أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نبيل ياسين - ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث-الحلقة السادسة















المزيد.....


ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث-الحلقة السادسة


نبيل ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 2810 - 2009 / 10 / 25 - 19:50
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


محاولة للعفو والتسامح

لم يكن قصر النهاية وحده معتقلا كبيرا. فات حازم ان يتحدث عن ملعب كرة القدم في المنصور المعروف باسم ملعب الادارة المحلية الذي كان تحت امرة جلادي حزب البعث عمارعلوش وقتيبة الالوسي.امي ذهبت الى هناك بحثا عن اخي ولاعطائه ملابس وطعاما فلم تصل اليه. ذهبت انا فانهال الحرس القومي بامر من الالوسي الذي كان يزن اكثر من مائة وعشرين كيلو غراما وكان يجلس على صدور المعتقلين حتى تنقطع انفاسهم، وعدت انزف دما. خرج بعض المعتقلين فيما بعد وتحدثوا عن فظائع التعذيب في ملعب كرة القدم الذي اصبح مثلا اقتدى به بينوشيت في التشيلي بعد عشر سنوات.وصار ملعب كرة القدم في سانتياغو موضوعا لفلم سينمائي شهير وتم نسيان ملعب كرة القدم في بغداد.
ينسى سجن وراء السدة الشهير. ينسى سجن النادي الاولمبي، ينسى سجن الامن العام، ينسى سجن الفضيلية وسجن رقم واحد العسكري.ينسى سجون الحرس القومي التي فتحوها في كل حي وقضاء باسم حزب البعث الذي يحاول جواد تبرئته والصاق الجريمة في رأس عماش الذي اراد حازم جواد قطفه.
هذه هي لغة قادة اغلب الاحزاب العراقية ومفرداتها: تعذيب، اعترافات، قطف رؤوس. تصفيات. سجون. اقبية تعذيب.حقد. خيانة. تآمر. اغتيال. قتل. اعدام.دم. انقلاب. دبابة. مسدس. وتغيب مفردات: دولة. اقتصاد، تنمية. علاقات دولية. حسن جوار. تعاون وطني ، اقليمي ودولي. سيادة. استقلال. حريات. مواطن. قانون. عدالة.تعليم. ضمان اجتماعي. طرق ومواصلات. بناء مساكن. مستشفيات. صحة .برلمان. دستور. سيادة قانون. تعددية. انتخابات. تسامح.
لغة اؤلئك القادة وصلت الى صدام حسين وشكلت ثقافته السياسية والاجرائية. وصل الحال به ان يتساءل ماهو القانون؟ انه ورقة يوقعها فتصبح قانونا كما قال .هكذا تحولت عمليات الابادة الجماعية الى قانون صدامي مستمد من ثقافة البعث وفكر التصفية والتطهير حتى مع رفاقهم وممهدي طرق صعودهم.
