أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ما هي الشيوعية، ولماذا الشيوعية؟















المزيد.....

ما هي الشيوعية، ولماذا الشيوعية؟


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 2827 - 2009 / 11 / 12 - 20:55
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



لثلاثين عاماً خلت كتبت الكثير في صحف كثيرة عن الشيوعية، من المنظور الماركسي بالطبع، وكنت أطمع خلالها في أن أحدهم يواجهني مواجهة علمية وموضوعية إن بالنقد وإن بالنقض، وعبثاً طمعت . واليوم، وبعد ثلاثين عاماً، حق لي أن أتساءل .. هل كان ذلك بسبب أن ما كتبت عسير على النقد أو النقض؟ أم عسير على الفهم؟ أم أنه عديم القيمة ولا يستحق العناية بعد أن لم تعد الشيوعية تشغل اهتمام أحد وقد انهارت إلى غير رجعة بزعم بعض المنغلقين فكرياً؟ إذاما ترتب علي أن أجيب على هذه التساؤلات، متجاوزاً عسر النقد والنقض، لقلت دون تردد بأن العلّة تكمن في أن أحداً ممن يقرؤونني، إن لم أقل العامة ومعظم الشيوعيين منهم، لا يدرك ما هي الشيوعية، ولماذا الشيوعية!

يعتقد العامة، وأكاد أقول دون استثناء بمن فيهم الشيوعيون، أن الشيوعية نمط من العيش دعا كارل ماركس للأخذ به إنتصاراً للفقراء والمستضعفين في الأرض لأنه يقيم العدل والمساواة بين الناس دون تمييز، أي أن العدالة والمساواة كانت هواجس ماركس التي أملت عليه ما عمل وما كتب. لعل أنصاف الأميين من قادة الأحزاب الشيوعية ابتذلوا الماركسية فقالوا بهذا وفي ظنهم أنهم يروجون للشيوعية بينما هم في الحقيقة يقدمون للناس مخلوقاً مسخاً تنكره مختلف المجتمعات البشرية . وفي مثل هذا السياق يجدر بي أن أفجأ الجميع مؤكداُ أن شرطاً أساساً في الشيوعية هو النفي المطلق لما يسمى بالعدالة وبالمساواة، حيث أن العدالة والمساواة هما من الأفكار المثالية البورجوازية التي تنطلق أساسأ من مفهوم شرعية حق التملك وهو الحق الذي ينفي عملياً كل عدالة وأية مساواة على الإطلاق. في الشيوعية الناس لا يملكون شيئاً، ليس لأنه ممنوع عليهم الإمتلاك، كما يسيء الإعتقاد بعضهم، بل لأن ليس هناك ما يستحق الإمتلاك فكل ما كان يستحق الإمتلاك قد غدا في الشيوعية بلا قيمة (تبادلية) على الإطلاق نظراً لتوافر الإنتاج بما يفوق حاجة المجتمع وهو أساس الحياة الشيوعية. في مشاعية الإنتاج، كل الإنتاج، ليس ثمة ما يدعو لوجود أية أفكار بورجوازية عما يسمى بالعدالة وبالمساواة.

كثيرون هم الذين يرددون وراء جورج بوش الأب والخائن المرتد بوريس يلتسن القول بأن الشيوعية إنما هي يوتوبيا، حلِم بها مؤسساها كارل ماركس وفردريك إنجلز!! مهزلة المهازل هي أن هذين الشخصين، وكل من يقول قولهما، يرفضان الشيوعية "الطوباوية" وينتصران للرأسمالية البراغماتية ليس لأنهما لم يتعرّفا على مساوئ الرأسمالية، كما قد يتبادر إلى الذهن، بل بالعكس تماماً لأنهما لم يتعرفا على حسنات الرأسمالية وعلى أولى الخصائص التي تميز الرأسمالية، على العكس من كارل ماركس الذي تعرّف على حسنات الرأسمالية قبل سيئاتها ؛ لقد رآها الأم الخصيبة التي تحمل بالشيوعية، ولكثرة خصوبتها قال أنها ستلد حفاري قبرها كما الأبناء يحفرون قبر أمهم العجوز. وبعيداً عن السخرية يمكن القول بأن كارل ماركس هو الإبن الشرعي للنظام الرأسمالي ؛ عاش في كنفه وتعلم منه وكرّس حياته لدراسته حتى أدق تفاصيله ؛ ولأنه فعل ذلك بحرفية عالية قال أن والدته ستموت، فهل يشينه الاعتراف بالحقيقة!؟ كلنا يعلم أن أمه ستموت ولا تعيبنا هكذا معلومة، بل يصنع الأبناء جميلاً إذ يدفنون رفات أمهم عميقاً في الأرض. أن يؤكد بوش ويلتسن أن أمهما (الأم غير الشرعية ليلتسن) لن تموت فذلك لا يقوله إلا الأطفال وهم يشعرون بأبدية الركون إلى حضن أمهاتهم الناعم الدافئ.


