أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - وجاء الفرج















المزيد.....


وجاء الفرج


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 872 - 2004 / 6 / 22 - 07:44
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


وجاء الفرج
واخيرا فرجت والحمد لله. فبعونه وبقدرة بوش تشيني رامسفيلد، ونشاط وكيلهم بول بريمر بدأت اعادة اعمار العراق واخذت تنشأ معالم دولة عراقية جديدة. واعادة الاعمار تستلزم تدمير ما تجري اعادة اعماره اذ لا يعاد اعمار ما هو عامر وانما يطور او يوسع او يحسن، فاعادة الاعمار تتطلب عراقا مدمرا لا عمار فيه. كذلك يستلزم انشاء دولة جديدة تدمير الدولة القديمة اذ لا تنشأ دولة جديدة اذا كانت الدولة القديمة قائمة.
وقد اخذت الولايات المتحدة مع رفيق دربها بريطانيا على عاتقها تدمير العراق من اجل اعادة اعماره وتدمير الدولة العراقية من اجل اعادة انشائها.
بدأت الولايات المتحدة بتدمير العراق على الاقل منذ ان دفعت عميلها الكبير صدام حسين للهجوم على ايران وزودته بالسلاح والدعم السياسي والعسكري طيلة سنوات الحرب العراقية الايرانية التي دامت اكثر من الحرب العالمية الثانية. وزودته باسلحة الدمار الشامل كالاسلحة الكيمياوية وشجعته على استعمالها ضد الشعب الايراني والشعب الكردي ودافعت عنه سياسيا واعلاميا والقت تهمة استخدام اسلحة الدمار الشامل في كردستان على ايران.
كان اهم اهداف خارطة طريق الولايات المتحدة وما زال استعباد العالم اقتصاديا (العولمة) وسياسيا وعسكريا. وكان عليها ان تجد الوسائل المناسبة لتحقيق اهدافها. ارادت بموجب خارطة طريقها ان تحتل جميع دول الخليج عسكريا رغم انها كلها دول خاضعة لنفوذها اقتصاديا وسياسيا. فكيف يمكنها ان تحقق ذلك بدون مقاومة تذكر من قبل هذه الدول؟ حفزت عميلها الكبير صدام حسين على احتلال الكويت وبذلك توفرت لها الحجة الكافية لاحتلال دول الخليج عسكريا لا بصفتها دولة محتلة تريد استعباد هذه الدول بل بصفتها دولة تحرص على سلامة هذه الدول وتصونها من اطماع صدام حسين الذي يريد احتلالها كما احتل الكويت. لذا من المفضل احتلالها عسكريا من قبل الولايات المتحدة لحمايتها من اطماع صدام حسين الجشعة. فقامت باحتلال دول الخليج باجمعها قبل شنها حرب الخليج الثانية. بل ان هذه الدول اشتركت في الحرب ضد العراق لتحرير الكويت.
في حرب الخليج الثانية قامت الولايات المتحدة بالمرحلة الاولى من التدمير المباشر باستخدام احدث اسلحة الدمار الشامل المتوفرة لديها. وكانت لدى الولايات المتحدة فرصة ملائمة لاسقاط صدام وانقاذ الشعب العراقي منه ومن نظامه. ولكن هذا النوع من اسقاط صدام لم يكن يتلاءم مع الخطط البعيدة المدى التي تتطلبها خارطة الطريق التي سلكتها منذ القاء القنابل الذرية على هيروشيما وناكازاكي حتى اليوم. لذا قررت الولايات المتحدة التوقف عن الحرب وصيانة فرق الحرس الجمهوري والاكتفاء بابادة مئات الالوف من جنود الاحتياط الذين كانوا يعودون مشيا على الاقدام او بالسيارات الى العراق بعد هزيمة الجيش العراقي.
