أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد السلام أديب - دردشة في مرتفع مالاباطا المطل على مدينة طنجة















المزيد.....


دردشة في مرتفع مالاباطا المطل على مدينة طنجة


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 2831 - 2009 / 11 / 16 - 13:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


بعد يوم جهيد قضيته برفقة صديقي عمر في زيارتنا للعديد من الأحياء وشوارع مدينة طنجة، توجهنا في الساعة الحادية عشرة ليلا بالسيارة نحو مرتفع مالاباطا المطل على شاطئ وميناء مدينة طنجة للاستراحة بعض الوقت على أنغام موسيقى مدياع السيارة الهادئة قبل التوجه نحو الفندق للخلود للنوم.
فقد زرنا طيلة ذلك اليوم من أيام خريف سنة 2009 مختلف أزقة وأحياء مدينة طنجة ومن بين هذه الأماكن التي قمنا بزيارتها أحياء الدرادب، حومة صدام، والدريسية، ودشر بنديبان، وديور بوليفار، والموظفين، وسوق برا، وعقبة سيرفانتي، وحومة السبانيول، والجبل الكبير، ومقهى الحافة، والرميلات، وشارع المكسيك، وشارع فاس، وشارع بوليفار الذي تعرضت فيه للاعتذاء في شتاء 2008.
لم تكن هذه الزيارة منتظرة أو مخطط لها، بل جاءت نتيجة ضرورة اتصال صديقي عمر بعدد من الحرفيين لإصلاح بيته من أجل اعادة اكرائه، وكذا تصفية ديونه اتجاه شركة أمانديس من أجل استعادة عدادات الماء والكهرباء، والاتصال بالمكترين القدماء والمكتري الجديد لاتمام اجراءات التصفية لدى السلطات المحلية. من ثم كانت الجولة غنية باللقاءات بشرائح متنوعة من المجتمع الطنجي...
في مرتفع مالاباطاحيث تظهر أوراش متعددة لبناء مركبات سياحية، كانت هناك عدد من السيارات تتموقع قبالة شاطئ مدينة طنجة، وقد كان واضحا بأن أغلب الجالسين في السيارات كانوا يحتسون بوفرة علب البيرة، حيث كانوا يرمون بها بعد افراغها من نافذة سياراتهم، بينما كان هناك من يجمع تلك العلب الفارغة، ربما لإعادة بيعها. وقد قيل لي بأن العديد من ساكنة طنجة يفضلون شراء علب البيرة واستهلاكها بهدوء في هذا المرتفع بدلا من الدخول الى علب الليل والبارات التي أصبحت باهضة الثمن وموبوءة ببائعات الهوى وبالشاذين جنسيا، وكذا باللصوص وقاطعي الطرق ...
ان موقع مرتفع مالاباطا الجميل المطل على جزء واسع من طنجة وعلى كامل شاطئ وميناء المدينة مما جعل عدد من كبار أسماك القرش الآدمية تسارع للاستحواذ على هذا المرتفع والشروع في بناء فيلاتها ومشاريعها السياحية من فنادق ومنتجعات سياحية مما سيحرم في المستقبل هؤلاء الجالسين بسياراتهم من اللجوء اليه لتأمل منظر المدينة ليلا بكل تلك الأضواء المتلألئة.
ابتدأ صديقي عمر الحديث بطرحه سؤالا تأكيديا ويعقب عليه في نفس الوقت:
- أنظر إلى هذه المدينة كيف تتحول بسرعة نتيجة سيطرة المال على سكانها، أتعلم من أين تأتي كل تلك الأموال التي تحول مدينة طنجة عروسة الشمال كما يتم وصفها، إلى مدينة من الحديد والاسمنت؟ إنها أموال المخدرات، فطنجة فرضت نفسها كعاصمة للمخدرات، كما أن عددا من كبار الوزراء والمستشارين وخدام المخزن الأوفياء يتحكمون حاليا في أهم محاور المدينة، حيث قد تجد مشاريع لمزيان بالفقيه والماجدي ولشركة الضحى ...، حيث يتنافس هؤلاء مع أباطرة المخدرات الذين يمتلكون العديد من العمارات الفارغة في الوقت الذي تتفاحش فيه أزمة السكن وترتفع فيه سومة الكراء.