لقد رأى كارل ماركس بأم عينيه كيف تدفع الرأسمالية جماهير الناس بالجملة إلى العمل باستخدام أحدث أدوات الإنتاج والإنتاج الكثيف بالجملة (Mass Production) ، وتحقق من أمر يعتور هذا النظام الذي دفع بالعالم إلى مستويات عليا من الرقي والحضارة ألا وهو أن النظام وبحكم بنيته ينتج أكثر مما يستهلك بسبب علاقات الإنتاح الخاصة. الفروقات المتراكمة بين الإنتاج والإستهلاك تثري الأمة لكنها بالمقابل تتسبب بموت النظام نتيجةً للتخمة، باختناقه غرقاً في فيض الإنتاج. من الخصائص الحميدة للنظام الرأسمالي التي رآها كارل ماركس وقصر نظر بوش ويلتسن عن رؤيتها هي التالية ..
(1) الرأسمالية تحوًل قوى العمل المعطلة كلياً أو جزئيا بسبب تخلف وسائل الإنتاج فيما قبل الرأسمالية، تحولها إلى قوى إنتاج رأسمالية فعّالة ومتطورة تتعامل مع أحدث أدوات الإنتاج.
(2) رأس المال يجمع أعداداً متزايدة من العمال مع مكائن متطورة كأدوات إنتاج مع المواد الخام في مكان واحد لتبدأ عملية إنتاج كثيفة تؤدي إلى إثراء الأمة.
(3) خاصية التمدد (Expansion) حيث أن الرأسمالي وقد راكم فوائض القيمة في حسابه يعمد دائماً إلى توظيف الأموال الفائضة في صناعات جديدة وهو ما يؤمن استمرار الحياة في النظام الرأسمالي. إن لم يتمدد النظام الرأسمالي فسوف ينكمش ويذوي ويموت.
(4) التمدد الرأسمالي يوظف قوى عمل إضافية ويضيف أعداداً جديدة لطبقة البروليتاريا، قوى التقدم الإجتماعي، كما يضيف أدوات إنتاج جديدة . إنه يثري المجتمع لكن ذلك يتم عن طريق تعاظم قوى الإنتاج حتى لا تعود تتحملها علاقات الإنتاج الرأسمالية.
(5) تنعكس المنافسة بين الرأسماليين في تطوير أدوات الإنتاج وهو ما يزيد من كثافة الإنتاج ويرفع من سوية البروليتاريا التقنية، كما يتوسع في أتمتة الإنتاج والاستغناء عن الأيدي العاملة فيتدنى معدل الربح.
(6) ولعل من جمائل النظام الرأسمالي هي أنه أول نظام إنتاج عولمي في تاريخ البشرية أي أنه غير مستقل ولا يقوم على ذاته عكس ما يقوله عامة الإقتصاديين حيث يلزم تصدير فائض الإنتاج إلى بلاد غير رأسمالية وإلا اختنق النظام بمخرجاته. البلاد المستعمَرة التي تستقبل فائض الإنتاج الرأسمالي تتقدم لتنخرط كطرف رئيس في نظام الإنتاج الرأسمالي بعد أن كانت ترسف في نظام إنتاج متخلف.

ليس شيوعياً ولا ماركسياً من ينكر أياً من هذه الحسنات للنظام الرأسمالي التي تستحث الأمة قدماً وساقاً على الإنخراط في عملية الإنتاج بعد أن كانت راكدة وبطيئة فيما قبل الرأسمالية. الرأسمالية نقلت البشرية من حالة العسر والندرة إلى حالة اليسر والوفرة. لكن لسوء حظ الرأسماليين فإن نفس هذه الحسنات والميزات لا تلبث طويلاً حتى تعود بالويل والثبور على النظام الرأسمالي نفسه. ويتجسد ذلك في حروب أهلية وقومية مستمرة لا تنقطع إلا لتتجدد وتجلب للبشرية جمعاء الدمار والخراب والموت.
( I ) الحرب الطبقية بين العمال والرأسماليين التي لا تنقطع والتي يستدعيها استغلال الرأسماليين للعمال وتحصيل فائض القيمة من دماء العمال واستنزاف قواهم .
( II ) الحرب القومية بين البلدان الاستعمارية وشعوب المستعمرات التي تقوم على فتح أسواق جديدة لتأمين التخلص من فائض الإنتاج في مراكز الرأسمال، ثم الحرب من جديد للتحرر الوطني من ربقة الاستعمار.
(III) الحروب بين مراكز الرأسمال الهادفة إلى إعادة تقسيم الأسواق في المستعمرات والناجمة أصلاً عن عدم التكافؤ في التطور الرأسمالي في مراكز الرأسمال نفسها، وهي أسوأ الحروب وأكثرها إجراماً.

