أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد الحريزي - الاسلام السياسي في ميزان العصر















المزيد.....



الاسلام السياسي في ميزان العصر


حميد الحريزي
اديب

(Hameed Alhorazy)


الحوار المتمدن-العدد: 2804 - 2009 / 10 / 19 - 14:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدين والسياسة
الإسلام السياسي في ميزان العصر
حميد لفته الحريزي
المقدمة:-
((غير الصحيح ليس في الدين ولكن موقفنا الذي يذهب مع تقديس الدين إلى تقديس الحلول والمواقف التي قدمها الدين في زمانه ومكانه وظروفه التاريخية المحددة بواقعها وزمانها،بحسبانه حلولا ومواقف صالحة لكل مكان وكل زمان))(1)
لم تكن الديانات أمرا طارئا أو زائدا في حياة الإنسان منذ استطاع أن يعي نفسه عبر تاريخ تطوره ونشؤه الطبيعي الذي لازال مستمرا لحد الآن، بل هي حاجة روحية وجد الإنسان فيها شعائر وطقوس وممارسات يمكن إن تعيد له التوازن والقدرة على العيش في صراعه المرير مع قوى الطبيعة المختلفة، هذه القوى التي يرى انه عاجزا عن مواجهتها بقواه الذاتية الخاصة،فما عليه إلا أن يبتدع مؤمنا بمناصرة ومؤازرة قوى قاهره في مواجهة هذا الأخطار،أو عن طريق دفعها للاشتباك فيما بينها والتخلص من شرورها،كما أن تجربته الناجحة في تدجين بعض الحيوانات المتوحشة اوحت له طريق تقديم المكافآت والرشا وما يسمى بالقرابين والنذور للفوز باسترضاء الخارق المتوحش وكف شروره ناهيك عن مناصرته ومساعدته للإنسان في تحقيق غاياته وأهدافه.
وضمن مسيرة التطور الإنسانية يبدع بعض الأفراد من الإناث أو الذكور في طريقة أداء مثل هذه الطقوس والشعائر نظرا للياقتهم البدنية أو لتميزهم في امتلاك القدرات التمثيلية وتماهيهم وذوبانهم في مثل هذه الطقوس أو الشعائر وإيمانهم المطلق بها،كما إن البعض منهم قد خدمتهم الصدف أو خلق لهم الآخرون الفرص المواتية ليحق لهم القول بأنهم الأكثر قربا للآلهة أو هو الفرد المختار والمفضل لديها مما يستوجب على الآخرين إن يجعلوا منه وسيطا بينهم وبين الإلهة ولا باس إن يكون ابن الآلهة أو إن روح الآلهة تسكنه وقد يكون هو الإله ومخالفته أو عصيان أوامره أو التقاعس في عبادته وعدم تقديم النذور والقرابين له يورث للإنسان العذاب والمرض وقلة الرزق وسخط الطبيعة كالفيضانات المدمرة أو انحباس المطر المميت أو انتشار الأوبئة الفتاكة،ولكن الملاحظ إن الإنسان كلما استطاع أن يضع يديه على احد أسرار الطبيعة وأسباب ومسببات الظاهرة الطبيعية بدأت هيبة ونفوذ الإله ووكلاءها ما يتضاءل وبصورة فردية مع عظم وقوة التطور العلمي والتقني للإنسان وأحكام سيطرته على أمه الطبيعة وفتح مغاليق أسرارها.

تطور قدرات الإنسان العلمية.
-----------------------------.
أيقن إن الأرض تدور وقد اعتلى الإنسان ظهر الإلهة القمر، أمطر السماء في عز الصيف وحجب المطر في الشتاء واخذ ينزله حيث يشاء اجتازت البواخر المحيطات والبحار وظهرت معجزة ألهاتف والكهرباء والقطار البخاري والبنسلين وتم قهر الكوليرا والطاعون والجدري والتدرن والملا ريا، كل هذا سبب وهن وضعف قوى الطبيعة وقوى الاستبداد البشري أدى إلى رفع يد الملوك والأباطرة والقياصرة و رفع أيادي أبناء ووكلاء الله على الأرض ليتحرر الإنسان من القيود والممنوعات والمحرمات وكسر صولجان الكاهن الذي اخذ يعيق حركة التطور .
كفاح الإنسان للتخلص من ضياعاته:-
**************************************
إن خلاص الإنسان من ضياعه الأول حينما انفصل عن أمه الطبيعة ووصايتها وجبروتها عليه ليحكم سيطرته عليها ويوظفها لصالحه كان خلاصه من ضياعه الأول، إما الضياع الثاني حصل بفصل الإنسان عن القطيع البشري عن أخيه الإنسان والتخلص من عبوديته المباشرة لينطلق فردا حرا يبني ويطور ويفكر ليحقق قفزات عملاقة في مجال العلم والمعرفة والتقنية الفائقة مما جعله بالتالي يضيع ذاته مخلقا آلهة جديدة وهي آلهة ((رأس المال)) والهة العمل المأجور هذا الذي يستميت من اجل تأبيد عبوديته لرأس المال والملكية الخاصة المغمسة والمشبعة بدماء أخيه الإنسان وفي هذه المرحلة إنما يكمل الإنسان بناء سفينة((جده)) نوح سفينة خلاصه الحقيقي من طوفان عصر العولمة الرأسمالية المتوحشة باعتبارها المرحلة الأخيرة في حلقات تطور الامبريالية وعندها يبدأ الإنسان تاريخه الحقيقي لينعم في فضاء الحرية الحقيقية محققا شعار ((من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته)) وهو مبدأ يرى الكثيرون بأنه شبه مستحيل ولكننا نقول إن دراسة واقع عائلة عراقية متحابة ومتضامنة وخصوصا من العوائل الفقيرة في الريف والمدينة يمكننا إن نلمس لمس اليد واقعية هذا الهدف وسريان مفعوله والعيش في ظله لكل أفراد العائلة حيث يعطي كل فرد منهم ما يستطيع عليه من مردود العمل والجهد ويحصل كل منهم ما لا يزيد عن حاجته أسوة بغيره كبارا أو صغارا نساء أو رجالا أصحاء أو مرضى متعلمين أو أميين وهذا يدحض ادعاءات حراس الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والعمل المأجور بكون الاشتراكية إنما هي طوبائية مستحيلة التحقق على الواقع الإنساني .
