أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العظيم فنجان - الف منفى ومنفى ..















المزيد.....

الف منفى ومنفى ..


عبد العظيم فنجان

الحوار المتمدن-العدد: 2817 - 2009 / 11 / 1 - 20:21
المحور: الادب والفن
    


لا يوجد ليل بدون برابرة .

يوجدُ برابرة بدون ليل ،
لكن
لا ليل بدون برابرة :

ليلي أو ليلُكِ ..

أتطلعُ من النافذةِ التي افتضَ البرابرةُ ، في ظلامها ، برائتي البكر، يومَ كنتُ عاريا ، أعيشُ في الفانوس المضيء : قلبي . أسكنه كالشعلة ، لكنهم اقتحموه ، عنوة ، ونثروني في العالم .

من ساعتها وأنا أكتبُ الشِعرَ لأجمعني ، وما من فائدة :
كان هناك فيَّ ما يسمّونه الكائن ، إلا أنه فرَّ من القفصِِ ،
فأصبحتُ في الخارج أجمعُ غبارَ أجنحته ،
حسرة بعد حسرة .

من يومها لم أعد أحدا :
من الصعب جدا أن أجدَ لفظا يناسبني ،
لأنني تخطيتُ حتى مرحلة أن أكون شبحا .

من يومها صار ما يُثبتُ وجودي هو السُخامُ وحده .
السُخامُ وحده
يرشّه البرابرةُ أينَ ما وضعتُ أقدامي .

عند ذلك ،
عند ذلك فقط يكون النورُ قد وجد ما يُثبتُ أن شاعرا ملعونا مرَّ غريبا على سطح هذا الكوكب ، في هذه الغرفة التي أتطلعُ اليكِ من نافذتها ،
ماسكا بالقضبان ، أهزُّها ، كمن يريدُ أن ينتزع أصابع َ امرأة من يديها .

هذه النافذة تهربُ سرا ، في الليل ، وتأتيني بالقمر المرسوم على قميص السماء ، لاُكرّرَ عليه كذبتي المُشرقة :
لم أخلص ، في حياتي ، إلا للشِعر ،
ولم أكتبه كما ينبغي .

غير أني كلما تطلعتُ الى وجهكِ رأيتُ القمرَ أخضر ، والقيودَ التي حول معصميَّ حزمة ً من سلاسل الجبال ، التي عبرتُها ، عبر أنفاق دخان الترياق ، بصحبة مهرّبٍ رسمَ خارطة الوصول اليكِ على ظهره ، وأنا خلفه ، احاولُ فكَّ طلاسمه ، لأن الجبال كانت متحركة ، حسب رأيه ، حتى أنه بعد أن قرّرَ ، في لحظة نشوة ، الانتحارَ كالبغل ، ضاما حوافره الى بعضها ، ملقيا نفسه الى الوديان ، كان عليَّ أن استعيدَ الخارطة بذاكرة مكتظة بغبار الحشيشة ، وبالآثار المتروكة من سُكر طويل مع الحروب ، في حانات لا تطلب ثمنا سوى أن أموتَ أكثر من مرة ، وأن أمر مترنحا كالذبيحة بين موائدها :

أن أشربَ ، أن أسكرَ ، أن أنسى ، أن ..

هكذا تحوّلَ المستقبلُ الى ماضٍ نسيتـُه ، ولم أعد أتذكرُ ما فيه سوى كتلة من الألم ، أحملُها على ظهري كصخرة سيزيف ، ملاحقا بصيصا من الأمل يشرقُ ، أحيانا ، عندما اردّدُ اسمكِ أيتها الحرية : اسمكِ ، اسمكِ العظيم الأعظم ، الوحيد الذي أعرفه من بين الالاف التي يعرفها آخرون : أكل أحشائهم البرابرةُ : غابوا وهم يرددونكِ في ظلام الاقبية ، وفي الغابات تحت ضوء القمر : هذا القمر الذي أنظرُ اليه من النافذة ، فأتذكرُ كل شيء ، حتى تلك القصص الساقطة من كتاب الف منفى ومنفى ، الذي لم يكتبه أحدٌ ، إلا أنني قرأته كثيرا ، دون أن أتصفحه مرة .

هكذا اجتزتُ المحنة .

مشيتُ على خطوط الحظ الذي فارقني دون تلويحة ، متـّبعا خطة لا أعرفُ مَن رسمها في ذهني المشوّش ،
لأن ذلك كان قبل أن يبتكرَ الانسانُ الكتابة .

حصلَ ذلك وأنا غارقٌ في مياه النسيان :
أتنقلُ بين أنابيبها وأتساقط ُ ، قطرة قطرة ، من فوّهات الحنفيات ، الى علب صفيح ٍ ، ينقلها الآخرون على ظهورهم ، ربما لرشَّ الدمع على جدران حياتهم أو لشطف الحزن ، فلا يصلون بها إلا وقد أضحتْ فارغة ، لأنها كانت مثقوبة عمدا .

