الثائرين رفعت يدها عن الدعم الذي كانت تقدمه وتدعمه وتؤازره ,فخذلتهم , نعم خذلتهم تلك العاهرة ,وذلك هو شئنها ,بل هو من يمارس البغاء علنا , وتركت الأبناء يتصارعون مع الموت مرة أخرى ضد الجلاد وأعوانه ,حيث فعل ما لم يفعله أحدا من قبل بكل عنف وقسوة ,فقد قتل الشيوخ والنساء وطالت يده حتى الأطفال الصغار واختفاء ممن اعتقلهم إلى يومنا هذا حتى ظهرت مؤخرا جثثهم في مقابر جماعية في أماكن عديدة وفي كل مكان.
كنت في ذلك الصباح اجلس في البيت مع زوجتي وأطفالي الصغار نتقاسم الصمت والرعب الذي أحدثته تلك الاعتقالات العشوائية لقمع الثورة , أو الانتفاضة كما يطلق عليها ,لكنها كانت ثورة بحق ,لم اخرج للعمل لأني أجد صعوبة بالغة في الوصول إلى مكان عملي حيث الشوارع شبه مغلقة ونقاط التفتيش تملى كل الطرقات الرئيسية ,وكذلك بسبب الإصابة التي تعرضت لها إثناء الحرب تلك الحرب الخاسرة ,كما هي الحروب الأخرى ,حين دعيت إليها كما دعي الجميع إليها بلا استثناء, فمن كان يرفض يعرض نفسه وعائلته إلى اقسي العقوبات وأحيانا حتى الإعدام ,للدفاع عن أنظمة موبوءة بالعفن كانت تدفع للنظام الدموي كل ما تستطيع من مؤن وذخائر ومعدات واحتياجات أخرى وأموال طائلة لبقاء نارها مستعرة باتفاقات سرية عقدت بينهما افتضح أمرها في ما بعد وأصبحت دوافعها معروفة للجميع طيلة ثماني سنوات أحرقت كل ما من شأنه إن تحرقه من حقول خضراء ومروج يانعة ,وألحقت دمارا وإضرار هائلة يصعب حصرها في كل ميادين الحياة ,إضافة إلى مئات الآلاف من القتلى والمفقودين والمعاقين. وقد أهملت كافة المشاريع الخدمية فأصبحت الشوارع المهملة مملوءة بالوحل عندما يسقط المطر, تجعلني هي الأخرى غير قادر على المشي حتى لو كانت خطوات معدودة .
في تلك اللحظات سمعت طرقا متتاليا على الباب ,أجفلت وسرت في جسدي قشعريرة مفاجئة ,نهضت ,لكن زوجتي نهضت هي الأخرى مسرعة كأنها تريد دفع الخطر عني وأشارت لي بيدها إن انتظر ,عادت بعد ذلك وبسمة رقيقة رسمت على شفتيها لتخبرني أنها أم وحيد ,نهضت لكن قدماي تعثرت بعضهما بالأخرى وسقطت على الأرض ,نهضت مرة أخرى مستعينا بيد لزوجتي قد مدت إلي وعكازه كنت استعين بها أحيانا للمشي والوقوف إذا دعت الحاجة لذلك . كانت أم وحيد تلك المرأة الرائعة والتي تحضي بحب الجميع واحترامهم تقف عند الباب وقد ابتلّت عباءتها من المطر وقدميها الملطختين بالوحل ترتجف من الهلع كأن شيئا ما قد حصل لها أو أصابها تتلفت يمينا وشمالا خائفة إن يكون احد ما يتبعها أو يراقبها
تفضلي
لا
هل أصابكم مكروه ,مآبك
لا الحمد لله ,أخوك جمال يريدك
أين هو ؟ في البيت
نعم ..هو أرسلني إليك
