أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - ارتفاع الأسعار، الأسباب وآليات المواجهة















المزيد.....


ارتفاع الأسعار، الأسباب وآليات المواجهة


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 2760 - 2009 / 9 / 5 - 21:24
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


مقدمة
منذ ثلاث أشارك خلال شهر رمضان مع بعض الرفاق في الحديث عن غلاء الأسعار وآليات المواجهة، وبطبيعة الحال أنه في كل سنة تكون هناك مستجدات في هذا الموضوع، ورغم النضالات المريرة التي تم خوضها داخل التنسيقيات ورغم تمكنها نسبيا تخفيف تطبيق بعض الإجراءات الحكومية اللاشعبية في هذا المجال نتيجة للاحتجاجات القوية الا أنه من الملاحظ أن هجوما قويا متصاعدا يتم في حق القوت اليومي للجماهير مقارنة بما كان يحدث في السابق، فالحكومة تراهن من جهة على تراخي الاحتجاجات لتمرير مخططاتها الطبقية والجماهير الشعبية تبدع في كل مرحلة أساليب جديدة للتعبير عن استنكارها واحتجاجاتها.
لكن الوضع خلال هذه السنة يبدو أكثر مأساوية لأنه يشهد هجوما خطيرا غير مسبوق على القوت اليومي للجماهير الشعبية سواء من حيث غلاء المواد والخدمات الأساسية أو من حيث تجميد الأجور وتسريح العاملات والعمال أو من حيث اتساع رقعة البطالة بين حاملي الشهادات وحاملي السواعد.
الوضع خطير إذن لأنه بالإضافة إلى الممارسات الطبقية للبرجوازية لتشديد استغلال الطبقة العاملة هناك الوضع المتأزم للرأسمالية الدولية ولجوئها الى تدبير أزمتها على حساب الطبقة العاملة والشعوب المقهورة وجعل الدولة أداتها في هذا التطبيق.
سأحاول من خلال مداخلتي هذه أن أطرح عليكم للنقاش من وجهة نظري الأسباب العميقة للغلاء وتدهور الخدمات العمومية في بلادنا، ثم أحاول في مرحلة ثانية الحديث المقاومة الشعبية العفوية والمنظمة في مواجهة الانتهاكات التي تطال حقوقه ومعيشته.
وستتناول مداخلتي أربعة محاور سأحاول بأن تكون واضحة ما أمكن ومختصرة، وستتناول هذه المحاور ما يلي:
1 – إفلاس الاقتصاد السياسي البرجوازي وتشديد استغلال الطبقة العاملة
2 – محاولات البرجوازية تدبير أزمتها من خلال جهاز الدولة
3 – محاولات الرأسمالية تجاوز تناقضاتها الهيكلية وأزماتها القاتلة
4 - مراحل تدبير أزمة رأس المال بالمغرب وردود الفعل الاجتماعية عليها

أولا: إفلاس الاقتصاد السياسي البرجوازي وتشديد استغلال الطبقة العاملة
1 – حجم الأزمة
لاشك أن الجميع تابع حدث انفجار الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر شتنبر 2008 والتي انتقلت بسرعة الى جميع أنحاء العالم، وقد تمثلت هذه الأزمة خاصة في:
- أزمة أبناك عالمية: فمنذ انهيار ليمان برادرز في 12 شتنبر 2008 بلغ عدد الأبناك التي تم الإعلان عن إفلاسها لحد الآن حوالي 150 بنك وهي موجودة على موقع FIDIK الأمريكية؛
- أزمة بورصات وأوراق مالية عالمية: انهارت أسعار الأسهم بنسب عالية تبخرت معها قيم الأوراق المالية التي تقدر بالملايير والتي أدت الى خسارات لدى أشخاص ودول عانى منها حتى المغرب؛
