أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد الحريزي - ((المرعب السري))















المزيد.....

((المرعب السري))


حميد الحريزي
اديب

(Hameed Alhorazy)


الحوار المتمدن-العدد: 2654 - 2009 / 5 / 22 - 10:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في طفولتنا كنا نلاحظ أهلنا تتغير ملامحهم وتظهر على وجوههم علامات الانزعاج والمضايقة حينما يحضر مجلسهم شخص بعينه سواء كانوا في المضيف او في المقهى او في مجلس عزاء او حفل فرح فيبدو كشخص مصاب مرض معدي خطير فيحاول الناس الابتعاد عنه او تحاشيه قدر الإمكان،فغالبا ما يغير المتحدث وجهة وعنوان ومغزى حديثه بصورة مفاجئة ويتبادلون بينهم الغاز وكنى تشير الى الحذر فقد حظر المكروه مثل ((برغش)) او ((بكَه))، وأحيانا يتحدث المتكلم بطريقة الكلام القابل للتأويل والذي يحمل في ثناياه معنى مستترا يختلف عن المعنى الظاهر والمباشر وهذا ما يسمى في مناطقنا بل((حسجه)) وهي محملة بالشتم والذم والنيل من ((السري)) وسيده ولكن دون ان يستطيع ان يرد عليها او يعترض على مضمونها وقد يؤدي به الأمر الى الجزع والهرب للتخلص من هذه النكات او ((البسامير)) التي تدق عنقه وتنال من شخصه دون ان يكون له أية حول او قوة في الرد عليها إلا في حياكة الدسائس والتهم الكيدية الكاذبة ليسود بها وجوه أسياده ،كانت هذه التصرفات والأفعال تثير استغرابنا نحن الأطفال في الخمسينات او الستينات فنصدع رؤوس آبائنا بالأسئلة والاستفسار وكانوا يخبروننا بهمس ان هذا الشخص ((سري)) او ((كراش)) وهو الشخص الذي نحاول ان تزرعه السلطات الحكومية او قوى ((الإقطاع)) بين صفوف الناس لينقل أخبار الناس وخصوصا ممن يحذر جانبهم او ممن يسميهم بالخطرين او المعادين للسلطة والسلطان او المحرضين ضد نفوذ الشيوخ المستبدين والإقطاعيين وتأليب الناس على العصيان والتمرد وعدم إطاعة أوامر وطلبات ((أولي الأمر)).
وقد كنا نلقب بعض أقراننا ((بالكَراشة)) اي اللذين يفشون أسرارنا وتصرفاتنا التي تعد تمردا على توصيات الأهل او معلمينا في المدرسة كالسباحة في النهر او التدخين او عمل المقالب او إرهاصات الحب والمراهقة ...الخ من التصرفات والشقاوات الصبيانية البريئة، لذلك غالبا ما نحرص على استبعادهم من مرافقتنا او مشاركتنا في هذه الشقاوات الصبيانية.
ومن المعروف ان من يتطوع ليكون ((سريا)) او ((كَراشا)) او ((عسسا)) غالبا ما يكون من الشخصيات الوضيعة والمنبوذة والتي غالبا ما تشعر بالدونية والنقص فتكون هذه الوظيفة وسيلة لكي يكون الشخص مهاب الطرف وذو سلطة وسطوة على الناس من أهل قريته او مدينته او بلده تعوضه عن الدونية والمهانة في وسط المجتمع، وان كان له اهتمام بحماية النظام او مصالح الشيخ او السلطة والسلطان فهي في واقع الأمر تقع في ذيل قائمة اهتماماته،بل يسعى جاهدا موظفا كل ذكائه وطاقاته وقدراته في سبيل إيذاء واهانة من لا يظهرون له الاحترام والتبجيل،او ممن يحمل لهم ضغينة سابقة كرد فعل ثأري سيستعمل نفوذه السلطوي للأخذ به.
ليس بعيدا علينا مثل هذه النماذج وتعدد أوصافها وأسمائها ومهامها من الرجال والنساء ألتي سلكة طريق ((السري)) و((وكيل الأمن)) و((المخبر)) في ظل واقع الشبكة العنكبوتية من الارهاب والتعسف والقمع للسلطة الديكتاتورية وفي ظل انحسار القيم الايجابية بين الناس نتيجة الجوع والخوف طويل الأمد، ومن الملاحظ ان كلمة((امن)) او (أمين)) جاءت متأخرة ولم نكن هي الكلمة او المصطلح او العنوان الشعبي لمثل هؤلاء لان الكلمة او العنوان لا يدل على معناه كالأمن ولامان للمواطن بل العكس من ذلك بسبب وجود حالة من الاغتراب بين الشعب والحكومة وأجهزتها ((الأمنية)) المختلفة التي غالبا ما تكون أجهزة قمع وكبت وملاحقة وسلب الأمن من المواطن العراقي الحر وضمانته للحاكم المستبد والطاغية الدكتاتور.
ليس هناك ن عنوان وظيفي أكثر بغضا وبشاعة في مخيلة المواطن العراقي من ((المخبر)) او ((السري)) او ((شرطي الأمن)) او ((وكيل الأمن)) وقد التحقت بهذه العناوين في عهد الديكتاتورية كلمة((رفيق)) التي أصبحت مرادفا بديهيا ((للمخبر)) وشرطي الأمن والمخبر السري بعد ان كانت من المصطلحات ذات الخصوصية الحميمة والسامية حيث يتداولها المناضلون ضد الظلم والقهر فيما بينهم ولا يحظى بها إلا ذو جهد وعزم وخلق رفيع ومشهود.
