|
هل أحتلال العراق هو الحلقة الأخيرة من مسلسل الأنحطاط...؟؟
حبيب محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 2884 - 2010 / 1 / 10 - 10:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بفعل تداعيات الحرب العالمية الثانية ، التي نتج عنها ، أضمحلال الأمبراطوريات الأستعمارية الأوربية التقليدية . وفي المقدمة منها ، الأمبراطورية البريطانية والفرنسية . والذي تزامن مع بروز كاسح للقطبين الرأسمالي والأشتراكي . وبفعل إستبسال حركة المقاومة الشعبية العربية . على أختلاف تلاوينها ، القبلية والسياسية والعقائدية . تمكنت أجزاء واسعة من أقاليم البلاد العربية ، المترامية والمحكومة ، بالوصايا تارة وبالأنتداب تارة أخرى ، وبالحماية تارة ثالثة . تمكنت تلك الأقاليم ، من أنجاز وتحقيق أستقلالها السياسي ، من تبعية ذلك المستعمر ، الأستيطاني ، التقليدي المقبور . ونجحت تلك الأقاليم المنتفضة ، من تأسيس كيانات قطرية ، مستقلة سياسيا ، سواء في مشرق الوطن العربي أو مغربه . بينما ظلت أجزاء أخرى ، تعاني والى يومنا هذا ، من الميراث الثقيل لتلك الحقبة ، الأستعمارية الأستيطانية الكريهة .
وتعد مدينتي ( سبتة و مليلية و الجزر الجعفرية ) ، المقتطعة من مغربنا العربي . بفعل أستمرار الأستيطان الاستعماري الاسباني لها ، منذ العام 1640 . والمتمسك بسلبها الى يومنا هذا . تعد واحدة من أقدم الشواهد الشاخصة ، لذلك الميراث الثقيل والمؤلم . الذي ورثته أجيالنا ، من تلك الحقبة الأستبدادية .
والأرث الثقيل والموجع الآخر . لذات الحقبة الكريهة ، من حيث التسلسل التاريخي ، والذي شهد أغتصاب مضاف وسافر ، لجزء غالي وعزيز من أرض الأجداد . تمثل في أقتطاع ( أقليم عربستان ) ، من أمتداده وحاضنه الطبيعي العراق . ليضم عنوة و بالأكراه الى المستعمر الأيراني ، منذ العام 1925 . هذا المستعمر الذي مارس ويمارس ، أبشع أساليب القهر والتنكيل والأضطهاد . بحق أخوتنا من أبناء الأقليم . كما أنه يتفنن بأبتكار ، أقذر الأساليب العنصرية ، بهدف التفريس القسري ، بحق أقليمنا المغتصب ( عربستان ) أرض وعباد .
والأرث الثقيل والجرح العميق الثالث من تلك الحقبة ، تجسد في بتر و أقتطاع ( لواء الأسكندرونة ) ، عن حاضنتها الأم سورية . رغم أن ( لواء الاسكندرونة ) ، كان من ضمن الحدود الجغرافية والتاريخية والسياسية ، التي تفاوض بشأنها ( الشريف حسين ، شريف مكة ) ، قائد ورمز الثورة العربية الكبرى ، مع المستعمر البريطاني والفرنسي . ورغم التطمينات والوعود التي قطعها المستعمر بضم ( لواء الأسكندرونة ) ، الى حاضنتها الأم سورية . الا أن المستعمر البغيض البريطاني والفرنسي ، راح كعادته يتنصل عن وعوده تدريجيا . أنطلاقا من سياسة المصالح الأستعمارية ، التي أقتضت حينها ، مغازلة الدولة العلمانية الناشئة في تركيا . على أنقاض الأمبراطورية العثمانية المنهارة . تلك الدولة التي أسسها الزعيم التركي ( مصطفى كمال أتاتورك ) . ذلك الرجل المتأثر والمنبهر بهوس الثقافة الغربية ، قلبا وقالبا . والذي سعى وبكل السبل التي أتيحت اليه ، الى سلخ تركيا الشرق ، عن جذورها العثمانية وثقافتها الأسلامية . فكان ( لواء الأسكندرونة ) هو الضحية الذي سلخ ، منذ العام 1939 ، سلخا ، كفاتورة سداد ، لقيام الدولة الأتاتوركية المهجنة . وبالتواطء مع المستعمر الفرنسي والبريطاني آنذاك ، الذي كان بعوز الى تركيا الأتاتوركية الى جانبها في صراعها مع المانيا النازية .