يتحدث حازم عن رجل بعثي يدعى علي عبد السلام اوصل صدام حسين الى القنصل البريطاني في البصرة عام 1964وقد خدم هذا الشخص حزب البعث وقادته وقدم لهم خدمات كثيرة. يقول حازم (اعتقل علي عبد السلام بشكل مبكر في عام 1969 وعذب تعذيبا شديدا. لم يقتل . واطلق سراحه بعد فترة.ولسبب ما زرته حتى التقط ماذا يحدث في قصر النهاية، فشكا لي وابرز فمه بلا اسنان. وقال لي: هل تقبل بهذا؟ انا ماذا فعلت لهم؟ كنت دائما اخدمهم. لم يصدق ماحصل له. كسروا اسنانه ويديه ورجليه.سلمت عليه وقلت له: انساها والحمد لله انك خرجت سالما.وبعد يومين او ثلاثة من ذلك اليوم قرأت في الصحف عن اقامة الفاتحة على المرحوم علي عبد السلام الذي توفي في حادث مؤسف. سألت عنه فقالوا لي انهم اعادوا اعتقاله واطلقوا عليه طلقتين او ثلاث في الجمجمة ورموه قريبا من بيته. فكان اخراجه من السجن اما خطة او لتطمين جهة ما)( الحياة. العدد 14927 .في 9 شباط /فبراير 2004)
يذهب حازم لزيارة هذه الضحية ليلتقط ماذا يدور في قصر النهاية. انه لاينسى صلته بهذا القبو الرهيب للتعذيب يوم زار سلام عادل. وهو يعرف انه قصر للتعذيب والموت الذي زرعه فكر البعث نفسه فيكتفي بالتخفيف عن(رفيقه) الذي تحول الى قتيل بعد يومين او ثلاثة بنفس الظروف التي مارسها الفكر البعثي. انه يذهب ليلتقط. انها روح المعلومة التي ينتزعها التعذيب.لقد كان انتزاع المعلومة جوهر فكر البعث والفكر الشمولي. فكر الامن والمخابرات. فكر اداة التعذيب التي تنتزع المعلومة.فالمعلومة هي تدمير العدو ، تدمير الخصم . اذ يتم تدمير الخصم السياسي بالامن لا بالصراع الفكري.انها قصة نظام صدام حسين برمته.
انها قصة فكر دموي . فكر منظمة ارهاب وتنكيل وجريمة منظمة ومقررة سلفا ومرسومة الابعاد فكريا من قبل ميشيل عفلق ورفاقه ونفذها القادة وابطال الامة الذين باركهم عفلق نفسه وهو يرى بذور فكره الارهابي تزدهر في العراق كما لم يزدهر ارهاب في اي مكان آخر.
لست معنيا بالاحكام القيمية التي يطلقها قادة انقلاب شباط على خصومهم , خاصة عبد الكريم قاسم. عدد من هؤلاء لم يستطيعوا اطلاقا انكار شجاعة قاسم التي تجلت منذ حرب فلسطين عام 1948وحتى لحظة اعدامه، سوى حازم جواد الذي قاد الانقلاب والذي يقول عن عبد الكريم قاسم:( بعد اقل من ساعة رن الهاتف مرة ثانية وكان عبد الكريم قاسم على الخط.بدأ الحديث هذه المرة بلهجة اكثر خنوعا وتوسلا)(الحياة. نفس العدد). من الواضح ان حازم جواد يشترك في تسويق دموية الانقلاب حتى عبر توجيه تهمة الخنوع لعبد الكريم قاسم الذي لم يستطع جواد في نفس الذكريات ونفس الصفحة ان ينكر ان قاسم رفض ان تعصب عيونه قبل اعدامه ويؤكد انه قال(لن تعصب عيوني .انتم حكمتم علي دون محاكمة)
نعم دون محاكمة. ومهما فعل قاسم من انتهاكات للقانون الا انه لم ينتهك حق المحاكمة. ولذلك يذكر حازم ان ضابط شرطة دخل عليهم اثناء وجود قاسم في الاذاعة وقال له انه شقيق ناظم الطبقجلي الذي اعدمه قاسم بعد انقلاب الشواف واتهم قاسم بانه مجرم وقاتل، فرد قاسم (انا حكمته بمحاكمة والجماعة الان يحاكمونني من دون محاكمة). ويؤكد حازم (لا توجد محكمة. نحن اعتبرنا ان مجلس قيادة الثورة هو المحكمة)
ليس هناك انتهاك وتحقير للقانون اكثر من اعتبار شلة حازم محكمة. لقد ارسوا غياب القانون واعتبار القوة المسلحة قانونا وقاضيا ومحكمة . وهكذا حاكمت فرق الحرس القومي مواطني العراق. يؤكد حازم في نفس النص( لكننا لم نقل في بيان الحاكم العسكري(الذي نقل قرار اعدام قاسم. ن ي) مجلس قيادة الثورة لان ليست لديه سلطة قضائية.)