وتفاعلا مع صديقي عمر الخبير في المجال الاقتصادي، أضفت الى كلامه ما يلي،
- الظاهر أن مدينة طنجة أصبحت خاضعة لسلطة المال أكثر من أي شيء آخر، بل يبدوا أن حقيقة توجهات الدولة الاقتصادية والاجتماعية تتجلى أكثر في هذه المدينة، نظرا لموقع المدينة ولرغبة الحكومة في الانفتاح على أموال المستثمرين الأجانب وعلى الأموال المتأتية من كافة المصادر، حتى وإن كان مصدرها المخدرات، فالمناطق الحرة التي تم تأسيسها بالمدينة من شأنها جذب الأموال الى المغرب، ومن هنا تظهر الأهمية الإستراتيجية للتدفقات المالية على طنجة.
عقب صديقي بسرعة على ملاحظتي قائلا:
- نعم لقد حول المال ساكنة المدينة، وحول أخلاقياتها رأسا على عقب مقارنة بالماضي، فقوة الطانجاوي وضعفه تتجلى من خلال مقدار الأموال التي يمتلكها، حيث أصبحت أخلاقه هي أخلاق المال وصفاته هي صفات المال ومعيشته اليومية هي بمقدار الأموال المتوفرة لديه، فقد تجد رجلا مسنا في منتهى القبح برفقته فتاة من أجمل فتيات المدينة وهي تبادله الحب والقبلات، لأن سن الرجل وقبحه يتحول الى شباب وجمال بواسطة تلك الأموال التي يمتلكها، فالمال أصبح سلطة وغطاء للعيوب كما أصبح وسيلة لشراء الضمائر وارتكاب أحط العلاقات الجنسية...
قلت لصديقي وأنا أتأمل تلك العمارات الشاهقة المتراصة على طول كورنيش شاطئ مدينة طنجة:
- إن من يتأمل تلك القوة الاقتصادية والمالية التي بنيت بها هذه البنايات سيعتقد أن لا وجود للفقراء ولمدن الصفيح بهذه المدينة، لكن جولتنا خلال النهار جعلتني أعتقد أن طنجة لا يوجد بها سوى الفقراء، فالأغنياء لا يتحركون سوى داخل سيارات فارهة خصوصا بالليل وبين النوادي الليلية والحانات، وحتى أمام هذه الأماكن يتكدس المشردون وفتيات الليل والمخمورون، لكن أفضع ما هالني هو ذلك النهر المتدفق من صبيب الودان الحارة لطنجة والتي تصب في هذا الشاطئ الجميل فلا يمكنك أن تصل الى الشاطئ بدون أن تقفل مناخيرك تأففا من الروائح الكريهة المنبعثة، ولا أعجب الا من تلك الفناذق من خمسة نجوم التي بنيت بجوار ذلك الواد، فكيف للسواح أن يتقبلوا المبيت فيه والوضع بذلك الحال..
أضاف صديقي، الذي سخر من ملاحظتي:
- ليست الروائح الكريهة فقط بل العديد من طرقات المدينة محفرة كما لو أن الانتخابات الجماعية لم تحدث أبدا وأنه ليس هناك مجلس بلدي، فالميزانيات تصرف والمدينة لا تزيد سوى تدهورا، فأنت لن تجد في هذه المدينة حتى المراحيض العمومية، لعلك لاحظت عند مرورنا من عقبة سيرفانتي تلك البارات الصاخبة على طول الزقاق المؤدي للمسرح التاريخي، أن جميع الشقق في ذلك الحي قد أفرغها ساكانها، نظرا لعدم قدرة العائلات على الاستمرار في العيش فيها جنبا الى جنب مع الأصوات الموسيقى الصاخبة المبتدلة وأصوات المخمورين، وهناك العديد من الأماكن الأخرى المشابهة هجرها سكانها. فتلك هي المشاريع التنموية المدرة للربح حسب السياسيين، أما باقي القطاعات فأغلبها يعاني من الأزمة أو يفتعل الأزمة للتخلص من العاملات والعمال وتغيير طبيعة النشاط الاقتصادي، فالفيضانات التي شهدتها مدينة طنجة في بداية سنة 2009 شردت الآلاف من العاملات والعمال من عملهم بدعوى أن المعامل لم تعد صالحة للعمل فقد جائت الفيضانات في الوقت المناسب كحليف للبرجوازية لمعالجة مشاكل الشركات التي تريد الاستفادة من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وذلك على حساب الطبقة العاملة.
