أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نبيل ياسين - الدولة المفتوحة















المزيد.....



الدولة المفتوحة


نبيل ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 2073 - 2007 / 10 / 19 - 11:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الثقافة الدستورية :الدولة المفتوحة



* فصل من كتاب(الشيعة والدولة-التجربة العراقية) تحت الطبع في بغداد


واجه الشيعة التحدي الكبير من خلال قانون اجتثاث البعث. فقد بدا هذا القانون الذي اصدره برايمر وكانه مطلب الشيعة الاول والاخير. كان القانون سيئا بما فيه الكفاية لكي يستثمر ضد الشيعة باعتبارهم اجتثاثيين حين نجح الاعلام المضاد في التحرك السريع عراقيا وعربيا فربط هذا الاعلام بين اجتثاث البعث واجتثاث السنة.
واجهت شخصيا هذا الخلط المتعمد في كثير من البرامج التلفزيومية التي شاركت فيها, وكان من الصعب استمرار معاناتي للتفريق بين السنة كطائفة والبعث كحزب. ولم يفتني ان اشير الى ان مؤسسي حزب البعث وكثير من جلاديه الاوائل كانوا شيعة. وبالمقابل بدا الغاء قانون اجتثاث البعث وكانه مطلب سني, مما البس الخلاف السياسي طابعا مذهبيا صب في مصلحة عودة البعثيين واملاء شروطهم.
كان القانون تعبيرا عن صراع الارادات والرؤى في توجهات السياسة الامريكية في العراق على الرغم من ان مطلب اعتبار حزب البعث خارج القانون كان مطلبا سياسيا للمعارضة العراقية في الخارج على غرار اعتبار الحزب النازي خارج القانون في المانيا بعد الحرب.كان القانون صراعا بين رؤية سياسية تسعى الى ابقاء حزب البعث حزبا حاكما بعد اقصاء القيادات العليا المدنية والعسكرية والامنية في الحزب وتركيب قيادات معارضة فوق الهرم المتبقي من الحزب,وقد مثل هذه الرؤية وكالة المخابرات المركزية , ربما عبر تقديرها لدور حزب البعث في الحرب الباردة ضد الشيوعية وعلاقاته بسياسات شركات النفط في الستينات, وبين رؤية سياسية اخرى تسعى الى تحريم حزب البعث واعتباره غير قانوني عبر اصدار قانون الاجتثاث الذي بدا وكانه يتوجه نحو ممارسة اقصاء جسدي ووظيفي للبعثيين, دون الاخذ بنظر الاعتبار دراسة الفكر الذي يقوم عليه فكر البعث باعتباره فكرا اقصائيا تدميريا لايؤمن بالتعددية ولا حق الاخر ولا القانون والدستور ويمارس العنف ضد الفكر الاخر, و يؤمن بالحرب كممارسة تطهيرية, والتعذيب كتدمير لايديولوجيا الاخر,والمقابر الجماعية كعقاب نظامي.
لقد جاء قانون اجتثاث البعث ليعوم في فراغ مؤسساتي قانوني وحكومي, فاعطى انطباعا مضادا, اعتمد على استمرار استخدم العنف بدل ان يحد من ايديولوجيا العنف ويمضي قدما نحو اقصائها من الحياة السياسية في العراق.
ليس هناك مشكلة في الواقع بين عشرات الالاف من الشيعة البعثيين وحزب البعث الا في اطار رؤية قيادات البعث التي اخذت تنظر اليهم كحزبيين هامشيين ليسوا اكثر من ادوات لتنفيذ سياسات البعث المنافية للقانون ولحقوق الانسان.وكانت المشكلة هي تعميق الشعور بالدونية لدى هؤلاء بحيث كان عليهم تاكيد ولائهم عبر المبالغة في الانتهاكات, بحيث اننا كنا نعاني من البعثيين الشيعة اكثر من البعثيين السنة في العمل رغم اننا لم نكن نقيس بهذا المقياس , ولكننا كنا نعاني في الواقع من زملاء العمل والجيران البعثيين من السماوة والناصرية والديوانية والنجف وكربلاء والعمارة والبصرة اكثر مما نعاني احيانا من البعثيين من الموصل او تكريت او الانبار اذا كان ذلك قابلا للقياس المذهبي وفق المقاييس المؤسفة التي شغلت مؤخرا.
هذه الحقيقة الاجتماعية تشير دون لبس الى حاجة الفريق الاول لحماية شيعية بعد سقوط صدام وجدوها في بعض الاحزاب والاشخاص الشيعة , دون ان يعني ذلك ان تصفيات جسدية لم تحدث لجلادين لم تستطع حتى قبائلهم ان تحميهم رغم فتاوى المرجع الديني السيد السيستاني التي سنتحدث عنها لاحقا والتي جاءت لتسد الفراغ العدلي والقانوني الذي ساد بعد الحرب.
