أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ضعة البورجوازية الوضيعة















المزيد.....


ضعة البورجوازية الوضيعة


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 2649 - 2009 / 5 / 17 - 08:32
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


عندما نبّهت المتباحثين في الشؤون الفلسفية في مؤتمر لهم شرق أوسطي قبل بضع سنوات، إلى أنهم إنما هم بالتحليل الطبقي للمجتمع من شريحة البورجوازية " الوضيعة " ، صاحوا بي احتجاجاً وردّ بعضهم بشتيمتي . كنت أتوقع ذلك فالذين ترجموا ماركس إلى العربية هم تماماُ من ذات الشريحة الإجتماعية، شريحة المتفلسفين، فحين همّوا بترجمة التعبير الفرنسي (la petite bourgeoisie) أو الإنجليزي (the petty bourgeoisie) أنفوا من أن يترجموه إلى معناه الكامل الدقيق المقصود وهو " البورجوازية الوضيعة "، وعبثوا بشرط الأمانة الأساسي في مهنة الترجمة فقالوا " البورجوازية الصغيرة " نافين بذلك معنى الحقارة التي تسم طبقتهم . قال المترجمون " الصغيرة "، فأي معنى بالتحديد قصد المترجمون استحضاره لذهن القارئ أو المتلقي ؟ هل هو صغر حجم هذه البورجوازية في المجتمع ؟ لئن عنوا ذلك فهم مخطئون حيث حجمها في عامة المجتمعات هو دائماً أكثر من النصف . وإن عنوا صغر مقادير الأموال التي تملكها فهم مخطئون أيضاً حيث يمتلك الكثيرون من البورجوازية الوضيعة أكثر مما يمتلك العديدون من الرأسماليين . ما المعنى الذي استقاه هؤلاء المترجمون من عبارة ماركس (petty/petite bourgeoisie) ؟ مجرد استخدامهم كلمة " صغيرة " عوضاً عن " وضيعة " يشير إلى أن أولئك المترجمين، لو سلّمنا بأمانتهم، لم يدركوا المعنى الدقيق الذي قصده ماركس باستخدامه كلمة (petty) بالإنحليزية وليس (small) ، أو (petite) بالفرنسية وليس (menu) أو أحد مرادفاتها وهو ما يدل دلالة واضحة إلى أن ماركس عبّر بما يشي ويستحضر معنى التفاهة أو الحقارة المتأتية أصلاً من حقارة وسىائل الإنتاج الخاصة بطبقة البورجوازية الوضيعة أو الطبقة الوسطى حيث تتميز هذه الوسائل بالضعة إذ تتم بأسلوب الإنتاج الفردي (Individual Production) وبلا أدوات إنتاج (Production Tools/Instruments)ذات شأن ودون أدنى توظيفات مالية (Capital) ، وهذه جميعها من وسائل نظام الإنتاج السابق لنظام الإنتاج الرأسمالي، وتنتج بالتالي الخدمات التي هي ليست من الثروة القومية، الخدمات تساعد على إنتاج الثروة لكنها ليست الثروة ولا تنتح الثروة . الخدمات هي عند اسمها إذ أنها لم تنشأ وتتطور عبر التاريخ إلا لتقوم بخدمة عملية الإنتاج دون أن تضيف إلى الإنتاج قيمة تذكر ؛ وظيفتها مثل وظيفة العامل المساعد في التفاعلات الكيماوية حيث يستوجب تواجده كيما يتم التفاعل الكيماوي دون أن ينعكس أي أثر له في مخرجات التفاعل، أو مثل دور النقود التي تسهّل تبادل السلع دون أن تضيف أدنى قيمة استعمالية لها ؛ تشتري العائلة براداً لحفظ الطعام مثلاً فالنقود التي تدفعها إنما تسمح بنقل البراد من المعرض إلى البيت دون أن تقوم بأي دور في التبريد . وما يستوجب الإشارة في مثل هذا المثال هو أن المبلغ الذي تدفعه العائلة ثمناً للبراد يغطي بنسبة 40% - 60% منه بدل خدمات لم تضف شيئاً للقيمة الإستعمالية للبراد وتود العائلة بالطبع لو لم تشترِ كل هذه الخدمات التي لم تشعر بأي أثر لها في استعمال البراد ؛ ولم يخطر ببالها مثلاً أنها دفعت أيضاً فيما دفعت بدل خدمة القمع الذي مارسته الشرطة ضد عمال مصنع البرادات !!