صعقت من فرط الدهشة والخوف معا , وتلعثمت ...سأذهب إليه ...سأكون عنده بعد قليل
لا اعرف ماذا أصابني فقد وقفت صامتا أتابع خطواتها المتثاقلة والمطر المتساقط وهي تشق طريقها بصعوبة بالغة عائدة إلى البيت حيث فريد ينتظرها أو (جمال )كما تسميه هي لم اصدق لحظة انه سوف يعود يوما وأننا سنلتقي ,فقد هرب من الموت خوفا من الجلاد ,خوفا أن يقبض عليه ويلاقى حتفه كما لقي الآخرين حتفهم ,فقد اشترك بكل ما يملك من إيمان وقوة للحب والسلام منذ نشأته لإسقاط ذلك النظام الدموي البغيض المتعكز على الإرهاب والقتل والتسلط مع جمع غفير ممن يشاركونه المبادئ نفسها والرأي والإحساس النبيل, وما أوقعه ذلك السفاح من ظلم وتعسف واضطهاد للحقوق والحريات بأنواعها, كان حلمه الذي طالما يتمنى إن يراه ,هو إن يرى ذلك النظام يتهاوى قبل إن يموت. تساءلت مع نفسي كيف له إن يعود ؟ هل هو مجنون ؟ انه مجنون حقا ,بل مجنون كل من يفكر بالعودة الآن ,وفي هذا الوقت بالذات ,لأنه سوف يرى ما لا يطيقه ,وما لا يسره أبدا ,تركت بعد ذلك كل تساؤل خلفي فربـّما لا يكون في محله أو يعترض طريقي لان الرغبة تمتلكني كي أرى فريد .
كان يجلس في غرفته الصغيرة المطلة على الشارع وكتبه المعلقة على الرف يشرب قهوته التي اعتاد على تناولها منذ فترة طويلة وطاولة صغيرة يكتب عليها أحيانا ما تراوده من أفكار بعد قراءات متعددة لما يقرأه ,فقد كان شغوفا بالقراءة إلى حد بعيد ,كما هم أبناء الناصرية ,عانقته بقوة وشوق عند رؤيتي له وضحكنا معا بصوت عال وفرح غامر قد تمتلكنا في تلك اللحظة ,ولم أكن اعلم بأن شخصا أخر كان في الغرفة عرفته منذ اللحظة الأولى عند رؤيتي له ,شاب في مقتبل العمر يسكن في المحلة نفسها يدعى زكي مشاكس نوعا ما وله نزوات طفيلية في بعض الأحيان كما انه يميل إلى العنف غير المبرر مع اقرأنه أحيانا كثيرة فكنت لا أطيقه وأتجنب اللقاء به وهو يعرف ذلك جيدا ,كما إنه يعلم تماما إن علاقتنا بأخوته لها وقع خاص مبنية على الاحترام والمودة فهم من عائلة معروفة بانتمائها للوطن ومقارعة النظام ,أستأذن بعد إن صافحته معتذرا له عدم الانتباه لوجوده وخرج مسرعا
ظل فريد صامتا بعضا من الوقت وهو يرتشف ما بقي من قهوته التي أصبحت باردة ثم قطع الصمت وهو مبتسما : ما هي إخبارك
- سيئة جدا
- عرفت ذلك عند ما وصلت ,أتمنى إن لا تسوء أكثر من ذلك
- ما هي إخبار الأصدقاء
- ليست ما يرضيك وما تحب سماعه
- كيف : سألته باستغراب
- كلّ أصبح يغني على ليلاه
- ذلك ما يؤسف له ,هل زكي جاء معك
