أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الحسين شعبان - تراثنا والمشاحنة الفكرية للمجتمع المدني















المزيد.....

تراثنا والمشاحنة الفكرية للمجتمع المدني


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2808 - 2009 / 10 / 23 - 18:21
المحور: المجتمع المدني
    


استغرق الخطاب العربي الكثير من الوقت، وصرف الكثير من الجهد، حول مصطلح «المجتمع المدني»، وما زال الجدل يزداد حدة منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمان بين العلمانيين والإسلاميين، وبين الحكومات ومعارضاتها، وبين جهات مدنية وأخرى عسكرية، وبين جماعات سياسية ومنظمات وشخصيات مدنية، بما فيها جدل الداخل والخارج أحياناً.
وينصبّ النقاش والحوار لا بخصوص المصطلح فحسب، بل حول أصوله ودلالاته سواءً كان حداثياً غربياً وافداً على حد تعبير البعض، أو له نسبٌ وحسبٌ وأصلٌ في الثقافة العربية-الإسلامية، أو ما يوازيه أو يقاربه أو يدل عليه، فبعض العلمانيين يصرّون على أن المصطلح وكل ما يتعلق به لم ينشأ إلا قبل قرنين ونيّف من الزمان، لاسيَّما في إطار نظرية العقد الاجتماعي وفقاً لما جاء به جون لوك وجان جاك روسو من بعده، ثم تطور المفهوم على يد هيغل الذي فرّق بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي (الدولة).
واعتبر ماركس المجتمع المدني ركيزة واقعية للدولة لكونه يمثّل العلاقات المادية للأفراد، وهو مجال للصراع الطبقي رغم أنه رفض فكرة مؤسسات وسيطة بين الفرد والدولة، كما اعتبر المجتمع المدني جزءاً من البنية التحتية، في حين أن غرامشي الذي طوّر أفكار ماركس بشأن المجتمع المدني، اعتبره جزءاً من البنية الفوقية عن طريق الثقافة والأيديولوجيا، إذ إنه ليس فضاءً للتنافس الاقتصادي أو للصراع الطبقي، حسب ماركس، بل هو جزء من فضاء التنافس الأيديولوجي والثقافي لفرض الهيمنة، خصوصاً وهو يتوسّط بين الدولة والفرد.
أما الإسلاميون فلم يركبوا مركباً واحداً، فبعضهم اعتبر المصطلح وافداً وبالتالي غريباً بل ومدنساً أحياناً ومرفوضاً، ولا بد من التنديد به، على عكس العلمانيين، وإن كان هؤلاء تتوزع بهم الأهواء، فمنهم من كان أميل إلى الإسلاميين من أصحاب النظريات الشمولية، القومية والماركسية في النظر إلى التطبيق، في حين أن الوسط العلماني الآخر، الليبرالي والديمقراطي، اعتبر المجتمع المدني مقدساً وممجداً، ولا يمكن إحداث التغيير الديمقراطي دونه ولذلك يستحق التأييد والتخليد.
وقد ذهب بعض الإسلاميين ممن وافقوا على مصطلح المجتمع المدني إلى اعتبار أصله يمتد إلى الثقافة العربية الإسلامية، وأن «بضاعتنا ردّت إلينا»، مقابل أطروحات بعض العلمانيين التي هي أقرب إلى الاغترابية، باعتقادهم أنه لا يمكن إحراز التقدم دون قطع الصلة بالتراث لأنه عامل معوّق ومعرقل للحاق بركب الدول المتحضرة.
وبغض النظر عن حداثة المصطلح أو قِدمه، كيف يمكن أن نتعاطى معه ومع مضامينه، سواءً كان عصرياً، حداثياً، غربياً، أم له أصوله في الفكر والتراث العربي الإسلامي. فهل يمكن قبوله دون خصوصية تاريخية ومجتمعية وعن طريق التقليد الأعمى، أي دون قيد أو شرط، أم يمكن قبوله مع مراعاة الخصوصية الثقافية والقومية دون التنصل من المعايير الدولية، الكونية، الإنسانية، المشتركة؟!!
ولعل بعض الأوساط الفكرية والحقوقية العربية كانت قد انشغلت بفكرة المجتمع المدني من خلال استبعاد أو شمول، أي إقصاء أو تعزيز تيارات معينة بعينها، دينية أو غير دينية من دائرة المجتمع المدني، أو من خارجها، كان هذا الأمر واحداً من التحديات التي واجهت وجود مؤسسات مجتمع مدني مستقلة ومهنية وغير منخرطة في الصراع الأيديولوجي الدائر لحساب حكومة أو جهة أو حزب أو طائفة أو إثنية، ولكن وفقاً لأجندة المجتمع المدني نفسه وليس غيره، أي كونه يقوم على وجود منظمات طوعية، غير ربحية أو إرثية أو تقليدية، وتستند علاقاتها على الديمقراطية والتعددية والتنوّع.