الإنسانية وبحكم غريزة البقاء وحفظ النوع من جهة، وفعل الأنسنة من جهة أخرى، لا تستطيع أن تتعايش طويلاً مع نظام إنتاج لا يوفر الوفرة إلا من خلال الحروب المستمرة والمهلكة للبشرية كما تبدّى ذلك بصورة مأساوية في الحربين العالميتين الأولى والثانية في النصف الأول من القرن العشرين. وعليه فقد ترتب على القوى الخيّرة والتقدمية في المجتمعات الرأسمالية أن تتخلص من هكذا نظام دون أن تستغني بالطبع عن بعض الخصائص التقدمية والإنسانية التي استحضرها النظام والتي تتحدد بتحويل كل القادرين على العمل إلى منتجين، وبتطوير أدوات الإنتاج إلى أقصى ما تبتدعه عبقرية الإنسان. مثل هذه الثورة الإجتماعية لا يقوم بها إلا دولة البروليتاريا الدكتاتورية. " الإشتراكيون الديموقراطيون " الذين رفضوا دولة البروليتاريا الدكتاتورية برهنوا بصورة قاطعة على أنهم ليسوا أقل سوءاً من الرأسماليين الاستعماريين فالمجتمعات التي أقاموا فيها دولتهم كما في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا لم يطرأ عليها أي تغيير واحتفظت بهيكلها الطبقي الرأسمالي، بل واشتركوا هم أنفسهم بحروب استعمارية. ومثل هؤلاء الإشراكيين لم يبتعدوا كثيراً عن هتلر الذي أحرق القارة الأوروبية تحت راية الإشتراكية القومية.

بوش ويلتسن وأضرابهما يعارضون الشيوعية ويعادونها كونها يوتوبيا، كما صرحوا بذلك. أعداء الشيوعية يكرهون الشيوعية ليس للأسباب الكثيرة التي يلوكونها تبريراً لكراهيتهم بل لأنهم يجهلون الشيوعية، لا بل يجهلون أنفسهم قبل ذلك. هم حقاً يعلمون تماماً أن الشيوعية سوف تجردهم من مصادر القوة التي يمتلكونها سواء كان ذلك من أموال أم من عقارات. يعلمون هذا جيداً لكنهم لا يعلمون على الإطلاق أن مصادر القوة هذه في كافة الأنظمة الطبقية لا تلبث أن تمتلكهم وتستعبدهم فيغدوا عبيداً لها بل أشد عبودية من عبودية أجرائهم، ثم يغدوا من جهة أخرى حيوانات مفترسة لا تنتمي إلى العائلة الإنسانية. أذكر تماماً أنني مع بداية اصطفافي الشيوعي، وكنت آنذاك فتىً غرّاً، اعتقدت أن الشيوعية إنما هي من تقاليد فعل الإحسان والتعاطف مع الفقراء وإقامة مجتمع تسوده ما يسمى بالعدالة الإجتماعية. ثم بعد أن تفتح وعيي الماركسي، وكان ذلك في معظمه كردة فعل على ردة خروشتشوف الخيانية، عرفت أن الشيوعية هي نهاية المساق العلمي لتطور التاريخ وتتحقق بالتحرر التام للبروليتاريا. أما اليوم وقد أحطت بفلسفة الشيوعية وجوهرها أستطيع أن أؤكد أن الشيوعية تحرر الرأسماليين والماليين أكثر مما تحرر البروليتاريا، ولن أكون ساخراً إذا ما أضفت إلى نداء ماركس التاريخي الشهير " يا عمال العالم اتحدوا فلن تفقدوا إلاّ أغلالكم " فأقول .. " يا رأسماليي وماليي العالم اتحدوا من أجل النضال لتحقيق الشيوعية فلن تفقدوا إلا عبوديتكم ووحشيتكم !! ". في النظام الرأسمالي يكتنز الأفراد الأموال لسببين أولهما تأمين سد الحاجة وثانيهما امتراء وممارسة السيطرة على الآخر وعلى المجتمع. في الشيوعية تنعدم الحاجة على الإطلاق، كما سيظهر فيها فعل السيطرة على الآخر منقصة يأنفها الحس الإنساني. هكذا هي الشيوعية! إمتلاك الإنتاج وأدوات الإنتاج هو عيب مزرٍٍ في شخوص الرأسماليين لا سبيل لإصلاحه أو تلافيه.

