|
لا حمامة ، لا طوفان ، و لا سفينة ..
عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 2815 - 2009 / 10 / 30 - 14:49
المحور:
الادب والفن
امرأة بعدما توقف الطوفان ، وجدنا الحمامة على كتف امرأة ..
امرأة /
بثياب النوم ، امرأة ، على الزجاج ، يغسلها المطرُ ، وفيما يسطعُ برقُ المساء على كتف القنديل الذي نفد زيته ، تكون المرأة قد اختفتْ ..
امرأة /
كان يتنفسُ وجهكِ في الصورة الرائعة ، التي لبثتْ مزروعة في ذاكرته ، كحقل سنابل رشـّه مطرٌ غزير في عزّ الجفاف . المطرُ هذا هو بعضُ خواطره التي تمرُ ، في ممرات رأسكِ ، وأنتِ تكتبين ضفائركِ في دفتر المرآة ، ثم عندما ينتهي السطر الأخير، من عرس بهائكِ ، يـُخرجكِ منكِ ، ومن المرآة ، فتتسربان معا ، بوثبة من الروح ، الى خارج حدود الكون ، تاركين تلك الواقفة مكانكِ في حيرةٍ من أمرها ، وهي تنظرُ الى المرآة ، فلا أحد هناك سوى اغنية يردّدها الشغفُ : مَن جاء ، مَن ذهبَ ؟
امرأة /
من مرآة الى مرآة واصلتْ امرأة نقل بهائها في المرايا ، تاركة في كل مرآة اثرا واحدا ، يختلف من مرآة الى مرآة .
في قلب كل مرآة امرأة ٌ تسيرُ على ضوء شمعة ، حتى تنطفيء الشمعة ُ ، فيظهرُ إثرها رجلٌ يجمعُ آثارها ، من مرآة الى مرآة ، ودائما ، في لا نهائيات رحلته ، يصلُ الى امرأة اخرى ..
امرأة /
نائمة ، ولا صخبَ في الصورة ، إلا صخب عنقها ، الذي عليه تنحدر حسرتي : أمرأة مرسومة على حائط ، في صحراء ، في ثكنة مهجورة .
امرأة /
مساء كل يوم ، إذ تعود الشياطين بأخبار بلقيس ، وكيف أنها تلهثُ جَمالا ، وتلمعُ كحجر كريم في قصرها اللؤلؤي . مساء كل يوم ، وأنا أصفحُ عن الهدهد ، واحرّف الاسطورة ، افتحً نافذتي على الليل ، و اغنـّي امرأة اخرى أجمل من أن تـُرى من قِبل ملاك أو شيطان : أشتقُ لها اسما من القمر ، وأهيمُ في رمل جمالها المتحرك ، زاهدا بأملاكي ومقطعاتي .
امرأة /
قالت : " لقد بحثتُ عنكَ في كتب السحر والتنجيم ، لأنني كثيرا رأيتكِ في منامي ، فأغرمتُ بجمالكَ ، كما أغرمتْ زليخا بيوسف .. " كانت جالسة الى جواري في حافلة الحياة ، وأنا أقرأ كفَّ القدر ، منتظرا متى يصعد معنا الاخوة الاعداء ، حاملين معهم البئر .. ثم حصل كل شيء بدقة متناهية ، وبسرعة عجيبة ، سوى أنها لم تغرم بي كما زليخا ، لأنني غيـّرتُ الخطة ، ولعبتُ دور الذئب .
امرأة /
أرى إليها تظهرُ في الشـُعلةِ ، عندما يحشرجُ الفانوسُ في الظلام ، وأنا أكتبُ تاريخها المنسي على الشفاه : تظهرُ كخيط الفجر الأول ، وتمشي الى الافق ، تتبعها الوقائعُ والأحداث ُ : في كل خطوة بداية لنسيان ، وعندما يطلعُ النهارُ يكون عليَّ أن أشحذ ذاكرتي جيدا بحجر النعاس ، بانتظار أن يحشرج الفانوسُ ، وتظهر ثانية مع خيط الفجر .
امرأة /
أرى صوتكِ أزرق . أسمعُ اسمكِ أبيض .
