أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - ألقطيعة بين قمة الثقافة العربية وقاعدتها .. أزمة تبحث لها عن حل .















المزيد.....

ألقطيعة بين قمة الثقافة العربية وقاعدتها .. أزمة تبحث لها عن حل .


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2809 - 2009 / 10 / 24 - 16:42
المحور: المجتمع المدني
    



ألكتابة في حينها ، منتجع جميل تصبو النفس للراحة فيه ، عندما تتهيأ لها فرصة التخلص من بخار ينحبس في دواخلها ، ويتطلب منها أن تنفث به في الفضاء المحيط ، إنها ممارسة إنسانية بديعة لو توفرت لها حرية الانطلاق على هواها وكما تشتهي ، وهي في نهاية ألامر سجية تطبعت عليها روح الكاتب ، لا يستطيع التقاطع معها والتوقف عن ممارستها .. ولو فعل ذلك رغما عنه ، فانه سيعود لها بعد حين لا محاله .

ألكتابة أيضا هي إبداع ذاتي يختص به ذهن الكاتب ، وما دام للإبداع مستوياته المتباينة تباين القدرة على ما يجود به من عطاء ، فأن للكتابة هي الأخرى قدرتها التي تحلق بها عند هذا الحد من التألق ، مختلفا عن غيره من الحدود .. ومن هنا تتلون مصادرها وجودة نوعياتها على الدوام .

ومع الاعتراف بوجود خطوط تفضيلية تفصل بين هذا الكاتب وذاك من حيث القدرة على الاستقراء ، وفتح سبل هي أقصر من سواها لبلوغ الهدف مهما كان نوعه وإقترابه أو إبتعاده عن الحقيقه ، فإن ما يعنيني هنا ، هو ذلك الجمع من الكتاب الممتلكين لروح الإقدام على كسر حاجز التخصص الثقافي البحت ، حيث يقوم هؤلاء – المخاطرون – على الدوام بإقتحام البحار والمحيطات ، بما فيها من أمواج عاتية تبدو أكبر من أحجامهم في أغلب الاحيان ، ولكنهم أبدعوا في الغالب بفضل ما أمتلكوه من أدوات التجديف مع بساطتها ووصلوا الى ضفاف مشتركة مع الباقين ، ممن لديهم الباع الاكثر طولا في هذا المضمار.

فهل ياترى.. لا زالت ذات الملامح ونفس حالات التميز قائمة لدى هذا النوع من المكافحين وبقدراتهم الذاتية ، وهم يسعون نحو بلوغ درجات يحلمون بالوصول لها من الرقي الثقافي والادبي ، أم أنهم أصبحوا في زمننا هذا عرضة للإنتكاس ومن ثم التراجع ؟؟ .

إن من الحواجز المحبطه والتي لا زالت تشكل الخطر الرئيسي أمام هؤلاء المثقفين المغامرين ، هو شعورهم بالانتماء لجيل بدأت تحاصره شيئا فشيئا ، ظروف قسرية راحت تبعدهم عن الجماهير، وتفقدهم بالتدريج ذلك البريق المرتجى من وراء نشاطاتهم الثقافية ضمن سياق عام للحياة لا يتحمل المزيد من ترف كترف الابداع الثقافي ، في حين تتضور شرائح واسعة من الناس جوعا ، وتقتلها في كل لحظة أمراض فقر الدم ونقص المناعة وتنتشر بين أوساطها معالم التشرد والبطاله .. وراح عامة الشعب يرى في مجمل عملية تفحصه لمناصريه وواقع حركتهم اليومية في الشارع ، وعلى شاشات التلفاز، وفي المدرسة ودار البلدية ، وعند ألأزقة والاسواق العامه ، فلم يجد أحدا يدعونه بالشاعر ولا القاص ولا الرسام ولا معد لصور الكاريكاتير ، بعد أن كان هؤلاء في ما يسمى عندنا اليوم بالزمن الجميل يتقدمون ركب المطالبين بحقوق المحرومين جهارا ودون خوف ، تدعمهم في حركتهم المقاتلة هذه أحزاب ومنظمات قوية الشكيمة حاضرة المقام عند كل مقال .

وفعلا فقد ظهرت هكذا إنتكاسات نفسية لدى البعض ، ممن لم يجدوا متسعا للعيش الكريم وسط هالة تتسع يوما بعد يوم من الإثراء المستشري بقوة لدى أوساط من لا ثقافة لديهم ، وذلك من خلال ممارسات هي بعيدة كل البعد عن ذلك الكد المضني والمتمثل بممارسة الكتابة وممارسة طقوسها المضنيه .

لقد ظهرت في البلاد العربية وخاصة بعد توالي الانتكاسات التي منيت بها هذه البلدان إبتداء من حزيران عام 1967 ، بوادر تدعو لترك سبل الابداع في غير جمع المال ، عملا بالحكمة التي قالها قائل من غير عالمنا وهي أنه ( ليس من العيب أن تولد فقيرا ولكن من العيب أن تموت فقير ) .. وبدأت تزدهر أحوال الطفيلية السياسية المستندة على أسس يمكن وصفها بما توصف ، عدا أن تكون لها صلة بالثقافة أو المعرفة عموما ، وبرزت أسماء توحي بامتلاكها الحكمة وسبل التدبير الاقتصادي فحسب لتؤثر في مجتمعاتها سلبا أو إيجابا وبدرجات تفوق بكثير من تأثير مثقف أو كاتب ، فاعتلت مناصب القيادة في الدولة والمجتمع ، وركبت أسماؤها متن وسائل الاعلام ، ليبقى رواد الكلمة المبدعه في أغلب الحالات إما مشردين في المنافي ، أو أموات لا يتذكرهم في أحسن الاحوال غير أقاربهم من الدرجة الاولى .