سر خضوع الإنسان ل((المقدس)) في عصر العلم:-
****************************************************
في خلال هذه الفترة الانتقالية نرى مفارقات تدعو للتأمل والتساؤل كي لا نحس إننا نقع في متاهة تناقض قوانين النظرية والنظر فبماذا نجيب عن السؤال التالي:-
وفقا لما تقدم يتوجب اختفاء مظاهر الخضوع للأشخاص أدعياء الالوهة أو وكلاءها وإنهاء مرحلة التقديس لبعض بني الإنسان من البعض الآخر، ولكننا نرى إن الياباني قمة التطور العلمي والتقني والتكنولوجي يخر ساجدا أمام الإمبراطور معتقدا إن دما مقدسا يجري في عروقه ، والمعصوم أو وكيله يجب أن يكون مطاع من قبل الجميع وهكذا؟؟
إن الرأسمال لا يمكن أن يغادر عرش الملكية الخاصة ويترك سطوته الجبارة على الإنسان وهو صاحب الثروة المعرفية الكبرى والتجربة في مكامن ومخابئ النفس البشرية ،لابد أن يلبس قناع القداسة ليخفي وضاعته وقسوته كمصاص لدماء البشر محولا الدين إلى ايدولوجيا تلبسه وعيا مزيفا كما أشار إلى هذا الأمر بوضوح تام السيد احمد القبنجي مشيرا إلى خطر الايدولوجيا قائلا((أول ن أشار إلى خطر الايدولوجيا وان الإنسان الايدولوجي يعيش حالة من الغربة عن الذات الأصلية هو "كارل ماركس" حيث ذهب إلى إن الإنسان قد يعيش حياة كاذبة ويتوهم انه يدرك حقائق الأمور، انه وعي زائف ومن قبيل الدجل المركب وهو إن الشخص لا يعلم بأنه لا يعلم ويتصور انه يعلم ، فهذه هي الايدولوجيا التي نجعل الإنسان يعيش بأفكار موهومة مترابطة فيما بينها وتدفع الشخص إلى المسير باتجاه معين كما يريده أصحاب المطامع والفئات السلطوية، وهذا حال الدولة الدينية مضافا إلى أنها تتحرك ضمن منظومة من الأفكار الماضوية ومدفوعة بدوافع ايدولوجية معينة فأنها تدفع الناس أيضا بهذا الاتجاه وتعمل على تعمية الواقع وتشويه الحقائق من اجل حفظ مكانتها في قلوب الناس وحفظ الامتيازات السياسية التي اكتسبتها من خلال الضرب على وتر الين والمقدسات))(2) ولكن وكما يذكر((الدين الأمريكي بقي في مجتمع صناعي في مقابل إن يصبح علمانيا))(3).
فالتطور البشري على مستوى المعمورة أدى إلى توحد آلهة الخير والعدل في اله واحد احد وجعل من الإنسان مثله يقل للشيء كن فيكون، في حين توحدت آلهة الشر بمختلف أشكالها وتقسيماتها وألوانها في آلهة واحدة متحدة موحدة إلا وهو اله المال ورأس المال المولود من رحم الملكية الخاصة.
ونظرا لكون عورته مكشوفة ومراميه معروفه فانه يتخفى وراء بعض رموز وهياكل مراحل التطور التوحيدي لآلهة البشر الممثلة بالكهان والخلفاء ووكلاء المعصومين كما ينقل احمد القبنجي عن صدر الدين القبنجي قوله في المذهب السياسي في الإسلام(ط2 ص269) (( سلطة نائب المعصوم وولي الأمر في عصر الغيبة فهي الأخرى لا تستمد من الأمة إنما سلطته سلطة إلهية ،إن الراد عليه راد على الإمام المعصوم والراد عليه كالراد على الله تعالى وهو عل حد الشرك بالله...))(4).ذوي الدم المقدس وأبناء الآلهة ليوقف عملية التطور والسمو الإنساني ويعرقل مسيرته نحو الحرية والعدل والمساواة جوهر ومخبر جميع الأديان، والتاريخ يشهد على شناعة أفعال هذه الآلهة المسخ وما فعلته بالحلاج لأنه وجد الله في جبته والسهر وردي الذي وجده تحت قدميه ، حينما تجرؤا ودعوا إلى إلغاء دور الوسيط بين الإنسان وخالقه فقط فكيف بمن يدعي إن الإنسان هو خالق معبوده الآلهة سواء أكانت متعددة أو موحده؟؟؟!!.
اتساع ثقب ((أوزون)) القيم الدينية والروحية:-
********************************************
وإذا كانت الطبيعة قد عبرت عن انتقامها الموجع لمن خرق نواميسها وثوابتها وقوانينها واستغلالها بشكل وحشي وغير عقلاني والعبث في أشكال ومضامين أبناءها والعبث في جيناتهم بشكل تعسفي غير محسوب النتائج والمدفوع بدافع وحيد ألا وهو دافع الربح، وقد لمسنا ردود الفعل الكونية على هذه الأفعال مثل جنون البقر والايدز وأنفلونزا الطيور والخنازير...والذي غالبا ما يخفى وجه المولدة البشعة لهذه الأمراض الكونية إلا وهي الرأسمالية ونظامها المبني على قتل روح الإنسان والحيوان والنبات محولة إياها إلى دولارات تدخل خزائنها التي لا تمتلئ والتي تصرخ خزانتها إلا من مزيد.