لقد واجه النظام الجديد تحديات اصدار القوانين في نظام ديمقراطي على اسس حقوقية وليست سياسية.لكن العراق يفتقر الى ثقافة دستورية سواء على المستوى السياسي , أي في صفوف الاحزاب ومنتسبيها, او في الوعي الجمعي العام الذي لم يلمس الدستور وتطبيقاته خلال تاريخه الحديث . لذلك فان ما افتقرنا اليه في العراق هو توسيع قاعدة الثقافة الدستورية عن طريق توسيع النقاشات حول وظيفة القانون وحدود عمله , وحول وظيفة الدستور, وحول المبادئ الدستورية وتاريخ الدساتير وكيف تشكلت في العالم الديمقراطي. نحن لانتحدث عن الدساتير الممنوحة التي يكتبها النظام الحاكم كما كان الحال في العهد الماضي, وانما عن دستور حي وفعال يتسلط فوق نوايانا للانحراف نحو خرق الحقوق والتجاوز عليها.وبهذا فان قانون اجتثاث البعث ليس قانونا لانتقام الشيعة من البعثيين كما يريد البعض تصويره , ولكنه قانون لم يحسن من اصدروه طريقة عمله ووسائل تنفيذه. كما ان كثيرا من الاحزاب تنظر الى مشاركة الشيعة في الحكم , والى حق الاكراد في المشاركة, على انه خرق لتقليدية النظام السياسي السائد , السني والعربي. وهي بهذا تفسر قانون اجتثاث البعث تفسيرا طائفيا وقوميا. لذلك فان الحكم وفق دستور العراق لم يصبح تقليدا حتى داخل البرلمان الذي يشهد صراعات تتاجج بروح طائفية وقومية عنصرية من اطراف متعددة.
ان الدستور هو هوية الدولة التي تقدمها لدى مرورها في حواجز المشكلات الكبرى .ولكي تكون الدولة العراقية دولة حقيقية , فان دستورها يجب ان يكون تعبيرا عن حقيقتها ونشاطها وفعاليتها. ان العراق بحاجة إلى دستور عراقي حضاري يقوم على الهوية العراقية والمواطنة الكاملة ويضمن حقوق الجميع على قاعدة هذه المواطنة.فالشيعي هو مواطن في هذه الدولة وليس هو المواطن الوحيد فيها.انه لايملك من الامتيازات سوى كونه مواطنا كامل المواطنة بجميع حقوقها كبقية المواطنين الاخرين من سنة واكراد وصابئة ويزيديين واشوريين وكلدانيين وتركمان وغيرهم من سكان ومواطني العراق المتساويين في الحقوق.
وحين نتحدث عن اهمية الدستور في وقت نتحدث فيه عن تجربة الشيعة في الدولة العراقية الجديدة, فاننا نتحدث في نفس الوقت عن اشكالية رفض الاخر التي يواجه بها بعض المتعصبين حقوق الشيعة في المواطنة والحكم من خلال دستور يتم احترامه وسيادته . ولكي يواصل هؤلاء المتعصبون رفضهم فانهم يرفضون الدستور وحكم القانون ويعلون من شأن القوة المسلحة كونها بديلا عن حكم القانون الذي لم يستطع الشيعة طوال السنوات الاربع التي مرت على تجربتهم التحدث به وباسمه وواجب تطبيقه على الجميع.ان خطة فرض القاون التي بدأت الحكومة العراقية تطبيقها في ربيع عام 2007 واتهمها البعض بالفشل منذ اليوم الاول لتطبيقها كانت امتحانا فشلت فيه اطراف كثيرة بعضها في البرلمان ويفترض به احترام القانون , كما كانت فشلا لحكم القانون وليس فشلا للحكومة. لان الحكومة تسعى لتطبيق خطة فرض القانون التي تواجهها احزاب لاتحترم القانون. فكيف يمكن فرض القانون في بلد لايحترم برلمانه سيادة القانون.
ان الشيعة يبدون في الدولة العراقية الجديدة جزء من وضع يغيب فيه القانون ويصبح محل تجاذبات بدل ان يكون هو نفسه من يشرف على حل هذه التجاذبات.
لم يتضمن الواقع العراقي الجديد مناخا واسعا لمناقشة الافكار والاراء والمقترحات والنقاشات حول اشكاليات مطروحة وهامة مثل علاقة الاسلام بالدولة والفدرالية, وتوصيف نظام الحكم وتحديده, وضرورة الحديث عن الدولة لا عن السلطة السياسية فحسب.فحتى الان يتصرف كل وزير جديد بموظفي الخدمة المدنية , الذين يفترض انهم موظفون في الدولة وليس لدى كل وزير, كما يتصرف باقنانه في اقطاعياته التي تعود اليه وليس إلى الدولة ,وبالتالي إلى الشعب, فيامرهم بمغادرة مناصبهم دون اكتراث للخبرة والاستمرارية والتراكم وحق المواطنة في الخدمة المدنية التي تسيست واصبحت ملكا حزبيا وليس وطنيا. ان الدستور لم يفصل بين ماهو للدولة وبين ماهو للحكومة التي ليس لها في أي نظام ديمقراطي غير الوزير باعتباره منصبا سياسيا مع بضعة مناصب استشارية مرتبطة بالوزير وسياساته.اما ماتبقى من مدراء وخبراء واختصاصيين فهم ملك للدولة وليس لحضرة الوزير.
نعرف ان العراق يواجه تصاعد العنف , واحد الاسباب لذلك هو غياب القانون , فحتى الذين يحرضون على القتل لايواجهون استحقاق القانون الذي يعاقب على ذلك, وسيكون الدستور مثل القانون غائبا, اذا اذا لم تطبقه الحكومة وتعتبره من مقومات الدولة.ان الضغوط الامريكية التي تمارس على الكتل الفائزة في الانتخابات, مثل المحاصصة والتمثيل المذهبي, لتشكيل حكومة وحدة وطنية كما تم تعريفها, اتاحت لكثير من الكتل اهمال الدستور والتهديد بالقوة لافشال اية خطة او اي اجراء او خطوة حكومية.واذا ما ثبت فشلت هذه الصيغة, فان ذلك يعني الغاء الدستور عمليا والعودة الى توافقات غير ممكنة عمليا, لان الاجماع التوافقي شبه مستحيل وهو الركيزة لافشال عملية سياسية يتراتب فيها الفائزون في الانتخابات تراتبا دستوريا كما هو الحال في الديمقراطيات المعاصرة.ان غياب القانون والدستور في البرلمان العراقي هو اعطاء الشرعية لغياب القانون في الشارع.ان غياب القانون والدستور في البرلمان هو التمرد السياسي الذي يشرّع ويدعم التمرد المسلح الذي يعصف بالعراق اليوم.