- أزمة تمويل الأنشطة الإقتصادية العالمية: فانهيار الثقة بين الأبناك أدى الى صعوبة توفير قروض للتمويل الدولي للانشطة الاستثمارية
- بلغ حجم تدمير رؤوس الأموال على مستوى الأبناك ومؤسسات التأمين وشركات الاستثمار وتبخر الأوراق المالية حوالي 50 بليون دولار وذلك حتى نهاية دجنبر 2008 وهو مبلغ يزيد بألف مرة عن المبلغ الذي تم تدميره خلال أزمة 1929 والذي لم يتجاوز 50 مليار دولار
وقد تولدت عن هذه الأزمة المالية أزمة اقتصادية عميقة شملت مجموع دول العالم بشكل متزامن ويمكن الإشارة إلى أهم مظاهرها فيما يلي:
- تراجعت مبيعات السيارات بالولايات المتحدة وأوروبا واليابان بالثلث أي حوالي 33 %
- إفلاس جنرال موتورز ووقوف طويوطا عند حالة الإفلاس، فقد بلغ مجموع خسارة طويوطا 1,5 مليار أورو
- تراجع مبيعات الشاحنات في العالم ب 30 %
- تراجع انتاج سيارات فولزفاكن في العالم ب 20 %
- تراجعت صناعات التعدين والصناعات الكميائية والمناجم في العالم بحوالي 50 %
- تراجعت نسبة استهلاك البترول بكميات هائلة لم يشهدها العالم منذ 26 سنة
- بقيت حوالي 50 % من حاويات البواخر مخزنة لعدم استعمالها في نقل البضائع
- انهارت التجارة الخارجية خلال أربعة أشهر الأولى للأزمة ب 20 %
- انخفض الإنتاج العالمي حتى ب 30 %
- تراجع الطلب العالمي خلال أربعة أشهر الأولى للأزمة الى نحو الصفر
- انخفضت الملاحة التجارية ب 50 %
- وحسب دراسة للبنك الدولي، فإن النمو الاقتصادي سينهار سريعا بسبب الأزمة في 94 من اصل 116 دولة من دول العالم الثالث، خصوصا عقب الانخفاض الدرامي للطلب على المواد الأولية وانهيار أسعارها.
- فقدان المهاجرون القادمون من الدول الخاضعة للاستعمار الجديد لعملهم، على الخصوص في اليابان والولايات المتحدة وأوروبا. كما تناقصت تحويلاتهم والتي تعد بالملايير في ميزانيات دولهم الأصلية.
- تفاقم جديد لأزمة المديونية الدولية ،سيكون لها انعكاسات غير منتظرة على ظروف العيش والعمل لعدة ملايين من الناس.
- في الولايات المتحدة تم تسريح أربعة ملايين عاملة وعامل


2 – تفسير أسباب الأزمة
تشكل الأزمة المالية بحد ذاتها افلاسا للاقتصاد السياسي البرجوازي، فمختلف المبادئ النيوليبرالية التي حاربت بها الأوليغارشية العالمية الاقتصاد الاشتراكي والإقتصاد الكينيزي، انهارت مع الأزمات المتوالية وخصوصا عقب لجوء مجموعة العشرين المجتمعة في نيويورك خلال شهر نونبر 2008 الى ضرورة تدخل الدولة لتدبير أزمة الرأسمالية النيوليبرالية التي كانت ترفض بشكل مطلق تدخل الدولة.
وقد حاول خبراء الاقتصاد الرأسمالي ابعاد الشبهة عن هذا الافلاس فقررو اعتبار أن سبب الأزمة هو في نفس الوقت عدم احتياط الأبناك عند منحها للقروض وهنا يثيرون القروض الرهنية للسوبرايم وأيضا إلى سوء تدبير مدراء الأبناك ومسيري شركات البورصة للمحفظات المالية التي يشرفون عليها.
لكن هذا التفسير يحاول أن يتجاهل التناقضات الكامنة في النظام الرأسمالي والتي فسرها كارل ماركس بكل وضوح في كتابه رأس المال منذ 150 سنة تقريبا والتي تعتبر سبب الأزمات وإفلاس الاقتصاد السياسي البرجوازي.