فكيف إذن يمكننا العثور على توافق عادل بين أن يمتلك المرء سجية الكتابة ولا يستطيع التخلي عنها بحكم طبيعته المتأصلة في دواخله ، وبين أن يبقى ضحية لهذه الملكية الخاصة جدا ، بحيث تسير به صوب الضياع والبقاء في دائرة الفقر وعدم ضمان يومه فضلا عن غده ؟؟ .

بدر شاكر السياب ، شاعر خاض غمار الشعر ببسالة وطول نفس متحديا المرض والفقر والتشرد ، ولم يحضى من وطنه بغير تمثال يمد ذراعه صوب مياه شط العرب ، لتكون تلك الذراع موضع اهتمام الصبية حينما يعلقون اكياس النايلون عليها متندرين .. الجواهري والبياتي قضوا في ديار الغربة ولم يحضى واحد منهم بقبر في وطنه ، مئات الفنانين العراقيين والمتميزين بامتلاك مواهب يشار لها بالبنان ، لا زالت أرصفة شوارع البلاد الغريبة وتخوت المقاهي الشعبية تحتفل بهم ، وهم ينتظرون إنقضاء مشاويرهم الابداعية بالموت ، حيث سيتكرم الاصدقاء والمعارف بدفنهم حينذاك في مقابر هي غير مقابر اهلهم وذويهم ، الفنان بدري حسون فريد واحد من الفنانين العراقيين ممن قدموا للمسرح والتلفزيون والنصوص الادبية مقدارا كبيرا من العطاء ، قضى جل ايام غربته في غرفة بائسة تمرح فيها الفئران والخنافس بدولة المغرب ولا أعرف بالضبط هل فاز بنعمة الموت أم لا .. لأن خبر موته لو حل ، فسوف لن يجلب إهتمام مواطن عادي أو وزير في بلده العراق كما يجلب حادث سرقة مصرف من إهتمام ومتابعه .. ويبقى سقف الحركة الثقافية مثار جدل وتصادم ونقاش بين الكتاب أنفسهم ضمن حوار تنغلق حدوده عندهم فحسب ، حيث لا أحد يقرأ لهم سواهم هم ، وسط زحمة من الاحداث الجسام يعيشها الفقراء من ابناء شعوبهم ، وتتفرد بهؤلاء الفقراء أيدي بالغت في لا رحمتها وإستخفافها بمصير وحقوق الانسان .

إنني أرى أمامي وبوضوح ، صورة من القطيعة التامة بين قمة الحركة الثقافية في بلداننا والقاعدة التي تقوم برفدها بالجديد من خلال ما كان يجري من دعم مستمر ، يمنح الحركة الادبية والثقافية بشكل عام في بلداننا ، والتي أخذت بلدي العراق نموذجا حيا لها ، عنصر الديمومة والتجديد ، بحيث أصبحت تلك القمة تقضم نفسها مع مرور الزمن ، لتذهب دون أن تحل محلها كيانات ثقافية متميزة أخرى لعدم توفر البديل .. وهذه بنظري المتواضع هي أخطر ما نواجهه من حال ستؤدي حتما الى نفي ما تبقى عندنا من مصادر للثقافة ، وتقتل فينا آخر ما تبقى من بوادر الإبداع .

فهل ثمة من داع بعد ذلك للإنتحار على دكة الثقافة ، أمام دنيا يملكها أغبياء القوم ، جل ما لديهم هو حصافة في التدبير والنفاق واللعب على حبال السياسة ؟؟ .



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترى .. من يحمي بناتي من أجلاف البشر ودعاة أعراف الموت ؟؟
- ما ألمانع من خلق جبهة تتوحد فيها قوى التحرر القومي والوطني ا ...
- هذيان اللحظة الأخيره
- صرخة ألم في فضاء عذابات المرأة العراقية .. بائعات الملح يبصق ...
- عشق ما بعد الستين
- إعتذار
- نداء عاجل لكافة الوطنيين والتقدميين في العراق
- فلتسقط السياسه .. وليتوقف تدمير عراق النهرين والشط
- تحدي
- إشراقات خارج حدود وطن الأزمه
- ألعقلية العربية وتصدير الأزمات
- ألعقلية العربية لا شأن لها بثقافة التغيير والديمقراطيه
- عشق غير مألوف
- متى ياعراق ؟؟
- سجال متأخر .. حول ضرورة وحدة قوى اليسار في العراق
- ألعوائل ألعراقية بدأت تسكن القبور ... أيها المحللون لواقع ال ...
- قوى اليسار في العراق .. بين أفعى الشيخ ( دبس ) .. وموفد المر ...
- حزن القاتل
- ليكن لكل واحد من ربه .. وليسقط السادة والشيوخ والكهنه
- لقاء .. ومطر


المزيد.....




- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - ألقطيعة بين قمة الثقافة العربية وقاعدتها .. أزمة تبحث لها عن حل .