الطبقة الوسطى لا تنتج ثروة، وهي لذلك لا تملك مشروعاً حضارياً يتكفل بتزويد المجتمع بأسباب حياته، وينحصر عملها في أعمال بغاية الضعة تتمثل عامة بمساعدة الطبقة العليا المستغِلة في استغلال الطبقة الدنيا المستغَلة . ليس هذا فقط بل يصل الأمر إلى أن تتقاضى أجور تسهيل استغلال الطبقة الدنيا من الطبقة الدنيا ذاتها . مثل هذه الضعة لا يماثلها إلا ما كان يفعل نظام بعث العراق فيطالب أهل المعدوم لأسباب سياسية بتسديد ثمن الرصاصة التي قتلت إبنهم !! مثل هذه الضعة وهذا الإنحطاط القيمي لم تعرفهما الإنسانية عبر تاريخها الطويل . الطبقة الوسطى لا تنتج ثروة ولذلك ومنذ أن تسيدت هذه الطبقة في العالم منذ ما بعد إعلان رامبوييه (Declaration Of Rambouillet) 1975 انتهى العالم ليكون مديناً بحوالي مليون مليار دولار ويتخبط اليوم في أزمة قاتلة لا علاج لها على الإطلاق .

المثقفون هم الشريحة المميزة والطليعية من البورجوازية الوضيعة طالما أنهم يستميتون دفاعاً عن طبقتهم وعن دورها الطفيلي والوضيع في الإنتاج وفي تقسيم العمل الإجتماعي . من هنا كان المثقفون على الدوام خونة، خونة النظام القائم ومعارضية في مختلف مراحل التاريخ، باستثناء أولئك الذين تعرّفوا منهم على ضعة طبقتهم ودورها الطفيلي وانسلخوا عنها في عملية تبرؤ صعبة شاقة وطويلة، وقد برز من هؤلاء قادة تاريخيون للبشرية مثل ماركس ولينين وستالين .

لأن إنتاج الطبقة الوسطى، باستثناء الفلاحين، لا يضيف شيئاً لثروة المجتمع، كان النفاق والخداع إنتهاءً بالخيانة أخص خصائص البورجوازية الوضيعة طالما كان ذلك وسيلتها الوحيدة لتغطية عجزها في الإنتاج . وليس أدل على ذلك من الفشل الذي انتهت إليه الأمميات الثلاثة التي استهدفت تحرير البروليتاريا، الطبقة الوحيدة القادرة على نقل البشرية إلى الشيوعية حيث يتحرر الإنسان نهائياً من قيد الإنتاج ليتحول إلى السوبرمان أو الإنسان المثالي المطهر من كل الغرائز الحيوانية . انتهت الأممية الأولى إلى الإنهيار بسبب البلانكيين والفوضويين، وهؤلاء وأولئك هم من طبقة البورجوازية الوضيعة ؛ البلانكيون هم الذين قادوا كومونة باريس إلى الهزيمة، والفوضويون هم الذين أقامو السد بوجه تقدم الأممية الأولى حتى انتهت إلى الحل . بعض فرق البورجوازية وبسبب ضعتها تحديداً تتجاوز كل الحدود المعقولة لليسار عن طريق إهمال كل شروط التقدم المحيطة كما يفعل الفوضويون . أما الأممية الثانية فقياداتها أسطع مثالاً على الخيانة . بلغت بهم الخيانة حد المحاربة وإزهاق أرواح ملايين العمال من أجل تفريج أزمة النظام الرأسمالي في العام 1914 . انتهت أحزاب الأممية الثانية بقياداتها من البورجوازية الوضيعة لتكون موئلاً للخيانة من مثل الحزب الديموقراطي الاجتماعي الألماني ونظيره الفرنسي وكذلك حزب العمال البريطاني . والجدير بالملاحظة هنا هو أن هذه الأحزاب لم تعد تكنّي نفسها بالإشتراكية بالرغم من عضويتها فيما يسمى نفاقاً بالإشتراكية الدولية . أما الخيانة الأعظم في هذا السياق فهي خيانة البورجوازية الوضيعة السوفياتية التي استطاعت أن تدمر مشروع لينين والأممية الثالثة التي اقتضاها المشروع الإشتراكي الوحيد الذي تجسّد على الأرض بنجاح مدهش، مشروع لينين بعد أن تعهد بناءه البلاشفة بقيادة ستالين . استمر الفلاحون السوفييت يسرقون حصة الدولة من إنتاجهم، واستمر العسكر يبتزون الدولة لأجل التوسع في الإنتاج العسكري حتى انهار مشروع لينين بالتالي لأن الحزب عجز عن وضع حد لضعة الفلاحين والعسكر .