ذلك عندما يُعيرني صدرُكِ عصفوريه ، فأطيرُ بهما نحوكِ ولا أصل ، لأنني أكون قد وصلتُ قبل أن أصل ، لأن بدنكِ كان قد حلَّ في بدني ، مثلما حلَّ ، في فمي ، لسانُكِ : ألفظُ به اسمكِ ، فيصيرُ كل ابيض ازرق ، ويصير الازرق ابيض، أو يضيع الابيض في الازرق ، كما يضيع الماء في قطرة ماء .
امرأة /
أسمعُ عويل ثكنات ، من أجل صوتكِ غفرتُ نفيرها : لقد ركلني البيتُ ، ورفستني المدرسة ُ ، فانتظرتُ الهواءَ الذي يحرّكه شعرُكِ .. لكنني حين انتخبتُ مياهكِ ، وجدتها قطرة . وجدتُ أن الملكات ، أمام المرايا ، يتركن بلادهن مفتوحة ، كقلب الأعمى .
عن ماذا سألتُ الهواءَ حتى يتيه ؟!
امرأة /
اكتبُ اسمها فيهبط ُ عصفور ، وينقر الورقة . أمحو اسمها فيطير العصفور بعد أن ينقرَ راحة يدي .
لا حمامة ، لا طوفان ، و لا سفينة /
اغنيةٌ أوحتْ بها امرأة ، ثم جفـّتْ داخل الرأس ، قبل أن ترفعها الى مقام الورقة ، لكنكَ الآن ، إذ ينبجسُ الدوارُ الذي تتوهم أنه الحمامة التي تسبق سفينة نوح ، تصعد من قعر الطوفان الى السطح، بحثا عن زورق الاغنية :
أامرأة أوحتْ لكَ باغنية، ام أن اغنية ما قد أوحتْ لكَ بامرأة ؟
إذا كانت امرأة حقا ، فأين روحها ، أين جنونها وضجيجها ، أو أين تاجها ؟
أين التاج ، وأنتَ ، من ورقة الى ورقة ، تطاردُ اغنية أوحتْ بها امرأة ، وتكتبُ اغنية توحي بامرأة اخرى ؟
هكذا أنتَ دائما، هكذا : بالأغاني تلوذ ، حين لا حمامة في الافق ، لا طوفان ، ولا سفينة ..
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اغنية الشخص الثالث ..
-
اغنية كسوط يجلد نفسه ..
-
كيف تكتبُ قصيدة نثر .. ؟!
-
العالم عندما القصيدة نثرا 21
-
العالم عندما القصيدة نثرا 20
-
العالم عندما القصيدة نثرا 19
-
العالم عندما القصيدة نثرا 18
-
العالم عندما القصيدة نثرا 17
-
العالم عندما القصيدة نثرا 16
-
العالم عندما القصيدة نثرا 15
-
العالم عندما القصيدة نثرا 14
-
العالم عندما القصيدة نثرا 13
-
العالم عندما القصيدة نثرا 12
-
العالم عندما القصيدة نثرا 11
-
العالم عندما القصيدة نثرا 10
-
العالم عندما القصيدة نثرا 9
-
العالم عندما القصيدة نثرا 8
-
العالم عندما القصيدة نثرا 7
-
العالم عندما القصيدة نثرا 6
-
العالم عندما القصيدة نثرا 5
المزيد.....
-
“الإعلان الثاني “مسلسل المؤسس عثمان الحلقه 164 مترجمة كاملة
...
-
اختتام أعمال منتدى -الساحة الحمراء- للكتاب في موسكو
-
عثمان 164 الاعلان 3 مترجم.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 164 الم
...
-
فيلم مغربي -ممنوع على أقل من 16 سنة-.. ونجمته تؤكد: -المشاهد
...
-
نمو كبير في الطلب على دراسة اللغة الروسية في إفريقيا
-
الحرب والغرب، والثقافة
-
-الإله والمعنى في زمن الحداثة-.. رفيق عبد السلام: هزيمتنا سي
...
-
مصر.. قرار من جهات التحقيق بخصوص صاحب واقعة الصفع من عمرو دي
...
-
والد الشاب صاحب واقعة الصفع من عمرو دياب يكشف عن حالة نجله ب
...
-
تابع الحلقة الجديدة 28 .. مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 28
...
المزيد.....
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
المزيد.....
|