ومنذ ذلك الحين مارست الولايات المتحدة سياسة ذات وجهين. فمن ناحية واصلت تدمير المنشآت المدنية والعسكرية بحرب استنزاف يومية وغارات جوية مستمرة وتدمير الشعب العراقي بسياسة الحصار الاقتصادي الخانقة التي مات نصف مليون طفل بسببها مما ابهج وزيرة الخارجية فولبرايت انذاك ، ومن الناحية الثانية مارست سياسة صيانة نظام صدام من اية محاولة لاسقاطه داخليا. فقامت الولايات المتحدة مثلا بالسماح للطائرات العمودية العراقية في تحطيم الانتفاضة في جنوب العراق رغم انها جاءت تلبية لنداء بوش الاب الذي حرض الشعب العراقي على الانتفاض على نظام صدام. وحين عرفت الولايات المتحدة عن وجود حركة ضباط واسعة تريد اسقاط صدام بانقلاب عسكري ووعدتهم بتقديم المساعدة لهم في هذا المجال، قامت الولايات المتحدة بتقديم قائمة الضباط المتآمرين الى صدام لكي يعدمهم جميعا. ان صيانة نظام صدام كانت من صميم خطط الولايات المتحدة اذ ان اسقاط نظام صدام بانقلاب عسكري لا يمنحها فرصة احتلال العراق بالطريقة التي ترغب فيها، طريقة احتلال العراق بصفتها المنقذ والمحرر وليس بصفتها المحتل المستعمر.
وجاءت الفرصة بعد حوادث ١١ ايلول في نيويورك والبنتاغون حيث اعلن بوش الابن حربا عالمية ثالثة اسماها حربا ضد الارهاب. وقد حدد منذ الايام الاولى لهذه الحرب محور دول الشر الثلاث، رغم ان العالم كله تحول بالنسبة للولايات المتحدة اما دول خير تحالف الولايات المتحدة في حربها العالمية الثالثة او دول شر تعارض الولايات المتحدة فينبغي تأديبها ومحاربة ارهابها واحتلالها ومواصلة عولمة الراسمال الاميركي فيها. فاصبحت افظع دول الارهاب مثل اسرائيل دولة سلام تدافع عن نفسها في فلسطين كما تدافع الولايات المتحدة عن نفسها في افغانستان والسعودية وقطر والكويت وكوريا الجنوبية واليابان والمانيا وهايتي ويوغوسلافيا وتاجكستان وازبكستان وقرغيزستان وباكستان ودول اوروبا الشرقية والدول المنفصلة عن الاتحاد السوفييتي سابقا وغيرها.
وبحجة حيازة حكومة صدام لاسلحة الدمار الشامل التي زودته بها هي وبريطانيا وغيرهما وهي تعلم ان هذه الاسلحة قد تم تدميرها في حرب الخليج الثانية وما تلاها من غارات جوية وما دمرته لجان التفتيش عن هذه الاسلحة. فالولايات المتحدة كانت تعرف كما يعرف كل العالم بان صدام قد فقد القدرة على تطوير اسلحته بسبب الحصار الاقتصادي فلم يعد له حتى ما يدافع به عن نظامه ضد اي هجوم امبريالي. وقد ظهر ذلك واضحا ليس في حرب الخليج الثانية فقط بل في حرب الاستنزاف التي تلتها لمدة اثني عشر عاما. ولكن الولايات المتحدة وزميلتها الصغرى بريطانيا اصرتا على وجود اسلحة الدمار الشامل في العراق رغم ان لجان التفتيش لم تعثر على اي اثر لها وارادت ان تفرض على مجلس الامن قرارا بالحرب على العراق. ورغم ان مجلس الامن لم يخضع لرغبة الولايات المتحدة هذه المرة كما هي العادة في الحروب السابقة فقد قررت الولايات المتحدة شن الحرب على العراق بدون موافقة مجلس الامن. فشنت هجومها الغادر باسلحتها المتطورة فدمرت كل ما استطاعت تدميره من المنشآت العسكرية والمدنية في العراق ونجحت في اسقاط حكم صدام باقل مما توقعته وهكذا تحققت خططها في احتلال العراق بصفتها المحرر وليس بصفتها الدولة الاستعمارية المحتلة.
ولكن التدمير الذي حصل خلال الحرب الاخيرة لم يكن كافيا ومناسبا لخطط الولايات المتحدة ولمفهوم اعادة اعمار العراق. فقامت الجيوش المحتلة بتشجيع وتدبير تدمير كافة ما تبقى من المؤسسات الحكومية وكذلك المتاحف والمكتبات العامة والجامعات وغيرها. وبهذا صح مفهوم اعادة الاعمار اذ لم يبق ما هو عامر عدا المنشآت النفطية التي بذل المحتلون كل الجهد في حمايتها.