ومن هذه الشرور ثقب الأوزون واتساعه مما قد يؤدي إلى هلاك الحياة برمتها على كوكب الأرض عبر ارتفاع درجات حرارة الأرض وذوبان ثلوج القطبين وارتفاع مناسيب مياه البحار والمحيطات ليغطس العالم في لجة المياه المظلمة المتلاطمة كأول عهدها.
أما بالنسبة للقيم الروحية السامية المشبعة بها كافة الأديان السماوية والوضعية منها فان انتهاكها سيؤدي بالتأكيد إلى ردة فعل وجدانية إنسانية كبرى، فالإيغال في توسيع ثقب أوزون القيم الروحية الإنسانية سيؤدي بالتأكيد وهو كذلك الآن إلى ارتفاع درجة غليان ردة الفعل الإنسانية في كل مكان مهما حاولت شياطين وسعالي المال إن تتقنع وتتخفى خلف رموز تاريخية كانت تتمثل روح الدين وجوهره في زمنها وليس لها وجود في واقع اليوم.
إن العمل على تسييس الدين إنما هو السبب الأكبر والأكثر تأثيرا في توسع ثقب أوزون القيم الروحية والدينية و نذكر ما قاله المفكر الإسلامي السيد احمد القبنجي (( الدين سينهار تماما في حالة تولي المرجعية الدينية سدة الحكم وسيكتشف الإنسان إن الدين حاله حال الأطروحات الأخرى من حيث قصور أدواته في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية للإنسان))(5) على الرغم إن كل وقائع وشواهد التاريخ الماضي المتمثل في محاكم التفتيش وما يماثلها في عهد ألخلافه الامويه والعباسية والعثمانية والطالبانيه والقتال الطائفي الوحشي في بلادنا بعد التغيير ألا دليل دامغ لا يقبل الجدل حول صحة هذه المقولة ففي (( حملة مسلم بن عقبة ألمري لتأديب مدينة رسول الله(يثرب) ومن فيها من الصحابة والتابعين بأمر الخليفة القرشي يزيد بن معاوية ،فقتل من قتل في وقفة الحرة التي هي من كبرى،مخازينا التاريخية، إذ استباح الجيش نساء المدينة أياما ثلاثة حبلت فيها ألف عذراء من سفاح، واغتصاب علني وهن المسلمات الصحابيات وبنات الصحابة والصحابيات(فكم بالحري اغتصبوا من نساء البلاد المفتوحة؟؟))(6)
الحجاج((اعدم من العراقيين في عشرين سنة هي مدة ولايته مائة وعشرين ألفا من الناس بقطع الرأس بالسيف أو الرقبة))(7)
وليس المقال يتسع لذكر ما فعل سعيد ابن العاص عم الخليفة القائم عثمان بن عثمان في مدينة طميسة بعد فتحها وقتل كل من استسلم له ما عدى واحدا لأنهم طلبوا منه إلا يقتل واحدا منهم لو استسلموا لجيشه الفاتح!!!!.
وقصة يحيى وفتحه الموصل عندما ثارت ضد عبدا الله السفاح.
وما عسانا نقول للقائل(( فعدونا ألان والخطر الداهم على الجهاد هم هؤلاء الروافض ومعهم الحثالة من أهل السنة... افنتركهم يؤذون الجهاد وحذرا من فتنة طائفية؟؟... لقد أكرمنا الله بقتل الحكيم الذي كان يقطر خبثا ومكرا وعداوة لأهل الإسلام)) (8).
إن اهتزاز مصالح الطبقات الاجتماعية المهيمنة والمستغلة إنما يدفعها إلى التقهقر إلى الوراء وإعادة الحياة لرموز عاشت وخلقت لزمان غير زماننا فلا يمكن إن يقود ممتطي الناقة طائرة البوينج ولا يمكن لمن لا يعرف القراءة والكتابة إن ينظم برامج الحاسوب.
حيث إن هذه القوى ترى إن مستقبل التطور البشري والعلمي والتقني لا تدع لهم أية أحقية في الاستئثار بالحكم والجاه والثروة ومما يجب الإشارة إليه ان لا احد يعترض على تدين الفرد ولكن الاعتراض على تسييس الدين ، فالدين قائم على أساس المقدس الذي لا يمكن مسائلته ولا مشاكسته ولا الإيغال في تفسيره وتدويره، إنما هو قناعات إيمانية وقدسية نصوص في الإنجيل والتوراة والقرآن والزبور...الخ ولذا فهي أقوال وأفعال الأنبياء والأوصياء والرسل والأئمة يمكن أن تكون محل تطبيق بالنسبة للفرد ويمكن أن تكون مثار ترويع حينما تلبس لباس السلطة الدولة وبذلك لا يمكن أن يدخل عالم السياسة المبني على التساؤل والتبادل والمشاكسة والمعاكسة والتخلي عن مبدأ تقديس النصوص والأشخاص خصوصا في زمن الديمقراطية السياسية والاجتماعية والتعددية الفكرية والعقائدية، ففي الوقت الذي يمكن إن تتداول الأحزاب السياسية القائمة على أسس وضعية إنسانية وتتحاور وتتبادل المواقع والمسؤوليات ، فان الأحزاب الدينية أو الدين المسيس لا يقبل ألتنازل ولا التداول لأنه يستند على القول والفعل المقدس ويأتمر بأمره وإلا سيكون تناقضا ومخالفا لمبادئه ومقدساته وفيما يخص الإسلام فان دستوره الأساس هو القرآن ولكن القرآن كما قال الأمام علي (ع) ((حمال وجوه...ومنطوق بلغة الرجال)) وفيه الناسخ والمنسوخ وفيه الظاهر والمستتر مما يعطي فضاء كبيرا للتفسير واستنباط ضمن تاريخا يستجد من حياة الإنسان العملية كل حسب هواه ومصالحه لذلك فإننا نجد العشرات إن لم يكن المئات من التفاسير للقرآن وكل مفسر يرى انه الأصح مستندا إلى مستودع هائل من الأحاديث والشواهد المروية عن الرسول الكريم الذي يختلف المسلمون أيما اختلاف في صحة بعضها ونفي الآخر بالإضافة إلى أن مذاهب أخرى استندت إلى قول الأمام المعصوم مما لا يمكن رده أو التشكيك فيه وهذه اختلفت مع بعضها حول من هو المعصوم وما هو عدد المعصومين فاتسعت رقعة الاختلاف وتنوعت الأوصاف لفرق ومذاهب المسلمين ابتداء ب ((الرافضة)) وليس انتهاء ب ((النواصب)) وكما ذكر السيد احمد القبنجي بخصوص القانون الإسلامي إن (( القانون الإسلامي رغم كونه يستوحي أصوله من الوحي ،إلا انه قانون بشري يعتمد على إفهام الفقهاء واستنباطاتهم من القرآن والسنة، والقرآن حمال وجوه كما يقول الإمام علي (ع) في نهج البلاغة،مضافا إلى إن المواد القانونية في القرآن معدودة وقليلة جدا لا تكاد تفي ببيان الكليات فضلا عن الجزئيات))(9) فالنص أسير القائل والناقل والمؤول والمفسر خصوصا إذا تم عزله عن تاريخه وموضوعه، يمكن أن يكون عسلا مشبعا بالسم أو ماءا قراحا يروي الغليل وبسبب ذلك ونتيجة للاختلاف في التفسير فقد كفر البعض الآخر وحاول تحطيمه . وفيما يلي شواهد بسيطة على تعدد الأحكام من حيث النطق ولكنها بالتأكيد ذات مرامي وأهداف مختلفة إذا أخذت ضمن تاريخ وسبب نزولها:-
