أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد الحريزي - نداء طائر((الحجل))















المزيد.....

نداء طائر((الحجل))


حميد الحريزي
اديب

(Hameed Alhorazy)


الحوار المتمدن-العدد: 2899 - 2010 / 1 / 26 - 14:34
المحور: الادب والفن
    


منذ أن غادرنا ((أبو إسماعيل)) مصطحبا معه فرخ الحجل :- أنيسي ورفيق شقاوات يومي، يطأطئ...خلفي.. ينط أمامي ..يتدحرج بين أقدامي ...أناديه فيأتيني مسرعا مرفرفا بجناحيه الصغيرين الملونين ليتلقف من يدي بقايا الحشرات وحبوب الحنطة التي كانت طعامه اليومي منذ أن وقع في اسري أثناء إحدى غزواتي لغابة شجيرات العاقول في ارض سيد ((عبيد)) المتروكة بورا.
كنت ارجع دائما بغنيمة جيدة من بيض الدراج ((الحجل)) حيث كان يبني أعشاشه في مثل هذه المناطق المتروكة أو حقول ألقمح اليابسة، كنا في فجر وغسق كل يوم نستمع إلى أصوات ديوك الحجل وهي تتنادى بأصوات جميلة معلنة عن وجودها وبدء أو نهاية يوم من حياة الكائنات الحية، حيث تشبه أصواتها أصوات أبواق معسكرات الجيش في التعداد الصباحي والمسائي ولكنها لا تنطلق في لحظة واحدة ،فتبدو متلاحقة أو متنافرة كأصوات المآذن في الصبح والظهيرة والمساء ، فالحجل يرقب الإنسان ويجاوره ويحاوره ولكنه لا يستأنسه ولا يرضخ لتدجينه، ولكني استطعت ان ادجن ((مشمش)):-
وهو الاسم الذي أطلقته على طير الحجل الصغير، الذي سلبه أو بالأحرى صادره مني أبو إسماعيل الشرطي الزائر غير المرغوب فيه ،ورغم ذلك يستقبل بمهابة واحترام وهذا بسبب خوف القرويين من السلطة ممثلة بشرطتها، لقد لحظ الشرطي حركات ((مشمش)) الطريفة والظريفة وهو ينط خلفي مزقزقا فارشا جناحيه كلما ناديته مقلدا صوت طيور الحجل مكونا لديه فعل انعكاسي لتناول الطعام من يدي وأنا لا أخيب ظنه فألقمه بما جمعت له من الديدان والجراد ، طلبه الشرطي من والدي كي يأخذه لابنه ((فرهود)) ليتسلى به، فأذعنت للطلب تحت ضغط وتهديد والدي فأبو ((إسماعيل)) لا يرد له طلب في قريتنا ((غالي وطلب رخيص)) كما كان والدي يقول للشرطي وهو يسلمه ((مشمش)) بعد أن أخذه من يدي.
فما أن حل المسا ء أحسست بفراغ كبير حالي كحال من افتقد صديق أو أخ عزيزا على قلبه ، مما جعلني اعرض عن تناول طعام العشاء مع الأهل وعدم الاستماع لحكايات خالي عن بنت السلطان وحكايا الإنس والجان في ((كان يا ما كان في سالف العصر والزمان))- هذه الحكايات التي كنت ألح على خالي كلما زارنا ليحكيها لنا فنجلس أنا وإخوتي وأمي وأبي لنستمع إليها بشغف وانبهار وتأثر بالغ وكأنها قصص حقيقة نظل نحلم بها طوال الليل وأثناء النهار، فغالبا ما تسألني أختي صباحا أن أتلمس ضفائرها وهل إن إحداها ذهبا والأخرى فضه..و...و..و..و إما أنا فكم تخيلت نفسي أميرا بالغ الحسن والجمال وخارق القوة والسطوة وأنا امتطي ((حمارنا)) الأبيض ممسك بإحدى يديَّ لجام ((الحصان الأبيض)) ومحتضنا بيدي الأخرى الأميرة الحسناء ابنة سلطان الجان بعد أنقذتها من خاطفيها ....
أثار وضعي هذا وإعراضي عن تناول الطعام و عن الاستماع للحكايات الأثيرة على قلبي استغراب الأهل جميعا وخصوصا والدتي حيث قالت:-
ولك يمه ((عنيد)) ما تكَلي اشبيك ضيج خلكَك، خاف مريض، مصخن، طوقت بكفها معصم يدي، ثم وضعته على جبهتي متحسسة درجة حرارة جسمي!!
الحمد لله مو مصخن ، دخليك يبو فاضل العباس، يمه بسلا صبابتك عوينه يبعد أمك؟؟؟!!!.
لم استطع إجابتها وأنا أغص بعبرتي ،غطيت راسي باللحاف دون أن أرد على تساؤلاتهم، وأطلقت العنان لدموعي الحبيسة وأنا أتصور حال ((مشمش)) الصغير بيد ابن الشرطي وماذا عسا ه أن يفعل به!!!!!
((طططط..طط.ط أحسست أن شيئا ناعما يمسح الدمع عن عيوني ويداعب شفاهي بنقرات ناعمة متلاحقة ودوده، يالله ها قد عاد إلي((مشمش)) الوفي الجميل كدت إن أطير من الفرح، ففرشت له كفي كي يستقر فيه ويكون قبالة وجهي ليكلمني وأنا أسائله:-
ماذا حصل لك بين أيدي الغريبة ياعزيزي وصديقي(( مشموش))؟؟