ليس الرأسماليون هم الذين سدوا الطريق أمام الثورة الاشتراكية العالمية ومسيرة الإنسانية للإنتقال إلى الحياة الشيوعية كما يعتقد العامة . الذين استطاعوا أن يسدوا الطريق هم دائماً دون أدنى شك البورجوازية الوضيعة الذين استخدموا كل أساليب النفاق والخداع لتحقيق ذلك وبرهاننا هو التجربة السوفياتية وما آلت إليه . يتلبسون لبوس الثورة ويرفعون رايات البروليتاريا متسللين إلى المراكز القيادية وحال وصولهم ينقضون على مشروع الثورة ويطيحون به حفاظاً على دورهم البورجوازي الطفيلي الوضيع في الإنتاج .

وما لنا نذهب بعيداً وفي عالمنا العربي قام أبرز مثالاً يجسّد ضعة البورجوازية الوضيعة بأحط ضروبها . فعندما نهضت البورجوازية الشاميّة لتتحرر من النير العثماني وتقيم دولتها الرأسمالية المستقلة في المملكة العربية المتحدة في آسيا العربية في صدر القرن المنصرم وواجهت إذّاك عدوّاً أشدّ بلاءً وأقوى سطوة من الكولونيالية العثمانية وهو الإمبريالية الأنجلو- فرنسية، عندئذٍ رأت البورجوازية الكبيرة فرصتها الوحيدة في أن تستنجد بالبورجوازية الوضيعة، وفي الصدارة منها البعثيون، بأمل مساعدتها في إنجاز ثورتها إلاّ أن النجدة البعثية أنجدت الإمبريالية ولم تنجد البورجوازية الوطنية . البعثيون في المشرق العربي خدموا الإستعمار أكثر مما خدمه عملاؤه من مثل نوري السعيد وحكام الخليج .

رغم كل هذه الضروب من النذالة والانحطاط القيمي أصرّ المترجون العرب على طمس المعنى الحقيقي وخانوا أقنوم مهنتهم فترجموا (petty) إلى غير معناها وقالوا (الصغيرة) بدل (الوضيعة) وهو ما يبرر احتجاج كتاب ومثقفي طبقة البورجوازية الوضيعة على تصحيحنا للترجمة واستبدالنا كلمة " الصغيرة " بـكلمة " الوضيعة " ــ ولنذكر مرة أخرى أن الموصوف بالوضاعة هو الإنتاج وتقسيم العمل بغض النظر عمّا يستدعيانه من خصائص دونيّة .

منذ أن وضع كارل ماركس مشروعه للثورة الإشتراكية ( الأممية الأولى ) قيد التطبيق، تجندت البورجوازية الوضيعة، وهي الخادم الوضيع للطبقة الرأسمالية ونمطها الإستغلالي في الإنتاج، تجندت لمقاومة الثورة الإشتراكية ووصول البروليتاريا إلى السلطة . عملت على إنحلال الأممية الأولى وغيرت من طبيعة الأممية الثانية ومحتواها وقامت بإنقلاب على مشروع الأممية الثالثة بعد أن أوشك على تحقيق الإنتصار النهائي والحاسم للثورة الإشتراكية العالمية .

ما حقيق بالشيوعيين ألاّ يتجاهلوه هو أن البروليتاريا العالمية استطاعت أن تهزم الرأسمالية الإمبريالية في كافة المواجهات التي حدثت معها في القرن العشرين . فقد انتصرت في روسيا في غمرة الحرب الاستعمارية سنة 1917 ثم قامت بسحق تسعة عشر جيشاُ استعمارياً تدخلت لهزيمة الثورة ما بين 1919 و 1921 وعبرت البروليتاريا السوفياتية بثورتها بنجاح منقطع النظير ثلاثينيات القرن الماضي رغم كل المؤامرات التي حاكتها مختلف مراكز الإمبريالية العالمية، واستطاعت أخيراً أن تحطم أعتى قوى رأسمالية إمبريالية ظهرت في التاريخ متمثلة بألمانيا الهتلرية ومختلف الفاشيات في القارة الأوروبية . نعم، انتصرت البروليتاريا في سائر معاركها ضد الرأسماليين، لكنها بالمقابل انهزمت دائما أمام البورجوازية الوضيعة ؛ انهزمت أمامها في الأممية الأولى وانهزمت أيضاً في الأممية الثانية وحلت بها هزيمة ساحقة في الأممية الثالثة على أيدي خروشتشوف وعصابته التي اسقطت دولة دكتاتورية البروليتاريا فعلياً في حزيران يونيو 1957 ورسمياً في نوفمبر تشرين الثاني 1961 وأقامت عوضاً عنها مخلوقاً كاريكاتورياً اسمه " دولة الشعب كلّه " . اليوم، بعد انهيار المشروع اللينيني، وقد استمرأت البورجوازية الوضيعة التحايل والخداع في تحقيق الإنتصار على البروليتاريا، ذهبت بعيداً في وقاحتها وأخذت تلعب أدواراً تتجاوز قدراتها فتجهد في محاصرة الفكر الشيوعي وتصل وقاحتها إلى أن تطالب الشيوعيين بأن يأخذوا بمفهومها عن المشروع اللينيني .