بهذه الاشارة للأزمة الاقتصادية انفتحت شهيتنا للكلام ونحن نتأمل أضواء السيارات التي تجوب شوارع الكورنيش، فافتكرت وضعية العاملات في عدد من شركات المناولة واللاتي لا يستفيدون من شروط العمل التي تنص عليها مدونة الشغل، فسألت صديقي العارف بأوضاع المدينة:
- لقد سمعت بأن هناك عدد من الشركات العاملة بطنجة خصوصا شركات المناولة كتلك الشركة التي تشتغل على تصبير "الكامبا" أو الكروفيط في معامل بقرب الميناء، والتي تشتغل لحساب شركة هولندية وتشغل حوالي ستة آلاف عاملة وعامل بدون ضمان اجتماعي ولساعات عمل طويلة جدا وبأجر يؤدى على الكيلو من الكروفيط المنقى وغالبا ما يتم الانتقاص من عدد الكيلوات لاحتساب الأجر، وانتزاع فائض قيمة اضافي من أجر العاملات، فقد سمعت بأن هذه الشركات لا تسمح لعمالها بالتنقيب، فهل هذا صحيح؟
أجابني صديقي مؤكدا:
- نعم، بل أن العديد من العاملات يشتغلن لمدد محدودة، ستة أشهر فقط، وبعقود موقعة على بياض في الكثير من الأحيان ليتم الضغط بها عليهن اذا ما أريد تسريحهن، كما أن السلطات العمومية تعرف جيدا هذه الممارسات وتغمض عينيها لأن الأولوية للمستثمر ولرأس المال، بل تتدخل هذه السلطات كلما هددت احتجاجات العمال مصالح الشركة، وعموما فإن السلطات العمومية تطلق يد المستثمرين الأجانب لتشديد استغلال اليد العاملة الطانجوية والمغربية عموما أبشع استغلال.
تأملت كلام صديقي وقارنت ذلك بالحملة الاعلامية الأخيرة التي تتحدث عن الوطنية وحقيقتها وحدودها ومتى نعتبر المرء مواطنا أو غير مواطن، فأردت أن أدفع النقاش نحو هذه الوجهة للتعرف على رأي صديقي في الموضوع، فحاولت أن أطرح الاشكالية كما يلي:
- في هذه الحالة أين هي الوطنية التي يتحدثون عنها هذه الأيام، فهذه الوطنية تصبح مجرد شعارات فقط عندما يتعلق الأمر باستغلال البروليتاريا ومنها عاملات وعمال مدينة طنجة، ثم كيف يعقل أن تبيع الحكومة كافة المؤسسات العمومية التي بنيت من عرق جبين الطبقة العاملة وعموم دافعي الضرائب، ويتم تفويتها للأجانب بدون إجراء أية استشارة شعبية ومع ذلك يتحدثون عن الوطنية، وهم يعلمون بأن سيطرة الأجنبي على القدرات الاقتصادية المغربية حول البلاد الى مستعمرة اقتصادية وسياسية، فماذا سنفعل بالوطنية، حينما تنحدر أغلبية الشعب المغربي نحو الفقر أو العبودية المأجورة.
لم يشأ صديقي أن يجيبني بل أراد توضيح جوانب أخرى من تردي مفهوم الوطنية، حيث قال:
- نعم حتى بالنسبة للغات المستعملة في بلادنا، ليست هناك لغة وطنية وإلا لتم إدراج الأمازيغية في الدستور لأنها للغة التخاطب اليومي للثلثين من الشعب المغربي، ففي طنجة هناك سيادة اللغة الاسبانية أما في المدن الداخلية فتسود اللغة الفرنسية حتى بالنسبة للتعامل مع الادارات العمومية، فأي معنى يتبقى للوطنية التي يتحدثون عنها إذن؟
لقد كنت أعلم أن الحديث يدور حول موضوع حساس، فموفهوم الوطنية له علاقة بما كان يعرف بالتحرر الوطني وبالاستقلال عن التحكم الأجنبي وبما يتصل بكل ذلك من مطالب الدمقرطة وفصل السلطات واستقلال القضاء وبحق تقرير مصير الشعب المغربي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لكن الأمور تحولت لكي تجعل من الوطنية انتماء طبقيا بامتياز، فقلت لصديقي:
- إن الوطنجيين في بلادنا كطبقة متميزة يتشكلون من التحالف الطبقي الحاكم الذين يضعون اليد حاليا على مختلف ثروات البلاد الفلاحية والعقارية والبحرية والتجارية والصناعية، والذين باعوا منها بدون ترخيص من الشعب، ما يكفيهم لبناء امبراطوريات مالية واقتصادية متداخلة مع رأسمال الدولي، وهم لا يتحدثون عن الوطنية عند اقتسام ثروات البلاد حينما ينتزعون لأنفسهم تسعين في المائة من هذه الثروات ويرمون بعشرة في المائة فقط منها لتسعين في المائة من الشعب المغربي، فالأولوية بالنسبة لهم تقوم على الحفاظ لأنفسهم على حصة الأسد، وكل مساس بها هو مساس حينذاك بالوطنية أي مساس بسلطتهم، فهم قد حسموا الصراع الطبقي لصالحهم مع استعمال القانون ضد الأغلبية عندما تنتفض على هذا الواقع الاستغلالي، إن هؤلاء لا يدرسون في مدارس الشعب ولا يتحدثون بلغة الشعب، ويقضون غالب أوقاتهم خارج الوطن، بل أن هؤلاء يبيعون خيرات البلاد للاجانب بدون أن يتحرك لديهم ضمير.
