أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق إطيمش - بصحتك يا وطن .... القسم الثالث














المزيد.....

بصحتك يا وطن .... القسم الثالث


صادق إطيمش

الحوار المتمدن-العدد: 2840 - 2009 / 11 / 26 - 13:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بصحتك يا وطن ..... القسم الثالث
المتنبي شامخاً
كان الألم شديداً جداً حينما زرت شارع المتنبي ، شارع الثقافة العراقية ، قبل سنتين ووجدته لا زال يئن تحت ضربات الإرهابين التي أتت على بعض واجهاته ولم تترك عليها إلا سواد وجوههم وبصمات حقدهم على هذا المعلم الثقافي الذي تحول انينه إلى أصوات هادرة تهد مضاجع ألقتلة وتنغص حياة المجرمين الذين تجرأوا محاولين النيل من الثقافة العراقية من خلال النيل من رمزها وما يلفه هذا الرمز من ينابيع الفكر وموارد العطاء.
وكانت الفرحة عارمة جداً حينما اتيته بعد سنتين لآراه وقد أزال سواد الجريمة من على محياه ليبدو مشرقاً زاهياً بكل ما فيه من فسيفساء الفكر والفن والأدب وبكل ما يتحرك فيه من الكتب والصور والقرطاسية والصحف والأقلام والناس وآلات التصوير ، حتى الأوراق النقدية تبدو زاهية ضاحكة فرِحة حينما تُغير مالكها كبديل لكتاب أو مجلة وكأنها تسعى بنفسها إلى ذلك . وعلى شاطئ دجلة يشمخ بالإباء الذي عُرِف به صاحب هذا اليم الثقافي رافعاً يده وكأنه يردد اليوم كما ردد بالأمس ويهتف بزائريه مرفوع الرأس قوي الشكيمة :
أنا ألذي نظر ألأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي مَن به صمم
وتسمع المتنبي وترى قامته الباسقة وكأنها تُشرف بكل دقة وثبات على ما يدور بين تجمعات زائريه على إمتداد السوق ، في الوقت الذي لا يتوانى به هذا الطود الشامخ عن مشاركة جالسيه على النهر تحت السرادق التي أعدها لهم بكل ما تجود به مجالسهم من طرب وغناء وأدب ونقاش وشعر وموسيقى .
ما أروع عازف السنطور الذي تناغمت ألحانه مع نسائم دجلة في صباح يوم الجمعة مرددة أنشودة يا جارة الوادي التي أجاد أداءها شيخ في العقد السادس أو السابع من العمر بحنجرة لم تعرف كلل السنين وبثبات عراقي أصيل يسحق رأس ألإرهاب والإرهابيين ويتحدى بكل ما في دجلة من بأس وما في المتنبي من شكيمة كل جرذان البعثفاشية الحاقدة وخفافيش ظلام التخلف الفكري والتحجر العقلي ، أعداء الفن والعلم والأدب والموسيقى والتمثيل والغناء .
الحياة التي يمنحها المتنبي لزائريه لها نكهة خاصة لا تكاد تستنشق عبيرها لأول مرة حتى تُصاب بالإدمان على الإلتصاق بهذه النكهة ، لا تفارقها حتى يخالجك شعور المواصلة في اليوم التالي أو في الجمعة القادمة على أبعد تقدير ، فللجمعة بدورها وقع خاص في مجالس أبي الطيب . الجمعة التي تتزاحم فيها الكتب والمجلات والصور على ارضية الشارع وتفرش الأرض للزائرين لكي يدلو كل بدلوه حول هذا الكتاب او تلك المجلة ولكي يتشعب الحديث إلى السياسة والفن والأدب وكأن المتحدثين ينتظرون هذا اليوم لا بل ويتهيأون له لإبداء هذا الرأي وتسجيل تلك الملاحظة ونقد ذلك الموقف ، هذه الممارسات التي يمكن إعتبارها عادية تماماً في حياة إنسان القرن الحادي والعشرين . إلا أن البعثفاشية المقيتة التي ظلت تحاسب الفرد العراقي على شهيقه وزفيره لم تحرم هذا الإنسان من هذه الممارسات فحسب ، بل وجعلته يخشى ظله ويتحاشى الكلام مع نفسه إن تجاوز على مشاعره يوماً ما وفكر بما لا يريد أن يسمعه الدكتاتور ولا يقع في نطاق المسموح به في عرف همجية الدكتاتورية الحاكمة . الجمعة التي تتزاحم فيها الأحداث في شارع المتنبي بحيث لا يستطيع المرء ان يُشبِع كل رغباته مما يجري في هذا اليم المائج الهائج . فدار المدى في شارع المتنبي تعلن عن إحتفالية لتكريم الفنانة الراحلة زينب من خلال فتح أبواب هذه الدار لإستقبال الضيوف الذين ملأوا قاعة المحاضرة دون أن تتأثر حلقة رواد الكافتريا الشرقية على بساطهم الذي توسطه عازف العود بدندناته الخفيفة . ولم يتوقف الباحثون عن هذا الكتاب أو تلك المجلة عن مواصلة التنقيب بين الرفوف المتراصة على قاعات دار المدى والتي حوت كل ما لذ وطاب . الجمعة في شارع المتنبي التي يعيش فيها المرء الظاهرة الوحيدة في العالم لشراء الكتب بالمزاد الذي إبتكره صاحب مكتبة الشطري ، نعيم الشطري ، والذي يعلن عنه في كل جمعة وبصوته الجهوري متغنياً بأشعار الكتاب .....وخير جليس في الزمان كتاب . أو بعشق بغداد ....
حييت نبعك عن بعد فحييني يا دجلة الخير يا أم البساتين
أو التغني برواد الفكر والثقافة الذين ضحوا بانفسهم في سبيل نهضة الثقافة وسمو الأفكار الحرة :
سلام على جاعلين الحتوف جسراً إلى الموكب العابر
هذا التراث العراقي الأصيل ، المتنبي وشارعه العتيد سيظلان رمزاً لثقافة وشموخ وإصرار الإنسان العراقي الجديد الذي لم يستطع الإرهاب البعثفاشي أن ينال منه رغم أربعة عقود من الجور والظلم والملاحقات والسجون والإعدامات التي مارسها الحكم المقبور طيلة تسلطه على رقاب الناس وعبثه بأمر البلاد .
كما أنهما سيظلان الشوكة الدامية في عين الإرهاب الأسود مهما كان مصدره وكيفما كانت الشعارات الكاذبة التي يتستر خلفها قومية كانت أم دينية ، إذ ان الثقافة التي تشع من شارع المتنبي ، ثقافة التنوير والعطاء والحب والأخاء كفيلة بردم هذه المستنقعات الآسنة ، مستنقعات الإرهاب والتسلط والقمع .
الدكتور صادق إطيمش



