أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - مقالات نقدية عن تجربة نمر سعدي الشعرية















المزيد.....



مقالات نقدية عن تجربة نمر سعدي الشعرية


نمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 2799 - 2009 / 10 / 14 - 12:21
المحور: الادب والفن
    



نمر سعدي .. الرومانسي الجديد


ثائر العذاري



لو كنت لا أعرف نمر سعدي لظننت أنه شاعر ستيني، فحرصه على تقاليد قصيدة التفعيلة حد التقديس يشجع على مثل هذا الظن..فضلا عن انتهاجه نهج الستينيين في محاولة غزل خيوط الواقع ونسجها في نسيج رومانسي يتخذ من عناصر الطبيعة وعاءً لقضايا الفكر.
للوهلة الأولى تبدو قصائد سعدي كأنها تقدم استعراضا للطبيعة، تتخذ فيه عناصرها سلطة مطلقة للفعل، ففي نص مثل (أغنية تحت أمطار أبابيلية) نلمح في العنوان عنصرين تقليدين من معجم الرومانسيين (أغنية – أمطار)، وفي القصيدة نقرأ:

في ليلةٍ ما عندما يصحو الندى
في حنطةِ الأيام ِ
سوفَ يضيئني وجعي الذي أدمنتهُ
زمناً ...وتركضُ في مفاصلِ وردتي
نارُ المجوس ِ.....
يحيلني ندمي
الى أنقاضِ فردوس ٍ
يحيلُ دمي
فقاعاتِ النبيذِ المُرِّ
في قلبِ إمرئِ القيسِ
المُعذَّبِ بالجمالِ الحُرِّ
أو بلحاقِ قيصرْ

إنّ (وجعي) لا (يضيئني) إلا (عندما يصحو الندى)، وهذا الفعل متوقف تماما على الشرط حتى أن الشاعر لا يعرف موعدا له (في ليلة ما)، الطبيعة هي الحاكمة بسلطتها القسرية التي تجعلها وحدها القادرة على التحكم بالزمن.
يحاول الشاعر في بعض قصائده الهروب من هذه السلطة المطلقة، ففي قصيدة (قلبُ الأسفلتْ) تظهر صورة شخصية لرجل يطغى صوت وقع خطاه على كل شيء:

أبداً ترنُّ خطاكَ في صُمِّ
الشوارعِ كالنقيرِ
ويصُدُّكَ الزمنُ المريرُ
عليكَ يوصدُ ألفَ بابْ
منفاكَ أرضُ سدومَ ...............
فأحملْ قلبكَ المسكونَ
مثلكَ بالمزاميرِ
القديمةِ .....أو صدى القبلاتِ
وأرحلْ عن زمانكَ
أو مكانكَ
في إغتراب

فعلى الرغم من كون هذا الشخص محاصر بالزمن، منفي إلى (سدوم) فهو يظهر وهو يفعل أو يمتلك قدرة على الفعل حتى لو كان الفعل محض صوت خطى عالية، ولكن هذا لا يستمر طويلا، فسرعان ما تدركه سلطة الطبيعة وتبتلعه أو تحيط به من كل صوب:
يا آخري المملوءُ بي
المحفوفُ بالأطيافِ أو قلقِ ألضياءِ
أو السرابْ
لأكادُ أسمعُ من بعيدٍ
رجعَ وسوسة الخمورْ
وأرى الدجى المُنسلَّ من
كهفٍ جليديِّ العصورِ
يلُفُّ أغربة َ المدينة في المدارجِ
بالضبابْ

هو ذا تلفه الطبيعة ضبابا وسرابا يخفيه ويسلبه القدرة المصطنعة على الفعل.
إن الإحساس بالعجز عن الفعل والذوبان في الطبيعة الطاغية عند نمر سعدي ينعكس في مظهر فني لافت للنظر، وهو كثرة ابتداء أسطره بصوت ساكن:

صوتُها لا أطيقُ إبتسامتَه الماكرة
ليعلّقَ أحزانها فوقَ أفراحِ قلبي
ويبرأُ من دمها.........
ألحزنُ ذئبٌ بعينيَّ أعرفهُ.........
ألحزنُ ذئبٌ بريءٌ يلاعبني
ويُمسّدُّ لي وجعَ الذاكرة
في السطرين الرابع والخامس يلاحظ ابتداء الشاعر بكلمة (الحزن) ولأن الهمزة هنا هنا همزة وصل فإن البداية الصوتية الحقيقية للسطر ستكون بصوت اللام الساكنة. هذه الظاهرة تكاد لا تخلو منها قصيدة من قصائد نمر سعدي:

الحياةُ كما أنا أفهمُها
لهفة ٌ لسماءٍ ملوَّنةٍ بالنداءاتِ
روحُ الينابيع ِ
تحملُني مثل عطرِ ألندى
زهوة ٌ للحصانِ ِ المُجنَّح ِ فيَّ
إحتراقُ الأباريق ِ في
قُبة ِ ألليل ِ

في هذه القصيدة يحاول الشاعر صياغة مفهوم ذاتي للحياة غير أنه يبدأها بصوت ساكن، وهذا طبيعي حسب عقيدته في تسلط الطبيعة، فهذا الذي يحاول صياغة مفهوم الحياة يفعل ذلك لأنه يراها (الحياة – الطبيعة) القوة الوحيدة القادرة على الفعل، أما هو فـ(ساكن) لا يقدر الا على التأمل ومحاولة الفهم.
في قصائد الشاعر نمر سعدي لا يستسلم وحده لسلطة الطبيعة، بل إننا سنكتشف كلما تقدمنا في قراءته إن المتكلم في قصائده ليس نمر سعدي بل ضمير الإنسان، فالجنس الإنساني كله مسحوق بجبروتها:
صرختُ من أبديّةِ
الأحزانِ في عينيكِ
يملأني إشتهاءُ الريح ِ
أين يكونُ عدلكِ
يا يبوسُ؟/
هنا على زهر السياج ِ
ظهرتُ في ثوبي
إنسللتُ كآخرِ الأزهار ِ....
خلف َ القلب ِ نافذة ٌ
من النعناع ِ
خلف َ مروج ِ نارْ
ما غير َ سيّدةٍ هناكَ
يشعُّ منها دمعها
قمرا ً ينامُ على المدينهْ
ذابت أصابعها على حجر ٍ
لتأخذ َ شكلَ نورسةٍ
حزينهْ
غنّتْ بلا معنى
وأتعبها الحنينُ سدى
فنامت في السكينهْ

هذه السيدة صورة للآخر الذي يحس الاستلاب فيسلم أمره ذائبا في (قمر) و(نورسة) نائما تحت وطأة الإحساس باللاجدوى والطبيعة ذات السلطة الطاغية.
وتبلغ سلطة الطبيعة أحيانا حدا تنفصل معه (الذات) عن الضمير:

شجرٌ وراء غموضها الشفافِ
في المقهى
وقلبي نجمة ٌ أخرى
معّلقة ٌ على الأغصان ِ
لا مطرٌ يوافيني
بما ترثُ الأنوثة ُ من بهاءٍ
ناصع ِ التكوين ِ
أحلمُ بإنكساري
مثل نهر ِ الضوءِ
موسيقى يرّفُ ......
كحفنةٍ بيضاءَ من عدم ٍ
ومن ندم ٍ
يهدهدني لكي يغفو أنايَ

الحديث هنا عن الذات يبدو فيه كأن الضمير منفصل تماما عن الأنا المسحوق حتى يسقط في (العدم- الندم)، وعندها يكشف الضمير انفصاله عن الذات بعبارة جلية (يهدهدني لكي يغفو أنايَ).
وفي واحدة من قصائد الشاعر التي كتبها عام (2000) يصرح بفلسفته هذه، التي تقول بعجز الإنسان عن الفعل وخضوعه للسلطة المطلقة للطبيعة (على غير هداية):

بغير هدايةٍ أكتب ْ
بغير ِ هدايةٍ كالنهرْ
ركضتُ مع الحياةِ
لغير ِ ما هدفٍ ...وكان الدهرْ
ورائي مثل طيف الذئبِ
في قدميَّ قيدَ التبرْ
كثيرا ً سوفَ تقرؤني وتقرؤني
وتستغربْ
ولكنيّ كذلك َ حين أكتبُ
لوعتي والشعرْ
بغير ِهدايةٍ كالشوقْ
لأني عشتُ أيامي
بغيرِ هدايةٍ كالشوقْ
كآخر نجمةٍ سقطتْ
أو إنسبرتْ
بغور ِ العشقْ

والغريب أنه يحاول هنا أن ينسب حتى هذا الإحساس بالعدمية واللاجدوى الى الطبيعة فهو ليس الا (نهر) يركض في الحياة.