ان العقلانية سمة دستورية. لذلك نحن بحاجة إلى نشر فكرة التعا مل باستمرار مع دستور عقلاني واقعي يمكن تطبيقه ويمكن اصلاحه اذا ما اضطر العراقيون لاصلاحه ذات يوم, يجعل الشيعة على قدم المساواة مع الاخرين. اي يعيد صياغة التراتبية المذهبية والقومية التي اتصفت بها الدولة العراقية في العقود الماضية. ان الدساتير ليست نصوصا وانما مؤسسات متحركة. ان الدستور الفرنسي مثلا تم تعديله 14 مرة منذ الثورة الفرنسية حتى عام 1946. واذا اخذنا الدساتير العراقية مثلا طالما ان الموضوع يخص العراق, فانه منذ عام 1925 حتى عام 2003 تم اصدار ستة دساتير تتمتع بديباجات وفقرات لاغبار عليها وكلها تؤكد ماتؤكده الدساتير الديمقراطية. وحتى النص على تشكيل محكمة دستورية تفصل بدستورية القوانين المشرعة ورد في دستور عام 1970. ولكن ماذا كان يحدث في العراق؟ ماكان يحدث هو : تعطيل الدستور. لان لم يتحقق منه شئ . على العكس من ذلك تصدر الدساتير لتترك جانبا ويسود القمع ومصادرة الحريات وانتهاك القانون وتكريس التمييز بكافة اشكاله فضلا عن الارهاب الرسمي والاعتقال الكيفي والسجن التعسفي والاعدامات السياسية والقتل الجماعي على الهوية الجمعية وعلى الراي والموقف السياسي.
ليس المهم نص الدستور وانما المهم الالتزام به كمرجعية اولى واخيرة للحكم , مثل توزيع السلطات, خاصة في عراق فدرالي, وبيان حقوق الانسان, ووظيفة القضاء, وتاكيد السيادة وتداول السلطة والتعددية الحزبية واستحقاق الانتخابات وغيرها من اسس الديمقراطية الدستورية, البرلمانية او الرئاسية, المباشرة وغير المباشرة.
ما لمسناه هو ان الدستور الحالي حظي بالاهتمام الكبير, وشكل احد القضايا المركزية في التفكير السياسي والاجتماعي العراقي , سواء لدى النخب او لدى الراي العام. ان الدساتير عادة ماتكون تعبيرا عن صراع الارادات للقوى الحية والفعالة في المجتمع, وقد تبدأ بارادات الحد الاعلى لتنتهي إلى مساومة اللحظة الراهنة, التي تعني ان المبادئ الدستورية في نهاية المطاف هي التي تقود هذه الارادات, وهي التي تعيد بلورتها على ضوء الاليات والمبادئ الدستورية المتعارف عليها لضمان امن واستقرار وتطور البلاد.وهذه القاعدة تعني الشيعة بالدرجة الاولى باعتبارهم الاغلبية في صياغة الدستور. ان تعديل الدساتير ليس مزاجا سياسيا وايديولوجيا يرغب به هذا الطرف او ذاك, ولكنه ضرورة تاريخية في المنعطفات الحاسمة التي يتوقف فيها الاتجاه الصحيح للسلم الاهلي على انعطاف الدستور في الاتجاه الصحيح.
ان الدستور عبارة عن منظمة تتولى الاشراف على موضوع السطة وتوزيع السلطات, واتفاقية تنهي الخلاف والنقاش على القضايا المبدأية الكبرى , وترضي الحد الواقعي والمعقول من رغبات واضعي الدستور انفسهم باعتباره نتاج التخلي والحصول في وقت واحد.
ان قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لم يكن متكاملا , ولكنه كان واقعيا باعتباره وليد المرحلة تلك. وهو يحتوي على ثغرات كثيرة منها مثلا اعطاؤه الحق لثلاث محافظات متجاورة حق نسف الدستور وبالتالي نسف العملية السياسية الجديدة, واغفاله الحديث عن العلاقة بين السلطات وخلطه بين المبادئ الدستورية وبين المهمات المؤقته مثل تصفية اثار النظام السابق وبحث مشاكل المدن وتوصيفه العراق بالنسبة للعالم العربي توصيفا خضع لرغبة الاحزاب الكردية العراقية. فالقانون احتار بين العراق كأمة او شعب وبين العراق كبلد عربي وبين العراق الفدرالي الذي يرفض الاكراد ان ينتمي إلى العالم العربي طالما هم فيه, فجاء ليتجنب انفجار الوضع .ونتيجة لقانون ادارة الدولة ذاك ولد الدستور الجديد الذي كان هو الاخر تمهيدا لمرحلة يمكن للجميع ابداء اكبر قدر ممكن من الصبر الوطني اذا صح التعبير صياغتها دستوريا بما يضمن استقرار العراق على اساس الحق بالمواطنة الذي يقود بدوره الى تكامل الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للجميع.
