|
نريدها دولة -طبيعية-.. هل هذا كثير؟!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2818 - 2009 / 11 / 2 - 16:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
امتداداً لهستيريا كرة القدم التى احتلت الفضاء العام، فى ظل قتل السياسة وتكفير التفكير وتهميش الحوار المجتمعى الجاد، تعالوا نتخيل مباراة على الشكل التالي: الفريق الأصفر ينزل إلى ارض الملعب مكونا من إثنين وعشرين لاعباً بعضهم يخبئ أسلحة بيضاء فى ملابسه، وفى ركابه ينزل الفريق الاسود مكوناً من خمسة لاعبين فقط يرتدون الجلاليب والشورتات الشرعية ويعتمرون العمامات ويمسك كل واحد منهم بمصحف أو جنزير فى يده. اما "الحكم" ومساعديه فهم من لاعبي الفريق الاصفر ايضا وقام بفرضهم على الفريق الاسود، وعلى اللعبة باسرها. وبعد صفارة البداية سارت المباراة فى معظم الاوقات بصورة روتينية رتيبة ومملة ومتوقعة تفتقر الى الاثارة نتيجة للزيادة العددية الاجبارية التى فرضها الفريق الاصفر دون وجه حق. ورغم هذه الزيادة العددية الاجبارية فان الفريق الاصفر يتوه فى الملعب كثيراً ويفقد الكرة دائما لأن بعض لاعبيه تم اختيارهم بالمحسوبية والواسطة وبعضهم الأخر انتهى تاريخ صلاحيته بل ان نفراً منهم يرتدون الفانلة الصفراء بينما قلوبهم مع الفانلة السوداء. ولذلك فان الفريق الاسود تواتيه الشجاعة على الهجوم احياناً مستغلاً ترهل وانقسام وفساد منافسه ويحرز هدفاً تلو الاخر فى مرماه. هنا يتدخل الحكم الاصفر ليلغى تلك الاهداف السوداء مبرراً ذلك بانها جاءت من "أوفسات" أو من "فاولات" أو خرجت إلى "الاوت". وتبقي النتيجة على ما كانت عليه ضامنة فوز "الاصفر" دائما وأبداً. فى مثل هذه المباراة لنا أن نتوقع انفضاض القطاع الاكبر من "الجماهير" الذين لا يجدون متعة فى مشاهدة هذه المسخرة التى تفتقر الى الحد الادنى من الفن الكروى الحقيقي او التكافؤ او النزاهة او الجدية او المنافسة بعد ان تكاتف "الاصفر" و "الاسود" على طرد الفرق الاخرى لتخلو الساحة لهما وحدهما ولم يتبق أمام "المتفرجين" سوى الفرجة على تلك المباراة العبثية بين الأصفر والأسود، فضلا عن أن الاصفر متشبثت بـ "حقه" المكتسب تاريخيا فى الموافقة أو عددم الموافقة على اشراك فرق جديدة، وفى غالبها يغلق الباب فى وجوهها بالضبة والمفتاح. ***** فى مثل هذه الاوضاع يكون من العبث المطالبة بحق الفرق المستبعدة فى "اللعب" ، فما الفائدة من الاشتراك فى اى مباراة طالما انه لا توجد "قواعد للعبة" أصلاً او توجد قواعد ظالمة وغير منطقية؟! *** هذا هو حالنا بالضبط فى ملعب السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، حيث المطلوب تغيير "قواعد اللعبة" أولاً، والاتفاق على قواعد جديدة للتنافس السلمى بين المدارس المختلفة التى ينتمى إليها أبناء الجماعة الوطنية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. والقواعد الجديدة التى نطالب بها ليست "بدعة" بين الأمم وليست "اختراعاً" معقداً ولا تحتاج إلى تمويل واعتمادات وميزانيات.. إنها تحتاج فقط إلى "توافق مجتمعى" مصحوب بـ "إرادة" سياسية لجعل بلدنا "دولة عادية" وليس أكثر. والدولة "العادية" التى نقصدها هى الدولة المتحررة من التشوهات والشذوذ. ونحن لدينا – بالفعل – الكثير من هذه التشوهات وذلك الشذوذ الآن: • فالاحتباس الديموقراطى المزمن – والذى ينافس الاحتباس الحرارى – شذوذ وتشوه. • استمرار حالة الطوارئ قرابة ثلاثة عقود متصلة.. شذوذ وتشوه . • استعصاء تداول السلطة.. شذوذ وتشوه. • عدم وجود رئيس سابق.. شذوذ وتشوه • قيود المادة 76 وعدم وجود قيود للمادة 77 من الدستور.. شذوذ وتشوه. • وجود لجنة شئون الأحزاب السياسية التى لا مثيل لها فى العالم، والتى يعنى وجودها باختصار احتكار الحزب الحاكم حق الموافقة أو عدم الموافقة على قيام أحزاب تعارضه، شذوذ وتشوه. • وجود وصاية حكومية على المجتمع المدنى ومنظماته، وعلى العمل التطوعى الأهلى، شذوذ وتشوه. • وجود وصاية حكومية على النقابات، وعلى الحركة النقابية، شذوذ وتشوه. • العبث باستقلال القضاء شذوذ وتشوه. • التمسك بدستور عفا عليه الزمن وينطوى على تناقضات بين مواده شذوذ وتشوه. • جعل الاقتصاد الحر واقتصاد السوق "سداح مداح" ومرتعا للممارسات الاحتكارية السامة شذوذ وتشوه. • غض النظر عن تبنى آليات صارمة لمنع تعارض