#صادق_إطيمش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بصحتك يا وطن .....القسم الثاني -إشكالات علاقة الدين بالدولة
- جرثومة البعثفاشية تريد الإنقضاض عليكم مجدداً ....فكافحوها
- بصحتك يا وطن ..... القسم ألأول
- طارق حربي مناضل اسمى من أن ينال منه المتقولون
- مَن يُقيّم مَن ...؟
- صموئيل هنجنتون وانهيار نظرية السلفية الغربية
- وهل يمكن أن ننتظر غير ذلك من بعثفاشي كصالح المطلك.....؟
- في البدء كان الإرهاب أيضاً.....
- دكتاتورية ولاية الفقيه وأَعراب الكفر والنفاق ، بؤر الإرهاب ب ...
- نعيم التعددية وجحيم الأحادية القسم الثاني
- نعيم التعددية وجحيم الأحادية القسم ألأول
- لقطات من المهرجان الثقافي العراقي في برلين
- شموخ الثقافة العراقية في برلين
- أحزاب ألإسلام السياسي بالعراق .....قد فشلت وحان رحيلها
- هدية الشعب الكوردي إلى النائب البرلماني أسامة النجيفي
- واضربوهن....مرة أخرى / القسم الثاني
- واضربوهن....مرة أخرى / القسم الأول
- الفقهاء بين التيسير والتعسير
- إبن عربي رائد العلم الحديث
- نَفس عراقي أصيل يتهاوى أمامه الرقعاء


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق إطيمش - بصحتك يا وطن .... القسم الثالث