ويمكن تفسير هذه التناقضات بسرعة كما يلي:
- الرأسمال يتكون من فائض القيمة الذي ينتزعه الرأسمالي من العمال، فالعامل لا يتقاضى مقابل المجهود الذي يبدله في العمل سوى نصف يوم العمل الذي يقوم به بينما النصف الآخر فينتزعه رب العمل، ومن خلال هذا الانتزاع لمجهودات العمال يتكون الرأس مال البدائي والذي يتحول جزء منه الى آلات تجهيز تدعى بالرأس المال الميت؛
- إذن فالرأسمالية لا يمكنها أن تعيش بدون استغلال مجهودات العمال وهو ما يتم التعبير عنه بالرأسمال الحي، فهذا الأخير هو وحده الذي ينتج أرباحا، لذلك يحاول رب العمل التقليص من الأجور والزيادة في ساعات العمل حتى تتزايد حصته من الأرباح المحققة؛
- لكن هذه الأرباح التي يقتطعها رب العمل تتجه نحو التناقص، نظرا لأن السلع التي يعرضها تجد سلعا أخرى تنافسها في السوق، ومع توالي تناقص الأرباح تحدث الأزمة فيعمد الرأسمالي الى طرد العمال أو تقليص أجورهم، أو اقفال المصنع في حالة توقف الأرباح.
- ان التناقض بين تدني الأجور لدى العمال وفائض وفرة الإنتاج والأموال لدى البرجوازية يؤدي الى تراجع القدرة على الاستهلاك، لذلك يبحث الرأسمالي عن كيفية إيجاد أسواق جديدة لتصريف فائض منتجاته حتى لا يضطر الى الاقفال، ومن هنا انطلقت الدول الرأسمالية الوطنية في القرن التاسع عشر في سباق محموم للحصول على المستعمرات وعلى منافذ لتسويق سلعها الفائضة وجلب المواد الأولية الرخيصة وبذلك بدأ عهد الامبريالية؛
- نفس المبدأ يسري حاليا في عهد الرأسمالية المعولمة، فبعد أن اقتحمت جميع الأسواق ووفرت فيه سلعها بشكل كبير فإنها ستتوقف عن الانتاج وبالتالي سينهار مستوى الربح لأنه لم يبقى مجال آخر لتصريف فائض وفرة المنتجات اضافة الى انعدام مجالات جديدة لاستثمار الأموال الفائضة؛
- وعندما تتوفر مبالغ مالية هائلة الى جانب غياب القدرة على استثمارها يلجأ رأس المال الى المضاربة بتلك الأموال الفائضة في جميع المجالات الممكنة حتى في المواد الغذائية الأساسية وكلها مضاربات على المستقبل، أي سرقة اقتطاعات مالية من مجهودات عمال محتملين في المستقبل، وقد تفاقمت مثل هذه المضاربة منذ سنة 2005، مما جعل نيران الأسعار تستعر في جميع أنحاء العالم.
- لكن بما أن المستقبل غير مضمون فإن الانهيار يبقى حتميا في حالة عدم تحقق التوقعات، وهو ما حدث فعلا خلال الأزمة المالية الأخيرة والتي تحولت إلى أزمة اقتصادية وجهت صفعة مدوية للاقتصاد السياسي البرجوازي القائم على الاستغلال.
ثانيا: محاولات البرجوازية تدبير أزمتها من خلال جهاز الدولة
عملت مجموعة الدول الرأسمالية السبعة على الدعوة لعقد قمة مجموعة العشرين بنيويورك في 15 و 16 نونبر أي بإضافة ثلاثة عشرة دولة هي كل من البرازيل وروسيا والهند والصين والأرجنتين وأستراليا واندنوسيا والمكسيك والعربية السعودية واسبانيا وافريقيا الجنوبية وكوريا الجنوبية وتركيا. وتنتج هذه الدول مجتمعة 80 % من الانتاج الاجتماعي العالمي. وبطبيعة الحال من البديهي أن تحضر المؤسسات الامبريالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي . نفس المجموعة ستجتمع في 20 أبريل 2009 في لندن لكي تنسق جهودها لتدبير الأزمة التي أصبحت تشكل تهديدا لاستقرارها.
وفي هذين القمتين تقرر دفع أجهزة الدولة عبر ميزانيتها العامة لمساعدة الشركات الرأسمالية للخروج من أزمتها مهما كانت التكاليف. ومعلوم أن هذا الإجراء المعتمد سيؤدي إلى اعادة توزيع الدخل من الأسفل الى الأعلى، كما سيؤدي الى عودة مديونية الدول للواجهة وبطبيعة الحال فإن الطبقة العاملة الحالية والمستقبلية هي التي ستسدد فاتورة هذه المديونية.