المصالح وزواج السياسة والمال.. شذوذ وتشوه. • غض النظر عن تبنى آليات حاسمة لمنع زواج السياسة والدين .. شذوذ وتشوه. • تخلى الدولة عن دورها ووظائفها فى التعليم والبحث العلمى والصحة والمواصلات وحفظ السلم الأهلى وحماية الطبقات الشعبية وخلق فرص العمل لجيش العاطلين.. شذوذ وتشوه. • غياب قوانين ديموقراطية توفر الشفافية والمعلومات للمواطنين كافة.. شذوذ وتشوه. • استشراء الفساد الذى أصبح كالطاعون.. شذوذ وتشوه. *** هذه كلها – وغيرها الكثير – تشوهات مزمنة تعانى منها الدولة المصرية ولا أمل فى أى تغيير أو إصلاح سوى بإزالة هذه التشوهات حتى تصبح دولتنا دولة "عادية" و "طبيعية" متحررة من أوجه الشذوذ التى تثقل كاهلها وتشل حركاتها. ولن يأتى هذا إلا بوضع الأمر فى يد أصحاب المصلحة الحقيقيين، أى الناس. والاحتكام إلى الناس يعنى تفكيك المركزية وبناء مؤسسات الحرية والامتثال لنتائج صناديق الاقتراع ابتداء من انتخابات القرى وانتهاء بالانتخابات الرئاسية. وهذا يعيدنا إلى "ضربة البداية"، أى إلى "قواعد اللعبة".. وأول قاعدة من هذه القواعد آلية الانتخابات نفسها، فمن العار أن مصر – مهد الحضارة وأم التاريخ – مازالت عاجزة عن إجراء انتخابات نزيهة خالية من التزوير والغش. والعجيب أن هذا الموضوع بالذات يسبب حساسية شديدة للبعض الذى يرفض الحديث عن نظام الانتخابات فى مصر – رغم فساده الواضح – فى حين أن الولايات المتحدة الأمريكية التى جذبت انتخاباتها إهتمام العالم بأسره تقوم هذه الأيام بمراجعة نظامها الانتخابى وتصفه بأنه نظام "عفا عليه الزمن" وأنه "مكلف ويفتقر إلى الدقة"، وتقدر أحدث التقارير الأمريكية عدد الناخبين الذين لم يتمكنوا من الاقتراع فى الانتخابات الأمريكية العامة سنة 2008 نتيجة لمشاكل التسجيل بنحو مليونى ناخب. ولذلك توجد حركة واسعة فى الولايات المتحدة الآن لتحديث النظام الانتخابى الذى "عفا عليه الزمان"، ولا يستنكف الأمريكيون الاستفادة من النظام الانتخابى الهندى الذى يعتبرونه من افضل النظم الانتخابية فى العالم. هذا يحدث فى أمريكا.. فلماذا لا نبدأ نحن فى مصر مراجعة "قواعد اللعبة"، وفى مقدمتها نظام انتخابى سئ السمعة أكل عليه الدهر وشرب.. ويتحمل المسئولية عن عزوف المصريين عن المشاركة ودفعهم دفعا إلى تقديم استقالتهم الجماعية من الاهتمام بالشأن العام.. فهل هذا كثير؟!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التهمة هي انتهاك الحق في الصحة والحق في الحياة
-
مستقبل مصر: إلهام التاريخ وكوابح الحاضر
-
تبرع يا مسلم لبناء إنسان
-
لماذا يخاف 48 مليون مصرى من المستقبل؟!
-
محمد السيد سعيد: وكل هذا الحب.. وأكثر
-
موقعة ذات النقاب .. أهم من حرب 6 أكتوبر
-
صحافة الفضائح .. وفضائح الصحافة
-
حديث ليس فى الرياضة: الأولمبياد يسبح فى »نهر يناير« البرازيل
...
-
اختفاء النصف السفلي لإنسان!
-
نظرية -المؤامرة- فى تفسير -نكسة- موقعة اليونسكو!
-
زيارة السفير الإسرائيلي.. بداية أم نهاية؟̷
...
-
العالم يتغير.. ونحن نائمون فى العسل!
-
يا دكتور حاتم الجبلى.. تكلم!
-
عندما يتحول -الوطن- إلى -شقة مفروشة-!
-
الحياة.. بدون محمود عوض!
-
الفتنة الصحفية.. الكبري!
-
حسب الله الكفراوى يتحدي .. فهل من مبارز؟!
-
العشوائيات .. بعيون غير عشوائية 2-2
-
مبادرة -القلعة-.. هل من مزيد؟!
-
في عام 2002 دق »تقرير التنمية الإنسانية العربية« نواقيس الخط
...
المزيد.....
-
شاهد ما رصدته كاميرا CNN داخل مبنى في إيران استهدفته غارة إس
...
-
شاهد ما قاله المتحدث باسم الخارجية القطرية لـCNN عن تطورات م
...
-
مُلمحا إلى جعل العقوبات على إيران أكثر مرونة.. ترامب: سيحتاج
...
-
أول موسم عاشوراء دون نصرالله.. شيعة لبنان يستعدون لإحياء الم
...
-
-ماذا ينتظر الشرق الأوسط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟--
...
-
-يوم حزين- لإسرائيل ـ مقتل سبعة جنود بعبوة ناسفة في غزة
-
دول الحلف الأطلسي تؤكد تمسكها -الراسخ- بالدفاع المشترك وتتعه
...
-
كمين مسلح نفذته حماس يودي بحياة 7 جنود إسرائيليين في قطاع غز
...
-
ترامب يشيد بإحراز -تقدم كبير- بشأن غزة وحماس تؤكد تكثيف الات
...
-
قمة حلف الأطلسي في لاهاي: ترامب يلقي كلمة ويجيب عن أسئلة الص
...
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|