ولم يكن تدمير المنشآت العامة وحده ضمن مخطط الولايات المتحدة الاميركية. فقد كان تدمير كل منشآت الدولة هو الاخر ضمن اهدافها. وسبب ذلك هو ان الولايات المتحدة خططت لجعل العراق مستعمرة على الطراز القديم وهذا يستلزم عدم وجود دولة على الاطلاق. فقام بول بريمر بحل الجيش العراقي والشرطة العراقية والمخابرات العراقية والوزارات العراقية جميعا. فاصبحت منشآت الجيش الاميركي تقام على فراغ ودمار تام. فلو وجد جيش عراقي مثلا لامكن تغيير قيادته وتسليمه زمام الامن والدفاع ولكن حل الجيش جعل الجيوش المحتلة وحدها المسؤول عن الامن وجميع الامور الاخرى التي تهم الشعب العراقي. وتحقيقا لمخطط الولايات المتحدة في جعل العراق مستعمرة على الطراز القديم قامت الولايات المتحدة باجبار مجلس الامن على اصدار قرار بهذا الصدد يجعل العراق رسميا بقرار من مجلس الامن ، او قل بقرار من المجتمع الدولي، مستعمرة مباشرة للولايات المتحدة الاميركية. وبهذا القرار تدهور مجلس الامن الى مستوى عصبة الامم او احط من ذلك.
ظن الاميركيون ان الشعب العراقي سيستقبلهم بالورود والرياحين او هكذا صور لهم عملاؤهم الذين اسموا انفسهم المعارضة. ولكن الشعب العراقي، ككل شعوب العالم ان لم يكن اكثر، شعب ابي لا يخضع للاستعباد الامبريالي. ورغم ابتهاج الناس عموما بالتخلص من حكم صدام لم يستقبلوا جيوش الاحتلال الاميركية بالارتياح. وكان سلوك جيوش الاحتلال الاميركية البريطانية هو الاخر سببا في التعجيل باعمال المقاومة اذ ان هذه الجيوش لم تفهم ولم تشأ ان تفهم الشعب العراقي وعاداته وتقاليده فسلكت مع الشعب سلوكا متوحشا تجرد من كل انسانية. وقد ظهرت بشاعة الوحشية الاميركية والبريطانية مؤخرا في معاملة الاسرى العراقيين في سجون العراق مثل سجن ابو غريب رغم ان حقيقة كون هؤلاء الاسرى او اغلبهم ابرياء من اية تهمة حيث اطلق سراح المئات او الالاف منهم بدون توجيه تهمة او محاكمة.
وحين استولت الولايات المتحدة وبريطانيا والجيوش الموالية لها على العراق كان اول ما تفكر به تجريد الشعب العراقي من اي نوع من انواع السلاح. فكل سلطة جديدة تخاف من وجود الاسلحة بشتى انواعها لدى الشعب لان ذلك يشكل خطرا على سلطتها. ولكن هيهات ان تستطيع سلطة ايا كانت تجريد شعب كامل من سلاحه. فالشعب قادر على ايجاد وصنع السلاح بشتى الوسائل العلمية والبدائية اذا اراد المقاومة. وسرعان ما نشأت مقاومة الاحتلال بشتى انواعها. فمنها مقاومة شعبية معادية للاستعمار وهذه هي المقاومة الصحيحة الوحيدة التي بامكانها ان تزعزع سلطته وان تجبره على التراجع. وهذه المقاومة ترعب جيوش الاحتلال وترعب عملاء الاحتلال. ومنها مقاومات فئوية يغلب عليها الطابع الديني وهي مقاومات رجعية تتطلع الى خلق نظام شبيه بنظام الخميني في ايران او غيره من الانظمة الدينية في بلدان عربية اخرى. ولكن جيوش الاحتلال تدبر هي الاخرى انواعا من المقاومة منبوذة من قبل الشعب لاضفاء صفة الارهاب على المقاومة ككل. وهذا ما نشاهده يوميا في عراق اليوم. ولكن المقاومة الشعبية الحقيقية لا يمكن ان تهد من عزمها هذه التشويهات لمقاومتها. والمقاومة الحقيقية ستستمر وتنتظم اكثر فاكثر حتى تزيح الاستعمار من على اكتاف الشعب العراقي. ولكن هذه المقاومة ما زالت لحد الان مقاومة عفوية ليس لها تنظيم واحد وقيادة حكيمة تستطيع توجيهها وقيادتها على نطاق القطر كله بحيث تشكل ضربات قاسية للمحتلين ولاعوانهم اعداء الشعب العراقي.