والأرث الرابع : الأثقل والأكثر جرحا ونزفا ( نكبة فلسطين ) . التي بدأت مأساتها منذ ( وعد بلفور المشؤوم ) للعام 1917 . وأستمرت بالتزامن ، مع مخطط الهجرة اليهودية المنظمة اليها . وبالتنسيق مع المستعمر البريطاني ورعايته . والذي بدوره تريث عن قصد ، في أعلان مشروعه الاستعماري لتقسيم فلسطين . لحين أكتمال نصاب الهجرات اليهودية اليها . عند ذاك فرضت مؤامرة التقسيم كأمر واقع ومفروغ منه في العام 1948 ، لتمتد مأساتها الى يومنا هذا .
ثم تلت هذه الكارثة ، ( أم الكوارث ) الحرب الخاطفة ، حرب الأيام الست ، في 5 حزيران للعام 1967 . تلك الحرب التي شكلت نتائجها ، هزيمة كارثية بكل المقايس ، أثارها تمتد لأجيال . وللطرف المقابل مثلت أكبر أنتصار ، لم تكن تحلم به دولة أسرائيل نفسها . وتجسد ذلك ، بأمتداد دولة أسرائيل سرطانيا لتشمل اليوم ( القدس الشرقية والضفة الغربية ، الذي حولته أسرائيل الى معسكر أعتقال جماعي يدار من قبل أبناءه المعتقلون . ومرتفعات الجولان ، ومزارع شبعة ، وتلال كفر شوبا ، وقطاع غزة ، الذي حولته أسرائيل الى سجن كبير ، أناطت تصريف شؤونه الى الفلسطينون أنفسهم . وفرضت دولة أسرائيل على مصر ، أن تكون شبه جزيرة سيناء ، منزوعة السلاح والسيادة الى يوم الدين ! ) .
ولم يقف مسلسل الكوارث التي لحقت بالأمة ، عند هزيمة القيادة الرسمية لدول الطوق ، في حرب 1967 . تلك الهزيمة التي تتحملها وبدرجة كبيرة ، القيادة السياسية والعسكرية المصرية آنذاك . والتي عملت منذ البدء ، في تصعيد المواجهة الغير محسوبة ومدروسة بدقة مع دولة أسرائيل . وذلك بغلق المضائق أمام الملاحة الأسرائيلية . بل ذهبت تلك القيادة بتهورها الى أبعد من ذلك . وتبين ذلك جليا في قراراتها العسكرية المرتجلة آنذاك . حين دفعت بالمئات أن لم يكن بالالاف من العدة العسكرية المتطورة ، والتي دون أدنى شك قد كلفت الشعب المصري المليارات من العملة الصعبة ، وزجت بها مع قوات على غير العادة ، أضافية وتقدر بالالاف ، ورمت بهم في صحراء سيناء المكشوفة للعدو . كل هذه الخطوات التي لاتنم عن مهنية عسكرية ملمة بعلوم وفنون الحرب ، وغيرها من الأخطاء القاتلة ، أتخذت ونفذت . دون وجود قرار مسبق لساعة الصفر ، وشن الحرب . مما أعطى الذرائع الكافية للعدو ، ومنحه مجانا ، مبدأ المبادرة ، التي تعتمد عليها أي قوة مهاجمة ، لتحقيق نصرها . وهذا ما فعلته القيادة السياسية والعسكرية لدولة أسرائيل وبنجاح ، فكانت الهزيمة في 9 حزيران 1967 .
