سلمان ع الحبيب
الحوار المتمدن-العدد: 2899 - 2010 / 1 / 26 - 23:34
المحور:
الادب والفن
الإبداع إن صحّ التعبير نوع من الجنون ، فصاحبه يشذ عن الآخرين في أقواله
وأسلوب تفكيره ممّا يجعله غريباً مختلفاً و في صراع حادّ مع داخله . واختلاف
المبدع وغربته بالإضافة إلى طموحه وحبه للتغيير وتضحيته بوقته وبراحته ، وكذلك
تعبه الذهني والنفسي والجسدي واستغراقه في التفكير ؛ كل ذلك عوامل تجعل المبدع
في صراع دائم مع ذاته ، وفي مساءلة دائمة مع نفسه وفي عتاب داخلي وتأنيب للضمير
وخوف من المستقبل وتحسّب للنقد والهجوم الذي يشنه الآخر؛ لذا فإنّا لا نعجب إن
رأينا المبدع في حالة قلق وتوتر واكتئاب وخوف من المجهول .
إذاً فالمبدع غريب مختلف يكاد يصفه الآخر بالجنون إلا أنه يرى ما لا يستطيع
كشفه الآخرون لذا فلا يضير المبدع تلك النظرة العاجلة ، وفي ذلك يقول إيليا أبو
ماضي :
يا نفس لو كنتِ ترين الشؤونْ كما يراها سائر الناسِ
لما رماني بعضهم بالجنونْ ولمْ أجدْ في الناسِ من باسِ
ذات المبدع حمم بركانية ، لا تهدأ حركتها ولا يخمد بركانها ، وما يخفّف من
وطأتها هو الإنتاج الإبداعي لذا فإن الإبداع هو نوع من التسامي لا على الطريقة
الفرويدية التي جعلت الإبداع تسامياً على الغريزة الأولية الحسية ، ولكنه تسامٍ
للتخلص من شعور التوتر والقلق الذي يثير نفس المبدع ، ومن هنا فالإبداع الشعري
هو عصاب كما تزعم مدرسة التحليل النفسي ولا أظن مبدعاً يخرج من دائرة المعاناة
التي يمكن لنا أن نسميها المعاناة الدافعة التي تعدّ سبباً للإنتاج ، وراحة
المبدع فيما ينتجه من ألوان فنه لتخفيف حدّة التوتر، وفي هذا نلمح قولاً لإيليا
أبي ماضي :
أنشودةٌ في ضميري كم أواريها
وما شفائي إلا أن أغنيها
ولعلّ الشاعر صلاح عبد الصبور استطاع أن يعبّر عن هذا الصراع إذ يرى أن الشعراء
ينظرون إلى الحياة في وجهها كاملة فيختلط في همومهم الميتافيزيقيا والواقع
والموت والحياة والفكر والحلم وتثقل تلك النظرة الكاشفة الثاقبة على نفوسهم
لذلك فإن في حياتهم لحظات من اليأس المرير أو الاستبشاع الشامل للواقع والطبيعة
.
وأخيراً نقول : ( لله في خلقه شؤون ) فهو خالق الجمال من أسباب الشقاء؛ فيهب
للفنان القدرة على وصف الجمال ومتعة الإحساس به وهو يحتاج إلى تلك المتعة التي
غرسها في قلوب الآخرين .
* سلمان عبد الله الحبيب ( أديب وناقد وباحث )
#سلمان_ع_الحبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