بعد ان بلغت قوات الولايات المتحدة اهدافها من تدمير العراق وتدمير دولته وجعله مستعمرة مباشرة بدأت عملها في اعادة اعمار ما خربته واعادة انشاء معالم دولة جديدة على اثار الدولة القديمة. وظهرت حقيقة اعادة الاعمار بوجهها البشع بالمقاولات الكبيرة الممنوحة للشركات الاميركية العائدة للطغمة الحاكمة الاميركية. وظهرت بوادر انشاء الدولة الجديدة في مجلس الحكم الذي عينه بول بريمر من عملاء اكثر اخلاصا للاستعمار من الاستعمار نفسه. واعترف بريمر بخطأ حل الجيش العراقي وصحح الخطأ بانشاء جيش جديد يجري تدريبه في المعسكرات الاميركية ومن قبل الجنود الاميركيين لكي يصبح درعا حاميا لجيوش الاحتلال من غضب الشعب العراقي. ويصدق نفس الشيء على الشرطة العراقية الجديدة وتدريبها بحيث تكون شرطة مرتزقة اميركية. وقد شاهدنا قبل ايام كيف هجمت شرطة بريمر العراقية على سكان النجف وفي المقابر بحثا عن الاسلحة فقتلت عددا من العراقيين في سبيل ذلك. ورأينا قبل ذلك كيف حل الجيش العراقي بقيادة ضابط بعثي معروف لتحقيق ما لم تستطع الجيوش الاميركية تحقيقه في الفلوجة. وتأسيس الجيوش من سكان المستعمرات ليس جديدا فالتاريخ يعرف جيوش السيك والغرغة التي كانت تزج في الحروب الامبريالية البريطانية في شتى بقاع العالم بحيث شاع القول بان البريطانيين مستعدون للحرب حتى اخر جندي هندي. وحتي في العراق انشأ المسعمرون البريطانيون جيشا من الاثوريين لخدمتهم في السيطرة على الشعب العراقي اضافة الى الجيش الهندي والسيكي والنيبالي الذي جلبوه لخدمتهم في العراق.
وبعد سنة من تكوين مجلس الحكم البريمري اخفق في تحقيق الامن للغزاة الاميركيين والبريطانيين والدول الاخرى التي ارسلت جيوشها للقتال تحت قيادة الجيش الاميركي. فلجأ المستعمرون الاميركيون الى وسائل اخرى لخدع واخضاع الشعب العراقي. فظهر شعار تسليم السلطة للعراقيين. وكان هذا الشعار في البداية يفرق بين السلطة والسيادة فشعر الشعب بان تسليم السلطة للعراقيين ما هو الا مجرد تغطية للسيادة الاميركية بحكومة عملاء يأتمرون باوامر الحكام الاميركيين. لذا ظهر شعار تسليم السيادة للعراقيين. وقد بين قادة الحكومة الاميركية ان هذه السيادة لابد ان تكون سيادة منقوصة كما صرح مرارا وزير خارجيتها كولن باول. واخيرا بشرنا بوش بانه سيمنح العراقيين السيادة كاملة غير منقوصة في الاول من تموز القادم.
فما هي مهزلة السيادة الكاملة غير المنقوصة؟ شكلت الادارة الاميركية تحت ستار مندوب الامم المتحدة الاخضر الابراهيمي الذي لم يكن له دور في تأليف الحكومة الجديدة سوى ادخال اسمه شخصيا بانه هو الذي اختار شخصيات الحكومة بعد مشاورات طويلة لاضفاء صفة الامم المتحدة على هذه الحكومة الجديدة التي لا يختلف تشكيلها المبني على اساس المحاصصة الطائفية عن تشكيل مجلس الحكم. فاصبح للعراق اليوم رئيس جمهورية ونائبان له ورئيس حكومة يتباهى بكونه عميل استخبارات اميركي وثلاثة وثلاثين وزيرا ووزيرة على ان تستلم السيادة الكاملة في نهاية حزيران. ولكن الحكومة مارست عملها منذ يوم تشكيلها في الاول من حزيران واشترك رئيس الجمهورية الجديد في اجتماعات الامم المتحدة وفي اجتماع الدول الصناعية الثماني الذي انعقد في الولايات المتحدة مرتديا زيه العربي الذي لا اعرف ان كان قد ارتداه قبل تعيينه رئيسا للجمهورية ام لا.