-ماذا عساني أن أقول لك وبأي شيء يمكن أن اصف لك حالي بعد أن تخليت عني، وأنا الذي خالفت عادات أهلي ورهطي وعشيرتي وأبناء جنسي من الحجل ورافقتك وأخلصت لك ولم استجب لنداءات عشيرتي في الصباح والمساء وهم يدعونني للالتحاق بهم وان لا أأمن غدر بني الإنسان....لم أكن أظن انك ستتخلى عني مهما حصل وأنت تطعمني بيديك الحنونتين وتدثرني معك لحمايتي من البرد أو تطاول القطط والكلاب... فكيف تمنحني هدية مجانية لهذا الكف الغريب؟؟؟، ما أقساكم بني الإنسان، إن هربنا منكم نصبتم لنا الشباك والفخاخ والمصائد لاصطيادنا وقتلنا، وان ألفناكم وتقربنا منكم أسلمتمونا لمن لا يستحقنا ولا يرعى لنا قيمة ولا حقوق، تضحون بنا في فرحكم وحزنكم وغضبكم ولهوكم.
- أتعلم إن فرهود ابن الشرطي وضعني في قفص ضيق نتن واخذ يطعمني بقطع من اللحم والسمك ظنا منه إني من أكلة اللحوم مثله واني إن أكلتها سأكبر بسرعة لأصبح بحجم الخروف كما اخبره بذلك والده هازئا به لسذاجته .
- أتعلم يا عنيد إن فرهود كان يشكني ب((سيخ)) من الحديد حينما تعاف نفسي ما يرميه علي من أكل، وحينما التف على نفسي غير قادرا على حركة أجنحتي ولا مزاج لي للزقزقة..كما كنت افعل حينما أنط خلفك ونمرح في البستان والمرج الأخضر الجميل ... ألا تذكر يا((عنيد)).
أتعلم إن فرهود يخرجني من القفص ويرميني إلى الأعلى عدة مرات طالبا مني الطيران!!
- أتعلم يا ((عنيد)) إن وحشيته وساديته بلغت به أن يلهب ذنبي وظهري بعود مشتعل كي اهرب أمامه ليفتح شدقيه مع والديه وهم يضحكون من خوفي ورعبي وهلعي!!!؟؟؟
- أتعلم انه كان يمسكني من ((عرفي)) ليجعلني أتدلى ملتفا حول نفسي يمينا ويسارا من شدة الألم والأذى من هذا الفعل في الوقت الذي كان يردد جذلا وفرحا مع والديه ((شلون أمك تركَص بالعيد ..شلون أمك تركَص بالعيد)) متصورين دوراني رقصا !!!!
- - أتعلم إن راسي بين فكي كلب ((فرهود)) وجسدي يشوى فوق نار تنور أم فرهود... لأنها توحمت بلحم ((حجل)) مشوي.
- مشمش،وعي تنزل مدرارا وأنا أتأسى لحاله وسوء مآله وما جرى له ضممته لصدري وقد بللت دموعي ريشه الناعم الجميل، واعدا إياه أن لا افعل مثل هذا ثانية أبدا وسأعوضه عن كل ما فاته ، وضع منقاره على صدري واسلم نفسه لنوم عميق)).
- مشمش ، مشمش أين أنت مشمش لم لا تصدقني مشمش؟؟ أين هربت أين ذهبت مشمشششششششششششش...
- أبعدت الغطاء عن وجهي تأكدت أن مشمش غير موجود بجانبي، قفزت من فراشي...متجاهلا صوت أمي بعد جلست من نومها فزعة وهي تحاول أن تمسكني وتهدئ من روعي
- اصملله اسم الله يمه عنيد هاي شبيك ..
- ..وينه مشمش وينه من باكَه مني وين راح بالليل جان وياي بسلا باكَه مني الشرطي أبو فرهود مره ثانيه...بسلا أخذه لفرهود...مشمممممممممممممممش.. ولك حبيب مشموووووووووووووووووووش............
- افلت من يد أمي وخرجت مهرولا خارج البيت وأمي تلاحقني
- -اسم الله ...اسم الله يمه القرعان عله كَلبك،،، يامشمش يا شرطي يا فرهود....يا تنور
- يمه هسه أبوك يروح للصيد ويجبلك عشره مجان مشمش...
- هه هههههههه اسمعي يمه اسمعي هاي ديوجت الحجل... أتصيح أتريد ابنيّه مشمش... أتصيح أتريد مشمِِششششششششش؟؟؟!!!.
- ولك يمه هاي اصارلك احنه ماسو ينه هجي حتى عله ((سعدان)) حولينه الحلو من باكَوه من عدنه الحراميه أول العام...
- يا ربي سترك ...... يا أبو فاضل دخيلك ..أيصير هذا الطَوير جني وطب براس الولد... اصملله يمه صورة ياسين عله كَلبك... كانت تحاول الإمساك بي وهي تردد دعواتها للأمة والأولياء وتترجاهم ليمنوا على بالشفاء...ثم توجهت صوب كربلاء مخاطبة الإمام العباس (ع):-
- يا بو فاضل .. .يا بو راس الحار ..يا كفيل زينب .. ياعزيز الحسين ... إلك عليَّ نذر اذبحلك أربع ((مخاصي)) بس تشافي بنيّ((عنيد)) وتر دله عكَله!!!
- بعد أن سمعتها أحسست وكأني اسبح في نهر من دم هذه الديكة النذور وهي ترفس وتزعق تحت أرجل ذباحيها تستنجد، تترجى ، تذكر بالألفة والعشرة دون جدوى فقد قطعت السكين رقابها وهي تنظر إلي بنظرة لم استطع فهمها هل هي نظرة عتاب أم وعيد وانتقام لاني سبب ذبحها وفناءها، وعندها غبت عن الوعي ولم استطع الكلام ولم افتح عينيَّ ألا في مساء اليوم الثاني وأنا في حضن أمي في مستشفى المدينة؟؟!!!!
- نهضت راكضاً كالملدوغ تاركاً حضن أمي وكأني أطير وأنا أصيح:-
- إليكم إليكم خذوني إليكم أنا ((مشموش)) أنا ((مشموشكم)).. فما عدت استطيع العيش في مكان يضم شرطي وسكين، خذوني معكم يا طيور ((الحجل))، ط ط ط ططططططططيط.