كما ان القانون اقر الفدرالية قبل تثقيف الراي العام بجوهر الفدرالية. ومن الواضح ان سقف الفدرالية قد يرتفع إلى الكونفدرالية , لذلك ليس الكثير من العراقيين يعرف على وجه الدقة الفروق السياسية والدستورية . وهناك نقص هائل في الفكر السياسي والفقه الدستوري الخاص بذلك في العراق. ولايشذ الشيعة عن التمتع بهذا النقص الذي دفع بعضهم للالحاح على الفدرالية كحل سحري لمشاكل العنف او مشكلة التعايش والمشاركة السياسية.
ان المعنى الدستوري الاكثر تحديدا للفدرالية هو تقاسم السلطات. وقد تكون السلطات الادارية هي الاكثر استهدافا حين يجري الحديث عن الفدراليات , مثل الولايات المتحدة ,المركزية السلطات السياسية والعسكرية والاقتصادية, والفدرالية السلطات الادارية.
ليس هناك في الوجدان العراقي تفريق واضح للنظام اللامركزي وللفدرالية التي تعني لدى كثير من قطاعات الراي العام الانفصال.كما لعب الراي العام المضاد للديمقراطية دورا في تشويه المفهوم وبلبلة الراي العام العراقي والعربي, الامر الذي انعكس الى تهمة تحملها الشيعة في النظام الجديد بانهم يسعون الى تقسيم العراق.
ان موضوع الفدرالية ياخذ احيانا , ولدى بعض التجمعات السياسية, مفهوم الحق الذي يراد به الباطل. وهناك من يستغل الفدرالية لضمان مزيد من المصالح على حساب المركز. ومن الخطأ خضوع المركز لابتزاز اقاليمه وبقاء المركز تحت رحمة الاقاليم . حين تعطي شيئا او تقرر الموافقة على شئ , فمن الصعب التراجع إلى الوراء, خاصة في المراحل التاسيسية الحاسمة التي تشهد صراع الارادات وصعود ميزان القوى إلى ذروته. لقد اصبحت الفدرالية جزء من الواقع السياسي العراقي, كما انها جزء من واقع العالم في عدد كبير من الدول, اضافة إلى انها مبدأ دستوري لحل الاشكالات في السلطات وتمركزها لحرمان كيانات قومية من المشاركة في السلطة والموارد. اصبح النظام الفدرالي حقيقة ملموسة في العراق. لكن هل تعني الفدرالية سيطرة الاقلية على الاكثرية وابتزازها؟ ولكي اكون أكثر وضوحا فان كثيرا من السياسيين والمجموعات السياسية الصغيرة العراقية اصبحت تحصل على الدعم من القيادة الكردية مقابل الاعتراف بالفدرالية مسبقا. وكان هذا الشرط احد اسس التحالف الكردي الشيعي الذي يقوم عليه العراق الجديد.
من نقاط الخلاف المثارة موضوع الدولة الدينية. فهناك تخوف من الدولة الدينية رغم تبديد المخاوف الذي يعلن عنه الاسلاميون في العراق. هناك جدل حول الحجم الذي اخذه الدين في التشريع ,وما اذا كان سيحول دون تشريعات ضرورية ملحة يتطلبها الوضع العراقي, وما اذا كان النص على ان الاسلام دين الدولة الرسمي يعني اقرارا للدولة الدينية ام لا, رغم توزيع الفقرة الثانية من الدستور على ثلاثة اتجاهات يبدو بعضها متعارضا ؟, وما اذا كان الدستور الذي تضمن النص على ان الاسلام المصدر الرئيسي للتشريع او احد المصادر الرئيسية التشريعية سيقود الى انشاء دولة دينية في العراق طالما ان الاغلبية البرلمانية حتى الان هي للقوى الشيعية الدينية؟ لكن , مع هذه النقاشات, لاننسى واقع ان في العراق اغلبية مسلمة, وان الدستور سيكون لبلد له هذه الاغلبية. ولاننسى ايضا اننا نريد ديمقراطية وبناء دولة دستورية فهل هناك تناقض ام التقاء بين الدين والديمقراطية؟
ان النظام الديمقراطي يتوجه للجميع وليس للاغلبية وحدها. وضمان حق الغالبية لايلغي حق الاقلية, سواء كانت سياسية ام قومية ام دينية ام فكرية.
وبما ان الدستور سيحكم في بلد له اغلبية مسلمة فان النص على ان الاسلام احد مصادر التشريع لايعد مشكلة, خاصة مع توفر ضمانات سيادة الدستور.كما ان النص على مصدرية الاسلام في التشريع لايعني تطبيق الشريعة على النمط المتعارف عليه في بعض البلدان والتجارب الاشكالية, خاصة وان النص هذا سيكون في سياق نظام حكم ديمقراطي تعددي تداولي. هذا يعني ان المخاوف التي تثار ضد تجربة الشيعة في الدولة العراقية الجديدة ليست مخاوف واقعية دستوريا.فالدستور يعيق انشاء مثل هذه الدولة في الفقرة الثانية نفسها والتي يمكن ان تعاد صياغتها بشكل سليم يضمن التطور السياسي الدستوري في العراق دون ان يتجاوز على اي حق سياسي او ثقافي اخر.
ان القانون الاساسي العراقي الصادر عام 1925 مثلا لم ينص على ان الاسلام دين الدولة الرسمي ومع ذلك لم يخلق مشكلة او يلغي الهوية.