قلنا أن الذين ينتصرون للرأسمالية ويرفضون الشيوعية بزعم أنها طوباوية لم يتعرفوا على حسنات الرأسمالية ؛ الرأسمالية التي حوّلت غير العمال إلى عمال واستدعتهم لتشغيل أدوات إنتاج متطورة وعالية الإنتاجية وجلبت لهم مختلف المواد الخام من أطراف الدنيا فكان أن تحقق الإنتاج بالجملة (Mass Production) فغرقت السوق المحلية بفيض من السلع وقد تعذر استهلاكها، أو الأحرى استبدالها، داخل الوطن فتحتم تصدير فائض الإنتاج إلى ما وراء الحدود. كيف لهؤلاء الذين لم يتعرفوا على حسنات النظام الرأسمالي أن يصفوا الشيوعية بالطوباوية بزعم أنها لن تستطيع أن تشبع كل حاجات الإنسان وهي التي ستطهّر عملية الإنتاج الرأسمالية من كل العيوب والتناقضات التي تعتورها وتعيق من مردودها. الشيوعية تحرر العمال من العمل المأجور وتجعل من الإنتاج الدافع الغريزي لتحقيق الذات ولفعل الأنسنة وهو ما ينعكس إيجاباً على الإنتاج ؛ الشيوعية تستدعي كامل طاقة العمل المتاحة في الشعب للعمل في الإنتاج على العكس من النظام الرأسمالي الذي يعمد إلى تعطيل 5 ـ 10% من أعداد العمال بهدف التحكم بمستوى الأجور المنخفض، كما أنه لا يستدعي من طاقة العمل إلا بمقدار ما يوظف من أموال وما يصرّف من الإنتاج ؛ الشيوعية لا تعرف الأزمات الإقتصادية لأنها لا تحد من الإستهلاك كما هو حال النظام الرأسمالي بفعل فائض القيمة المحسوم من استحقاق العمال ؛ الشيوعية توفر كل الشروط اللازمة لتطوير أدوات الإنتاج دون حدود بخلاف النظام الرأسمالي الذي يمتنع عند حدود معينة عن تطوير أكثر لأدوات الإنتاج. الشيوعية تلغي تماماً فوضى الإنتاج الرأسمالية وهو ما ينعكس في زيادات كبيرة في القيمة الإستعمالية للمنتوجات. فيض الإنتاج الرأسمالي القطري سيتحول في الشيوعية إلى فيض إنتاج عالمي يفيض عن احتياجات سكان المعمورة. الحديث عن طوباوية الشيوعية يصدر عن خلل في عقول المتحدثين بالإضافة إلى المصالح البورجوازية الضيقة واللاإنسانية.