#حميد_الحريزي (هاشتاغ)       Hameed_Alhorazy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- للوقاية من السكر والامتناع عن المنكر
- الظاهر والمستتر حول عسر ولادة قانون الانتخابات البرلمانية ال ...
- أجري اللازم - قصةقصيرة
- وفق اية آليات سنشارك في الانتخابات البرلمانية االقادمة؟؟؟
- اجري اللازم -قصة قصيرة
- الاسلام السياسي في ميزان العصر
- أرض الزعفران - قصة قصيرة
- الانتخابات البرلمانية القادمة - المواطن لعراقي يفتش عن بديل
- من فوازير العولمة الراسمالية( ماهي المادة المحللة على الجار ...
- هل سيكون للعمال قائمتهم الانتخابية الموحدة؟؟؟
- المتقاعدون خارج القرعة؟؟؟!!!
- شوربة ((لبه))؟؟!!
- في اي قطار سيركب اليسار في الانتخابات القادمة؟؟؟
- ((غيرة ))كلب
- متى يولد حزب ألمتقاعدين؟؟؟
- ماكانوا يوما...ولن يكونوا
- حيوان مسعور او ارهابي مسحور؟؟؟
- لسنا بحاجة للمزيد من القيود
- لانريدها من دون ماء
- رحلة استكشاف المعنى عبر ثنايا نص رواية((الزمن الحديدي)) لعبد ...


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد الحريزي - نداء طائر((الحجل))