نعم ...وقد ساعدني كثيرا هناك , افهم ما تقصده ,وكان الأمر يتطلب ذلك ,فهو لم يكن سيئا بقدر من كانوا في المخيم معي,فقد كانوا من السوء ما يجعلك تشعر بالأسى لهم ,كما انه مشاكسا وعنيفا فقط وأنت تعرف ذلك لا أكثر ,وهنالك من أصحاب السوء ما لا يخطر على بال احد ,بل أكثر ما تتصور وما يجعلك تشعر بالعار لأنك جزء منهم وتعيش معهم رغما عنك ,فمنهم اللوطيين ومن مارس الدعارة علنا ومن ارتكب أبشع أنواع الجرائم بما فيها جرائم اغتصاب الأطفال ,لكنها لم تخلوا من الناس الطيبين ومن لهم أخلاق رائعة وقيم ومبادئ ,على كل حال رأيت ما لم ارغب برؤيته فقررت العودة
لكنها ليست أسوء مما نحن عليه الآن ..هل تعلم
لقد قررت العودة ,ذلك ما أردت إن أخبرك به وما جئت لأجله لبناء قاعدة وإعادة تنظيم لمن يرغب بذلك نقاتل به هؤلاء الأشرار, ولن ندع من يريد إن يقتل أحلامنا مرة أخرى
هل جننت : قلت
لا.. أرجوك
لكنك لن تستطيع إن تفعل أي شيء خاصة في هذه الظروف التي نعيشها الآن و...وقطع حديثنا فجأة عندما طرق الباب احد الأصدقاء يبدو انه عرف أيضا بعودة فريد جاء يسأل عن إخوته في مخيم رفح ثم خرج على عجل
كان الخوف يبدو واضحا على وجهه وكل حركة تصدر منه رغم إصراره وصراعه مع نفسه إن لا يدع من يراه يشعر انه خائفا , كأنه يريد من أصدقائه إن يرونه كما هو ثابتا قويا كما هو شأنه دائما ,انه ذلك الإحساس بالكبرياء والزهو المبهم عند الرجل . قطعت حبل الصمت الذي امتد بيننا
عليك إن تفكر بما جئت من اجله فهو لا يخلو من المخاطرة
اعرف ذلك ..ارجوا إن تتصل بعض الأصدقاء ,ومد لي يده تحمل ورقة قد أعدها قبل اللقاء ,وتخبرهم إني أريد اللقاء بهم ,أخذت الورقة منه بعد إن تفحصتها فكانت أرقام هواتف ونقاط دلالة لمناطق سكناهم , سوف اتصل بهم ..أجبته, وبقينا نتجاذب إطراف الحديث وما حصل من مآسي مروعة حين بسط النظام سيطرته الكاملة على المناطق الجنوبية الثائرة بالحديد والنار بمباركة الإخوة والأعداء معا, يندى لها جبين الإنسانية والإنسان واختفاء العديد من الإخوة والأصدقاء وعائلات بأكملها ولم يعرف عن مصيرهم شيئا حتى الآن ,وكأن ما حصل لم يحصل أبدا ,لأنه حصل بمباركة من يعنيهم الأمر وبمشاركة الجميع وما يثير الدهشة والاستغراب ,لان ما يعنيهم هنا هو الإنسان وليس ذلك النظام الدموي الذي كانوا قبل أيام عدة يحاربونه, حين خذلوا الثوار والثائرين والذين لا يريدون للطاغية إن يعود للسيطرة على رقابهم مرة أخرى بوعودهم الكاذبة ,عندما طلبوا منه إن يكمل ما بقي لهم إن يكملوه بوثائق سرية كشفت عن مصادرها باستخدام الطائرات المروحية بحجة نقل القتلى والجرحى على إن تستخدم لقمع الثورة ,فكان لهم ما أرادوا فأصبح القتلى يملئون الأزقة والشوارع والطرقات وطعاما تنهش به الكلاب السائبة ,فلم تخلو عائلة من قصة ولم يخلو زقاق من مأساة .
