أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - حدث ذات مرّة في مكّة















المزيد.....

حدث ذات مرّة في مكّة


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 2924 - 2010 / 2 / 22 - 01:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(جعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري)

في هذه المقالة أتناول مناظرة برأيي أنها من أهمّ المناظرات في تاريخ الإسلام، وأحاول هنا إبراز ادعاء محمد أمام المفكّرين العرب الذين يطلقون عليهم اسم "الجاهليون". في هذه الحادثة بالذات خرج محمد محرجاً ومهزوماً بالحجّة والعقل، إلا أنها لم تكن سوى معرفة فكرية خسرها، لكنه ربح الحرب في النهاية بالسيف والرمح.
منذ أربعة عشر قرناً حدثت هذه المناظرة الهامّة في مكّة أمام الملأ بين محمّد بن عبد الله وجماعة من المفكّرين العرب. على الأرجح أننا لن نتمكّن أبداً من الاطلاع على التفاصيل الدقيقة لتلك المناظرة، لأنّ الفقهاء وسدنة العقيدة بذلوا جهودهم من أجل إخفاء حقيقة تلك المرحلة والتعتيم على أحداث المراحل الأولى لتشكّل الإسلام. إلا أننا حصلنا على معلومات وبيانات كافية نستطيع استخلاصها من بين سطور تلك المرجعيات والرقابات التي تناولت الفترة التي كان محمد مازال فيها ضعيفاً ويحاول قدر استطاعته نشر دينه بالحجّة والإقناع. كان لهذه المناظرة أثرها البالغ على الإسلام، كما أنها كانت مصدر إزعاج وإحراج لمحمد لوقتٍ طويل. لذلك سنلاحظ أنّ الإسلام كان مقدّراً له الاختفاء والاندثار وهو في المهد.
هذه المقالة هي نتيجة الدراسات الكثيرة التي هدفها الأساسي هو نفنيد مزاعم المسلمين بأنّ القرآن قد أذهل وعجّز المفكّرين العرب الأوائل. وسيتبيّن لنا في هذه المقالة أنّ القرآن قد اعترف بنفسه بأنّ العرب الأوائل لم يتقبّلوه ولم يعجبوا به، بل بالأحرى شكّوا في أصالته وصادره. هذه المقالة هي بمثابة صفعة على خدّ المفكّرين المسلمين بسبب كلّ مزاعمهم المتناقضة والتي لا تقوم على أي أساس. ومن جهة أخرى هذه المقالة هي تكريم وتقدير لأولئك المفكّرين الأوائل الذين لم يكونوا جاهليين أو جهلة، بل كانوا عقولاً عظيمة لم يلجؤوا إلى السيوف والرماح وإراقة الدماء لكشف ادعاءات ومزاعم محمد، بل استعملوا الحجّة والعقل، وكان ذلك كافياً.