يؤكد علماء الطبيعة أن سلالات كثيرة من الأحياء انقرضت بحكم فشلها في مقاومة شروط الطبيعة ؛ أما السلالات التي لم تنقرض فكان لكل سلالة منها سببها أو حيلتها الخاصة بها. فالطيور مثلاً أبقت على نوعها بوساطة الأجنحة والمناقير، والحيوانات المفترسة بسبب المخالب والأنياب، والأرانب بسبب سرعة الجري، لكن ما سبب الإنسان في الإبقاء على نوعه دون الإنقراض؟ يقول المثاليون، في حيلة للإبقاء على نوعهم، أنه العقل! لكن كيف تحققوا من أنه العقل وليس سبباً آخر؟ ما كان لهم أن يقولوا بذلك لولا أنهم رأوا الإنسان يخرج من جسمه ليتناول الأدوات المحيطة به ليستخدمها في إنتاج حياته من غذاء وكساء وإيواء. أدوات الإنتاج كانت الحيلة الوحيدة التي استطاع بواسطتها الإنسان الحفاظ على نوعه من الإنقراض. باستخدام أدوات الإنتاج بدأ الإنسان رحلة الإفتراق عن مملكة الحيوان، رحلة التغريب، رحلة الأنسنة. وهكذا قامت علاقة ديالكتيكية بين الإنسان وأدوات الإنتاج إذ يتطور الإنسان وتتطور حياته مع تطور أدوات الإنتاج والعكس صحيح أيضاً. فما كان النظام العبودي أن يستمر أطول مع اتساع الزراعات الحقلية اعتماداً على المحراث الخشبي تجره الحيوانات. وما كان للنظام الإقطاعي أن يستمر أطول مع ظهور الآلة البخارية واستخدامها في صناعة الغزل والنسيج. ولم يستطع النظام الرأسمالي أن يستمر أطول مع ظهور المفاعل النووي وثورة التقنيات الرفيعة. قوى الإنتاج المتاحة بفعل الطاقة النووية والتقنيات الرفيعة لا تتحملها علاقات الإنتاج الرأسمالية بعد أن تضاعفت عشرات المرات حتى قبل أن ينتظم عملها. انتظام هكذا قوى في الإنتاج من شأنه أن يغرق العالم بمختلف المنتوجات ويسد حاجات البشر على اتساعها. لعل بعضهم يتساءل عن أن ماركس قال بانتصار الشيوعية قبل عصر الطاقة النووية والتقنيات الرفيعة! نعم هذا صحيح حيث عوّل كل من ماركس ولينين على الطاقة الكهربائية في انتصار الشيوعية، ويشار في هذا السياق إلى خروج كارل ماركس يوماً من بيته إلى وسط مدينة لندن ليرى بأم عينيه أول محرك يعمل بالطاقة الكهربائية فلدى تفرسه بالمحرك اغرورقت عيناه بدموع الفرح وهمس في أذن رفيقه إنجلز .. " ألم أقل لك بأن الشيوعية ستنتصر! " ، كما تذكر هنا أيضاً وصية لينين بكهربة كل القارتين السوفييتيتين كشرط للعبور نحو الشيوعية. صحيح أن الشيوعية لم تنتصر بالإعتماد على الطاقة الكهربائية لكن ذلك لم يكن نتيجة نقص في قوى الإنتاج بل كان بسبب الإنحطاط البورجوازي في الطبقة الوسطى. لقد تنبه ماركس في البيان الشيوعي إلى انحطاط الطبقة الوسطى غير أن التاريخ لم يسعفه لاحتساب مدى انحطاط الطبقة الوسطى وهول قواها الناجمة عن نموها الفيزيائي والثقافي خلال قرن طويل. مع كل ذلك فإن مشروع لينين حتى وهو محاصر من كل قوى الرجعية والاستعمارية في العالم والطبقة البورجوازية الوضيعة في الداخل أثبت أن التنمية العقلانية المفتوحة لقوى الإنتاج في المجتمع، وهو الشرط الذي لا توفره سوى دولة دكتاتورية البروليتاريا، من شأنها أن تثري المجتمع ثراءً لا نظير له. الكلمة الموجزة التي قالها ماركس هي أن قوى الإنتاج المتطورة دون أية عوائق على الإطلاق لن تتحملها أية شبكة من علاقات الإنتاج، ستستغني عن مختلف علاقات الإنتاج مرة واحدة وإلى الأبد. ستنتج هذه القوى المتزايدة دون توقف فيضاً من الإنتاج لكل الناس دون تعيين حيث لن يعود المنتجون بحاجة لأية أجور تحدد نصيبهم مما أنتجوه كما في النظام الرأسمالي. هكذا هي الشيوعية التي تحمل الإنسان إلى أعلى درجات الرقي الإنساني.

فؤاد النمري
www.fuadnimri.yolasite.com



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية تأسست على الحقيقة المطلقة
- الطبقة الوسطى كما البروليتاريا، كلتاهما تنفيان الرأسمالية
- ماذا عن راهنية البيان الشيوعي (المانيفستو) ؟
- فَليُشطب نهائياً مراجعو الماركسية !
- الحادي عشر من سبتمبر
- إشكالية انهيار النظام الرأسمالي
- ما الذي يجري في إيران ؟
- من هو الشيوعي الماركسي ؟
- القول الفصل فيما يُسمّى بالعلمانية
- اليسار لا يملك إلا الخداع والخيانة
- كيف انهار النظام الرأسمالي في العالم ولماذا ؟؟
- أثر التخلف السياسي في حركة التاريخ
- صمت الشيوعيين التقليديين
- العمل البورجوازي والعامل البورجوازي
- لا علاج للأزمة الإقتصادية الماثلة
- ضعة البورجوازية الوضيعة
- لماذا العودة إلى الأممية الأولى
- تتكامل الديموقراطية في ظل دكتاتورية البروليتاريا
- العولمة والعولمة البديلة
- الجهد الضائع لطارق حجّي


المزيد.....




- الوقت ينفد في غزة..تح‍ذير أممي من المجاعة، والحراك الشعبي في ...
- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ما هي الشيوعية، ولماذا الشيوعية؟