ناقد من العراق



*****************


للأنا قاموسٌ وللشعرِ أحلام


قراءة أوليَّة في قصيدة (البهاء المراوغ)
للشاعر الفلسطيني نمر سعدي




رحاب حسين الصائغ







أحياناً يخترق الشعر أسطح الغيمات وينحرف نحو جهةٍ ما باحثاً عن جرار من النور، يشكِّلُ ما يراه الشاعر من تلألأ نورهِ وحلمه السنوني، كعاشق لابتسامات النجوم ساكباً عليها غضب الوانه المتشابكة مع بقايا من الشمس حين الغروب، تراقفها شهب لامعة لما في نفس الشاعر، واجداً قنواة خالية من رتق الهموم وكأنها مندفعة لجهة فضاء مترع بالبياض، انفلاتاته محملة برموش الغسق وضيوف الصباح تهل مثل الندى على روح قصائده.
الشاعر نمر سعدي وقصيدته (كل هذا البهاء المراوغ حريتي ليس لي) يرسمها على شواطئ أشكاله الفنية بريشة صنعت أليافها من خيوط الشمس الحارقة، قصيدته التي تحمل عنوان طويل تتحرك مع التفاؤل الرمزي، آليتها معاصرة جداً جداً محصنة بخصوبة فكرية ذات قطب واحد في الأسلوب، إنها تعشق النسق الجديد المتماوج بعدد من الأجناس الأدبية، والمستقرَّ على لمحة واحدة، نسقها جديد وجميل يتغذي على العشق للشعر والمفردة، قصيدة لنمر سعدي تتجمل بروح الشاعر وحماسه، نصها الخطابي يعمل على تواصل الزمن المبني على السيطرة ذات مشاع في المفرد، كالفراشة الحزينة دائمة البحث عن مكان جديد لتبدد الآمها، حيث يقول:
( كل هذا البهاء المراوغ حريتي ليس لي) أولاً يحتفي بالبهاء ويوصمه بالمراوغ ومن ثم يقدمه على أنه ليس له، اذا كانت البداية بهذه الصيغة اللافتة والحاملة وعي الخلاص أو البحث عن حضور متفشٍّ للأنا أو الذات الشاعرة، لأنه عندما يوصم البهاء بالمراوغة يعني تأسيس صورة فعلية للحوار الشامل لكل ما في القصيدة المتكونة من ( 95) سطر، أين هي الحرية التي يعتبرها ليس له، هو نفعيٌّ لهذه الدرجة في الاسترسال، وله كمٌّ هائل من القصائد التي على نفس الحجم، الشاعر نمر سعدي كالصقر يصنع له جبال من الشعر ويقول ان الحرية ليست له مع انه في كل قصيدة يضيف له جناحان ويحلق بهما عالياً دون قيد او خوف، قصائده رموزها متنوعة كما في قصيدته، حيث يقول في البداية:
خفقة للكلام البريء على ماء اوجاعنا
شهقة لانتباهات أفراحنا
وشذى مرمري يغلف شهوة اكتوبر
وخريف من الذكريات التي اثقلت
كاهل الطفل في شاعري.
المنجز الشعري عند نمر سعدي الذي يتخطى حدائق الحداثة في طرح تشكيلات متميزة مع ميل قليل لأسطرت العالم ومنهجية الماضي، الشاعر نمر سعدي لا يميل للأحلام، يريد خروجاً مرغوباً فيه، عند نمر سعدي نوع من الاستدلال على المفردة في الشعر وغادياته، له دائماً عودة للنسق الجمالي تبرق جوانبه على باقي الاشرعة المحيطة بحقله الذهني، حقيقة قوله ( الذكريات اثقلت كاهل الطفل في شاعري) غطاء مضمون لمجهوده في البحث عن الانموذج الجدير ببلورة الصورة، انه يتلون بعمق تمهيداً للتغيير المصاحب لحالة الانعتاق، ثم يقول:
الى ما وراء الغد الحلو.......
سحر أزهى الزرافات في سفر تغريبتي