فما هي احبولة السيادة الكاملة غير المنقوصة؟ ان مهمة الحكومة الجديدة هي تحقيق ما لم يستطع مجلس الحكم تحقيقه، تثبيت الاستعمار الاميركي البريطاني. فمهمة الحكومة هذه هي في الواقع منح السيادة الكاملة غير المنقوصة لجيوش الاحتلال بقيادة الجيش الاميركي. ولكي تستطيع حكومة ان تمنح المحتلين السيادة الكاملة غير المنقوصة يجب ان تحوز عليها. فتفضل بوش بكرمه الاميركي لرعاة البقر المعروف بمنح السيادة الكاملة للحكومة العراقية الجديدة. وما هذه السيادة الكاملة الا تعبير جديد عن السيادة الكاملة غير المنقوصة لجيوش الاحتلال قد ينجح المستعمرون بجعلها تحت علم الامم المتحدة وتحت ستار الجيش المتعدد الجنسيات الذي ترسله الامم المتحدة لمساعدة الجيش الاميركي في القضاء على مقاومة الشعب العراقي وارسال جزء من الجيش الاميركي لتنفيذ خططه الرامية الى استعباد العالم. ويبدو ان الرئيس الجديد قد مارس سيادته غير المنقوصة حتى قبل استلام السلطة رسميا فاعلن انه بحاجة الى بقاء الجيش الاميركي في العراق وطالب الامم المتحدة بارسال جيوشها المتعددة الجنسيات لان الجيش الاميركي والبريطاني والعدد الحالي للجيوش المتعددة الجنسيات غير كاف بالنسبة له لممارسة سيادته الكاملة غير المنقوصة. فوجود الجيوش الاميركية والبريطانية وقواعدها العسكرية المعدة للبقاء الى الابد لا تنتقص من السيادة الكاملة غير المنقوصة للرئيس الجديد بل تثبتها. في فترة الحكم الملكي في العراق كانت هناك قاعدة الحبانية للجيش البريطاني فكنا نسمي العراق مستعمرة. ولكننا الان نسمع عن دولة جمهورية كاملة السيادة مع وجود العشرات من القواعد العسكرية وبوجود اكبر سفارة اميركية في العالم وبسيطرة الاستخبارات الاميركية رسميا على الاستخبارات العراقية. يبدو ان مفهوم الاستقلال والسيادة ومفهوم الاستعمار قد تطور مع تطور الثورة التكنولوجية بحيث ان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لا يشعران بانتقاص السيادة بوجود جحافل الجيوش المحتلة. بل يبدو ان السيادة تتناسب تناسبا طرديا مع عدد الجيوش المحتلة وعدد الدول المشاركة في الاحتلال اي كلما زاد عدد الجيوش المحتلة وزاد عدد الدول المشاركة في الاحتلال زادت السيادة غير المنقوصة.
وفي قمة هذه التحولات جاء مؤتمر الدول الصناعية الكبرى الذي احاطته وسائل الاعلام بضجة كبيرة. انعقد هذا المؤتمر كالمؤتمرات السابقة تحت شعارات رنانة مثل مكافحة الفقر ومكافحة الامية ومكافحة الايدز ومساعدة الدول المتطورة والاصلاحات الاقتصادية وتخفيض ديون الدول الضعيفة وغير ذلك من الشعارات. وقد احتل شعار الشرق الاوسط الكبير والاصلاحات ومشكلة العراق المركز الاول في شعارات المؤتمر. وقد تحلى رؤساء الدول الذين حضروا المؤتمر بصفات شعبية مثل نزع رباطات العنق والظهور بمظهر الناس العاديين امام شعوب العالم وتنزهوا على ساحل البحر مع الضحكات والمصافحات المصطنعة فيما بينهم. ولكن المؤتمر على ما يبدو فشل في تحقيق اي من الاهداف الرنانة التي اعلن عنها بل انه لم يتطرق اليها البتة.