مسلسل الكوارث لم يقف عند تلك الأنتكاسة . بل تواصل ليشمل الجزر الأماراتية العربية الثلاث ( طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى ) . التي أنتهكت سيادتها وأنتزعت قسرا ، في أبشع عملية قرصنة غير مسبوقة في حينها ، من قبل المحتل الأيراني في العام 1970 . وما تزال حكومة الملالي والى يومنا هذا تصر على التمسك ، بسلب تلك الجزر ، زاعمة زيفا بأحقيتها فيها .
وتزامن مع عملية القرصنة الأيرانية تلك ، على الجزر الأماراتية العربية الثلاث . تزامن مع صدور قرار سياسي ( عدواني ومستفز للعراق ) ، أتخذته حكومة أيران الشاه ، بألغاء ( أتفاقية 1937 ) لرسم الحدود المائية ، بين البلدين ومن طرف واحد . تلك الأتفاقية التي وقعها العراق الملكي مجبرا ، تحت أملاءات وضغوط بريطانية في حينها . أعطت بموجبها ولأول مرة على مر التاريخ ، لأيران أمتيازات ، بأستخدام 16 كم من الشريط المائي لشط العرب . قبالة شواطئ ( مدينة عبدان العربستانية ) المغتصبة أصلا من العراق . وذلك بغية تأمين تحرك ناقلات النفط الايرانية بحرية ، من مصافي ( مدينة عبدان ) المحتلة . أيران الشاه ، كانت تهدف من وراء ذلك المنحى العدواني والمنفرد في العلاقات الدولية ( تماما كما يفعل الملالي اليوم في خرقهم المتكرر للمواثيق الدولية ودون رادع في العراق المحتل ! ) . فذلك المسلك العدواني لأيران الشاه ترافق مع قرصنتها على الجزر الأماراتية العربية الثلاث في الخليج العربي .
وأخيرا وليس اخرا : جاءتنا أمريكا المتصهينة . وعلى ظهر أسلحتها التدميرية الفتاكة ، حاملة لواء ( الشرق الأسود الكبير ! ) . ولتترجم أولى لبناته ، في أحتلالها الكارثي للعراق العظيم ، في العام المشؤم 2003 . ومن المفارقات المبكية الضاحكة ! أن يقع هذا العدوان السافر والغير متكافء ، بحق دولة مؤسسة لمنظمات أقليمية ودولية ، دولة ذات سيادة وعضو مؤسس وفاعل في المنظمة الأممية . يقع العدوان الغادر على العراق العظيم ، في الوقت الذي يتبجح فيه الغرب ، عن الحديث المسهب عن مبادئ وأسس التعايش السلمي ، وعن أشاعة مفاهيم التسامح والتحضر والديمقراطية والشراكة المتكافئة ، على أساس أحترام مبدأ السيادة وعدم التدخل بالشؤون الداخلية وحل النزاعات بالطرق السلمية !!!
بعد هذا المسح المقتضب ، للأرث الثقيل الذي ورثه ( الابناء ) جيلنا ، من مسلسل الهزائم والأنتكاسات الهائلة والمتراكمة كماً و نوعاً . من حقنا أن نتسائل : هل أحتلال العراق هي الحلقة الأخيرة من هذا المسلسل المثقل بالآلآم والاحباط ؟؟؟ والجواب : كلا ! أستنادا الى المعطيات على الأرض ، والتي يلاحظها القاصي والداني . ما دام التسلط والتفرد والتناحر ، والتوريث والتشرذم والتشطر ، والتخاصم والتهميش والانعزال ، والنظرة القطرية وغياب الهوية . هي السمات وللأسف السائدة حتى هذه اللحظة .