۞ خلفيّة القصّة
في القرن السابع للميلاد، كانت مدينة مكّة حاضرة كبيرة، ومركز تجاري وثقافي مزدهر على مستوى بلاد العرب. وكان يسودها مناخ من التسامح والتقبّل الديني حيث كان مسموحاً لجميع القبائل أن تمارس طقوسها وشعائرها الدينية بحرية وانفتاح. فلم يكن العرب الأوائل معزولين في شبه جزيرتهم عن باقي الحضارات والأمم، بل كانوا على تواصل دائم مع العالم الخارجي. لقد اختلطوا وداخلوا في تعاملات تجارية وثقافية مع الأمم المجاورة لهم وكانوا واعين للحضارات والثقافات التي كانت قائمة في شمال وجنوب شبه الجزيرة. كما أنّ العرب كانوا قد أسّسوا مملكتين هامتين في الشمال، كانتا على توافق وتحالف من الروم من جانب والفرس من جانب آخر. انعكست ثقافة العرب المميّزة والخاصة بهم في أدبهم وشعرهم الرفيع، والذي ما زال شعر تلك الفترة يعتبر حتى الآن من أفضل الآداب وأكثرها أصالة.
استغلّ محمد نزعة التسامح الديني التي كان يتمتع بها العرب في تلك الفترة وادّعى أنه نبيّ. ولم يرفض المكّيّون ادّعاءات محمد، هكذا ومن دون رحمة وبتعنّت كما صوروا لنا، بل أعطوه فرصاًَ كثيرة ليعرض عليهم آرائه ويثبت نبوّته وادّعاءاته، وكان يحدث ذلك عادةً أمام جماعة من العقول الفذّة المعروفة على مستوى واسع ليسألوه ويختبروا صدقه.
عقول مكّة، ومن ضمنهم أبو الحكم بن هشام والنضر بن الحارث، كانوا يجوبون الآفاق ويسافرون كثيراً إلى مختلف البقاع، وكانوا مطلعين بشكلٍ جيد وعميق على مختلف الثقافات والديانات التي كانت منتشرة في المنطقة والمناطق المجاورة. وكانا هذان الاثنان اللذان سبق ذكرهما مشهورين جداً معروفين بحكمتهما ومعرفتهما العميقة بالثقافات المجاورة.
كان هذان الاثنان قد قرآ قرآن محمد بعقل ناقد ومنفتح. ومن المرجّح أنهما قد لاحظا أنّ كتاب محمدّ كان يحتوي على الكثير من الأخطاء الفادحة وكانوا يتوقعون أنّ محمداً لديه تفسير أو تبرير جيد ومقنع لادّعائه الوحي الإلهي المقدّس. وقد طالباه بتقديم أجوبة وتوضيحات للكثير من المسائل التي وردت في القرآن، كما يفعل العلماء والعقلاء والنقّاد في الوقت الحاضر. وهكذا فهؤلاء النقّاد كانوا يفعلون نفس الشيء مع محمد عندما سألوه حول القرآن، إلا أنهم لم يحصلوا على أجوبة، وما زال الأمر كذلك حتى عصرنا الحالي حيث لم يحصل المفكّرون على أيّة أجوبة أو توضيحات من علماء المسلمين، وكل ما فعلوه سوى أنهم اتبعوا طريقة نبيّهم في التهرّب والمراوغة.
يبدو أنّ محمد قد تفاجأ وأصيب بالدهشة عندما أشار هؤلاء الرجال العظماء إلى نقاط الضعف في القرآن. وقد مارسوا ضغطاً شديداً على محمد ليحصوا منه على أجوبة وتفسيرات للتناقضات والأخطاء التي وجدوها في القرآن، لكنّ محمد وقف من دون أن ينطق بحرفٍ واحد، محرجاً، وهشّاً. الظاهر أنّ سكرتيره أبَي بن كعب لم يكن بجانبه الذي كان يستعين به محمد لتفسير وتوضيح وتقديم تبريرات للقرآن عندما كان محمد يسأل محمد عن أيّة مسألة، وكان ينادي عليه في كلّ مرّة.
هذه المناظرة خلفت عند محمد صدمة نفسية ظلّ يعاني منها زمناً طويلاً. فعندما انتهى الجدال الفكري، بدأ محمد بمراجعة الأحداث واللحظات المرهقة التي مرّ بها والتي اضطرّ إلى احتمالها. استرجع في ذاكرته بعض أصعب الأسئلة التي لم يتمكّن من الإجابة عنها، وصاغها على شكل آيات منزّلات كي يحفظ ماء وجهه. وقد سجّل مشاعره وأحاسيسه التي مرّ بها بشأن تلك المناظرة في القرآن، كما كان يفعل عادةً في الأوقات العصيبة والتي كان يشعر في بالإجهاد والتوتر النفسي.