فما هي حقيقة هذا المؤتمر ولماذا لم يحقق شيئا من شعاراته؟ ان هذا المؤتمر كغيره من المؤتمرات الكثيرة التي تجري في ايامنا لا يضمر شيئا من الشعارات التي يعلنها. فما معنى مكافحة الفقر مثلا؟ اليس الفقر نتيجة لسيطرة هذه الدول الصناعية الكبرى على اقتصاد العالم كله واقتسام مناطق النفوذ الاستعمارية فيما بينها. اليس الفقر نتاج لنهب ثروات هذه الشعوب الفقيرة المعرضة للموت جوعا؟ وهل يعقد مؤتمر الدول الصناعية الكبري للتخفيف من وطأة استغلالها لهذه الشعوب لانقاذها من الفقر؟ ان العكس هو الصحيح. فمثل هذا المؤتمر ينعقد لبحث سبل زيادة استغلال شعوب العالم من اجل زيادة ارباح ارباب الصناعات الذين يعانون من ازمات انخفاض ارباحهم. ان مثل هذا المؤتمر لا ينجم سوى عن زيادة الفقر في العالم من جراء زيادة ارباح هذه الدول الصناعية وزيادة نهب ثرواتها. وهذا يصح على سائر الشعارات البراقة التي ينعقد المؤتمر تحت ستارها.
ولكن الامور في داخل المؤتمر ووجود المصالح المتضاربة بين هذه الدول الصناعية هو الاساس الذي يسيطر على نقاشات المؤتمر الحقيقية التي لا تعلن عنها وسائل الاعلام الامبريالية. والظاهرة الكبرى التي ينعقد المؤتمر من اجلها هي اعادة اقتسام العالم بين هذه الدول التي يتفاوت تطورها الاقتصادي. فالمانيا واليابان اليوم تقتربان من ناحية التطور الصناعي من الولايات المتحدة رغم تفوقها الهائل وهذا يعني ان هذه الدول تريد حصتها من الارباح المتأتية عن نهب ثروات الشعوب. ولكن السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة اليوم هي سلب مصالح هذه الدول الصناعية لتحقيق زيادة ارباح الراسماليين الاميركيين. وهذا يتحقق عن طريق استيلاء الولايات المتحدة على المزيد من المستعمرات وخصوصا عن طريق الاحتلال العسكري والقواعد العسكرية في ارجاء العالم. وهذا هو جوهر الصراع المحتدم في مؤتمر الدول الصناعية الكبرى. وهو صراع يحمل في طياته احتمالات نشوء حرب ضارية بين هذه الدول الصديقة المتآخية من اجل اعادة اقتسام العالم بصورة توفر للدول الاخرى جزءا مناسبا لها من المناطق التي تنهب ثرواتها.
لناخذ العراق على سبيل المثال. ادى احتلال العراق الى حرمان دول مثل فرنسا والمانيا وروسيا من امتيازاتها الكثيرة في العراق. وجاء موضوع اعادة اعمار العراق حيث اعلنت الولايات المتحدة حرمان اية دولة لم تشترك في حربها من الحصول على الارباح الهائلة من مشاريع اعادة الاعمار. وبهذا خسارة كبيرة لسائر الدول الصناعية التي لم تشترك في الحرب. هذا هو الصراع الحقيقي الذي يجري وراء الكواليس في هذا المؤتمر وغيره من مؤتمرات القمة والمؤتمرات التي تعقد يوميا. فالمعركة هي من الذي يحق له افقار الشعب العراقي ونهب ثرواته اكثر من غيره.
كانت الولايات المتحدة تأمل في اقناع دول حلف شمال الاطلسي على ارسال الجيوش التي تساعدها على اخضاع الشعب العراقي للاستعمار الجديد. ولكن بوش اصيب بخيبة امل في هذا المضمار اذ اعلنت الدول الصناعية الكبرى من اعضاء الحلف الاطلسي رفضها لارسال الجيوش الى العراق تحت القيادة الاميركية. هذه هي النقاشات الحقيقية التي تجري في مؤتمرات الدول الاستعمارية الكبرى وليس مكافحة الفقر والامية والايدز كما تعلن وسائل الاعلام الخاضعة لها.