كانوا يعرفون انهم ينتهكون القانون.وكانوا يعرفون انهم يحتقرون السلطة القضائية ويعطلون مهامها ويهينون هيبتها. مع هذا لم يندم منهم احد ولم يحاسب حتى اليوم وبضمنهم حازم الذي يؤكد ان (المكتب العسكري للحزب منذ البداية كان مسؤولوه مدنيين .. وكنت انا المدني عقله المفكر)(الحياة نفس العدد)
اي عقل مدني مفكر هذا؟ وكيف اذن نحاسب العسكر على انتهاكهم للعدالة والقانون اذا كان عقلهم المدني المفكريبرر التعذيب والاعدام والاغتيال ويارك فيها، ثم يتبجح انه عقل مفكر. هذا اذن فكر البعث وهذا هو مفكره الذي مهد الطريق لصدام حسين ليفكر هو ايضا وليكون العقل المفكر لمأساة استمرت خمسة وثلاثين عاما.
يروي حازم عن امين سر القيادة القطرية للبعث ونائب رئيس الوزراء علي صالح السعدي انه(جاء يوما الى مجلس السيادة وهو يحمل مسدسه ويبحث عن صالح مهدي عماش لاعتقاله او قتله. وقال عنه : هذا الجاسوس الجبان.كان هذا بعد شهر من الثورة) (العدد نفسه)
عقل مفكر آخر ويحمل مسدسه مطاردا رفيقه متهما اياه بالجاسوسية والجبن. هذه الصورة لو دخلت في فيلم سينمائي لظلت حية في اذهان المشاهدين كونها لقطة درامية مرعبة ولكنها مضحكة في نفس الوقت لاكبر مسؤول لايهتم بامور الدولة والوزرارات وانما بمطاردة رفيقه وهو يحمل مسدسه ليقتله.
هؤلاء حكموا العراق.هؤلاء اباحوه واذلوه.
هؤلاء اهانوه وانتهكوه. ولاننسى ان هؤلاء حكموا رفاقهم بهذه الطريقة.
يقول حازم عن طالب شبيب الذي يصفه بانه(اكثر المسؤولين وعيا وليبرالية) بانه اقترح (ان نصدر بيانا هو البيان الرقم 13 الذي يدعو الى اطلاق النار على الشيوعيين)(نفس العدد)
هذ ليبرالي الحزب فكيف بمتطرفه! وهذا اكثر البعثيين مدنيين وعسكريين وعيا فكيف باكثرهم تخلفا وانحطاطا ؟
انها مسؤولية لم تجد من يحاكمها فكريا وثقافيا واخلاقيا على الاقل حتى الان ، دعك عن محاكمتها قضائيا.
انفلات شخصي يقرر فيه الفرد مصائر واحكاما ومواقف. هاكم مايقوله حازم نفسه عن مؤسس البعث العراقي فؤاد الركابي (الحقيقة ان فؤاد عاد الى بغداد بعد وصول حزب البعث الى السلطة في 8 شباط (فبراير)1963 . هنا اقدم علي صالح السعدي وزير الداخلية آنذاك على تصرف مشين اذ ابقى فؤاد معتقلا في المطار واعاده الى القاهرة . كان التصرف من علي ومن دون العودة الى القيادة)(الحياة. نفس العدد)
يبدو حازم مضحكا وبهلوانيا هنا وهو يتحدث عن العودة الى القيادة، اي قيادة الحزب. ان تصرف السعدي هو تصرف نموذجي لغياب الاحترام وتبادل الرأي والرأ ي الجماعي الذي مارسه البعثيون وعلى رأسهم حازم الذي يؤكد في كل ذكرياته انه وحده العقل المدبر والمفكر للاحداث والتعيينات والقرارات. هو يقول انه عين مجلس قيادة الثورة دون ان يرجع للقيادة او لاي احد. وهكذا ، فعن اي قيادة ورجوع لها يتحدث حازم؟
ان فكر التفرد في الواقع اشتهر به عفلق واطعم الاخرين من تلاميذه جرعته المرة. غير انه ليس هناك بعثي واحد تجرأ ونظر الى نفسه ، وبضمنهم صدام حسين، وتساءل كم هو مقدار جرعة الديكتاتورية التي اتصفت بها افكاره واراؤه ، وبضمنهم حازم جواد الذي يتهم عبد الكريم قاسم بالدكتاتورية، كما يتهم رفيقه علي صالح السعدي بهذه الدكتاتورية ، والسعدي بدوره يتهم رفاقا آخرين بها.