قال أحد بطاركة البورجوازية الوضيعة الأغبياء، نيكيتا خروشتشوف، خليفة ستالين في المسمى الوظيفي فقط، أن ستالين كان دكتاتورا مستبداً وطاغية دموياً ، وهو ما يعني أن النظام السوفياتي الذي بنته الشعوب السوفياتية بقيادة ستالين (1922 ـ 1953) إنما كان نظاماً سداته القهر والاستغلال ولا يمت إلى الإشتراكية أو حتى العدالة الإجتماعية بأية صلة . تأتي لهم بألف برهان على أن النفس الديموقراطي لدى ستالين ليس كمثله نفس لدى شيوخ الديموقراطية المعروفين عبر التاريخ، فلا تعدم إمّعة من بين صفوف الأغبياء يعترض بالقول إن " ستالين كان وحشاً بصورة إنسان " . لو لم يكن مثل هذا الإمّعة تافهاً لما قبل أن يضع خروشتشوف على لسانه قولاً بذيئاً كهذا، خروشتشوف الذي ملأ الدنيا زعيقاً في العام 1956 يستنكر دكتاتورية ستالين ويعد بديموقراطية لم يعرف الحزب مثيلاً لها من قبل، ثم في العام التالي 1957 يقوم بانقلاب على الحزب والدولة بقوة العسكر عندما اتخذت قيادة الحزب قراراً بتنحيته عن جميع وظائفه، ثم بعد أشهر قليلة يطرد المارشال جوكوف من سائر وظائفه في الحزب والدولة بحجة ميوله البونابرتية التي لم يكتشفها خروشتشوف ألا بعد أن دبّر هو نفسه الإنقلاب لصالح خروشتشوف، خروشتشوف هذا يجب ألاّ يصدّق ديموقراطيته حتى الإمّعون . نقصّ وقائع تاريخية تشهد على عظمة ستالين’ الوريث الحقيقي للينين، إلاّ أن أفاكيّ البورجوازية الوضيعة يلوذون بالصمت إزّاء هذه الحقائق ثم لا يلبثون أن يعودوا لنهجهم في التقبيح، وهم بذلك ينطلقون من معادلة صحيحة تماماُ، فإن لم يكن ستالين قبيحاً فذلك يعني أن الإشتراكية السوفياتية هي الإشتراكية الصحيحة التي تحدث عنها ماركس وإنجلز ولينين، إشتراكية تضمن إطعام الجميع وصحة الجميع وتعليم الجميع مثلما كان الحال في الإتحاد السوفياتي حتى مبكراً في ثلاثينيات القرن الماضي بشهادة الأديبين العالميين برنارد شو واتش جي ويلز (1933) وعندما كان الصحفيون الأميركان يضربون النظام السوفياتي مثالاً مقارنة بنظامهم الرأسمالي المأزوم العاجز عن إطعام غالبية الشعب (1936) .