لكن السؤال المطروح هو هل المبالغ الهائلة التي تنتقل الآن من الميزانيات العمومية نحو رأس المال ستؤدي الى القضاء على الأزمة؟
لا أعتقد ذلك، بل ستؤدي هذه المبالغ التي بلغت 10 بليون دولار لحد الآن الى هروب المنظومة الرأسمالية الى الأمام في ممارساتها الاستغلالية من جهة والمضارباتية من جهة أخرى لتحقيق أقصى معدل للأرباح. فالمرحلة المقبلة ستشهد تشديدا مكثفا لاستغلال الطبقة العاملة وتسليع أكبر وأعمق للحياة مما ستتفاقم معه تناقضات المجتمعات الرأسمالية من حيث الإفقار الواسع والتسريحات الجماعية وغياب المرافق العمومية والضمان الاجتماعي.
بينما ستشكل الأموال المقدمة للشركات الرأسمالية كعكعة مضارباتية جديدة ستؤدي في المستقبل القريب إلى أزمة أعمق وبنتائج أخطر. وفي مثل هذه الوضعية ستتصاعد الاحتجاجات الاجتماعية التي ستهدد الأنظمة السياسية. ومن المرجح أن تلجأ الدول نحو القمع وإلغاء أشكال الديمقراطية البرجوازية وتعويضها بمسرحيات انتخابية هزلية لضمان استمرارية المنظومة.
إن مثل هذه الصورة السوداوية تشكل أزمة ثورية يجب أن تستغلها القوى الثورية للطبقة العاملة وعموم الكادحين لاستعادة زمام السلطة من الطبقة البرجوازية وإقرار أنظمة اشتراكية محلية وعالمية تحت قيادة ديموقراطية البروليتاريا.
ثالثا: محاولات الرأسمالية تجاوز تناقضاتها الهيكلية وأزماتها
من المعلوم أن الحلول المتوفرة لدى الرأسمالية لمعالجة أزمتها الدورية، تتمثل أولا في إيجاد أسواق جديدة لتصريف فائض الإنتاج ثم ثانيا تدمير وسائل الإنتاج لتعود الحركية الاقتصادية من جديد. لكن مع تفاقم الأزمة وتضخم حجم الشركات التي تصبح دولية النشاط بالإضافة الى التنافسية الشرسة بين الشركات العملاقة فإن هذه التقنيات تتحول الى إجراءات بشعة كالاستعمار لإيجاد منافد للسلع بالقوة وإشعال فتيل الحروب ضد دول العالم الثالث وفيما بين الامبرياليات لاغتصاب مجالها الحيوي.
ففي ظل الأزمة الهيكلية الخانقة التي عاشتها الرأسمالية في مرحلة الامبريالية والتي انطلقت سنة 1892 واستمرت الى حين اندلاع الحرب العالمية الأولى، كان الحل الأنجع بالنسبة لها أمام تفاقم التناقضات هو الاستعمار أولا تم الحرب ثانيا، لكن رغم التدمير الواسع لوسائل الإنتاج بعد الحرب الأولى لم تختفي الأزمة بل تفاقمت وأفرزت الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929.
ولقد شكلت الأوضاع الكارثية للأزمة وظروف الحرب أزمة ثورية استغلها الحزب البولشفي الروسي للقيام بثورة 1917، فكانت أول دولة في العالم تقودها الطبقة العاملة وفكت الارتباط مع المنظومة الرأسمالية واستطاعت أن تنتقل بالبلاد من العالم المتخلف إلى مرتبة أولى على الصعيد العالمي.