يتخوف كثيرون, ومنهم الشيعة الذين يواجهون اول التحديات في تجربتهم الاولى, من موضوع الانقلابات العسكرية للوصول إلى السلطة, وهذه القضية لاتنتهي بالنص عليها دستوريا, وانما بانشاء مؤسسات ديمقراطية قوية سواء في الدولة او في النظام السياسي او في المجتمع.ففي العهد الملكي كان هناك نص حول دور الجيش وحدود صلاحياته وتحركه ومع هذا كان العراق عام 1936 مسرحا لاول انقلاب عسكري في تاريخ البلدان العربية المعاصر.ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم يتخوف العراقيون من وقوع انقلاب يطيح بكل امالهم, التي قد يعتقد البعض , عن جهل بقيمة الحرية والديمقراطية, ان امالهم لايحققها الا انقلاب.ان الشيعة يتخوفون اليوم من انقلاب مدعوم امريكيا يطيح بكل امالهم.وقد برزت في الفترة الاخيرة مخاوف شيعية رسمية من مثل هذا الانقلاب. لكن المشكلة لم تتوقف عند هذا الحد. فتباشير الانقلاب السياسي المدعوم عسكريا اخذ يتجلى في ثنايا فصائل الائتلاف الحاكم نفسه ومن داخله, بل في ثنايا التركيبة التنظيمية التي شكلت الحكومة. فهل ينقلب الشيعة على انفسهم في اول تجربة لهم في قيادة الدولة؟
ان التقاليد البرلمانية ورسوخ مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والصحافة الحرة وقوة الاحزاب وشجاعتها ايضا وقدرتها على مجابهة العسكريين الانقلابيين هي ضمانات. ولكن اذا كانت احزابنا العراقية تملك تنظيمات كاجنحة عسكرية لها لتهديد الديمقراطية فذلك شان أخر كما حدث من قبل. ساضرب مثلا من اسبانيا. كانت المؤسسة العسكرية اقوى من المجتمع المدني ومن الاحزاب في عهد فرانكو منذ سنة 1936 حتى موت فرانكو ودكتاتوريته عام 1975. أي على مدى اربعين عاما تقريبا. ونشات الديمقراطية في اسبانيا بموت فرانكو. ولكن في شباط عام 1980 حدث انقلاب عسكري تحول إلى سخرية مباشرة, اذ دخل عسكريون إلى البرلمان الذي لايملك من العمر سوى خمس سنوات واحتجزوا النواب واعلنوا حل البرلمان والسيطرة على الحكم. لكن بضعة نواب شجعان ورئيس الوزراء الشاب سواريز اعترضوا فاطلق العسكريون النار. غير ان ذلك لم يرعب بعض النواب او يجعلهم يذعنون, وحدثت مشكلة باعتراضهم على الانقلاب. فالاعتراض الغى (شرعيته العسكرية) بينما كان الاذعان والخوف يساهمان في تبريره وقبوله فيما بعد لو تما.ان السياسة العراقية , بسبب شيوع المصالح الانتهازية وغياب المبادئ السياسية, لم تشهد موقفا وطنيا ومبدأيا لا عن طريق الاستقالة ولا عن طريق الاحتجاج. وما ازال اتذكر كيف ان الحزب الشيوعي العراقي , الذي كنت اقرب اليه فكريا وسياسيا في مرحلة التحالف الشيوعي مع البعث, كان يحتج على كل احتجاح ابديه ضد البعث رغم اني لم اكن عضوا في الحزب. وكان يعتبر التضامن مع الاحتجاج موقفا ضد التحالف الشيوعي البعثي.وغاب التضامن مهنيا ايضا بسبب الانتهازية الايديولوجية والحزبية , الامر الذي كرس جبروت البعث وهيمنة الدكتاتورية على العراق. وكان احد وزراء العهد الجديد من الشيوعيين يقود حملة تثقيف بان صدام هو كاسترو العراق وسيبني الاشتراكية وهو شيعي شيوعي يسعى ليكون رئيسا للوزراء وهو لم يترك صدام حتى يوم سقوطه واشترك في حملة الدفاع عن صدام والبعث بحجة الدفاع عن الوطن, وتقلب في عدة تجمعات وتركها في امثولة عراقية صرفة عن الانتهازية والمصالح الشخصية واستغفال العراقيين الذين يطيب لبعضهم ان يكونوا مغفلين بحجج العلمانية واليسار والكفاءة المزعزمة رغم ظهور فساد مثل هؤلاء ونخبهم عبر المنظمات الدولية مثل الامم المتحدة . هذا الشخص مثلا اضطر ان يتبع التقرب من الرموز الدينية للشيعة ليكون في منصب رئيس الوزراء الشيعي. فهل يعني ذلك ان تجربة الدولة الشيعية لم تصبح بعد تجربة سياسية وفق برنامج سياسي واجتماعي واقتصادي يتوجه للناخبين, وانه هذه التجربة ستظل شخصية او حزبية لا اكثر؟وهل سيصبح الدعم الديني هو المصدر الوحيد للتسويق السياسي الشيعي؟ لقد زار هذا الشخص السيد السيستاني للحصول على دعمه وهو الذي كان يقود حملة ضد تدخل السيستاني بالعملية السياسية كما كان يدعي.انه نموذج شيعي للانتهازية السياسية وللتقلب غير المبدأي. .هذا ايضا نتاج الشيعة والدولة في العراق الجديد, فهل يصبح الشيعة في الدولة العراقية شكلا كما كان الحال في التركيبة اللبنانية التي خرجت عن اتفاق عام 1943 ؟هذا يقتضي التساؤل عن اهداف الشيعة من وجودهم في الدولة رغم ان الدستور لم يقر تسمية رئيس الوزراء مذهبيا.