لقد كان صديقي يبحث عن كيفية ايجاد تعبير مقنع عن مدى أهمية استعمال مفهوم الوطنية خلال هذه الأيام رغم الابتدال الاقتصادي والسياسي الذي لحقها، خصوصا مع صعود عدد من الطابوهات بمناسبة الحديث عن مفهوم تقرير المصير وعلاقته بالاستفتاء في منطقة الصحراء، لكن الموضوع لم نحاول ملامسته كما هو بل فضلنا الحديث عن أطرافه، فقد عقب صديقي:
- الأحزاب السياسية هي أيضا تدافع اليوم ومن أجل بلوغ أهداف سياسوية انتخابوية على ما يسمى بالوطنية بل تستعمله في معاركها ضد الأحزاب الأخرى مع العلم أم هذا المفهوم قد انهار مع انهيار المنظومة الاشتراكية الثورية التي كانت أكبر داعم لحركات التحرر الوطني لكن الرأسمالية المعولمة اعادت اختراق كافة البلدان التي تحررت حديثا من الاستعمار ولم يعد لرأس المال الذي رجع للهيمنة على شعوب دول العالم الثالث ومن بينه شعبنا، أي جنس أو عرق أو لغة أو حدود، فالوطنية أصبحت مجرد مصطلح أجوف تشكل يستعمل مثل الدين لتخذير الشعوب، حيث لم يعد من داعي للوطنية سوى من أجل التوظيف السياسوي الشوفيني ومن أجل الهيمنة الفاشستية، والتعبئة لشن الحروب والدفع بالملايين من أبناء الطبقة العاملة في هذه الحروب. إن الصراع الطبقي أصبح اليوم مفتوحا على الصعيد العالمي بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية المهيمنة التي لا زالت توظف الدين ومقولات الوطنية لخداع وضبط الطبقات المستغلة وتأبيد استغلالها.
لقد شعرت وأنا أستمع لحديث صديقي، بمحاولته التأكيد على خطورة التحولات الحاصلة في المجتمع وبضرورة فهم مختلف التحولات الحديثة خصوصا مع تواتر الأزمات الاقتصادية والمالية وتكريسها لبؤس الطبقة العاملة، فعقبت على ما قاله صديقي كما يلي:
- لقد أصبح الصراع الطبقي يفرض نفسه داخل المجتمع، فمن خلال هذا الصراع تتحدد حصة كل طبقة من الكعكعة الوطنية بين الطبقات المشاركة في الانتاج، فالبروليتاريا لم تتوحد وتتضامن بعد من أجل تشكيل جبهة قوية في صراعها ضد الرأسماليين والبرجوازيين لذلك تتدهور وضعيتها أكثر فأكثر عند قدوم أية أزمة اقتصادية، فمن المتوقع أن تتفاقم المواجهات بين البروليتاريا والبرجوازية ليس تحت تأثير قيادة البرجوازية الصغرى التي قد تنجذب بالنظرية الماركسية وبالانتصار للمثل الانسانية العليا، حتى وان شكلت دعامة لصراعها ضد الطبقات الأخرى، كما لا تنجذب البروليتاريا بالمفهوم الضبابي للعدالة الى حلبة الصراع الطبقي، بل ما سيدفعها لخوض الصراع الطبقي المرير هو العوز ولقمة العيش بخلاف الشيوعيين من ذوي أصول بورجوازية الذين يعتبرون انتهازيين بطبيعتهم.