وأمام نجاح الثورة في روسيا وظهور مؤشرات قوية لاندلاع ثورات في مختلف الدول الامبريالية ظهر اتجاهان لانقاد الرأسمالية من الانهيار،
تمثل الاتجاه الأول في الفاشية التي ألغت العمل بالديمقراطية البرجوازية واعتمدت على الصناعة الحربية لامتصاص الأزمة ثم على محاولة الهيمنة على الامبرياليات الأخرى، وقد أدى هذا الاتجاه الى اندلاع الحرب العالمية الثانية،
أما الاتجاه الثاني فكان إصلاحيا تزعمه الاقتصادي الانجليزي كينز ، والذي كان يتمثل في تنازل الرأسمالية عن جزء من فائض القيمة الذي تقتطعه من الطبقة العاملة وذلك عن طريق ضرائب تصاعدية على المداخيل والثروات، تحول من أجل توفير التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية بالمجان وكذا القيام بمشروعات كبرى لامتصاص العطالة ودر مداخيل لتقوية الطلب الكلي والرفع من الميل الكلي للاستهلاك وبهذه الطريقة يحدث نوع من التوازن بين الاستغلال الرأسمالي للعمال واستفادة العمال من بعض فائض القيمة المقتطع منهم.
لكن أفكار كينز لم يكن لها لتتحقق لولا حدوث توازن ثلاثي الذي، بين معسكر اشتراكي وآخر رأسمالي ثم معسكر دول حركة عدم الانحياز، وقد دام هذا التوازن لمدى ثلاثين سنة فقط أي من سنة 1945 إلى سنة 1975 حيث بدأ المعسكر الاشتراكي في التحلل وحركة عدم الانحياز في الوقوع في شباك المديونية الخارجية. وقد استغلت الأوليغارشية الدولية هذا التحلل من أجل الاجهاز على الكينيزية والعودة الى ما يسمى بالدولة الدركية حيث بدأ التراجع تدريجيا عن كل مكتسبات الطبقة العاملة من أجل استعادة الرأسمالية لهامش أقصى من الربح والذي عصفت به الأزمة الهيكلية التي انطلقت سنة 1973.
وتتمثل استراتيجية رأس المال بعد اندلاع أزمة 1973 في إخضاع جميع شعوب العالم لشروط تراكمها الرأسمالي، وقد تم استعمال المؤسستين الامبرياليتين صندوق النقد الدولي والبنك العالمي بنجاح في هذا المجال حيث تم فرض نفس الوصفات على الدول المدينة والمتمثلة في سياسة التقويم الهيكلي. فمن خلال هذه السياسات تم تحويل جهاز الدولة الى أداة لتدبير أزمة النظام الرأسمالي وتحضير شروط تشديد استغلال الطبقة العاملة وإعادة توزيع الدخل من الأسفل الى الأعلى.
لكن أزمة فائض وفرة الإنتاج المادي والمالي ستتفاقم لتنعكس في أزمات دورية مع تقلص الفترات التي توجد بين الأزمات من عشر سنوات الى خمس سنوات. أزمة 1997 وأزمة 2001 ثم أزمة 2007.
فقد انطلقت مرحلة تعمق الأزمات وانعكاساتها الوخيمة على الشعوب وعلى الطبقة العاملة فهذه المرحلة هي بداية الدخول في الأزمة الثورية، والتي يمكن أن تتحول في ظلها الاحتجاجات السلمية إلى انتفاضات عارمة ثورية، لكن هذه المرحلة تتطلب مع ذلك أداة سياسية قوية قادرة نظريا وتطبيقيا على قيادة الصراع الطبقي في أفق إقرار المجتمع الاشتراكي.
رابعا: مراحل تدبير أزمة رأس المال بالمغرب وردود الفعل الاجتماعية عليها
عقب خروج الاستعمار وهيمنة البرجوازية المحلية على جهاز الدولة بدأت هذه الأخيرة تعمل على التكوين البدائي لرأس المال، من خلال القطاع العمومي أولا ثم من خلال القطاع الخاص ثانيا. فالقطاع العام شكل لمدى عقدين من الزمن بقرة حلوب للوبيات البرجوازية الملتصقة بالسلطة من أجل الاغتناء والنهب والاستدانة المفرطة على حساب عموم الكادحين.
وقد أبدع الشعب المغربي خلال هذه المرحلة أشكالا عدة من مقاومة هذه السياسة كانت تواجه بالقمع الشرس للنظام حيث ارتكبت الى جانب الجرائم الاقتصادية العديد من الجرائم السياسية والتي وصمت هذه المرحلة بسنوات الرصاص. وقد كانت الزيادات في أسعار المواد الأساسية لتعويض الرأسمالين خسائرهم جراء الأزمة أحد الأسباب التي تؤدي الى ردود فعل شعبية قوية كان أبرزها انتفاضة 20 يونيو 1981.