هناك خلل في الرأي الجمعي، كما ان هناك خللا في تفسير الحق في اتخاذ الرأي. وهذا الخلل جعل الاطروحات السياسية حول العراقيين، وبضمنها اطروحات عراقية صرفة، تشيع بان العراقيين يحتاجون الى دكتاتور اكثر من حاجتهم الى نظام ديمقراطي. وهي اطروحة فاشية معادية لحق العراقيين بالحرية والعدالة والمساواة.
لقد تربى الجميع على الفردانية. لان الفردانية نتاج التآمر والخديعة والعمل السري. وظلت الفردانية نوعا من الدكتاتورية حسب مستوى القوة والمكر والخديعة التي تميز الاشخاص بعضهم عن بعض.
يقول حامد الجبوري ، وهو وزير سابق وعضو في حزب البعث في ذكرياته عن التعذيب ان (المشكلة ان الشيوعيين سبقوا البعثيين في ادخال هذا الاسلوب.الشيوعيون ادخلوا اسلوب تعليق الجثث على اعمدة الكهرباء، كما فعلوا في الموصل، والقتل بمجرد الظن والشك.كانت ممارسات الشيوعيين قاسية وفظة واجرامية.وللاسف الشديد وفي مناخ الثار ومحدودية الخبرة في الحكم ،مارس البعثيون الاسلوب نفسه.قاد علي صالح السعدي ،وزير الداخلية ،عملية تصفية الشيوعيين، وكان منذر الونداوي قائدا للحرس القومي في حين اعطي صدام رتبة ملازم)(الحياة.عدد14797 في 28 ايلول/سبتمبر 2003.
اذا كان الشيوعيون بدأوا اسلوبا غير قانوني،( ربما كان بعني محاكمات عضو اللجنة المركزية حمزة سلمان المحامي الميدانية ورفيقة عبد الرحمن القصاب وعدنان جلميران مسؤول محلية الموصل، في احداث الموصل الشهيرة) فلماذا يعمد الاخر لاتباع نفس الاسلوب ويزيد عليه؟ لماذا يندفع في انتهاك القانون؟ هناك شئ اكبر من قضية من بدأ الاسلوب. فالقضية تتعلق بجوهر استخدام العنف كحل سياسي او مظهر للفكر السياسي وانتهاك القانون والغائه وتعويضه بالرغبة والارادة الفردية الفورية والاساليب اللاقانونية واعتبار الدولة مظهرا انقلابيا تتحول الى ملك حزبي بمجرد السيطرة عليها.
ان البعثيين الذين ينتقدون انتهاك الشيوعيين للقانون لايقومون باعادة الاعتبار للقانون، بل يذهبون الى تكريس اكبر حملة لانتهاك القانون في تاريخ العراق.انهم يمحون القانون ليقيموا قانونهم هم الذي يعلي روح الثأر والانتقام الى الذروة القصوى التي تطال جميع المواطنين وليس احدا بعينه انتهك القانون ليتم الثأر منه.ان عملية الانتقام والثأر لم تكن تملك سقفا زمنيا لتتوقف.اصبحت هي قانون الحكم وفتحت دورة عنف لم تتوقف الا بسقوط نظام البعث.لقد اعلنت الثأر على مدى خمسة وثلاثين عاما دون توقف.واصبح هذا الاعلان ثقافة السلطة وثقافة الحزب وثقافة الحكم وثقافة عضو البعث.