إن المشاحنة الفكرية الاصطلاحية المعرفية حول مفهوم المجتمع المدني تتجلى اليوم في الموقف من الحداثة بغض النظر عن علاقة الماضي بالحاضر، وهذه المسألة موجودة في كل المجتمعات، حيث تبلورت الحداثة وما بعدها أحياناً خارج الرغبات والإرادات كمعطى يتعلق بمدى تطور كل مجتمع واستعداده للاستفادة من منجزات العلم والتكنولوجيا.
وإذا أردنا العودة إلى التراث العربي الإسلامي، فعشية ظهور دولة الرسول (محمد صلى الله عليه وسلم) والدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، كانت هناك مؤسسات وفاعليات غطّت نشاطات واسعة اقتصادية وخدمية واجتماعية وثقافية وتعليمية كبيرة، يمكن إدراجها في إطار تكوينات جنينية للمجتمع المدني، بما فيها ما سبق الإسلام، منها «حلف الفضول» الذي يمكن اعتباره أول رابطة لحقوق الإنسان لتأمين العدل وإحقاق الحق بردّه إلى المظلوم.
ويعتبر المسجد النواة الأولى للنشأة الأولى للمجتمع المدني العربي، وهو تجمع مدني يقوم على المبادرة الجماعية أو الفردية وهي مبادرات طوعية مستقلة، أي أقرب إلى (charity)، وتمثل عمل الأفراد فيها بدون مقابل، وتطور الأمر في بعض جوانبه إلى أن أصبح نظاماً يُعرف بالوقف. والعمل في المسجد أو في نظام الوقف، هو عمل لمصلحة الآخر والغير، دون مردود أو مقابل مادي، ويمكن القول إن المسجد يقوم بعدد من الوظائف، منها وظيفة الصلاة والعبادة، وهي علاقة روحية بين الإنسان وخالقه، ولكن الوظائف الأخرى تتعلق بالاجتماع السياسي إضافة إلى بعض الأعمال الخدمية والثقافية والاجتماعية.
وفي محيط المسجد وعلى أطرافه نشأت مؤسسات تعليمية، تطورت من حلقات نقاش وحفظ للقرآن وتفسيره إلى مدارس وكليات أقرب إلى الجامعات والدراسات العليا، إضافة إلى ذلك عيادات طبية سميت «بيمارستان» وهي أقرب إلى المستوصفات أو المستشفيات الصغيرة ومنشآت طبية أخرى، كلها بدأت نشأة استقلالية وطوعية ودون مقابل مادي، كما نشأت دور للأيتام وما سمّي بذوي الخصاصة، إضافة إلى دور رعاية للمسنين، خصوصا المنقطعين الذين لا أهل لهم. وعلى نفس الشاكلة وجدت المكتبات والكتب كجزء من مؤسسة ثقافية وعلمية أقرب إلى المجتمع المدني بلغتنا الحالية.
ورغم أن قطاعات المجتمع المدني العربي نشأت مبكرة واستمرت كأساس للعمل الخيري وقامت على التبرعات والصدقات لمحسنين ومتمولين وبعيدة عن السلطات، فإن نشوء الدولة الحديثة أضعف من وجود واستمرار مثل هذه القطاعات المدنية التقليدية، وكان متوقعاً أن تسهم الدولة الحديثة في إيجاد مجتمع مدني حديث ومتطور والبناء على ما هو متراكم، بيد أن سياستها المحافظة والتسلطية في ظل أنظمة شمولية واستبدادية (ثورية) وتقليدية حال دون ذلك، الأمر الذي ابتلعت فيه الدولة المجتمع المدني، وأصبح تابعاً لها أو ظلاً يتحرك بحركتها، وحصل نوع من الفراغ في ذلك، إلى أن بدأت ثقافة المجتمع المدني في ظل الموجة العالمية تعود إلى الظهور في العقود الثلاثة الماضية، مصحوبة هذه المرة بدعوات الإصلاح والديمقراطية والتعددية والتداولية.
لقد حمل المجتمع المدني مشكلاته معه، من حيث انخراطه أحياناً بالصراع الأيديولوجي والسياسي أو خضوعه لجهات سياسية أو دينية أو طائفية أو إثنية، أو تأثره أحياناً بأجندات خارجية لأسباب تتعلق بالتمويل، خصوصاً أن الدولة العربية الحديثة ناصبته العداء وحاولت تجفيف مصادر تمويله أو سعت لتطويعه وترويضه واحتوائه والتأثير عليه، الأمر الذي عظّم من مشكلاته، ناهيكم عن مشكلات تتعلق بالأداء وقصور بعض قياداته أو عدم قدرتها على قراءة التطورات والمستجدات السريعة، فضلاً عن تشبثها بمواقعها وشخصنتها واستخدامها بعض الأساليب التي لا تختلف كثيرا عن الحكومات.
وبغض النظر عن أصول ودلالات مصطلح المجتمع المدني حديثاً أو قديماً، فالعولمة والحداثة تفترضان في الدولة العصرية أنها كلما كانت قريبة من الديمقراطية كان فيها المجتمع المدني قوياً، وعلى العكس، كلما ضعفت الدولة وتشتت، تعززت فئوية وقبلية ووراثية وطائفية الجهات والجماعات التي تسعى لتعويض دور الدولة أو القيام ببعض وظائفها، أما الوجه الآخر الذي عانينا منه فهو وجود دولة قوية ومهيمنة مقابل مجتمع مدني ضعيف ومُسيطَر عليه، الأمر الذي شجّع قيام الدكتاتوريات.