سيخضع المغرب منذ بداية عقد الثمانينات لبرامج التقويم الهيكلي والذي سيتراجع في ظلها دور الدولة للقيام بدور الدركي لحماية استغلال رأس المال المحلي والدولي للطبقة العاملة، ومباشرة عقب إقرار زيادات في الأسعار أواخر سنة 1983 اندلعت انتفاضة يناير 1984. ومع استمرار الأزمة حاولت الحكومة الزيادة في الأسعار سنة 1990 لكنها جوبهت بانتفاضة 14 دجنبر 1990.
إن مظاهر الاستغلال الرأسمالي للطبقة العاملة ستتفاقم خلال عقد التسعينات وستواكبها أزمات تم التعبير عنها بالسكتات القلبية وكانت دائما الطبقة العاملة هي ضحية هذه السكتات القلبية لأن الإجراءات التي تتخذ لتدبير الأزمة تتمثل دائما في تشديد استغلال الطبقة العاملة وحرمانها أكثر فأكثر من مكتسباتها الاجتماعية.
وأمام صمت الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية وتواطئها مع السياسات المركزية للنظام بدأت الإنتفاظات في كل مكان حتى في أبعد القرى النائية، وكان الكثير من هذه الانتفاظات تحدث بشكل عفوي، لكنها في العمق عبارة عن صراع طبقي مستمر بوسائل محدودة وفي ظل تعتيم إعلامي متواطئ.
ان تجربة تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية كإطار منظم ستنطلق سنة 2005 مع تجربة سيدي افني ووادي زم ثم في 16 شتنبر من سنة 2006 ستنطلق معارك التنسيقيات المحلية والوطنية وستعبر عن قدرة تعبوية عالية ستجد فيها الجماهير الشعبية اطارا للتعبير عن سخطها بخصوص السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة.
لقد كان التوجه الحقوقي أحد منطلقات حركة التنسيقيات، نظرا لأن الجمعية المغربية لحقوق الانسان دعت مختلف قروعها في المغرب لتنسيق مع هيئات ديموقراطية من أجل التنديد بالغلاء لأنه يضرب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنات والمواطنين، وقد استطاع هذا التوجه تعبئة عدد من القوى الديموقراطية للاصطفاف وراء تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية ومدها بالمناضلين وبالدعم المادي والمعنوي.
لكن هذا التوجه الحقوقي ستزاحمه توجهات سياسية متناقضة تسعى كل منها لفرض توجهها على النسيقيات، خصوصا وأن سنة 2007 كانت سنة انتخابات تشريعية، حيث كان البعض يسعى الى توظيف التنسيقيات في الحملة الانتخابية أو على الأقل ضمان حيادها، بينما كان البعض الآخر يرى في التنسيقيات أداة قوية لتأجيج الصراع الطبقي وفضح الطبقة الحاكمة المشاركة في الإنتخابات وبالتالي المطالبة مطالبة الجماهير الشعبية لمقاطعة هذه الانتخابات. وهذا بالفعل ما حدث خلال المسيرة الوطنية المنظمة في 2 شتنبر 2007 خمسة أيام قبل الانتخابات التشريعية، وحيث رفعت شعارات تندد بالانتخابات وتدعو الى مقاطعتها بينما رفعت شعارات أخرى مضادة مطالبة بالمشاركة في الانتخابات.
إن هذا التناقض الداخلي سيتواصل عقب استدعاء وزير الداخلية للأحزاب السياسية المكونة للتنسيقيات عقب انتفاظة صفرو في 23 شتنبر 2007، وبدلا من أن تعقد لجنة المتابعة الوطنية الملتقى الرابع في دجنبر 2007 كما كان متفقا وبمدينة خنيفرة كما كان مقترحا، تم تهريب الملتقى الى شهر مارس 2008 وبمدينة الدار البيضاء وبدون ارسال مسبق لوثائق الملتقى للتنسيقيات المحلية وبدون استدعاء المكونات الرئيسية للتنسيقيات وعبر تنظيم انزال حزبي لا علاقة له بالتنسيقيات بلغ 250 مشاركة ومشارك.