لايقتصر هذا على العراق وحده، ولكنه تجلى بابرز مظاهره وتجسد بكل تفاصيله في العراق.ساعد على ذلك رغبة دفينة لدى عرب كثيرين في رؤية العنف في العراق كمظهر وحيد للحياة والصراع على السلطة والعيش في المجتمع.لعلها لحظة معاصرة تمتد الى اعماق التاريخ ، او الى الدعاية التي بثها الامويون عن العراق ، وساعد السجع عليها. دعاية فجة صاغ مفرداتها الاولى عمرو بن العاص ومعاوية بن ابي سفيان حين كان حرف القاف في مفردة العراق قد ساعد طامحين للسلطة ومنتهزين للفرص لربط هذه القافية بالشقاق والنفاق لاغراض سياسية لاصلة لها بالاسلام والاخلاق والحقيقة ودور العراقيين في تثبيت دعائم الاسلام لينطلق الى اسيا البعيدة.
لم يكن هذا السجع يحمل الاستخفاف بالعراقيين فقط . وانما كان يحمل نظرة عنصرية وسادية سياسية ورثها صدام حسين من الدكتاتوريات التي استخدمت الاسلام والتي مرت بالعراق وبعض دول المنطقة، كما كان يحمل الخوف والحذر من شعب حي قادر باستمرار على انتاج الافكار والقيم والمطالب والمقارنات.
لست مهتما بالتهم التي ستحيل هذا التحليل الى الطائفية باعتباره هجوما على امويين. انني اعنى بالناحية السياسية والنفسية والاخلاقية لهذا الموقف الذي وقفته سلطة ضد شعب باكمله. وهو ماوقفه صدام حسين من الشعب العراقي. وهذا يفسر لحد كبير موقف العرب الذين صدموا لسقوط صدام. وتجلت الصدمة اكثر ماتجلت في الاعلام العربي . وهو موقف لم يفرق بين ماركسي او قومي او اسلامي، فقد اشترك فيه الجميع من العرب. لان الصدمة اسقطت الوهم التاريخي للمعادلة السياسية ، معادلة الاستبداد والدكتاتورية باسم الدين او المذهب او العشيرة او العائلة.
منذ بداية فكر البعث تجلت محاولة التفرد والتميز في تفسير الظواهر والمفاهيم والحقائق التاريخية والجغرافية والانثربولوجية لخلق نسق من التفكير يقوم على احتكار ضلالة باسم الحقيقة، وترويج تصور باسم القطيعة مع الاخرين. ان مفهوما وجدانيا مشروعا مثل(الوحدة) قفزت على جميع الحقائٍق لتصبح (قدرا) و(مصيرا) لافكاك منه.اي قسرية ثقافية ونفسية اكثر تعسفا من الجبرية التاريخية. (فالوحدة قدر ومصير يجب ان يحل بالبلدان العربية معتمدا على الارادة) (سعدون حمادي.مجلة آفاق عربية.عدد 4-1984 ).ربما كان استخدام مفردة (يجب ) هو الغاء لكل قانون وحقيقة . وهو استخدام بمثابة تحد يقوم على روح السوبرمان الغيبية التي وفرها الفكر البعثي في النظرية والتعالي على المجتمعات ومواطنيها. غير ان مفردة (يحل) تشبه مفردة الكارثة او العقاب.( يروي التاريخ ان المغيرة بن شعبة والي الامويين على الكوفة خطب في وقت الطاعون ، هربا من الوباء قائلا : انه سيذهب الى الشام للقاء امير المؤمنين معاوية بن ابي سفيان ، فرد عليه احد العراقيين ان الله ارحم من ان يجمع علينا ظلم بني امية مع الطاعون) . فهل كانت هذه المفردة تنمو وتتضخم في نفوس وعقول القادة البعثيين لتحقيقها كعقاب جماعي شامل كالاوبئة والفيضانات والزلازل ؟ لقد قادت هذه المفردة قيادات البعثيين ومن حولهم الى وجوب حلول الكارثة.فالوحدة ارتبطت مع فكرة الحرب والبحث المستمر عن عدو. يقول ميشيل عفلق(ان المقاتلين العراقيين والعرب الذين يشاركون في المعركة كانوا يستحضرون نماذج من التاريخ العربي الاسلامي ليدافعوا عن الحياة العربية الجديدة.انها فرصة تاريخية اتاحها العدوان الخميني لتخدم ملامح النهضة العربية ومميزاتها وخصائصها)(ميشيل عفلق.خطاب في الذكرى الـ 37 لتأسيس البعث.مجلة آفاق عربية.1986).