لعل تراثنا العربي-الإسلامي كان غنياً في عزّ قوة الدولة بوجود مجتمع مدني مستقل عنها وطوعي في عمله، وهو عنصر شراكة معها وليس في حالة انتقام أو تعارض، بل يمكن اعتباره قوة اقتراح ومبادرة يتوسط بين الدولة والفرد، وهو ما نحتاج إلى إعادة دوره في ظل دولة حداثية وعصرية، وعلى أساس سيادة القانون والمواطنة الكاملة في إطار الحرية والعدالة والتعددية والتداولية!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع المدني بين الفلسفة والقانون
- كيف نقرأ إستراتيجية أوباما عربيا?
- تقرير غولدستون وقلق -إسرائيل-
- تجارة الأعضاء البشرية: أين المسؤولية؟!
- السجون السرية وجدار الصمت
- استراتيجية أوباما والإرث الثقيل
- أول اختبار لأوباما في الأمم المتحدة
- صورة الأمم المتحدة
- - سعد صالح: الضوء والظل- في الوسطية والفرصة الضائعة-.
- كل عام وأنتم بخير
- العرب وثقافة ما قبل الدولة
- النفط وألغام الصراع في العراق
- تذبذب أوباما إزاء العدالة الدولية
- جرائم تحتاج إلى تحقيق
- معسكر أشرف: مقاربة غير سياسية
- الجواهري هو الحلقة الذهبية الأخيرة في الشعر الكلاسيكي
- ما الذي يجري في إيران؟
- مأزق الإصلاح
- موسيقى الدانوب الأزرق
- المجتمع المدني: محاولة جديدة للفهم!


المزيد.....




- الإعلان عن تأسيس الائتلاف ضد التعذيب في تونس
- الأونروا: نحو 200 فلسطيني يغادرون مدينة رفح الفلسطينية كل سا ...
- تونس.. استنكار وتساؤلات ترافق اعتقال مدافعين عن المهاجرين
- الأردن يدين اعتداء المستوطنين على مقر الأونروا في القدس: تحد ...
- محدث::الاحتلال يغلق معبر كرم أبو سالم بعد إدخال شاحنة وقود ل ...
- الأمم المتحدة تدعو جوبا لسحب قواتها من -أبيي- المتنازع عليه ...
- الأونروا تنفي مزاعم الاحتلال بإعادة فتح معبر كرم أبو سالم
- مستوطنون يهاجمون مقر أونروا بالقدس ولازاريني يندد بـ-الترهيب ...
- الاحتلال يغلق معبر كرم أبو سالم بعد إدخال شاحنة وقود واحدة ل ...
- الضفة الغربية.. اقتحامات واعتقالات وهدم البيوت وتدنيس الاقصي ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عبد الحسين شعبان - تراثنا والمشاحنة الفكرية للمجتمع المدني