مثل اخر من نوع آخر. فابان الثورة الطلابية في فرنسا وفي ابان الازمة عام 1968 طلب عدد من مسؤولي الحكومة الفرنسية من ديغول اشراك الجيش لقمع الانتفاضة وانهاء الازمة. وكان شقيق ديغول امرا لحامية باريس , لكن ديغول رفض بشدة استخدام الجيش واثر الانسحاب من الرئاسة والحياة السياسية من اجل بقاء فرنسا والجمهورية. فمن اصطف في التاريخ كقادة لهذا التاريخ؟ ومن اصطف كأوباش في التاريخ؟ الذين صمدوا وأعلو المصالح العامة على مصالحهم الشخصية وقادوا دولهم في الازمات هم قادة التاريخ وليس الاوباش.
بعد كل هذا ماعلاقة الشيعة بما سبق؟
لقد اضطر الشيعة ان يكونوا طائفيين سياسيا ردا على الطائفية السياسية التي واجهتم بها كثير من القوى السياسية الجديدة للسنة , التي لم تعتد على المشاركة السياسية في الحكم.لم يكن ذلك مقبولا. فالطائفية السياسية التي تميزت بها الدولة العراقية كانت تقوم على كون الدولة اقلية والمجتمع اكثرية. ولذلك مارست الدولة الطائفية السياسية لكي تبقى باستخدام وسائل العنف والاكراه.
كان الامام علي يمارس المبادئ العامة مع خصومه . مارس ذلك بعد السقيفة ومارسه مع الخوارج ومارسه مع الخصم الطارئ على المبادئ معاوية بن ابي سفيان.كان مفهومه واحدا ونابعا من موقفه المبدأي. يتغيرالخصم ولكن الموقف المبدأي لايتغير. ولذلك , اذا كان البعض يشير الى عدم ممارسة الامام علي للسياسة على الاسلوب الميكافيللي(الذي سبقه معاوية بن ابي سفيان الى هذا الاسلوب ), وعدم بقائه حاكما , فان هذا البعض لايستطيع انكار ان ما انجزه الامام علي من مواقف في السياسة والحقوق كان ومايزال فكرا سياسيا عن مفهوم الدولة الدستورية ساهم في اطلاق المقارنات الدينية والسياسية على مدى اربعة عشر قرنا, وامد كثيرا من الثورات والحركات بافكار ومفاهيم معيارية لايمكن التغاضي عنها سياسيا او دينيا وهو ما سنبحثه لاحقا.
لكن الشيعة في التجربة العراقية السياسية انجروا الى طائفية الخصم في حين بقيت مرجعيتهم الدينية فوق هذا الانجرار وتخلصت منه ولم تستجب حتى للمطالبات السياسية الشيعية بالرد باساليب الخصوم.
هناك ظاهرة جديدة لايمكن انكارها في تطور الموقف الشيعي الديني من الديمقراطية والدستور.
شاركت في صيف عام 2005 في المؤتمر السنوي للشهيد الصدر. كان ذلك حول الاسلام والديمقراطية, ودعيت إلى القاء المحاضرة الاولى عن الديمقراطية في الفكر الغربي.كان المحاضر الثاني هو الدكتور حيدر العبادي وزير الاتصالات السابق, فيما كان المحاضر الثالث هو الكاتب غالب الشابندر , اضافة إلى عدد كبير من المناقشين الذين كان على المحاضرين الرد عليهم فيما بعد.
عدد كبير من الحضور, كان الديمقراطيون(الاصليون) اقله, بينما كان الحشد الاكبر من قوى اسلامية . كانت المفاجأة ان الديمقراطية لم تعد تخيف احدا او تجد من يكفرها او يعتبرها نقيضا لتراثنا .
كان العقل العراقي الجديد يبحث عن تفاهم ومصالحة مع المطالب التي كانت ترتدي في السابق ثوبا بنفسجيا هو ثوب الغرب.لم تكن المحاضرات تركز على الفروق والاختلافات وانما على نقاط الالتقاء التي تشكل الحقوق الطبيعية كما تقول الديمقراطية , والحقوق الفطرية كما يقول الاسلام. كانت بعض التساؤلات على قدر كبير من الاهمية رغم بساطتها: هل استمرار النظام الدكتاتوري الدموي افضل من الايمان بدولة القانون والدستور وتبادل السلطة والانتخابات والبرلمان والصحافة الحرية؟لم يكن احد قادرا على تجاوز الواقع ووقائعه التي تتاصل في العراق. فالانتخابات العراقية لم تكن حدثا هامشيا. والتغير الحاصل في جوهر السلطة لم يكن عاديا, والتطور في شكل النظام ومحتواه لم يكن دعائيا.
واقع الامر ان التشريعات كانت نقطة التوقف المركزية.وهذه النقطة تنطوي على كثير من الالتباس , ويمكن لهذا الالتباس ان يشل الشيعة عن قيادة الحكومة في اطار ماعرضناه من اشكالية شرعية الدولة . الا ان الديمقراطية ليست تشريعات تخص الايمان او الموقف منه. بل على العكس فان الديمقراطية تقنون حرية الاديان وتدستر حرية العبادة وتجعل من الدين قضية انسانية مقدسة لايجوز انتهاكها لامن قبل الدولة ولامن قبل الافراد, فلايجوز منع انسان من ممارسة عباداته وشعائره في الديمقراطيات الغربية في الاماكن المخصصة لها او في البيوت او حتى في الشوراع التي يقطعها ابو حمزة المصري خريج مدرسة الافغان العرب يوم الجمعة في شمال لندن ويقطع حركة السير هنا كي تضطر الشرطة لتنظيم السير وتحويل مسار الاف السيارات ويقودها مواطنون بريطانيون يقبلون هذا الامر باعتباره مثالا على التسامح وحق الاعتقاد, ثم يتهم الديمقراطية بانها نظام علماني.