لايأتي فكر عفلق فوق التاريخ وبعيدا عن السياق التاريخي فحسب، بل فوق الواقع. يأتي بعيدا عن وقائع معاصرة ملموسة تختفي تحت تصورات وضلالات مثل( الحياة العربية الجديدة)و( ملامح النهضة العربية) حيث يتحول الخراب الى نهضة، والموت العربي الى حياة عربية، والتاريخ العربي الاسلامي الى شئ جديد يستحضر على طريقة تحضير الارواح.وتصبح الحرب فرصة للبناء والنهضة واعادة تكوين المجتمع في وهم منطلق ومنفلت رغم الهزائم والانكسارات والجثث والجنائز التي تأتي من ساحات الحرب وتوقف اقتصاد البلاد عن الانتاج وتراكم الديون وتكدس الاسلحة وتدميرها , فيما اطنان الورق تدخل الى المطابع لتخرج منها اباطيل واوهاما وضلالات واكاذيب وتحديات لمشاعر البشر وتغطية موتهم وفقدانهم وخساراتهم ورعبهم الذي لم ينته الا بسقوط الاكذوبة بشكل درامي يهدم الاسوار ويسقط المدن ويقيم المناحات.
لقد كان الاصرار على التميز والتفرد يقفز فوق التاريخ والواقع والحاجة. يقول صدام حسين(حزبنا حين وجد، كان امامه عقيدتان عالميتان، واحدة ماركسية والاخرى عقيدة برجوازية فاختار عقيدة مستقلة)( صدام حسين. معركة الاستقلالية والسياسة الدولية.ط2 . بغداد.دار الحرية 1980 ص76)
وبعيدا عن الخلط وعدم التمييز بين الفلسفات ومصطلحاتها ومفاهيمها، نجد النزوع نحو تصور عولمة البعث باعتباره ثالث ثلاث فلسفات كبرى للعالم المعاصر في سياق تكريس الوهم الايديولوجي الذي يقصد نزع الصلات الجذرية بين النازية الفاشية والعنصرية القومية التي سادت في اوروبا في عصر الاستعمار الحديث ومابعده ومنها استمد عفلق ورفاقه كثيرا من المبادئ والافكار والتطبيقات والنزعات التدميرية.
يقوم فكر البعث على عودة متزمتة للتاريخ. لنفي تاريخيته اولا، وجعله حاضرا، ليكون بديلا عن الحاضر. ان الشغف باعادة التاريخ مرض قومي تجلى في فكر البعث . وقد اصبح عائقا امام اقامة دولة عصرية , او مجتمع مدني عصري. استخدمت القادسية في محاولة استعادة حرب قبل اربعة عشر قرنا. واعطيت قطعات الجيش الحديث بدبابته وصواريخه وشبكات راداره وشاشات طائراته اسماء التاريخ السحيق البدائي السلاح.اعطيت الحياة المعاصرة ثوب الماضي وزينت بمساحيق مسرح التاريخ باصرار ايديولوجي عنصري جعل من القومية فكرة عنصرية تركز على موضوعة الحرب باعتبارها بؤرة لتجميع عناصر القومية.هذا الاصرار اعتبر البشر حشدا او قطيعا وظيفته الاساسية التي جاء الى الحياة من اجلها هي الموت لكي تظهر هذه العناصر القومية الفوقية الى الوجود، فيما يقف على رأس هذا الوجود رمز قومي يبارك القرابين البشرية وهي تساق الى المذبح، ساكبا عليها قطرات كلامه وتهدل فمه في استرخاءة الطقس المقام.