إن الحديث عن الصراع الطبقي الذي قد تقوده البروليتاريا ضد مستغليها من البرجوازية، جعل صديقي عمر يتساءل عن مفهوم البرجوازية الوطنية وما تفرع عنها من مصطلحات من أمثال المقاولة الوطنية، وقد أضاف إلى ذلك:
- ان ما يسمى بالبرجوازية الوطنية التي قادت ثورة الطبقة الكادحة ضد المستعمر من أجل التحرر الوطني واستعادة ثروات البلاد والتي تحولت بعد حين لأكبر مستغل للطبقة العاملة التي تشكل أغلبية الشعب المغربي، نشاهدها اليوم تحت تأثير أزمتها الهيكلية، أنها هي نفسها التي أصبحت تستدعي الشركات متعددة الاستيطان بالشروط المجحفة التي تقبلها والتي تتجاوز ممارسات المعمرين الأجانب سابقا علما بأن هدفها هو التحكم في مجمل المقدرات الاقتصادية للبلاد وتحويل عائداتها نحو المتربول، مما سيترك البلاد في حلقة دائرية مفرغة من التخلف والعجز، فمنطق الوطنية لم يعد من الجائز استعماله في هذه الأمور، لكنه يستعمل مع ذلك من أجل تأبيد العبودية والاستغلال، ومحاصرة حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة أو من أجل اللجوء الى الممارسات الفاشستية ضد القوى المعارضة. وأعتقد أن حزب بام الذي يتزعمه أحد أصدقاء الملك قد حدد مساره في هذا الاتجاه، فهو لا يتحرك الا عند الحاجة لممارسة الفاشستية العمياء ضد المعارضين.
كنت أعلم أن الخوض في هذا الحديث سيأخذنا بعيدا نحو اشكالات فكرية واستصدار أحكام قيمة، لذلك كان علي واجب تحويل دائرة الحديث للبقاء في حدود ما بدأنا به الحديث، فقلت لصديقي:
- إن المنعرج الذي تعرفه بلادنا جعلها تصبح مجرد سوق للبضائع القادمة من الخارج خصوصا من السوق الآسيوية، فبفعل السياسات المتبعة في بلادنا منذ عقود جعلها في حالة عجز متواصل، بل نجدها تستعطف رؤوس الأموال في المراكز الرأسمالية للاستثمار بينما هؤلاء المستثمرون يتأففون عن المجيء، كما أن نظام الإنتاج الرأسمالي التبعي القائم لم يعد مربحا لأصحاب رؤوس الأموال بفعل المزاحمة الخارجية الكبيرة، حيث تتجه أكبر نسبة من الأموال الأموال المحلية نحو المضاربة والربح السريع، ومن هنا تنبثق شراهة الرأسماليين المحليين والأجانب لالغاء كافة الخدمات العمومية وخوصصتها من أجل استعادة جزء من فائض القيمة المنتزع من العمال لتوفير هذه الخدمات بالمجان وبالتالي احتسابه في أرباحهم المحققة.
ان الصورة التشائمية التي كنا نتحدث عنها لم يكن يخفض من حدتها سوى ذلك المنظر المثير لأضواء طنجة ليلا وتلك الموسيقى الهادئة التي كانت تنبعث من مدياع السيارة، وقد عقب صديقي بما يلي:
- هل لا زلت تعتقد أن هناك بصيص من النور في نهاية هذا النفق المظلم من الأزمات التي أصبحت مهددة لكافة الطبقات؟ ألم تعد الاشتراكية مجرد حلم جميل لا يتحقق واندثرت أحلام التحرر الوطني والدولة الوطنية التي انهارت مع انهيار الثورة الاشتراكية في العالم والتي لولا دعمها لما ظهر مفهوم التحرر الوطني، خصوصا عقب انهيار سور برلين وإعادة الانتشار الرأسمالي عالميا مع عسكرة العولمة والهيمنة على الموارد الطبيعية وعلى المصارف العالمية وعلى الاعلام وأيضا على قنوات التجارة العالمية؟ فأية وطنية ستتبقى بعد أن تحولت البرجوازية الوطنية الى شردمة من الكمبرادورية تستنزف دماء الشعب لتحقيق اغتنائها واغتناء الرأسمال المالي العالمي؟.