ولكي نفهم حركة التطورات التي يمكن ان تحدث دون مقدمات بارزة , ولكي نفهم التناقضات التي يمكن ان تبرز في الفكر السياسي في مراحل التحولات, ساروي هذا التناقض الذي يمكن ان يجعل المخاوف الشائعة من الديمقراطية عند الاسلاميين , ويجعل المخاوف الشائعة من الاسلام عند الشموليين الايديولوجيين الذين يطلق عليهم العلمانيون بشكل خاطئ اذ تتنافى الشمولية مع العلمانية الليبرالية القائمة على علمية التعليم وعلى سياسية الدولة بدون وصاية دينية, مخاوف ظرفية وليست مؤبدة في وقت نسعى فيه لتكريس الثقافة الديمقراطية وفهمها الصحيح.
وزع احد العراقيين في المؤتمر نشرة تجمع نشاط الشيوعيين العراقيين فتفاجأ بفهم سكرتير عام الحزب المنشور في النشرة للديمقراطية, وهو فهم مشوه مع الاسف جملة وتفصيلا واتناوله لانه يتعلق بموقع الشيعة في الدولة دستوريا ,وموقف القوى السياسية من هذا الحق واستمراره.فهو نتاج العقل السياسي الذي قاد الخصومات الايديولوجية والسياسية طوال اكثر من نصف قرن واوصل العراق الى ما وصل اليه من خراب مادي وفكري وسياسي. يقول السكرتير:(يمكننا الاستتناج بان الحكومة الحالية هي حكومة القوائم الفائزة في الانتخابات) . ولا اعتقد ان هناك امكانية للاستتناج الخاطئ, لان أية ديمقراطية في العالم, وفي الفكر الديمقراطي تعطي الحق للفائزين تشكيل الحكومة, فالانتخابات تجرى لمعرفة من يفوز فيشكل الحكومة .ويقول( انها لاتمثل الوحدة الوطنية) . واعتقد ان السكرتير العام يقصد ان كل وطنية لابد ان يكون فيها واحد او اكثر من حزبه. وهي اطروحة دفع العراق تمنا باهضا لها,وماتزال تسعى لعرقلة العملية السياسية الجديدة القائمة على الانتخابات.
يتذكر السكرتير العام ان صدام كان وطنيا في نظر حزبه اثناء توقيع ميثاق العمل الوطني مع حزب البعث , وان حزب البعث كان طاهر الذيل ولم يعدم سلام عادل سكرتير الحزب الشيوعي في عام 1963. وكان صدام( وطنيا وتقدميا وثوريا ) حين اشرك وزيرين من الحزب في الحكومة البعثية. ولا اعتقد ان صدام اشرك في حكومة الجبهة الوطنية (كل اطياف الشعب العراقي) كما يطالب به السكرتير العام الان. وهذه الاطياف اغنية جديدة من اغاني دعاة الديمقراطية الطيفية ويقول( لذلك اهملت وبشكل متعمد تيارات مؤثرة في المجتمع العراقي وهي تيارات فكرية كالتيار الديمقراطي)
اريد ان اناقش اصحاب هذا الرأي لانهم عينة واقعية للفكر السياسي القائم في بلد مخرب يحتاج الى تجديد في فكره السياسي والحقوقي, رغم انهم لايناقشون احدا علنا. وهذا من نواقصهم الفكرية. واريد ان اقول ان عددا من اصحاب هذا الرأي مناضلون , وان تاريخ حزبهم تاريخ مجيد. ولكن هل يكفي ذلك لكي لايتغير الفهم الحزبي ويرى الوقائع امام عينيه ,ومنها ان هذا التيار غير مؤثر بالشكل الذي يتصوره السكرتير العام. فلم يحصل في الانتخابات على صوت واحد رغم ادعائه الديمقراطية التي ادافع عن حقها في ان لايدعيها الشموليون ولكن يمارسونها. اريد ان اناقش هذا الموضوع هنا لعلاقته بالعملية السياسية برمتها وكيفية تصور القوى السياسية للديمقراطية ولموقع الاغلبية في الحكم وهو مايخص الشيعة كونهم حتى الان اغلبية انتخابية.
انا من التيار الديمقراطي, ولكن ليس الحزبي. لكني اعرف ان هذا التيار غير مؤثر بالشكل الذي يفهمه السكرتير العام. ونتائج الانتخابات مقياس لي وللجميع.فالتيار الديمقراطي لايمثله الان ديمقراطيون وانما يمثله انتهازيون وشموليون عاشوا على حكومات البعث المختلفة وتعاونوا مع كل الدول واجهزتها وقبضوا ملايين لينتهكوا الديمقراطية لا ليبنوها.