الألعوبة المحببة لدى البورجوازية الوضيعة في تطويق الخطاب الشيوعي هي ربط خصوصية النظام السوفياتي بخصائص ستالين ؛ لكن ذلك لن ينتقص من الطبيعة التقدمية والإنسانية للإشتراكية السوفياتية فليس أسهل من أن نبرهن بالوقائع التاريخية على عظمة ستالين كبولشفي من طراز رفيع وتلميذ نجيب للينين كما طمح أن يكون ؛ فالموسوعة البريطانية اضطرت مرغمة إلى الإعتراف بعظمة وذكاء ستالين الخارقين قياساً حتى بالزعيمين المعظّمن والذكيين روزفلت وتشرتشل، ولذلك كان تشرتشل يفاخر بصداقته لستالين وكان روزفلت يثق ويحترم ستالين دون تشرتشل باعتراف تشرتشل نفسه، فهل لنا أن نصدق خروشتشوف الذي كان لا ينادي ستالين حتى وفاته إلا بـ " يا أبتي " تحبباً، خلافاً عن سائر الرفاق، ونكذب تشرتشل وروزفلت !؟ هل كان أحد آخر غير ستالين سيقنع الشعوب السوفياتية لأن تقدم أكثر من عشرين مليوناً من خيرة رجالها ضحايا من أجل تحرير البشرية من غول النازية !؟ ونسأل الناطقين باسم البورجوازية الوضيعة، أعداء البروليتاريا، عن السبب الذي دعا قوافل النازحين عن موسكو لدى اقتراب الغزاة النازيين منها إلى العودة إلىيها بعد أن علموا أن ستالين لن يغادر موسكو، فهل لأهل موسكو أن يربطوا مصيرهم بمصير طاغية دموي بوصف الوضيع حقاً خروشتشوف !؟ إن ربط مزايا الإشتراكية السوفياتية بمزايا ستالين هو لمصلحة الإشتراكية التي كانت توصف، بالرغم من الدمار الواسع الذي لحق بالبلاد السوفيلتية بفعل الغزو الهمجي الهتلري، بأنها إمبراطورية الطفل ومملكة المرأة وموئل العلم والعهلماء والثقافة والمثقفين، بلاد التفوق في مختلف حقول الإنتاج والمعرفة . هكذا فعل ستالين وهو ما يملأ أفواه أفّاكيّ البورجوازية الوضيعة بالتراب . دمغة واحدة تدمغ جميع هؤلاء الأفاكين وهي أنهم يزوّرون التاريخ فيتجاهلون ردة خروشتشوف على المبادئ اللينينية التي استرشد بها ستالين . خروشتشوف يعلن ردّته بأعلى عقيرته فلا يسمعه أفاكو البورجوازية، أعداء الإشتراكية، كي يقولوا أن ما سقط في العام 91 هو الإشتراكية اللينينية الستالينية (الماركسية) وليس الردّة الخروشتشوفية، دولة دكتاتورية البروليتاريا وليس " دولة الشعب كلّه " . كل من يتجاهل إنقلاب حروشتشوف على دولة دكتاتورية البروليتاريا لا يمكن وصفه إلا بالخيانة، خيانة الإنسانية في أخطر مفاصل تاريخها .

الطوق الثاني الذي تضربه البورجوازية الوضيعة حول الخطاب الشيوعي يرفع راية تقول بسقوط الشيوعية ثم ترفع بجانبها راية أخرى تقول بسقوط الإيديولوجيات ؛ وهم لا يقولون بهذا إلا ليدعوا بسقوط الماركسية .

ما يكشف عن انحطاط وضعة البورجوازية الوضيعة في هذا الأمر هو أن أهل الماركسية، آباؤها ومريدوها، يجمعون على القول بأن الماركسية ليست من صنف الإيديولوجيا بالمعنى العلمي للكلمة، فهي لم تقدم برنامجاً للحكم (platform) على الإطلاق . الماركسية هي بالتعريف المختصر منهاج وأداة بحث (المادية الديالكتيكية) ذات فعالية مطلقة تنبثق من القانون العام للحركة في الطبيعة . ومن هنا لا يجوز لأي كان أن يقول بسقوط الماركسية قبل أن يبرهن مخبرياً عدم صحة هذا القانون أو انتهاء فعاليته وهو ما يعني أن تتوقف الحركة في الطبيعة فتتجمد الشمس في كبد السماء . قرأ ماركس التاريخ مستخدماً أداة (المادية الديالكتيكية) فوجد أن المجتمع الرأسمالي لا بدّ أن ينهار ليقوم بدلاً عنه المجتمع الشيوعي . لم يقل أكثر من ذلك ولم يرسم برنامجاً للحكم . كل زعم بخطأ قراءة ماركس إن هو إلا لغو أجوف إذا لم يقترن بتحديد طبيعة المجتمع الذي سيعقب المجتع الرأسمالي . لذلك وتحاشياً لخطيئة اللغو الأجوف قال فرانسس فوكوياما بنهاية التاريخ وقال صموئيل هنتنغتون بصراع الحضارات فوقعا بخطيئة أشد إماتة من خطيئة اللغو الأجوف . لذلك نقول للناطقين بلسان البورجوازية الوضيعة .. قبل أن تقولوا بسقوط الماركسية قولوا أي مجتمع سيعقب المجتمع الرأسمالي !!؟