يؤكد ميشيل عفلق على اعادة الاتصال بالتاريخ العربي لتحقيق التقدم الصادق( ميشيل عفلق. خطاب في الذكرى 38 لتأسيس البعث.آفاق عربية. عدد 5 ص 18 . 1986) .
ان هاجس العيش في التاريخ كان في الواقع توجيه الحاضر للعودة الى الماضي من جهة، والى محاولة احداث التاريخ مرة اخرى . لم يكن تأسيس حاضر هدفا في فكر البعث. لان هذا الحاضر ينتمي الى عصر منفتح ومتحرر. ولتجنب هذا الهدف تمت العودة الى الماضي لارجاع البلدان العربية اليه . اما الحديث عن عصور النهضة التاريخية فهي عبارة ايديولوجية تخفي في الواقع عصور النهضة تلك وتحيلها الى ركام من القمع والاستبداد والقتل والسجون والمعتقلات والحروب وتغييب روح الشعب والامة وراء ستار الايديولوجيا.
لقد طفح الوهم بالقومية باعتباره المجد المؤبد الذي يصنع التفوق العرقي الدي احتاج بدوره الى تعريب تاريخ القوميات الاخرى، وردم الآمال القومية لاي تجمع بشري آخر في المنطقة باعتبارها خيانة للتفوق التاريخي وعداء للوهم القومي الفارغ من النتائج لانه النتيجة الكبرى التي اكتفت بنفسها.
يقول الياس فرح( ان الخيار القومي العربي هو تعبير عن قانون النهضة العربية المعاصرة، اي تعبير عن روحها، والخيار القومي هو قدر).

غدا الحلقة السابعة( انتهاك القانون باسم الحزب والثورة)
*المصادر في نهاية الحلقات



#نبيل_ياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث-الحلقة الخامسة
- ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث-الحلقة الرابعة
- ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث-الحلقة الثالثة
- ايديولوجيا العنف .. تشريح االبعث-الحلقة الثانية
- ايديولوجيا العنف .. تشريح االبعث
- مسؤولية الاحزاب في حماية الديمقراطية في العراق
- المراة مواطنة ام لا؟ المواطنة اولا
- هل نحقق الدولة المدنية بالتوقيعات
- زينب
- مؤتمر بغداد
- مؤتمر بغداد دور النخب العراقية في العملية السياسية والمصالحة ...
- منفى الكتابة
- في الدولة والمواطن
- الدولة المفتوحة
- الاسلام والديمقراطية
- ايديولوجيا النفط - قانون النفط والغاز وايديولوجيا النفط الوط ...
- الفرح ممنوع في العراق
- اوجاع الوردة. الفصل التاسع
- البحث عن زمن مضى
- اوجاع الوردة-الفصل الثامن


المزيد.....




- السيسي يكشف عن أرقام مهولة تحتاجها مصر من قطاع المعلومات
- -عار عليكم-.. مظاهرة داعمة لغزة أمام حفل عشاء مراسلي البيت ا ...
- غزة تلقي بطلالها على خطاب العشاء السنوي لمراسلي البيت الأبيض ...
- نصرة لغزة.. تونسيون يطردون سفير إيطاليا من معرض الكتاب (فيدي ...
- وزير الخارجية الفرنسي في لبنان لاحتواء التصعيد على الحدود مع ...
- مقتل شخص بحادث إطلاق للنار غربي ألمانيا
- أول ظهور لبن غفير بعد خروجه من المستشفى (فيديو)
- من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما ...
- إصابة جندي إسرائيلي بصاروخ من لبنان ومساع فرنسية لخفض التصعي ...
- كاميرا الجزيرة ترصد آخر تطورات اعتصام طلاب جامعة كولومبيا بش ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - نبيل ياسين - ايديولوجيا العنف.. تشريح البعث-الحلقة السادسة