التسامح
*************** .
*((ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)) العتكبوت 46
*((لا إكراه في الدين)) يونس99.
*((افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)) يونس99.
*((لكم دينكم ولي دين)) الكافرون6.
*((وليحكم أهل الإنجيل بما انزل الله فيه)) المائدة 47.
*((إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب)) الرعد 40.
*((عليكم أنفسكم لا يضركم من ظل إذا اهتديتم)) المائدة 105.

الإقصاء والقتل والوعيد
**********************.
*((إن الدين عند الله الإسلام)) 19 العمران.
*((من يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)) 85 آل عمران.
*((الغير دين الله يبغون وله اسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها)) 83 آل عمران.
*((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله)) 29 التوبة.
*((اقتلوهم حيث ثقفتموهم)) 91 النساء.
*(( فان لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق)) 4محمد
ومما تقدم يمكننا إن نؤشر نمطين من السلوك وأسلوب المعاملة للمخالف والمختلف ضمن دفة القران الكريم والشواهد اكبر وأكثر في الروايات عن النبي والصحابة منذ فجر الرسالة لحين التاريخ وهنا يتوجب من الناحية العقلانية المعاصرة المتطورة إن (( نرى ضرورة الدعوة إلى تكوين حركة تأويلية راهنة في ضوء الدعوة إلى تعميم الثقافة العقلانية والى دمقرطة التعليم في كل أوساط الأمة بحيث يغدو الاجتهاد وجها من أوجه نشاط البشر جميعا، وان ظل الأمر أكثر بروزا في نطاق المجموعات من النخب المثقفة والمتفرغة نسبيا))(10)

السند الطبقي لظاهرة الدين المسيس:-
*********************************
إن حالة الشرذمة الطبقية وركود الحراك الاجتماعي واستحالة نهوض طبقة اجتماعية مجددة ومنتجة الذي خلقته العولمة الرأسمالية المتوحشة أدى إلى تأسين المجتمعات التابعة مما أدى إلى بعث الحياة في المتحجرات والدينصورات وزحف الطحالب ذات اللون الاخضرالسائب قاتلا أي إمكانية لتفتح الزهور الملونة العطرة رمز التفتح والنماء والتفاؤل.
ومثل هذا الوضع إنما هو وسطا ملائما للغاية لهيمنة الأفكار الدينية وعاملا مشجعا لتسيس الدين من اجل إعادة بناء الجنة الموؤدة والظفر بالجنة الموعودة.
الدولة والدين:-
************
إن هيمنة الدين على الدولة وهو الهدف المطلوب من تسييس الدين أي دين كان إنما يسعى لقيام دولة ذات نظام تولتا ري شمولي فدبرت نظام استبدادي ديكتاتوري وهنا يحاول الإنسان إن يفلت من النمر ليسقط في عرين الأسد.
فالدولة ممكن إن ترعى كافة الأديان والعقائد وتتمثل في قوانينها وتشريعاتها وطريقة حكمها القيم السامية والنبيلة لجوهر الأديان ولكنها حتما ستسقط في شباك التولتارية والشمولية والاستبداد إن هي حملة اسم أيا من الأديان أو مذهبا من المذاهب ليكون دينها الرسمي. وان ما يحدث في بعض البلدان التي أعلنت أنها جمهوريات بمسميات دينية ونصب رموزها أنفسهم ولاة على العباد والبلاد بمختلف أديانهم وقومياتهم وتوجهاتهم إنما قاموا بتوسيع ثقب أوزون القيم الدينية فتمرد الناس على حكمهم بعد إن كشفت عورة ولاة الأمر وظهر مقدار حبهم للكراسي والدنيا الزائلة كما يقولون!! ولنا بما حدث ويحدث في الجمهورية الإسلامية الإيرانية مثالا معاصرا لما نقول وكما ذكر السيد القبنجي واصفا ما وصل إليه حال الشعب الإيراني قائلا(( إن الإحصاءات التي تتقدم بها دائرة الإحصاء في الجمهورية الإسلامية بين الحين والآخر تشير إلى حقائق مذهلة عن زيادة الجريمة والجنوح وتفكك الأسرة والانحطاط الأخلاقي بنسب عالية،فقبل أيام ذكر التلفزيون الإيراني إن إيران أصبحت تحتل المرتبة الرابعة في العالم في معدل ألطلاق بعد أمريكا والسويد ومصر، إما القتل والجريمة فيزداد سنويا بمعدل 20% وهكذا الحال في نسبة المدمنين على المخدرات (ثلاثة ملايين مدمن) ونسبة العطالة (2 مليون عاطل) ونسبة الانتحار وبخاصة الفتيات ((300 حالة سنويا في طهران وحدها) والبغاء (30 ألف مومس في طهران فقط) والحبل على الجرار كما يقولون))(11) .