حين رجعت أليه في المساء كي اخبره إني فعلت ما طلبته مني وأني اتصلت بالجميع وجدتهم جميعا يجلسون على طاولة تملئها قناني الخمر وضحكات عالية يسمع أحيانا صداها خارج البيت من الشباك المطل على الشارع كأنهم في حفل أقيم بعد انتظار طويل ,جلست بالقرب منه غاضبا مما رأيت وقد شعر هو بذلك فهمست في إذنه : هل هذا ما جئت من اجله ؟
قد حصل رغما عني ولم اعرف إن ذلك قد يحصل , سوف أخبرك به
وخرجت مسرعا لكن احدهم أوقفني لحظة يبدو انه ثمل ..إلى أين
- للبيت طبعا
- لماذا لا تشاركنا
- يبدو إني قد جئت في وقت غير مناسبا
- لا..لا أنت مخطئ
- إنا دائما على خطأ ..ورمقني فريد بنظرة فاحصة إن ادعوه وشأنه
كان الألم يعتصر قلبي من إني فعلت ما لا يجب إن افعله أبدا ,وقد شعرت بالندم ,بعد إن رأيت ما رأيته لان تلك الجلسات ليس لها ما يبررها ولم تكن ضرورية كي تجمع الأصدقاء. وبقيت أتقلب مع دوامة من التساؤلات الغريبة في فراشي فترة طويلة وهواجس أخرى تشغل بالي فلم اعرف متى خلدت للنوم ,استيقظت مرعوبا وإلام مبرحة في قدمي على صوت قط ينوء بالقرب من النافذة والشمس كانت قد أشرقت ..ارتديت ملابسي على عجل والقلق لم يزل يشاورني إن يصيب فريد مكروه أو شيئا أخر ,فالوضع يتطلب الحذر والـتأني لأي فعل لا تحسب عواقبه . وجدته بانتظاري يجلس على وسادة في غرفته يتناول فطوره والخوف لم يزل ظاهرا على وجهه
- عليك إن تسافر
- لماذا
- الوضع ينذر بالخطر
- لم أنت خائف
- إنا خائف عليك يا أخي أكثر من خوفي على نفسي
- إلى أين تريدني إن أسافر
- إلى بغداد حيث يوجد عندك معمل للخياطة تستطيع إن تختفي هناك حتى يهدأ الوضع
- كيف ..لا يوجد عندي أية هوية أسافر بها
- سوف استعين بشخص اعرفه يوصلك إلى هناك
- لا استطيع
- أرجوك يا أخي ..وجودك هنا خطر جدا ,فكم يوما تستطيع البقاء هنا قبل إن يكتشف أمرك
- أشكرك ,إنا اعرف شعورك كما إن ثقتي بك ليست موضوعا للنقاش
- ما حدث البارحة لن يرضيني واعتقد انه لا يرضي من يحبك كما انه دلالة على وجودك في البيت وانك تعرض نفسك للاعتقال أو ربما الموت
- لن يكون هذا
- كأنك لا تعلم ما يحدث خارج هذه الغرفة ..أرجوك , كن حذرا ,لقد جئت للاطمئنان عليك لا أكثر وان أقول لك ما يجب إن أقوله لأني سوف اذهب للعمل
ظل صامتا كأنه لا يريد إن يقول شيئا ,أو يسمع أكثر من ذلك وابتسامة هادئة كهدوئه ترتسم على شفتيه ثم ودعته على أمل اللقاء به وانصرفت قائلا ..سوف اتصل بك
ما يؤلم المرء حقا إن يرى من لا يجيد فن اللعبة جيدا , وإن بعض من حساباته لم تكن دقيقة في مفهوم العمل الذي يريد القيام به , وان الموت يجد من حوله لا يبعد سوى خطوات معدودة ولن يبالي , وكأن حياته لا تبعني شيئا بقدر الفعل المرتقب للقيام به.إن المخاطرة جزء من اللعبة ,لكن الموقف يتطلب إن تتخذ خطوات جادة ومثمرة تتفاعل مع الموقف نفسه بما يتناسب وحجم الخطوة التي تخطوها في نفس الاتجاه كي تكون عنصرا فاعلا وايجابيا وما يخدم الفعل الحقيقي للخطوة .