يقول السكرتير العام (لم يشترك الحزب في الحكومة الجديدة بل لم يدع للمشاركة وهذا موقف سلبي بحد ذاته ولاينسجم مع مبدأ الديمقراطية). هذا القول غير ديمقراطي . فكيف يفهم سكرتير عام حزب , الديمقراطية؟. هل تقاس الديمقراطية بمشاركة الحزب في الحكومة كما كانت تقاس الوطنية والتقدمية ؟كيف لاينسجم مع الديمقراطية, والديمقراطية غير المصلحة الحزبية, وانما المصلحة الوطنية والدستورية التي تقول ان الفائزين يشكلون الحكومة, ولذلك تجرى انتخابات لقياس حجم القوى السياسية وفق مفهوم الاغلبية والاقلية. هل نطالب السكرتير العام بقراءة مبادئ الديمقراطية لكي لايتورط بطرح واشاعة مثل هذه المفاهيم المغلوطة عن الديمقراطية , وانا اوده شخصيا ولا اريد له ان يبدو بعيدا عن فهم الديمقراطية , ومانريده هو ان نكف عن اعتبار ان الديمقراطيات تفصل وفق مواقف هذا الحزب او ذاك حسب مصالحه الحزبية. حين لم يدع المحافظون للمشاركة في حكومة العمال البريطانية لم يقل (هوارد) : ان هذا لاينسجم مع مبادئ الديمقراطية بل استقال فورا من زعامة الحزب, وجاء بعده (ديفيد كاميرون), رغم ان حزب العمال فاز بثلث الاصوات وليس باكثر من هذا.
اتفهم تماما الصدمة التي احدثتها الانتخابات. وهي صدمة كانت متوقعة لكثيرين سوى لقيادة الحزب التي راهنت على ماض وذكرى سحيقة وعواطف ووجدان, كما راهنت على اشاعة الفكرة التاريخية عن الحزب والنفوذ الجماهيري والاعلامي وعن الهيمنة واحتكار الاعلام والثقافة كما يحصل في الخارج.لكن الواقع كان شيئا أخر لم يرد احد ان يراه لان التوافقات تخفي تحتها حقائق ووقائع كثيرة كما اخفاها مجلس الحكومة والحكومة التي تلته , وكما تخفيها هذه الحكومة التي يشترك الحزب الشيوعي فيها بوزير باعتبارها حكومة وحدة وطنية, لكنها تحمل من التناقضات والخلافات مايجعل الوطن ضحية لمثل هذه الوحدة الوطنية.وهذه الحالة من الاسباب التي ساهمت بعقلة العملية السياسية باحداثها صراعا سياسيا تلبس بلبوس الصراع بين العملنية المزعومة من قبل الفكر الشمولي وبين الدين.
ان المواطن يفوز في الانتخابات رغم انه لم يرشح. ان فكرة الديمقراطية قد انتخبت, اي الافكار المتعلقة باهمية الانتخبات كوسيلة لشرعية الحكم, وهذا يعني ان الشعب العراقي قد فاز برهان الديمقراطية. واعتقد ان الديمقراطية هي التي ينبغي لها ان تجعل السكرتير العام يؤمن دائما انه قد فاز ايضا , لان الديمقراطية هي التي فازت .
ان الفكر السياسي العراقي نتاج شمولية وانتهازية وروح احتكار. عمليا ليس لدينا في العراق فكر سياسي قانوني او دستوري او ديمقراطي. لدينا ايديولوجيا سياسية تحرم على الاخرين الوطنية لانها ملكها وهي قادرة على اعادة الوطنية لاي مجرم سياسي لقاء تبرع حزبي يبلغ ثلثمائة دولار. لذلك عاد إلى الوظيفة الاف المجرمين السياسين الذين ساهموا ببناء الدكتاتورية والارهاب ودولة المخابرات ودولة الارهاب الفكري والاعلامي واصبحوا في المنفى جزء من المعارضة لقاء تبرع لهذا الحزب او ذاك لايتعدى ثلثمائة دولار.لكن المشكلة التي يعاني منها الشيعة تشبه هذه, فان هناك كثيرا من البعثيين الشيعة قد عادوا في حين يسعى البعض لحرمان غير الشيعة من العودة. وهذا التناقض ينبغي حله قانونيا لان القانون يوفر العدالة المطلوبة. لذلك سبق وذكرت ان الشيعة لم يمارسوا بعد الاعتماد على سيادة القانون.



#نبيل_ياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاسلام والديمقراطية
- ايديولوجيا النفط - قانون النفط والغاز وايديولوجيا النفط الوط ...
- الفرح ممنوع في العراق
- اوجاع الوردة. الفصل التاسع
- البحث عن زمن مضى
- اوجاع الوردة-الفصل الثامن
- وردة قانا
- أوجاع الوردة - الفصل السابع
- اوجاع الوردة-الفصل السادس
- اوجاع الوردة- الفصل الخامس
- يحدث في العراق الان
- اوجاع الوردة-الفصل الرابع
- اوجاع الوردة-الفصل الثالث
- اوجاع الوردة -الفصل الثاني
- اوجاع الوردة
- قصائد من طقوس الى الابد
- التعددية الثقافية شرط الديمقراطية
- البيت
- احلام واوهام الثقافة العراقية
- مستقبل الثقافة في العراق


المزيد.....




- مسجد باريس الكبير يدعو مسلمي فرنسا لـ-إحاطة أسرة التعليم بدع ...
- جيف ياس مانح أمريكي يضع ثروته في خدمة ترامب ونتانياهو
- وثيقة لحزب الليكود حول إنجازات حماس
- رئيس الموساد: هناك فرصة لصفقة تبادل وعلينا إبداء مرونة أكبر ...
- لقطات جوية توثق ازدحام ميناء بالتيمور الأمريكي بالسفن بعد إغ ...
- فلسطينيو لبنان.. مخاوف من قصف المخيمات
- أردوغان: الضغط على إسرائيل لوقف حرب غزة
- محلات الشوكولاتة في بلجيكا تعرض تشكيلات احتفالية فاخرة لعيد ...
- زاخاروفا تسخر من تعليق كيربي المسيء بشأن الهجوم الإرهابي على ...
- عبد الملك الحوثي يحذر الولايات المتحدة وبريطانيا من التورط ف ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نبيل ياسين - الدولة المفتوحة