لقد كان علي أنا أيضا أن أخرج بخلاصة واضحة حول الموضوع، لأن الوقت قد طال بنا وبدأت تظهر علينا علامات التعب، فقلت لصديقي:
- الرأسمالية هي الأخرى بلغت حدودها التاريخية ومنتهى توسعها عالميا ولم تعد تفرز سوى التناقضات والأزمات الواحدة تلو الأخرى نظرا لحدة التناقض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج المولدة لها، فالرأسمالية لا يمكنها الاستمرار بدون استغلال الطبقة العاملة، ومع انحسار الأسواق وتراجع معدلات الربح، تزايدت الأزمات الدورية وتقلصت الفترات التي تفصل فيما بينها، وفي كل أزمة تتعمق اشكال استغلال الطبقة العاملة ويتم الإجهاز على مكتسباتها التاريخية، وكلما تفاقم الاستغلال وانتشر الفقر وانتشر الجوع بدأت البروليتاريا في تنظيم صفوفها وتأجيج صراعها الطبقي.
قاطعني صديقي قائلا:
- الأكثر من ذلك هو ذلك التدهور الاجتماعي المتزايد المصاحب لتزايد التناقضات والاستغلال المفرط، والذي لا تتمكن من التعايش فيه سوى فئات قليلة من الطبقة الوسطى التي تعيش على تجارة الخدمات، ففي ظل هذا الوضع يتكامل هذا المشهد المتفاحش من الاستغلال في مدينة طنجة، حيث يدمر المال القيم ويقود نحو انحطاط العلاقات الجنسية وتفشي النخاسة والمخدرات والسرقة والجريمة بدون وازع ضمير، وكل ذلك الى جانب تفشي التدين والإيمان بالخرافة والشعودة، وهو ما يدفع نحو سيادة الروح الانقسامية بين الجماعات والطوائف المختلفة المتصارعة من البرجوازية الوسطى.
قاطعت بدوري صديقي قائلا:
- اعتقد أن المعالجة النسبية لهذه الأمور يتطلب تسوية بين الطبقات الثلاث القائمة في المجتمع، أي بين الطبقة البرجوازية المكونة للتحالف الطبقي الحاكم، والبرجوازية الصغرى المشكلة من فئات الطبقة الوسطى، ثم شرائح البروليتاريا المكونة أساسا من الطبقة العاملة، فتحسن الوضع لن يتأتى سوى باقتسام السلطة فيما بين هذه السلطات على أساس تمثيليات متوازنة ، فمن شأن هذا الاقتسام الذي لن يتأتى بدون وضع دستور ديموقراطي صياغة ومضمونا يعبر سياسيا عن طموحات الطبقات الثلاث، أن ينقل البلاد إلى حالة من الوفرة تتيح لكل طبقة أن تأخذ على عاتقها بالتنمية الخاصة بها.
لقد قدمت لصديقي هذه الفكرة التي كانت وليدة اللحظة وأنا أضحك، مؤكدا له أن الأمور لو كانت تتم بهذه السهولة، لما كنا نعاني من أجل تحليلها، فالتغيير لن يتأتى سوى بحزب الطبقة العاملة والذي هو أيضا لا يتحقق بدون عمل طويل مضن تنخرط فيه بصدق قوى جذرية مؤمنة بضرورة قيام هذا الحزب وبمشروعه الاشتراكي.





#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إدانة واحتجاج لإنعقاد ما يسمى بمنتدى المستقبل بالمغرب
- جميعا من أجل مناهضة المشروع الأمريكي الامبريالي “منتدى المست ...
- شعوب العالم تحتاج للطعام لا للتطعيم ضد انفلونزا الخنازير
- الطبقة العاملة تتعرض في العاصمة الرباط للإهانة والاستغلال
- دردشة مع صديقي الاتحادي
- القروض الاستهلاكية وأزمة الطبقة الكادحة
- أزمة صناديق التقاعد
- ارتفاع الأسعار، الأسباب وآليات المواجهة
- الغلاء ونضالات تنسيقيات مناهضة الغلاء
- المخلفات المأساوية للأزمة وآفاق التجاوز
- تفريغ الأزمة على حساب الطبقة الكادحة
- عقد من الأداء الاقتصادي، أية حصيلة؟ 1999 - 2009
- تجاوز الماركسية للفكر البرجوازي المتعفن
- تعفن النظام الرّأسمالي العالمي وطابعه الطفيلي يستدعي قلبه
- الأزمة، وضعية العمال وقانون الشغل، الغلاء وحقوق الإنسان
- أزمة الإمبريالية وفرص الثورة البروليتارية
- يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة انتفضوا
- الصراع الطبقي ووحدة نضال البروليتاريا الجديدة
- إضراب النقل جاء نتيجة للإفلاس السياسي
- ماذا عساي أن أفعل لوكنت مكان وزير الاقتصاد والمالية لإنقاذ ا ...


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد السلام أديب - دردشة في مرتفع مالاباطا المطل على مدينة طنجة