ومن كل ما تقدم يرى العديد من حكماء ومتنوري الإسلام بضرورة رفع هيمنة الدين عن الدولة ورفع هيمنة الدولة على الدين مما يعتبر إساءة وتدخل في مهام ومجال عمل الآخر، ومن هؤلاء نصر حامد أبو زيد ومحمد أركون وسيد ألقمني وأياد جمال الدين واحمد القبنجي وضياء الشكرجي وسروش وشريعتي بلا ضافة إلى جمع العلمانيين واللبراليين واليساريين وغيرهم.
وهنا نرى خطل أو عدم دقة مقولة عزل الدين عن الدولة باعتبار إن الدين مبادئ وقيم أخلاقية سامية لا يمكن إن تتجرد منها مؤسسات الدولة وإلا أصبحت دساتيرها وقوانينها بلا روح وبلا سند ثقافي للشعب المحكوم .ولكن إذا كانت السماء يسكنها الملائكة المجردين ، فان الأرض يقطنها البشر اللذين يحملون مختلف الغرائز والطبائع كالجوع والشبع والفرح والحزن وحب التملك والسطوة والتسلط و الجنس وما إليه، وإذا كان الزمان والمكان ثابت غير متغير في السماء فان زمان ومكان وظروف البشر واحتياجاته متغير متبدلة متغيرة على الدوام،مما يستدعي إن تكون القوانين والدساتير التي تنظم حياتهم متغيرة متبدلة بشكل مستمر،وما يدعم هذا القول وجود الناسخ والمنسوخ في آيات وسور القرآن الكريم في فترة وجيزة امتدت طوال فترة حياة الرسول الكريم باعتباره المتلقي الوحيد للوحي، ولكنه بالتأكيد يجب إن يكون الأمر عبرة للإنسان والتكيف مع مستجدات الحياة وإلا لكان الله قد انزل القرآن على الرسول دفعة واحدة لا تقبل التغيير والتبديل ومن يطلع على أسباب النزول والناسخ والمنسوخ من آيات القران وتسلسلها التاريخي حسب أوقات نزولها والغرض من نزولها بالإضافة إلى أحاديث الرسول (ص) الموثوقة لوجد إن الوحي كان بين الناس لا يفارقهم يتلمس حاجاتهم وإمكانياتهم وأمنياتهم وكما قال السيوطي ((لمعرفة أسباب النزول فوائد،واخطأ من قال لا فائدة لجريانه مجرى التاريخ. ومن فوائده الوقوف على المعنى أو إزالة الإشكال))(12) .،فعلى الإنسان المسلم أن لا يكون من ((الرويبضة- قالوا: هو الرجل التافه الحقير في أمور العامة))(13) وان الرويبضة هو ن يتنكر لنوعية العصر الذي يعيش، ويبحث عن أجوبة محددة لأسئلة في عصر سابق!! .
)) الإسلام الدين والعبادات والفروض المعروفة فكل ما عداه قابل للتغير والتدبير والتجديد بما يلاءم حياة الإنسان وتجددها ومسبوق السيد القبنجي (( القضايا التي يدركها الإنسان بالعلم الحضوري كالجوع والعطش والحزن وألم، فلا معنى لان يقال بان الله تعالى اعلم من الإنسان بهذه القضايا،لأنه لا معنى للقول بان الله تعالى يعلم بحزني وجوعي أكثر مني،أو يعلم بشدة عطشي للماء أكثر مني !!!))(14)
ومن الصعوبة بمكان إن يستوعب الإنسان المعاصر وهي يعيش ألاف المتغيرات الثقافية والسياسية والعلمية والاجتماعية والمدى الغير مسبوق الذي وصل إليه واقع الاتصال والتواصل بين مختلف شعوب الأرض وحضاراتها المختلفة فيأتي من يقول :-
((إن الإسلام جاء بكل ما يحتاجه البشر من قوانين وتشريعات فلا يحتاج بعدها إلى أعمال عقله وأتعاب ذهنه في خلق تشريعات جديدة للموضوعات الجديدة))(15) .
الدين والديمقراطية
الإسلام والديمقراطية:-
********************
يتحدث الكثير من المفكرين والكتاب عن الديمقراطية في الإسلام سواء ببعدها السياسي أو بعدها الاجتماعي،ولكننا لا نرى ذلك ليس بالنسبة للدين الإسلامي فقط ولكن بالنسبة لكل الأديان، وان كان هناك حيز من الديمقراطية وقبول الرأي المختلف فإنما هي ديمقراطية داخل الدين الواحد أو المذهب الواحد وليست ديمقراطية شاملة، ويجب الفصل بين الديمقراطية السياسية ومفهوم إمكانية تعايش مختلف الديانات والمذاهب والعقائد ولكن خارج السلطة السياسية فمن الممكن إن يتعايش القس والإمام والحاخام والكاهن في مجتمع واحد وفي ظل دولة واحدة ولكن من الاستحالة بمكان إن يجلسا على كرسي حكم واحد إلا أن يتخلى كل منهم عن صفته الدينية أثناء ممارسته للحكم أو جلوسه على كرسي السلطة وهذا هو ما تطالب به القوى العلمانية بعكس ما يشاع عنها في سعيها لنبذ الدين والقضاء عليه.((ففي كل حركة إسلامية فان مكان الجبهة هو الطليعة ودورها الأساس وفي مواجهة الأعداء لجأت الثورة الإسلامية للحسم والإرهاب –نعم الإرهاب))(16).
