|
92 عاماً على وعد بلفور
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2809 - 2009 / 10 / 24 - 00:56
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
قبل عامين كتبت عن وعد بلفور لمناسبة مرور 90 عاماً على صدوره في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني ،1917 يوم وجّه آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا آنذاك رسالة إلى اللورد روتشتيلد، دعا فيها إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وجاء فيها:
“يسعدني كثيراً أن أعلن إليكم نيابة عن حكومة جلالة الملك التصريح التالي تعاطفاً مع أماني اليهود الصهيونيين، التي قدّموها ووافق عليها مجلس الوزراء، أن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف، وليكن مفهوماً بجلاء أنه لن يتم شيء من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين، أو بالحقوق والأوضاع غير القانونية، التي يتمتع بها اليهود في أية دولة أخرى”.
ولا شك أن الحركة الصهيونية استندت إلى وعد بلفور لتحقيق برنامجها الذي دعا إليه المؤتمر الصهيوني الذي انعقد في مدينة بال السويسرية العام ،1897 استناداً إلى كتاب الأب الروحي تيودور هيرتزل “دولة اليهود” الذي صدر العام ،1896 فسعت لاحتلال الأرض والعمل والإنتاج والسوق، خصوصاً بالهجرة المنظمة إلى فلسطين.
ولا نريد هنا مناقشة تاريخ القضية الفلسطينية، حيث تتوجت الجهود الدبلوماسية الصهيونية والدولية لإصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم ،181 المعروف بقرار التقسيم، والذي تم على أساسه إنشاء دولة “إسرائيل” في 15 مايو/ أيار ،1948 ومن ثم بدأت عمليات التوسع والقضم لكامل فلسطين عبر حروب واعتداءات لا تزال مستمرة حتى الآن. لكننا هنا نريد أن نتوقف عن الحدث التاريخي الذي مضى عليه 92 عاماً، لنناقش فكرة الوعد، الخاطئة بالمطلق، واللاإنسانية بالكامل، لاسيما التنكر لسكان البلاد الأصليين، الذين أشار إليهم الوعد بجماعات غير يهودية مقيمة في فلسطين، وليست كياناً تاريخياً لشعب يسكن منذ آلاف السنين وجزء من أمة عريقة، شهدت بلادها أقدم حضارات التاريخ.
لقد تعامل وعد بلفور مع فلسطين وكأنها خالية من البشر، وتعهد بمنحها من دون وجه حق، وبشكل لا شرعي إلى غرباء، لاسيما أن بريطانيا دولة محتلة، ليس من حقها التنازل عن شبر واحد من الإقليم المحتل، وأصبحت لاحقاً دولة انتداب، من واجبها تأهيل الدولة المنتدبة، وخلقت بريطانيا طبقاً للتصريح “الوعد” بؤرة نزاع دفعت منطقة الشرق الأوسط أثماناً باهظة بسببها، من مواردها البشرية والمادية، فضلاً عن ذلك أصبحت هذه البؤرة سبباً في شن الحروب والعدوان وتهديد السلم والأمن الدوليين وفي المنطقة، ناهيكم عن تعطيل التنمية والديمقراطية، بالانشغال بالتسلح، وتبديد الثروات، الأمر الذي جعل المنطقة مرجلاً يغلي باستمرار ويهدد بالانفجار.
وإذا كنت قبل عامين قد طالبت بريطانيا بالاعتذار بسبب الظلم التاريخي الذي أُلحق بالعرب والمسلمين وبخاصة الشعب الفلسطيني، وذلك باقتفاء أثر القمة العالمية ضد العنصرية المنعقدة في ديربن (جنوب إفريقيا) أواخر أغسطس/ آب وأوائل سبتمبر/ ايلول ،2001 التي طالبت الولايات المتحدة بالاعتذار عن سكان البلاد الأصليين (الهنود الحمر)، مثلما طالبت أوروبا الاعتذار من الشعوب الإفريقية، لاسيما في مسألة الاتجار بالرقيق، وما ألحقته من أذى نفسي ومادي بتطورها بسبب السياسة الكولونيالية، وهو ما أقدمت عليه بلجيكا العام ،2002 حين قدّمت اعتذارها، وهو ما تطالب به فرنسا والولايات المتحدة، تركيا للاعتذار من الأرمن بسبب مجازر العام ،1915 فالأولى بواشنطن ولندن ليس الاعتذار فحسب بسبب المأساة المستمرة التي كان آخرها العدوان المفتوح على غزة أواخر العام 2008 واوائل العام ،2009 والذي دام 22 يوماً بعد حصار ما زال مستمراً منذ نحو 3 أعوام، وإنما ينبغي عليهما التعويض لما أصاب الشعب العربي الفلسطيني من غبن وأضرار طيلة السنوات الستين ونيّف الماضية. والاعتذار والتعويض يبدأ بخطوة أولى هي إبطال مفعول الوعد، أي نقضه لأنه يتعارض مع قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومبادئ العدالة، وبالتالي لا بدّ من مراجعة تبعاته القانونية والتاريخية واستحقاقاته السياسية والحقوقية والإنسانية.