هنا أورد بعض الآيات من القرآن والتي يظهر فيها يأس محمد وإحباطه. ففي الآيات التالية نلاحظ فيها شخصية محمد اليائس وهو يتحدّث مع نفسه من خلال الله، ويمكن للقارئ المتمعّن أن يلاحظ أنّه كان يتمنى لو أنه لم يذكر القرآن أو يعرضه أمام المكييّن أبداً، كما ونلاحظ سمات الشك والندم:
{كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 2]
{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [هود: 12]
{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى} [طه: 2]
في سورة الأنبياء يعترف محمد بشكل غير مباشر بفشله ويصرّح بوضوح بما ظنّه العرب به وبقرآنه: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} [الأنبياء: 5]
حسب الآية في الأعلى، وصف العرب القرآن كأضغاث أحلام، أو هلوسات وافتراءات، وطلبوا من محمد أن يقدّم لهم دليلاً مقنعاً كما فعل الأنبياء الذين جاؤوا من قبله. وهذا دليل واضح على أنّ العرب لم يعتقدوا أنّ القرآن دليل أو معجزة كافية بأن يؤمنوا بما جاء به محمد. وهذا الدليل يناقض ما يذهب إليه معظم المفكّرين الإسلاميين، فالعرب لم ينبهروا بالقرآن عندما سمعوه، وقد لاحظ عرب مكّة الفطنون والأذكياء أسلوبه المتدنّي ودون المستوى. وقد استنتجوا من فورهم وبشكل مباشر أنّ محمد قد اختلقه، وأنه لا وجود للوحي المنزل.
كان العرب لديهم علاقات واتصال دائم مع الأمم والحضارات المجاورة، كما أنهم كانوا على اطّلاع جيد بالمعتقدات الدينية القديمة. والأفكار التي جاء بها القرآن لم يكن جديدةً عليهم، بل كانوا يعرفونها جيداً، حتى أنهم وصفوها بأنها أساطير الأولين {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [النحل: 24]. لم تخفَ عنهم تلك الأمور أو تمرّ مرور الكرام، لذلك واجهوا محمد بحقيقة تعاليمه، وأخبروه أنهم يعرفون بأنها مجرّد أساطير ابتكرتها أمم قديمة.
هنا المزيد من الآيات الملفتة للانتباه في سورة يونس حيث يصف القرآن بوضوح الطريقة التي عبّر فيها العرب عن استهجانهم للغته الرديئة. لقد طلب العرب من محمد وبصراحة ليكفّ عن هذا الجنون وأن يقول شيئاً مفيداً وعلى مستوى رفيع. وعندما فشلوا في إقناعه، اقترحوا عليه بعض التصحيحات والتعديلات على كتابه ليكون مقبولاً أكثر. إلا أنّ ردّ فعل محمد كان أنه قال بأن القرآن كامل وليس فيه عيوب وأنه أنزل إليه من عند الله، وأنه مدوّن على اللوح المحفوظ في السماء منذ الأزل ولا يقبل أي تعديل أو تغيير، وذلك كان أفضل إجابة يستطيع تقديمها لهم. وكان يتوقّع أن يشاركه الجميع رأيه هذا بشأن قرآنه. وكان آخر شيء يرغب بسماعه هو أنّ قرآنه مليء بالأخطاء والهفوات والتناقضات الفادحة والتعديلات _حسب اعترافات اثنان من أهم كتبة الوحي فيما بعد: أبَيْ بن كعب وعبد الله بن أبي سرح الذي أمر محمد يقتله ولو تعلّق بأستار الكعبة.
تخيّل عزيزي القارئ نفسك وقد كتبت أطروحة من المفترض أن تكون هامّة وأنها ستغيّر وجه العالم، وأنك تقف أمام لجنة علمية محترمة مؤلّفة من كبار العلماء والمفكّرين لمناقشة أطروحتك، وبناء على مناقشتك لأفكارك، والطريقة التي توصّلت بها إليها، سيتمّ تقرير ما إذا سيتمّ اعتماد أبحاثك كمراجع قيّمة، أم رميها في أقرب سلّة مهملات، وسيكون مصيرك الرسوب المحتّم. وعندما يبدأ أعضاء اللجنة بطرح الأسئلة عليك، كل ما عندك لتجيب عليهم هو: صدّقوني رجاءً، هذا ما أوحى الله لي، وما أنا إلا رسول نقلت إليكم رسالة ربي بالحرف الواحد. أرجوكم صدّقوني. هل سيصدّقونك ويأخذون أفكارك تسليماً واقتناعاً؟
أتخيل كيف سيكون ردّ أعضاء اللجنة، هذا إذا لم يرموك خارجاً من فورهم؟!!!
الآية التالية تصف اللحظة والطريقة التي وقف فيها محمد مصعوقاً ومحرجاً وضعيف الحجّة أمام جماعة المفكّرين الذين جابهوه. {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15] نلاحظ أنه لم يكن مستعداً أو جاهزاً للرّد على التعليقات والمسائلات النقدية المحرجة التي واجهه بها أناسٌ مفكّرين ذوي عقول مثقفة ونيّرة. وكما يتبيّن من جوابه: لقد تفاجأ حقاً، ارتبك تماماً، وأحرِج. حيث كان من المتوقع أن يقف محمد بثبات وقوّة أثناء الدفاع عن قرآنه، ويبرّر أو على الأقل يوضّح الغموض والأخطاء والهفوات التي وردت فيه. إلا أنه بدلاً من ذلك، تراجع بلا حياء، وأرجع ذلك إلى الله! وعندما أصرّ المكّيّون عليه ليحصلوا منه على إجابة مقنعة، كان ردّ محمد معيباً للغاية: ليس باستطاعتي أن آتي بأفضل من ذلك، لا تلوموني على ذلك، فأنا مجرّد رسول وأطيع ربي!.
بناءً على تلك المناظرة، تمّ كشف أكاذيب محمد وادّعاءاته. وقد استهزأ به هؤلاء المفكّرون بسبب عجزه عن الدفاع عن أقواله أو تبرير مزاعمه. فقد عانى من هزيمة فكرية وإحراجاً اجتماعياً. وقد فهم الله طبيعة محمد، وأنزل عليه الآيات التالية:
{وَإِذَا رَآَكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} [الأنبياء: 36]
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31]
بقي محمد في مكّة قرابة خمس سنوات بعد تلك المناظرة، لكنّ نشاطاته خمدت بشكلٍ كبير حتى كادت أن تتوقف. وبعد أن اكتشف المكّيّون شخصيته الحقيقية، وحقيقة مزاعمه، عاملوه شخصٍ مجنون وولّوا عنه مبتعدين. ولم يكن من أمره شيئاً سوى أن يقول لهم: أنا لست مجنوناً، لقد نزل عليّ القرآن من عند الله عن طريق جبريل {صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 22- 23].
إلا أنّ المكّيّين كانوا يحترمون حقوقه المدنية. ولم يروا فيه بأنه يشكّل خطراً عليهم أو على مجتمعهم. فلم يمسّه بسوءٍ وتركوه بحالة مع أحلامه وخيالاته، وسمحوا له بالإيمان والاعتقاد بما يراه هو مناسباً. وورد ذكر ذلك في القرآن في الآيات التالية:
{ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} [الدخان: 14]
{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 36]
{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} [الطور: 29]