لقد كان من الطبيعي أن ينفجر هذا الملتقى وتنبثق عنه تنسيقيتين وطنيتين، واللذان سيستمران بشكل خجول منذ ذلك الحين الى الآن بدون أن تبدل جهود حقيقية لتجاوز الصدع وتنظيم ملتقى خامس على أسس سليمة.
حاليا لا زال عدد من التنسيقيات يساهم في النضال على عدد من الواجهات لكن بدون دينامية وطنية، تمكنها من رفع سقف مطالبها وفرض ارادتها على الحكومة من أجل انتزاع حقوقها.
بدلا من الخاتمة
في مواجهة الهجوم الرأسمالي العنيف الذي بدأ يظهر جليا أنه بلغ حدوده التاريخية وأنه لن ينتج سوى الكوارث للإنسانية ، يجب أن تتهيكل مقاومة الشعوب من أجل حماية نفسها من جشع البرجوازية، ومن أجل بلورة مشروع مجتمعي اشتراكي تنتفي فيه الطبقات وتتبلور فيه المساواة الحقيقية بين المواطنات والمواطنين.
* شكلت هذه الورقة محور المداخلة التي تقدم بها عبد السلام أديب في الندوة المنظمة بالاتحاد المغربي للشغل بالرباط من طرف الشبيبة العاملة المغربية بالرباط وفرع الجمعية المغربية لحقوق الانسان بالرباط يوم السبت 05 شتنبر 2009





#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغلاء ونضالات تنسيقيات مناهضة الغلاء
- المخلفات المأساوية للأزمة وآفاق التجاوز
- تفريغ الأزمة على حساب الطبقة الكادحة
- عقد من الأداء الاقتصادي، أية حصيلة؟ 1999 - 2009
- تجاوز الماركسية للفكر البرجوازي المتعفن
- تعفن النظام الرّأسمالي العالمي وطابعه الطفيلي يستدعي قلبه
- الأزمة، وضعية العمال وقانون الشغل، الغلاء وحقوق الإنسان
- أزمة الإمبريالية وفرص الثورة البروليتارية
- يا عمال العالم ويا شعوبه المضطهدة انتفضوا
- الصراع الطبقي ووحدة نضال البروليتاريا الجديدة
- إضراب النقل جاء نتيجة للإفلاس السياسي
- ماذا عساي أن أفعل لوكنت مكان وزير الاقتصاد والمالية لإنقاذ ا ...
- القروض الاستهلاكية أداة سياسية لتدبير أزمة النظام الرأسمالي ...
- لماذا مقاطعة الانتخابات الجماعية ل 12 يونيو 2009
- ارتفاع الأسعار عصف بكل الزيادات في الأجور
- الحملة التطهيرية شكلت عملية انتقامية وسط التحالف الطبقي الحا ...
- قانون حرية الأسعار فشل في ضبط السوق
- قراءة نقدية سريعة في مشروع ميزانية 2009
- في الذكرى الستين للاعلان العالمي لحقوق الانسان
- الأزمة المالية وآفاق الرأسمالية المأزومة


المزيد.....




- هل سيرتفع الدولار مرة أخرى.. كم سعر الدولار مقابل الدينار ال ...
- موديز ترفع التصنيف الائتماني للأردن لأول مرة منذ 21 عاما
- الاقتصاد البريطاني ينجو من الركود
- -5 آلاف عامل موسمي-.. اليونان تستعد لاستقدام مصريين
- -نيكي- يرتفع بدفعة من نتائج أعمال ومكاسب في وول ستريت
- الإمارات تعزز مكانتها على خريطة السياحة العالمية
- أوبك تتحول إلى -أوبك+- في تقديراتها للطلب على النفط
- الصين.. مبيعات السيارات تهبط 5.8% على أساس سنوي في أبريل
- تراجع الإنتاج الصناعي التركي 0.3% على أساس شهري في مارس
- نصيحة وارن بافيت لـ -الاستثمار الذكي-


المزيد.....

- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - ارتفاع الأسعار، الأسباب وآليات المواجهة