ويرى حزب التحرير في الأردن أن الحزب ((يعمل لتطبيق الإسلام كاملا في جميع أحكامه عبادات كان أم معاملات..كما لا يجوز تطبيقها بالتدريج لأننا ملزمون بجميعها،ويجب أن يكون تطبيقها كاملا ودفعة واحدة..وحين يكون الواقع مناقضا للإسلام فانه لا يجوز تأويل الإسلام حتى يتفق مع الواقع لان ذلك تحريف الإسلام))(17) .
وإذا أمكن إن تقبل بعض الأنظمة الدينية الديمقراطية السياسية والتعددية في الحياة العامة فلا يمكن إن تتقبل بروح رحبة ونفس راضية الديمقراطية اللبرالية وحرية الفرد في ممارسة حياته الخاصة وخياراته وأفكاره بحرية تامة حتى وان كان من أتباع دين ومذهب آخر ناهيك إن يكون ملحدا لا يؤمن بالله.
فمبدأ الشورى مثلا هو ممارسة حرية إبداء الرأي داخل نخبة من الدين الواحد وليس بين أديان مختلفة وقد لمسنا ممارسات الإقصاء والمفاضلة حتى بين أتباع الدين الواحد أنفسهم فالمهاجرون غير الأنصار كذلك تم حصر الخلافة والحكم بقريش دون غيرهم من قبائل العرب الأخرى ،وقد طغى صراع دام وضاري بين أفخاذ قريش نفسها بين من هو الأحق في تولي الخلافة والحكم بين بني هاشم وبني أمية وبني العباس والذي لازلنا نعاني من نتائجه وإفرازاته لحين التاريخ.
وليس غائبا عنا الصراع الدامي والمرير بين مختلف مذاهب المسيحية نفسه بين الكاثوليك والارثودكس وبينهما وبين الأديان الأخرى ولا زالت الحروب الصليبية تملا كتب التاريخ بصور العنف والدموية والوحشية، واغلبنا نتحدث بفخر وكبرياء عن ((فتوحات)) الدولة الأموية والعباسية والفاطمية رغم إننا نقرا ((لا أكراه في الدين)) وكانت جيوشنا تجلب ألاف النساء الأسرى ليقتسمها القادة والجند بعد إن يتم فرز حصة ((الخليفة)) الذي يحظى طبعا بحصة الأسد حتى امتلك بعضهم ألاف الجواري الحسان والولدان والغلمان كغنائم من البلدان ((المفتوحة)) بقوة السلاح !!!
يروي ابن كثير إن معاويه خطب الناس في الكوفة فكان مما قال ((ما قاتلتكم لتصوموا ولتصلوا أو لتزكوا ، قد عرفت إنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتآمر عليكم فقد أعطاني الله ذلك وانتم كارهون ))(25) .
فعن أي ديمقراطية يتحدث المتحدثون سواء في الماضي أو الحاضر.
أي ديمقراطية وعدالة هذه أن يأتي أحدهم إلى الدنيا سيدا بينما يولد الآخر عبدا وكيف ينسجم هذا مع مقولة الناس يولدون أحرارا؟؟!!
فالديمقراطية اللبرالية ألحقه إن تكون لك حرية الاعتقاد والتعبد وممارسة الشعائر كما تشاء ولا كن ليس لك إن تتحدى أو تتجاوز الدستور الديمقراطي عند مزاولتك للحكم تحكم بنص الدستور والقانون الوضعي في الحكم وتتعبد وتتصرف حسب دينك ومعتقدك في شأنك الخاص.
فليس للاصولين الأمثلة بشكل صلة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وما شابه وكما يقول طيب تزيني:-
(( ضرورة التمييز بين مستويين اثنين مما يطلق عليه راهنا (الأصولية الإسلامية) الراهنة هما ((الأصولية الاجتماعية)) و((الأصولية السياسية المسيسة)) ،أما الأولى منهما فتتمثل بجمهور هائل متعاظم من مواطني المجتمع العربي المسلمين الخاضعين... من عسف وإفقار وتهميش وإذلال،أو بعبارة مكثفة-لافتقاد للخبز والكرامة والحرية والثقافة، في حين تتمثل الثانية ((الأصولية السياسية المسيسة)) بالنخب السياسية الإسلامية التي تتعاظم الأدلة والقرائن على إنها- على الأقل في معظمها- ضالعة في إنتاج تلك الايدولوجية الظلامية وفي قيادة الممارسات الإرهابية الظلامية مع شطائر من النظم السياسية العربة ذاتها،باتجاه المحافظة على التأزم والاضطراب والإرهاب ومصادرة أراء الآخرين في خارج الحبة))(18) .
وستذكر بعضا من الأمثلة بشكل مختصر تمثل نموذج لما ذكر تزيني في أعلاه:-
(( بتقديمه الشيخ محمد بن محمد الفزازي(من المغرب) في حوار بث من القناة التلفازية المدعوة ب(الجزيرة) ،في الثالث من آذار ن هذا العام 1998م. لقد قال الرجل بوثوقية تامة ((القوانين الوضعية تحت أحذيتنا)) وأعلن بصيغة تجعل من الإسلام دين وصاية على الآخرين ،قتل وإرهاب واستعداء ومصادرة لحريات البشر ((حرية الاعتقاد نوع من الردة على الدين))، ومن ثم ((رحم الله الذي قتل فرج فوده وحسين مروه)) وأخيرا يجيب على السؤال التالي ((كيف تقف هنا على هذا النبر وتدعو إلى القتل)) قائلا((هكذا يريد الله))(19).
ولا نعرف كيف يمكن أن يستقيم هذا القول مع قول وحديث عبدا لله ابن عباس الذي قال عنه رسول الله(ص)هو ((حبر هذه الأمة)) انه قال((إن الله لا يعذب على الشرك وإنما يعذب على الظلم)) هذه روح القران كما فهمها من تخرجوا في مدرسة النبوة مباشرة- كما يقول سيد ألقمني ويتساءل قائلا:-
أليس عدم المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق ظلما؟؟
أليس عدم المساواة بين المرأة والرجل في الميراث اليوم ظلما؟؟
أليس عدم المساواة بين غير المسلم والمسلم اليوم ظلما؟؟
أليس العمليات الانتحارية ضد المدنيين المسالمين ظلما؟؟
(20)
ويمكننا إن نضيف قائمة طويلة من التساؤلات والمظالم دون أن نحصي عدد الممنوعات والمحرمات التي تبلغ كثرتها وتنوعا بكثرة ونوع وتعدد المجتهدين وأهل الفتوى.