أن النخب والقوى السياسية العربية الحية والفاعلة ، التي تحمل في طيات عقائدها وفكرها . مشروعاً نهضويا للأمة ، أكانت تلك النخب والقوى ، ماركسية يسارية ، أو قومية يسارية ، بعثية أو ناصرية عروبية ، أو أسلامية وسطية معتدلة ، شيعية أو سنية ، أو علمانية ، ديمقراطية ليبرالية . ليس بمقدورها منفردة تجسيد مشروعها وبرنامجها النهضوي ، بأي حال من الأحوال . وهذا ما أكدته التجارب الفاشلة في أكثر من قطر عربي . أذن مطلوب لأنجاح مشاريع وبرامج نهضة الأمة ، والذي هو القاسم المشترك ، لهذه القوى على أختلاف تلاوينها . أيجاد سبل للحوار و التلاقي والتواصل والتكامل . تضمن ولادة طبيعية ، لمشروع وبرنامج نهضوي ، تكافلي بحيث يستوعب كل هذه الفسيفساء بما ملكت أيمانها . عند ذاك وعند ذاك فحسب تتفجر الطاقات المخزونة والكامنة ، لقوى وشعوب الأمة الحية و التواقة للأنطلاق .
#حبيب_محمد_تقي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكفول لكِ أن تبكي
-
قصيدة غرائزية : في زمن صحراوي قاحل...!
-
أحوازنا البابلية سجينة في رحم الآحزان...!
-
فساد متجذر وأصلاح متعذر في ظل تفرد عائلتي البرزاني والطالبان
...
-
الشيعة : وسياسة تفريس المذهب ...!
-
أوقفوا أعدام الوطن...!
-
عربستان : الأقليم العربي العراقي الجذور والهوى . وحق تقرير ا
...
-
عرس الفرات المؤجل...!
-
تعاطي حكومة بغداد مع ملف ( معسكر أشرف ) ينم عن تفريط صارخ لم
...
-
تسكن طفولتي...!
-
حزورة باليرة : من هو شارون بشتاشان ؟ وأين منه المحكمة الجنائ
...
-
(أقتباس ) للنشيد الوطني........!
-
عودة الكفاءات المغتربة : بين تسفيه نوري المالكي و مهزلة خالد
...
-
متوضأً من أغتراباتي...!
-
غجر العراق : قبل وبعد أجتياح بغداد ..!
-
الغجر : بين ماضي الأبادة و حاضر التميز العنصري !
-
حروبهم الأمبريالية وتأويلاتهم لكتبهم المدنسة..!
-
عذراً للتمنيات الطيبة : جلباب مارتن لوثر ليسَّ بمقاس أوباما.
...
-
العملة الورقية الأمريكية و حرب الأبادة الغائبة الحاضرة ..!
-
الحكومة الفسنجونية تزرع والمواطن العراقي يحصد وهم الانتخابات
...
المزيد.....
-
التحدي الأثري الأصعب بالعالم.. تجميع حجارة لوحة جدارية لفيلا
...
-
فيديو يكشف أثار ضربة إيرانية في حيفا.. ووزير خارجية إسرائيل:
...
-
شاهد ما حدث بين مندوبي إسرائيل وإيران خلال اجتماع مجلس الأمن
...
-
بي بي سي لتقصي الحقائق: لماذا حذفت وزارة الصحة في غزة مئات ا
...
-
القضاء الأمريكي يأمر بالإفراج عن الناشط محمود خليل قائد احتج
...
-
حبيب الله سياري الضابط الذي أشرف على بناء أول مدمرة إيرانية
...
-
حاملة الطائرات الأميركية -نيميتز- مدينة نووية عائمة
-
أبرز الاتفاقيات بين باكستان والهند
-
المحكمة العليا الأميركية تسمح بمقاضاة السلطة الفلسطينية
-
-إنها مخطئة-.. ترامب يلوم مديرة مخابراته بشأن نووي إيران
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|