لقد تنفس أحرار العراق الصعداء عند انهيار الديكتاتورية رغم غصة الاحتلال لأنهم سيتخلصون من ((الرفيق)) و((المخبر)) و((شرطي الأمن)) و ((وكيل الأمن)) وملاحقهم من التوابع لأجهزة السلطة القمعية في كل العصور.
ولكننا نرى العجب العجاب وسؤال بلا جواب وهو :- كيف يقر مناضلي الأمس وضحايا هذا ((المخبر السري)) وشرطي((الأمن)) و((الرفيق)).؟؟؟
كيف يتم إقرار هذه الوظيفة وهذا العنوان المقرف والذي يثير الخوف والاشمئزاز لدى الناس في ظل ((الديمقراطية))والحرية المزعومة وان احد ابرز ميزات مثل هذا الموصوف بالديمقراطية والحرية هو غياب الوجه القبيح ((للمخبر السري)) وملحقاته وتوابعه ومرادفاته؟؟؟
ان العودة الى مثل هذه الوظائف والعناوين مكنت قوى الارهاب والظلام والقمع وأزلام والديكتاتورية ان تدق إسفينا خطيرا بين ابناء الشعب الذي هم جميعا حماة الأمن والسلطة الشرعية والديمقراطية وبين ((السلطة)) التي يترض إنها منتخبة ومختارة من قبلهم وهم حماتها طوعا وعلنا وليس في كتابة التقارير والإخباريات الكاذبة في الظلام.
ويتبادر هنا سؤال هام وهو :- من سيتطوع ويقبل على العمل في مثل هذه الأجهزة،هل هم أحرار وأبناء أحرار العراق اللذين قدموا الكثير للتخلص من مثل هذه الوظائف المقيتة ؟؟
بالتأكيد سيتدافع عليها من يحسون بالانكسار والضعف ومن تمرس في هذا العمل ((الخسيس)) أيام الأنظمة القمعية اللذين سيكون شغلهم الشاغل إلحاق الأذى بكل عنوان حر وكل عقل ناقد وكل عمل حريص ،وسيكونون تربة خصبة لنفوذ القوى الشريرة من بقايا الديكتاتورية تحت تأثير مختلف الضغوط والإغراءات المالية والوعود بالجاه والسلطة او التهديد بكشف أوراقهم السوداء وممارساتهم الإجرامية السابقة أمام مسؤليهم ان لم يتعاونوا مع أسيادهم السابقين؟؟؟!!!
ان زرع مثل هذه العناوين والوظائف لنكون أجهزة سلطوية انماتحدث شرخا في شرف ووجدان وضمير الإنسان العراقي الوطني الحر الذي تفرض عليه مبادئه وتربيته وموروثة الثقافي وعرفه الاجتماعي وحبه للحرية ان يكون متطوع ذاتيا وبالعلن للحفاظ على امن وطنه وامن ابناء شعبه وحفاظه على مؤسسات الدولة باعتبارها مؤسساته،ان مأسسة الضمير الشعبي النابذ للفساد والمفسدين وللجريمة والمجرمين والإرهاب و الارهابين والطائفية والطائفيين والعرقية والعرقيين والجواسيس والتابعين محصورة في مؤسسات ((معصومة)) تعلو على الضمير الاجتماعي الجمعي العراقي مثل((المخبر السري)) و((هيئة النزاهة)) وهي ليست أكثر من عملية تضخم وترهل وانشطار المؤسسات القضائية والأمنية والتنفيذية العراقية إنما هو مؤشر خطير على تآكل الكونفورميا الاجتماعية ذاتية الفعل ورد الفعل التي بدون ترسيخها وتنميتها بين أفراد المجتمع كثقافة عامة ،لا يمكن ان يستقر الأمن ولا يسود السلم ولا العدل وقيم الحرية والديمقراطية..
فان يكون ((المخبر السري)) مطلق اليد موثوق ومصدق تبنى على تقاريره قرارات التحري وإلقاء القبض والسجن وربما يطال الشخص المخبَر عنه التعذيب والاهانة دون ذنب سوى تعكر وعدم ارتياح هذا ((المعصوم)) الجديد؟، ان مصداقية هذا المخبر ((السري)) هو القبض على المخبر عنه في الجرم المشهود والتحرز على أدلة قاطعة لأدلة الجرم او النية التي ليشوبها الشك في الإصرار على الفعل الغير شرعي.
نأمل ان يكون ضمير الإنسان العراقي هو الرافض العلني قبل السري لكل ماهو شرير ومعادي للوطن والمواطن ولكل مظاهر الفساد الإداري والمالي وما إليه.
ان على الأحزاب الوطنية الديمقراطية وبكافة أطيافها ومؤسسات المجتمع المدني مثل منظمات حقوق الإنسان وغيرها من الفعاليات المدافعة عن حرية الإنسان وصيانة كرامته والمناهضة لكل عمل يناهض الديمقراطية ويحاول ان يعيد بناء الدولة البوليسية السرية المتناقضة مع ما تضمنه الدستور الحالي وما يجب ان يركز عليها ألدستور المعدل القادم ان تعمل بفعالية اكبر ولتكون بمستوى مهامهم لرصد مثل هذه الإجراءات الاستثنائية والغير دستورية وإبطالها ومطالبة السلطات بوقفها.
ان ممارسات وتاريخ هذا الدخيل على زمن ((الحرية)) والديمقراطية المفترض إننا نعيشها الآن إنما تثير الخوف والرفض من قبل كل أحرار العراق ولا تدل إلا على كونه مرعبا سريا او مخربا سريا يلبس ثوب الشرعية نأمل التخلص منه وبأسرع وقت حتى لا تعود كوابيس الديكتاتورية تقض مضجع العراقي الحالم بالحرية.