وأد حرية الفكر والتفكير العقلاني التنويري:
***********************************
باختصار شديد نشير إلى الحركة الاعتزالية التي وضعت العقل في المقدمة عند تفسير النصوص والأحكام والروايات فما كان منسجما مع التفكير العقلاني الحر مقبول ومالا يكن يعتبر مرفوضا وهي حركة سبقت حركة التنوير في أوربا ولكن الفرق هنا إن لا وجود لحامل اجتماعي للفكر العقلاني((ألمعتزلي)) بسبب من تكلس وركود الحراك الطبقي في الدول الإسلامية بسبب كون الدولة الإسلامية هي المالكة للأرض ومعتمدة على الخراج كدولة ريعية ، فالاعتزال جاء بالدرجة الأولى متأثرا بالفلسفة اليونانية المترجمة، وبذلك هي أشبه ما تكون بالسلعة المستوردة وقد راقت للخليفة السلطان في بداية الأمر فأصبحت منهج وفلسفة الحكم مما أسرع في موتها وسقوطها قبل أن تثبت جذورها في ارض الإسلام وهكذا كان مصير ما بعدها سواء من قبل الكواكبي أو محمد عبده أو صاحب المشروطة أو من تأثر بهم في عصرنا الحاضر كما أسلفنا مثل احد القبنجي أو ضياء الشكرجي وأياد جمال الدين وغيرهم بسبب واقع الميوعة الطبقية وهيمنة الفئات الطفيلية الغير منتجة والتابعة في البلاد ووهن إن لم نقل شلل الطبقة البرجوازية المنتجة بسبب القطع الذي سببه الاستعمار الخارجي واكتشاف الثروة النفطية مما أعاد الدولة العراقية إلى مسيرتها الأولى كدولة تعتمد على ريع النفط بنسبة تزيد على ال90%. مما يجعل الآفاق شبه مغلقة إما حركات التغيير والعقلنة في مثل هذه البلدان وان ((إمكانية بروز آفاق مفتوحة وجديدة أمام إنتاج قراءة إسلامية معاصرة تستجيب لمقتضيات العصر وتحدياته، يد إن هذا مشروط بأمرين اثنين واسمين –كما يذكر طيب تزيني-:-
أولهما يتمثل بوجود أو بولادة حامل اجتماعي بشري يحفز على ذلك مما يعني إننا هنا أمام شرطية تحول اجتماعي فئوي وطبقي يحتضن الولادة الجديدة العسيرة ويحمي صيرورتها واحتمالاتها.
أما ثانيهما فيقوم على عملية تكوين اطر عميقة وواسعة من العلماء والباحثين والمفكرين القادرين على إنتاج مثل تلك ((القراءة الإسلامية)) يدا بيد مع جماهير الأمة العريضة وتعميمها في أوساطها على نحو يجعل من هذه الأمة مشاركا في ذلك بعيدة عن أية نخبوية))(21).
الاسلام السياسي في ميزان العصر:-
****************************
وفي الختام لو عدنا إلى أصل عنوان موضوعنا إلا وهو الإسلام السياسي وميزان العصر لتطلب منا الأمر أن يكون لنا اطلاع وإلمام بمختلف أطياف و الإسلام السياسي الفاعل حاليا على الساحة السياسية والذي بالتأكيد سنجد مستويات مختلفة من حيث التشدد والاعتدال وحسب الظرف والبلد والمذهب أو الطائفة التي ينتمي لها هذا الحزب أو التيار السياسي الإسلامي والأمر الثاني يفترض بنا أن نلقي الضوء ونفهم ماهي سمة العصر لنتعرف على الأوزان ووحدات القياس والوزن التي يستعملها ويوزن بها هذا الميزان مختلف المواقف والأفكار والمناهج والسلوكيات والقوانين المطلوب منه وزنها وإذا عرف هذا العصر بكونه عصر الديمقراطية بمفهومها السياسي واللبرالي ووضع حرية الفرد في مقدمة اهتماماته ، وبناءا على هذا لو وضعنا ((الإسلام السياسي)) في كفة الميزان ووضعنا في الكفة الأخرى الديمقراطية السياسية ،الديمقراطية اللبرالية، حقوق الإنسان والحرية الفردية، الإيمان بالتعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة، الموقف من المرأة، الموقف من الأديان والطوائف الأخرى،حرية الفكر والعقيدة والنشر والعمل، الحداثة وما بعد الحداثة...الخ.
لخرجنا بنتيجة غير ايجابية على وجه الإجمال حينما نزنها بوحدات موازين العصر من معاني ودلالات للمفاهيم والممارسات والمواقف التي وضعت في الكفة الثانية من ميزان العصر مقابل كفة الإسلام السياسي كأحزاب وتنظيمات دينية وإسلامية سياسية والاستثناء هو وجود متدينين إسلاميين إفراد مهتمين بأمور السياسة سيحصلون على درجات ايجابية ممتازة لو وضعوا في كفة الميزان الثانية. وكما ذكر سيد ألقمني ملخصا الممارسات المشتركة مع أحزاب الإسلام السياسي قائلا:-
((المشترك بين الجميع حديثهم عن الديمقراطية السياسية "حرية صندوق الانتخاب" دون جوانب الديمقراطية التأسيسية ودونها لا ديمقراطية اقصد الجانب الحقوقي الذي يؤسس حقوق الاختلاف وحقوق المرأة وحقوق الأقليات وحق الاعتقاد الحر وإطلاق حق تشريع البشر لأنفسهم بما يناسب مصالحهم ومعطيات واقعهم.وكلها حقوق مرفوضة من جميع التيارات الإسلامية بدون استثناء ولأاعتقد الأمر سوى مناورة أذكى في منهجها من لغة القنابل والرصاص،بغرض الوصول إلى السلطة عبر صناديق الانتخابات وبعدها يكون لكل مقام مقال))(22) .