لم تكن تلك هي المرّة الأولى التي تعامل فيها عرب ما قبل الإسلام مع أمثال محمد، فقد ظهر الكثير من الأشخاص الذين ادّعوا النبوّة والوحي. ففي تلك الفترة كان ادّعاء النبوّة عملاً مزدهراً في شبه جزيرة العرب، ونلاحظ ذلك من كثرة الذين ادّعوا النبوّة في تلم الفترة: الأسود العنسي، مسلمة الحنفي، سجاح... إلخ. وكان العرب واعين ومدركين أنّ أيّ رجل يمكنه ادّعاء النبوّة، لكنّ ادعاءاته تموت معه. لذلك تجاهلوا محمد كما يتجاهلون أيّ رجلٍ آخر مدّعي. وقد نجحت هذه الاستراتيجية أثناء إقامة محمد في مكّة. وبذلك تعطّلت دعوة محمد وكادت أن تموت في مهدها، حتى أنّ محمد وصل على درجة أن حاول فيها الانتحار، والدليل على هذا المذهب نجده بين صفحات القرآن، الكتاب الموثوق والمقدّس للمسلمين:
{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6]
{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3]
نزلت هاتان الآيتان في مناسبة حاول فيها محمد الانتحار بعد أن طلب منه المكيون أن يأتِ لهم بمعجزة حتى يؤمنوا به، لكنه لم يستطع، وظلّ واقفاً كعادته، وأرجع الأمر إلى الله، فسخروا منه ومن دعوته، فصعب ذلك على محمد وقرّر الانتحار، إلا أنه تراجع فيما بعد وسلا الله عنه.
على كل حال، تغيّرت أوضاع محمد بشكل دراماتيكي عندما قابل أناساً من قبيلتي الأوس والخزرج من يثرب. هؤلاء السذّج والأغبياء سمحوا لمحمد وأتباعه بأن بالإقامة بمدينتهم. ولم يلزم الأمر سوى بضعة أشهر حتى استولى محمد على المدينة التي من المفترض أن يكون ضيفاً فيها. ثمّ استغلّ المصادر والموارد التي أصبحت متوفرة له الآن لتأسيس مدينته. ولم يعد للأوس والخزرج أي دور يذكر في التاريخ الإسلامي، وقد اختفى اسمي القبيلتين بشكلٍ كامل خلال جيل واحد بعد أن سلّموا مدينتهم لمحمد على طبق من الذهب.
قصّة المناظرة في الأعلى تقول كل شيء عن الإسلام والطريقة التي بدأ بها. لقد خسر محمد معركة فكرية كما يخسر المسلمون معاركهم الفكرية في الوقت الحاضر، إلا أنه ربح الحرب في النهاية بفضل سيفه ورمحه وإلهه الذي برّر له كل أفعاله، وآمل أن يفشل المسلمون في ذلك أيضاً.
لم ينسَ محمد الإحراج والإذلال الذي تعرّض له في مكّة تلك الفترة، ذلك الجرح النفسي الذي لم يشفَ منه وظلّ يعاني منه حتى بعد أن غزا مكّة، وقتل وأرهب كل من عارضه. من المحزن، ولكن كان ذلك متوقعاً سلفاً، عاد محمد إلى مكّة متسلّحاً بسيفه لتصفية حساب قديم. وكسيد من أسياد الحرب، كانت أولوية محمد الأولى هو قتل جميع الرجال الذين حاوروه وأحرجوه وكشفوا جميع الأخطاء والهفوات والتناقضات في كتابه العزيز.
ختاماً، أعتقد أنّه طالما أنّ الإسلام ما زال قائماً، فسيظلّ السيف أقوى من القلم.