حصل ذلك عندما وصلتُ مبعثرا الى هذه الزنزانة الكبيرة التي يقولون : إنها الحياة ، لألتقي بأصحاب ماتوا قبل الآف السنوات ، لكنهم قرّروا العودة عندما سمعوا أن جنة ما في طريقها الى التجلي في أرض السواد ، حيث الفرات ، مثلما دجلة ، قد كفَّ عن الفيضان ، رحمة بنا من قلبه النبيل ، فقد نسيَ الناسُ السباحة ، كما أن القيعان لم تعد تستوعب أي غريق اضافي .

هناك
قابلتُ أحلكَ ساعاتي وأصعبها ،
فثمة مَن سجُنتُ معه في الوحشة تطوّع ، في لحظة ضعف ، معترفا أمام البرابرة ، أنني سقطتُ ، من هول نحول الروح ، فوقعتُ في هيام الدهشة .

لم يعرف حتى الحب أنَّ هيامي لم يعد صالحا لشيء ،
سوى أن يكون هياما مجردا ،
أحتفظُ به لنفسي لأعرف نفسي ،
منذ أن مات المهرّبُ على طريقة البغال .

لم يعرف أحد أنه لم يعد لأية شجرة مكانا في حديقتي ،
إلا لهذا القمر الذي ترسله إليَّ القضبان .

ربما نتيجة ذلك عشتُ طويلا أهتفُ مع هذا ضد ذاك ، أو أهتفُ مع ذاك ضد هذا ، شاعرا بالذنب من كل جرائمي التي لم أرتكبها : أبكي لأن الله خلقني على شاكلته ، وتركني أعيشُ مع مَن هم ليسوا على شاكلتي ، مجبرا على أن أقبل بالعقوبة ، وبالتاريخ الذي وصل مكتوبا على جلود ضحايا لم ينتحروا ، كما المهرّب ، في وديان كان البرابرة يحفرونها برمشة من خناجرهم .

هكذا خرّبتُ حياة المرأة التي آوتني .

خرّبتُ حياة المرأة التي آوتني ، عندما أعدتُ كتابة مذكرات العالم بدمع حلمتيها ، حتى صاحت بي ذات ليلة : " لقد امتلأت أحضاني بأحزانكَ ، ولا بد لي أن أفيض ، كما أنني انطفأتُ ، فلم أعد مانعة الصواعق ، تلك التي تلتهبُ ، على السرير ، كلما مرَّ برقٌ ، أو سقطتْ شرارة ، من عين رجل في صحن شهوتي " .

هكذا غادرتُ خلسة ، في فجر بارد جدا ، حاملا طوال جسدي آخر شهقة فاض بها ينبوعها ، الذي فقد خصوبته ، فلم يعد يفيضُ إلا بتنهدات خافتة ، بعد أن أصدرتُ حكمي على الآخر :

" ساعاقبكَ أيها الأجرب القلب ،
أيها البربري ،
إنما على شاكلتي :
اغنية بعد اخرى ، تاركا لك حقلا من النسيان ، كقبر " .

مَن يفهمكَ الآن أيها الفؤاد ، ومَن يسمعكَ وسط انهيار العمارة ، فيما البراكين مشغولة بتبادل فوّهاتها ، كما يتبادل الاطفالُ الطوابعَ ؟ كم كنتَ أبيض أكثر مما ينبغي عندما درتَ كالدرويش
بين الافاعي ؟

الان
أسمعُ وقع أقدامهم قادمة :
طبول وخيول ، لجرجرتكِ نحو حرائق اخرى ، حضرتُها قبل أن تبدأ : أنتِ التي لا أعرفُ من أسمائها الألف الا اسما واحدا ، اردّدُه ساعة الخطر . أسمعُ أيضا تنهداتكِ المترددة ، وهي تُخيطُ بحسرتها لونَ قمري الأخضر : " أهم البرابرة ؟ لكن أين ليلهم ؟ "

هناك
برابرة بدون ليل .
هذا ما يجعلني أسمعُ خفقَ أجراسكِ ، اميّزُها من بين خطواتهم :

ـ " أهم برابرة فعلا ؟ "

آه ،
مثلكِ تخفقُ أجراسي ..



#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خالد المعالي يعود الى بلاده ..
- لا حمامة ، لا طوفان ، و لا سفينة ..
- اغنية الشخص الثالث ..
- اغنية كسوط يجلد نفسه ..
- كيف تكتبُ قصيدة نثر .. ؟!
- العالم عندما القصيدة نثرا 21
- العالم عندما القصيدة نثرا 20
- العالم عندما القصيدة نثرا 19
- العالم عندما القصيدة نثرا 18
- العالم عندما القصيدة نثرا 17
- العالم عندما القصيدة نثرا 16
- العالم عندما القصيدة نثرا 15
- العالم عندما القصيدة نثرا 14
- العالم عندما القصيدة نثرا 13
- العالم عندما القصيدة نثرا 12
- العالم عندما القصيدة نثرا 11
- العالم عندما القصيدة نثرا 10
- العالم عندما القصيدة نثرا 9
- العالم عندما القصيدة نثرا 8
- العالم عندما القصيدة نثرا 7


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العظيم فنجان - الف منفى ومنفى ..