وكأننا نستحضر قصة عبد الملك بن مروان الملقب بحمامة المسجد لطول مكوثه بالمسجد وكثرة تلاوته وتهدجه ليل نهار بآيات القرآن الكريم قبل أن ينصب خليفة ولكن عندما ((يأتيه خبر انه أصبح الخليفة فيغلق القرآن ويقول له"هذا أخر العهد بك" ثم يقف في الناس خطيبا ليقول" والله لا يأمرني احد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه"))(26).
فما عسانا أن نقول وبماذا نحكم على قوى وتيارات من دين واحد انشطرت مذاهب وطوائف وتنكبت السيوف والرماح والسكاكين ليجز احده رأس الآخر من نفس الدين ونفس المذهب ، ناهيك عن ما جرى بحق معتنقي الأديان الأخرى، متهما إياه بالكفر والخروج عن ملة الإسلام وان لنا بما حدث في عراقنا ما بعد الاحتلال لدليل لا يقبل الدحض حول ما حصل وعلى أيدي الجميع دون استثناء ونسوق لكم هذه المقولة لابن لادن (( إن التشيع دين لا يلتقي مع الإسلام إلا كما يلتقي اليهودي مع النصراني تحت اسم أهل الكتاب... لقد كانوا عبر التاريخ شجا في حلوق أهل الإسلام وخنجرا يطعنهم في الظهر..وهؤلاء القوم كفرهم أهل السلف"))(23)) فهل تعني مقاومة بعض رموز الشيعة لرموز الظلم والعدوان والانتصار للحق والثورة على الباطل طعنا في الظهر لأهل الإسلام إلا إذا اعتبر مسلم بن عقبة ألمري صاحب وقعة الحرة من أهل الإسلام هذا الذي أرسله ((الخليفة)) يزيد بن معاوية ((لتأديب مدينة رسول الله يثرب ومن فيها من الصحابة والتابعين ،فقتل من قتل في وقعة الحرة التي هي من كبرى مخازينا التاريخية، إذ استباح الجيش نساء المدينة أياما ثلاثة حبلت فيها ألف عذراء من سفاح،واغتصاب علني وهن المسلمات الصحابيات وبنات الصحابة والصحابيات))(24)).
نختم موضوعنا آملين أن نتمثل جميعا قول فولتير لرسو:-
(( أنا لا اقر كلمة واحدة مما كتبت،ولكني سأقف حتى الموت مدافعا عن حريتك، مؤيدا حقك في إن تقول ما تريد)).

المصادر:-
*********.
1-سيد القمني –أهل الدين..والديمقراطية ص116.
2- احمد القبنجي – الاسلام المدني –ص372.
3-محمد سبيلا –مجلة قضايا إسلامية معاصرة- العدد (30) شتاء 2005 ص221.
4- احمد القبنجي –الاسلام المدني- ص376.
5- احمد القبنجي- الاسلام المدني- ص297.
6- سيد القمني –اهل الدين..والديمقراطية ص68.
7- نفس المصدرص69.
8-نفس المصدر ص116.
9- احمد القبنجي –الاسلام المدني – ص387.
10- طيب تزيني –الاسلام والعصر تحديات وافاق ص93 دار الفكر المعاصر.
11- احمد القبنجي – الاسلام المدني- ص391.
12- طيب تزيني –الاسلام والعصر- نحديات وافاق –دار الفكر المعاصر لبنان بيروت ص104.
13- نفس المصدر ص 119.
14- احمد القبنجي – الاسلام المدني- ص399.
15- نفس المصدر ص387.
16- الاسلام والعصر ص100.
17-نفس المصدر ص100-101.
18- طيب تزيني – الاسلام والعصر- ص159-160.
19- نفس المصدر ص167.
20- سيد القمني اهل الدين..والديمقراطية ص2005.
21- طيب تزيني – الاسلام والعصر – ص175.
22- سيد القمني – اهل الدين والديمقراطية – ص30.
23- نفس المصدر ص116..
24- نفس المصدر ص68.
25- توفيق السيف –نظرية السلطة في الفقه الشيعي ص53.
26- سيد القمني – اهل الدين والديمقراطية ص68- دار مصر المحروسة ط1 القاهرة 2005.



#حميد_الحريزي (هاشتاغ)       Hameed_Alhorazy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أرض الزعفران - قصة قصيرة
- الانتخابات البرلمانية القادمة - المواطن لعراقي يفتش عن بديل
- من فوازير العولمة الراسمالية( ماهي المادة المحللة على الجار ...
- هل سيكون للعمال قائمتهم الانتخابية الموحدة؟؟؟
- المتقاعدون خارج القرعة؟؟؟!!!
- شوربة ((لبه))؟؟!!
- في اي قطار سيركب اليسار في الانتخابات القادمة؟؟؟
- ((غيرة ))كلب
- متى يولد حزب ألمتقاعدين؟؟؟
- ماكانوا يوما...ولن يكونوا
- حيوان مسعور او ارهابي مسحور؟؟؟
- لسنا بحاجة للمزيد من القيود
- لانريدها من دون ماء
- رحلة استكشاف المعنى عبر ثنايا نص رواية((الزمن الحديدي)) لعبد ...
- الموسيقا الموؤدة؟؟!!!
- بمناسبة الذكرى ال(46) لرحيل الشاعر المناضل ناظم حكمت -مقابلة ...
- ((المرعب السري))
- نفق التوافقية:- في بدايته فوضى وفي نهايته متاهة
- أمهلونا حتى نعد لكم ديكتاتورا جديدا؟؟!!!
- عمال النجف يحتفلون بعيد الاول من ايار


المزيد.....




- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد الحريزي - الاسلام السياسي في ميزان العصر