#حميد_الحريزي (هاشتاغ)       Hameed_Alhorazy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نفق التوافقية:- في بدايته فوضى وفي نهايته متاهة
- أمهلونا حتى نعد لكم ديكتاتورا جديدا؟؟!!!
- عمال النجف يحتفلون بعيد الاول من ايار
- انبذوها فإنها نتنة
- في يوم الصحافة الى الماء يسعى من يغص بلقمةٍ
- ظاهرة الختان الاصل والتاويل
- عطست الرأسمالية فاستجابت الخنازير
- بمناسبة الأول من أيار عيد العمال العالمي
- لست مسئولا عن الحرائق لكن نيرانها تحرق أحلام أبنائي!!!!
- قراصنة زمن العولمه !!
- الطبقة العاملة العراقية في ظل الأزمة الرأسمالية الحالية
- نطالب مجالس المحافظات:- باقالة الفوانيس واللالات!!
- مجالس المحافظات مطالبة بإقالة :((الفوانيس واللالات))!!!
- حكاية (العم هلكان العريان) في العيد التعبان
- انتبه في مدرستنا مشرف!!
- متى يكون نفطنا لنا؟؟؟
- -قصة قصيرة عربانة مظلوم- لبلبي يلبلوب
- ((ألم))((نصه))
- عربانة مظلوم(باجله لوز)- قصة قصيرة
- أستطلاع ألرأي واقعه وأفاق تطوره


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد الحريزي - ((المرعب السري))