كنت اشعر إن الواجب والحرص يتطلب إن لا نلتقي أكثر مما يجب خوفا من أعين الرقباء أو قد يفتضح أمر اختفائه بسهولة ,أو إن يعرف أحدا بوجوده لا يريد هو إن يعرف بذلك ,فلم اذهب لزيارته ثلاثة أيام إلا بعد إن جاءني صديق لي كما هو صديق لفريد أيضا ليخبرني إن فريد يريد رؤيتي في غرفة داخل محل لأخيه لتصليح الأجهزة الكهربائية يستعملها كمخزن لمعداته وأشيائه الأخرى
- هل ترك البيت ..سألته
- نعم
ذهبت إليه عند المساء لان الشارع يخلوا من المارة في هذا الوقت تقريبا ,كما إن اغلب الناس يفضل العودة مبكرا إلى بيوتهم فلا يوجد ما يدعوهم إلى البقاء ,حيث المحلات تغلق هي أيضا أبوابها مبكرا في تلك الأيام, ولا يوجد مقهى يجتمعون به ,أو يجمعهم كما اعتادوا للحديث وقضاء بعض الوقت فيه ,كما إن بعض رجال الشرطة ودوريات من الأمن الخاص وأزلام النظام وبعض الغرباء الذين توافدوا إلى المدينة بدئوا بأخذ مواقعهم في الأماكن العامة والطرقات والأزقة والشوارع الرئيسية ,وكم تمنيت لو لم اذهب إليه فقد وجدته في غرفة رثة يملئها الغبار وأجهزة عديدة للتلفاز معطلة تركها أصحابها في زاوية منها , يجلس على وسادة وأريكة يتكأ عليها عند النوم وبعضا من كتب جلبها معه يقضي بعض الوقت في قراءتها ,لكن القلق والخوف قد أخذت تفوح منه عن بعد روائحه فلم يعد يقوى على كتمانها حتى وان لم يبوح بها , ولم يكن بحاجة للاعتراف بذلك ,فهي واضحة جدا بادرني قائلا
- جئت منذ يومين
- لماذا يا أخي
- يجب إن لا أبقى في البيت أكثر مما يجب
- لكنه أفضل من هذا المكان
- سوف انتقل إلى مكان أخر
- هل حدث شيء فأنا أراك قلق جدا
- نعم ..لقد ألقي القبض على زكي في تقاطع الثورة وهو يحمل السلاح
- من أخبرك
- لقد علمت بذلك
- لماذا لا تأتي معي إلى البيت
- لا أستطيع ..لديك عائلة أخاف عليها
- لم يبقى إمامك سوى السفر
- انه الصواب بعينه
- أتمنى إن يتم بأسرع وقت
- سيكون ذلك
- كن حذرا
لا تخف ,معي ما أدافع به عن نفسي ,, واخرج من تحت وسادته سلاحا كان يخفيه
تلك كانت أخر كلمات اسمعها منه حيث اعتقلته الأيادي ألاثمة في اليوم الثاني في الساعة العاشرة صباحا واقتادته بعد عصبت عيناه إلى جهة مجهولة بسبب وشاية ربما ,أو من اخبر عنه,لكنني كنت على يقين تام إن من اخبر عنه هو من المقربين له ,لأنه لم يتم استدعائه من قبل السلطة بالرغم انه كان يشغل مكانا في محل عمله في وقت كان يتم اعتقال كل من يأوي أحدا ممن تطلبه السلطة وتتخذ بحقه أسوء العقوبات بما فيها السجن المؤبد أو حكم الإعدام وقد حدث ذلك كثيرا ويعرفه الجميع . ولكن عرف فيما بعد إن احد المصريين الذي يشتغل في الورشة التي ينام فيها فريد هو وكيل سري يعمل لأجهزة الأمن والمخابرات هو الذي اخبر عنه . حيث تم حكم الإعدام به ووجد في إحدى المقابر الجماعية في الكرخ بعد إن تعرض إلى شتى أنواع التعذيب الوحشي في أقبية وزنزانات النظام ولم يقدم أي اعتراف حتى أخر لحظة عن أي شيء,أو لقاء تم بينه وبين أصدقائه والمقربين منه .



#محمد_نوري_قادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هي لم تكن وليمة ..ولكن
- انها حدثت حقا
- ثرثرة مجنون على شاطىء الفرات
- دعوة للشحاذين
- خطوات ضائعة
- اعتراف رجل بساق واحدة
- الخطيئة ترصدها النظرات
- ذي قار..ي
- انظروا..
- في قفص الاتهام
- (متهم) .. قصيدة
- أنا أقول نعم
- قصيدة .....إنتظار
- قصيدة .


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نوري قادر - فريد ماضي...لن أقول وداعاً