في ايام طفولتنا كنا نتعلم في المدارس الابتدائية ان الجيش هو وسيلة للدفاع عن البلاد ضد اي هجوم اجنبي. ويبدو ان هذا المفهوم قد تغير في عصرنا عصر العولمة والحرب العالمية الثالثة. فقد بشر وزير الدفاع الجديد الذي لم يستلم السيادة بعد الشعب العراقي بان الجيش العراقي الجديد سينزل الى الشارع بعد الثلاثين من حزيران وحده منفصلا عن جيوش الاحتلال وباسلحة اميركية وتدريب اميركي وقيادة اميركية لكي يقضي على كل ارهابي، اي كل من تسول له نفسه محاربة جيوش الاحتلال. بل ان الحديث بدأ ينتشر عن اعلان الاحكام العرفية في البلاد (بل صرح اياد علاوي اليوم عند قراءة هذا المقال لتنقيحه بانه سيعلن حالة الطوارئ في اجزاء من العراق فور تسلمه السلطة ووضع كافة القوى الامنية تحت سيطرته لكي يستطيع القضاء على الارهابيين المجرمين). يبدو انه بدلا من ان يدافع الجيش عن البلاد من الاحتلال الاجنبي يقوم جيشنا الجديد بحماية ووصيانة جيوش الاحتلال الاميركي والبريطاني وسائر الدول المتعددة الجنسيات وقواعدها المنتشرة حاليا في ارجاء العراق والتي يدعو رئيس الجمهورية الجديد الى ارسال وانشاء المزيد منها الى العراق تحت اسم الجيوش المتعددة الجنسيات وتحت لواء الامم المتحدة او حلف شمال الاطلسي او الجامعة العربية وبقيادة الجيش الاميركي.
فهنيئا للشعب العراقي بدولته الجديدة الكاملة السيادة تحت رعاية الجيوش المتعددة الجنسيات وتحت لواء المم المتحة وبالقيادة الاميركية.

حسقيل قوجمان
٢٠ حزيران ٢٠٠٤



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف يصبح الانسان ماركسيا
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الرابعة عشرة) مزورو التاريخ
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثالثة عشرة) التطور العقلاني في الص ...
- النقابات العمالية، مصادر قوتها واسباب ضعفها
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثانية عشرة) سياسة لينين الاقتصادية ...
- ِتحية اجلال واكرام للفيلق السادس
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الحادية عشرة) اخيانة عظمى ام تصفيات ...
- من وحي كتاب فهد (الحلقة العاشرة) الانتقاد، اغراضه وفوائده
- الاحتفال الاول بعيدنا الوطني الجديد
- من وحي كتاب فهد (الحلقة التاسعة) فهد الستاليني
- مرحلة الثورة الاشتراكية وموعد اعلانها
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثامنة) الجبهة الوطنية والنضال ضد ا ...
- من وحي كتاب فهد (الحلقة السابعة) العقيدة الجامدة
- من وحي كتاب فهد (الحلقة السادسة) الستالينية
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الخامسة) الميثاق الوطني
- من وحي كتاب فهد، الحلقة الرابعة - احتكار الماركسية
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثالثة) ثورة اكتوبر
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثانية)العبودية المقيتة
- من وحي كتاب فهد - الحلقة الاولى
- المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي


المزيد.....




- ساندرز لـCNN: محاسبة الحكومة الإسرائيلية على أفعالها في غزة ...
- الخطوط الجوية التركية تستأنف رحلاتها إلى أفغانستان
- استهداف 3 مواقع عسكرية ومبنى يستخدمه الجنود-.. -حزب الله- ين ...
- سموتريتش مخاطبا نتنياهو: -إلغاء العملية في رفح وقبول الصفقة ...
- تقرير: 30 جنديا إسرائيليا يرفضون الاستعداد لعملية اجتياح رفح ...
- البيت الأبيض: بايدن يجدد لنتنياهو موقفه من عملية رفح
- عيد ميلاد الأميرة رجوة الحسين يثير تفاعلا كبيرا..كيف هنأها و ...
- شولتس.. وجوب الابتعاد عن مواجهة مع روسيا
- مقترحات فرنسية لوقف التصعيد جنوب لبنان
- الأسد: تعزيز العمل العربي المشترك ضروري


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - وجاء الفرج