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة لجميع الناس... (الحلقة العاشرة)
- الفلسفة لجميع الناس... (الحلقة التاسعة)
- الفلسفة لجميع الناس... (الحلقة الثامنة)
- الفلسفة لجميع الناس... (الحلقة السابعة)
- مع ألبير كامو ضدّ المقصلة 2
- مع ألبير كامو ضدّ المقصلة 1
- الفلسفة لجميع الناس... (الحلقة السادسة)
- الفلسفة لجميع الناس... (الحلقة الخامسة)
- الفلسفة لجميع الناس... (الحلقة الرابعة)
- الفلسفة لجميع الناس...(الحلقة الثالثة)
- الفلسفة لجميع الناس (لحلقة الثانية)
- الفلسفة لجميع الناس (الحلقة الأولى)
- فيروس العقل: ليس مجرد كتاب
- من الإنجيل إلى الإسلام: مقابلة مع كريستوف لوكسنبرغ
- حدذ الرّدّة وحقوق الإنسان... ابن الورّاق
- الإسلام والإرهاب الفكري... ابن الوراق
- الحور العين، وما أدراك ما الحور العين؟!... ابن الورّاق
- العار في الإسلام: نزع حجاب الدموع... ابن الوراق
- تهافت المقال: مقالة محمد علي السلمي أنموذجاً
- الحوار المتمدن... إلى أين؟


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - حدث ذات مرّة في مكّة