ولعل سابقة إلغاء القرار 3379 الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني العام ،1975 يمكن الاستناد إليها في ذلك، حين عملت الصهيونية، ليل نهار، لإعدام القرار المذكور حتى نجحت في مسعاها أواخر العام ،1991 وانهزم “العرب” الذين ناموا على نصر سهل، لم يتابعوه ولم يعملوا لوضع متطلباته وتبعاته القانونية موضع التطبيق.
وإذا كانت حالة النكوص الرسمي عربياً هي السائدة، وأن “إسرائيل” لا تزال مستأسدة، لدرجة أنها ترفض حتى تجميد الاستيطان كشرط لإعادة المفاوضات، بعد فشل اتفاقيات أوسلو وواي ريفر وخارطة الطريق، فإن جهداً شعبياً يمكن أن ينطلق ليحرّك المسألة ويضعها في نصابها الصحيح.
وقد كانت جامعة الدول العربية وأمينها العام عمرو موسى قد تبنّت فكرة التحرك الشعبي، لاسيما باستخدام وسائل إعلام دولية وقنوات دبلوماسية، إضافة إلى مشروعية مثل هذا التحرك الذي يطالب بإلغاء الوعد واعتباره باطلاً، لأنه لا يستند إلى أساس قانوني شرعي ويتعارض مع مبادئ العدالة الدولية.
لعلّها فرصة لكي نتعلّم من العدو “إسرائيل” التي طلبت قاعة من الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك لتنظيم اجتماع خصصته للمطالبة بإلغاء القرار ،3379 بعد 10 سنوات على صدوره، وهو القرار الذي دمغ الصهيونية بالعنصرية، واعتبرها شكلاً من أشكال التمييز العنصري، أليس أمامنا فرصة تخصيص قاعة للمطالبة بإلغاء وعد بلفور وكأن شيئاً لم يكن؟
إن هذه الدعوة إضافة إلى شمولها جميع مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والنقابات والبرلمانات والاتحادات النقابية والمهنية العربية الإسلامية، فإنها موجهة إلى المؤتمر القومي العربي للقيام بدوره التنسيقي على هذا الصعيد، وكذلك بالتعاون مع الجهات الرسمية، لحشد جميع الجهود وتكرار ذلك سنوياً لحين يتمكن العرب من إلغاء الوعد وما ترتب عليه من ظلم تاريخي، ولعل ذلك واحد من أسس المعركة الدبلوماسية الدولية.
باحث ومفكر عربي
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تراثنا والمشاحنة الفكرية للمجتمع المدني
-
المجتمع المدني بين الفلسفة والقانون
-
كيف نقرأ إستراتيجية أوباما عربيا?
-
تقرير غولدستون وقلق -إسرائيل-
-
تجارة الأعضاء البشرية: أين المسؤولية؟!
-
السجون السرية وجدار الصمت
-
استراتيجية أوباما والإرث الثقيل
-
أول اختبار لأوباما في الأمم المتحدة
-
صورة الأمم المتحدة
-
- سعد صالح: الضوء والظل- في الوسطية والفرصة الضائعة-.
-
كل عام وأنتم بخير
-
العرب وثقافة ما قبل الدولة
-
النفط وألغام الصراع في العراق
-
تذبذب أوباما إزاء العدالة الدولية
-
جرائم تحتاج إلى تحقيق
-
معسكر أشرف: مقاربة غير سياسية
-
الجواهري هو الحلقة الذهبية الأخيرة في الشعر الكلاسيكي
-
ما الذي يجري في إيران؟
-
مأزق الإصلاح
-
موسيقى الدانوب الأزرق
المزيد.....
-
Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
-
خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت
...
-
رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد
...
-
مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
-
عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب
...
-
مخاطر تقلبات الضغط الجوي
-
-حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف
...
-
محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته
...
-
-شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|