أما القول بسقوط الشيوعية استناداً إلى انهيار مشروع لينين في الإتحاد السوفياتي فهو قول في غاية السخف حيث أن المجتمع السوفياتي لم يكن مجتمعاً شيوعياً بدلالة أنه كان مجتمعاً طبقياً، فيه طبقة عريضة للفلاحين وأخرى أعرض منها للمهنيين والإداريين وهؤلاء وأولئك هم من البورجوازية الوضيعة وأشد أعداء الشيوعية . اجتهد الشيوعيون البلاشفة لأن يعبروا مرحلة الإشتراكية إلى الشيوعية غير أن الأعداء الخارجيين والداخليين كانوا الطرف الأقوى وألحقوا هزيمة تاريخية بالطبقة العاملة في العالم وبالبشرية جمعاء . ستعيد البروليتاريا المحاولة مرة أخرى إن لم يفنَ العالم قبلئذٍ . بعض المحاصرين للخطاب الشيوعي يحاولون تلطيف خطابهم فيدعون الشيوعيين إلى الاستنكاف عن العمل الشيوعي طالما أن مشروعهم قد انهار بعد سبعين عاماً من النضال الصعب وتقديم ملايين الضحايا دون فائدة تذكر، فلماذا المخاطرة والمعاناة مرة أخرى !! لعل بعضاً من هؤلاء معذور طالما أنه لا يعلم مدى النقلة الحضارية من المجتمع الرأسمالي وما قبل وما بعد الرأسمالي إلى المجتمع الشيوعي . لم تعرف البشرية عبر تاريخها الطويل إلا الإنسان المقيّد بقيد الإنتاج، هذا القيد وإن يكن هو المفصل الذي فصل الإنسان عن مملكة الحيوان إلاّ أنه بالمقابل ظل يأسر الإنسان تابعاً لأدوات الإنتاج وعبداً لعملية الإنتاج . الشيوعية هي الوحيدة الكفيلة بتحرير الإنسان من قيد الإنتاج ليصبح هو سيد الإنتاج وأدوات الإنتاج وهذا ما يوفر له التحليق في سماء الإبداع في محتلف الميادين المادية والروحية . هذا هو ما يستحق من البشرية بمختلف ألوانها وثقافاتها أن تضحي بكل شيء في سبيل تحقيقه .

لن ننهي قبل أن نناشد فرق البورجوازية الوضيعة المختلفة أن تكفّ عن محاصرة الخطاب الشيوعي لا لتتقبله بل لتنتقده نقداً حقيقاً بالانتباه والدراسة الجادة . صحيح أن هذا يتطلب سويّة من الوعي بالتاريخ وهو ما تفتقده البورجوازية الوضيعة بصورة عامة غير أن المحاولة، مجرد المحاولة، تمحو جزءاً، ولو يسيراً، من ضعتها .

فـؤاد النمـري
www.geocities.com/fuadnimri01



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا العودة إلى الأممية الأولى
- تتكامل الديموقراطية في ظل دكتاتورية البروليتاريا
- العولمة والعولمة البديلة
- الجهد الضائع لطارق حجّي
- السقوط المدوّي لطارق حجّي
- الماركسية الفجّة لدى طارق حجّي
- كيف يواجه الشيوعيون الأزمة الخطيرة الماثلة
- تروتسكي البورجوازي الوضيع
- الأميّة السياسية بين الشيوعيين (درس في ألف باء الإشتراكية)
- نصيحة غير مجانية للمثقف الظاهرة، طارق حجي
- تراث ماونسي تونغ
- ما العمل ؟
- لا حرية مع الإستلاب الديني (دولة الإسلام إنما هي دولة غزاة)
- لا حرية مع الإستلاب الديني (2)
- لا حرية مع الإستلاب الديني (1) (أسطورة إبراهيم أبي الأنبياء)
- محاكمة عادلة لحدة خطابي
- عدمية حماس أعدمت القضية الفلسطينية
- -مقاومة الإحتلال - راية بالية ومستهلكة
- إلى أين ينعطف العالم اليوم ؟
- أيتام خروشتشوف ما زالوا يحاربون البروليتاريا


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - ضعة البورجوازية الوضيعة