قدر الشعراء.. انفجارات شوقي.. انكسار الحنين
نمر سعدي، لا يعمل على تخريب اللغة في نسج المفردات يحاصرها ويخيط من تجليات معانيها شبكة يصطاد بها عبارات تحمل الايحاءات المسخرة بنظام يطارد النص داخل النص، للأشتقاق عنده لا يوجد تهاون رغم مضايقات الحبكة الشعرية في القصيدة الواحدة، قد يكون مختلف عن الآخر، منسجم مع نفسه، يقول:
غمام أليف وقبرتان تحومان
حول دم لا يرى في مدى اللا مكان
نداء أخير لنظرة قديسة فوق نار الصليب
الشاعر يلعن ضمائر هذا الوطن الغارق في هواجس، أهدافه الهرب والخوف من سعير الحق والاخلاص، نمر يفكر في الفضاء الحالم على وجود أصبح مؤثراً في كل تكوينات الحياة، لذا قد نجد صعوبة في تحليل متغيراته الصامتة وما يبثه من وجع بين ما يوجد من تمزق ملأ جلده بالطعن ومضمونه خالٍ من العصافير والحمام والفراشات، ولا يخلو من وجود الذئاب، وما تحمل أسنانها من دم الابرياء، حيث يقول:
هواء تكسر مثل الزجاج على بحر عينيَّ ملء نهار اللهيب
هوى عشت عشرين عاماً أسائله في الليالي
ولكنه لا يجيب
لغة لا تغير احوالها
وندى يتقطر من لهجة الندليب
تعويض جميل لصورة نقيضة يحمل مشرط نحويتها بقدر خارج عن التحريف بحوافيه الحادة، يسخَر من سيطرة النماذج الرافضة للفعل الواسع ذي المجد العريق، عنبر ركائز الشعر عند نمر سعدي، تعمل على التفتح نحو الامل المصلوب، اما اكتنازات القصيدة تعيش على جمهرة التداول المتقن للصورة المعاصرة مروراً بهواء البحث ونسيج الزمن لتوقيت ثابت للحدث وشد أربطة الوجود الفعلي لمكونات الفكر:
حفيف النوارس ملء الشرايين
والقلب ألف غريب غريب غريب غريب
رؤى تتناسل من سدرة المنتهى كالدموع
جمالية هذه الصورة منسجمة مع عودةِ الأزمنة للموروث والارقام التي عادةً ما تكون آحادية، أما نمر سعدي استعمل الأرقام المزدوجة، أي تكراره أربع مرات مفردة غريب، يعني هذا تمالك في زج الرقم الزوجي في جمرة التمرد، وذكر سدرة المنتهى يتناسل منها الالم، تتخذ شكلها المثمر في غرس الجمالية في الصورة الشعرية ومن ثم كشف المسوغات الذاتية في التحولِّ أيضاً.. يقول:
وتيبس في كف ايزيس مثل المحار الالهي....
مثل ابتسامات سيدة في الثلاثين
تذهل ألف ليوناردوفنشي وتوجعه
مثل سهم يطير الى القلب من فجوة الغيب
انتقل بنا نمر الى الادب العالمي( ايزيس والمحار الالهي وليونارددفنشي وتوجعه) امنيات متجبر يكافئ سنادين ملؤها شهوات فائتة من رحم مقلوب لغربان مضرة ولم يهمل التلوين بالفتح منها ابتسامة امرأة في الثلاثين، مما يعني قمة النضوج المسلوب من حبات حياتنا المتشابكة والمهملة مع انها في قمة أوجها وبحاجة ماسة للمحاولة الجادة في اتخاذ ما يلزم من شأنها، النضوج الذي لنا منه اكثر مما لدى الآخر، نص نمر سعدي يحمل نوعية من السيطرة على تبادل في اللذع من الفكر ولكن من يفهم؟، اشتغالاته متمركزة على كشف القلق والتعتيم لما نملك من امجاد تعبث بها رياح الغدر من الطرفين المسيطرين، أمجادنا تسلق في قدر الزمن وامجاد الآخر تقدم في اطباق من الذهب للتباهي بها، يقول:
والموت في زمن الموت لحنٌ رتيب رتيب
والحان جاز مكسرة كالهواء وموسيقى بوب
وازدحام على شفة الهاوية
وخريف بلا أيِّ عطر وايقونة عالية.
الشاعر نمر سعدي يعتني بوظيفة الابداع الصادرة من وعيه وبكل حرية يكتب ما يشبه الوجدانيات المعذبة والتي تصل اعمق نقطة في أليم جوارحه النفسية، غارقا في الايحاء والاشارة غير المتخمة بالسوداوية العابثة، مستحدثات الشاعر نمر ايحاءات جاءت من تولد الاوجه المتعاقبة للمضمون، ان العملية الشعرية عند نمر سعدي جلَّها تعتمد البحث عن الجديد، ونمر يمدُّ أسلوبه بكل جديد ويعمل على حضور التفجر عنده:
كل ما رف في ماء اجسادنا
كنداء الفراشات في الفجر يصنع في
حضرة الخدر الازلي غواياتنا وانتظاراتنا
لما لا يفسر من شوقنا
سوناتا نمر سعدي تبعث الانتعاش الذي تسود خطواته التحققً، اما ما لا يتفق والسلعة المحترقة من المدح والكذب او ما يحدث مع البعض من مسح العملة لمصلحة التزييف، نمر يقمع الصور الباليه من عمق مجتمع كامل متوغلاً بالدلالات المتعددة، يهتم بما تستوجب اشكاله الجديدة في عملية الذات الواعية، يسعى الى عدم تقلص نقاط الاختلاف وتوصيلها للقارئ، تفاسير قاموسه لها تمايز فيما يدخل نصه حين يدخل الحياة يجاذبه عمل كعمل الحطاب حين يوقد ناره ليتدفأَ، وما يحمل من خبرة بكل انواع الحطب لذا تكون ناره متزنة ولها ادامة حتى بعد ان تصبح جمراً، رمادها لن تهدأ حرارته بسرعة:
كلها.... كل هذا البهاء المراوغ حريتي ليس لي.... ليس لي
كل هذا البهاء المراوغ لك
آه يا شهقة من عبير خضير
تغشي مساءً سراب الفلك
وتسبح في دمنا....
كالمسخ اللزج هذا الوقت المقطوع من ازمنة اعمارنا المفتتة وسيادتها المطعونة طعنة وراء طعنة في غيب الابتذال وتبعية انانيتنا في شبق الأحادية من الحياة، شأنها تكوين طريق الغربة وما يقضُّ مضاجع محارب فقد الطمأنينة، وخلق في افلاكنا السراب، وضعت زمكانية التاريخ في العراء،وأصبح كل ما نملك من سيادة لغيرنا، كأننا بلا فيزيائية او مرجع قديم، نشهد ان نمر يعمل بهذا المجال، حيث يقول:
حرري لغتي من براكينها
حرري رئتي من بكاء الضباب
مرري بسمة فوق ماء الحضور
يسفه التعقيدات ويقدم عقال الشكل في توئيدة مسوغتها تتكفل ببعض التطبيقات المستعملة في الحدث والواقع على الحدث من مجريات، يعطينا تشكيلات لفهم ما يلزم فهمه واسباب ما يراد ان يعرف في منهج خاصٍّ بنمطية تقودهُ في بعض الاحيان للتكرار، يقول:
بؤرة الظلمة الغادرة
تحاصر روحي وتصطادها
ثم تقتلها وحدها... وحدها دونما ذاكرة
ما يمنحه من صناعة لنفسه تجعله محتفظا بمكونات تشبه التاريخ الخارج من تحت تأثير مشاعر عالقة في التجريب، غايته استخدام الوعي المتشكل في ذاتيته، للشعر علاقة بين اللغة والمتعاقب من الافكار عند منتج النص، والتخيل الذي يملكه الشاعر نمر سعدي عبارة عن شحن تفاعله بجهد معني بالواقع، وما يوظِّفه من استدلالات لمرجعياته ال.. غير تقليدية في منح الفكرة صورة جميلة وذات اسلوب مختلف، يقول:
دافعت عن ارض منفاي.... منحة حريتي
قدري المتأرجح ما بين بين
كلما انتحرت بسمة فوق هاوية لشفاهي
تراميت في حضن أخرى وجاملت من دون أي حماس
ورممت اغنيتي مثل ناطحة من عواصف نائمة في الشرايين
ملء عيون الليالي وملء انتباه الفصول
الفرق بين الجميل والقبيح متحركات مشتقة في المظهر المحسوس للصورة الأولية في حسيِّة معرفية مرتبطة بعالم التمظهر والمطروق، يقدم صور مبدعة في الجانبين الروحي والمادي باعتبار ان الاصطدام يشكل قوانين الدوافع المستعان بها والمعايير التي صيغت منها الصورة، الشيء الجمالي في الشاعر نمر سعدي، يقدم عطاء شعري في ازاءات منثورة بينه وبين الآخر، وبينه وبين الواقع، ارتباط منسجم نسيجه الفكري لا يحمل التضارب بل نوعاً من التقارب المشع ليخلق الجمالية في شعره، بمقتضى انساني وجودي يحثُّ على مؤثر رؤياهُ كشاعر، وتنوعه المتغاير هو لازمة لنمر، يقول:
عزلتي في الكلام موزعة
نصفها لابن حيان والنصف الآخر لي
لأبايع زهر السهول
ثم انقض ذاتي مليَّا وأهدي ذئاب الفلا للوعول
طوقنا الشاعر مباشرة بما يسمى باهداف المحاكاة المعقولة من وجهة نظره، انه معذب في مسعاه أمام حاجاتٍ أصلها الصراع ولوحتها الغياب المستمر للمألوف من الجذر، هو مملوءٌ برؤياه ومتقن في التكافئ للملامح يحتويه غليان على المشهد العام للحياة، وصفه ينكب في عروض متفقة واسعة الآفاق، مترامية في الجدية، لبنة تؤسس لاستلهامات معينة، يكتب ليعرف أن أصابعه ما زالت حية وقلبه يموج بالمخاطرة في المجهول، كأنه قارب متجهٌ نحو العمق من البحر يطوف مع حروفه المبجلة متربعا عرش الفضاء، يقول:
هل أقول
انا انزف ياصاحبي السرمدي الهوى بدماء النجوم
بقصائد مخفورة بنداء السديم
باختلاجات زرياب في حضرة العود
طول الدجى والنهار القليل؟
أسئلة عديدة في مجال الذاتية يوجهها لنفسه مع التحايل المعرفي حيث يقدم في ظروف اأحوالها جزء من حضارة البحث وعناصر الاجابة تحيط كل بداية، عندما يذكر انه ينزف موجها لصاحبه الذي يصفه بالسرمدي يكون قد نبش في رصانة احترام الحاضر المتعاقب، نتاج من حكمة مساندة في المعروف من تراكيب التكوين، ظهرت مقتضيات متنوعة من المعارف النافعة وبالعكس قد يحتويها نوع من الإسهاب، كأنه يقول ما هي الحقيقة وأين تكمن بوصفها حقيقة ؟ لنلامس شروطها، وهل الجمال مختنق لهذا الحد بغيب الإبتذال، ثم ينقض على لعبة التمييز كما يقول في آخر مقطع من القصيدة:
آه من سوف يسحبني من حطام المعارك
يمسحني بيد من غد ورياحين ملعونة
ثم يستلني من خطاي كشهقة سيف قتيل؟!
سيادة هذا الزمان تبعية وعملة تحجر سنم اعتابها، اما الواقع قائم رغم اي تفسيرات او اختزال ملتصق باستثمارات هجينة، يعمل نمر على الاستفادة من الموروث والآخر وما بينهما من تواصل في الافكار طارحاً نظرته هو نحو سواحل حدودها الزمن بلا اي تردد يقبل بالمواجهة ولا يحسب حساب لما هو خارج كعب الأقبية التي لا شغل لها غير تفتيت الانسان مهما حاول طائرا نحو الاعلى.

الشاعر نمر سعدي يحتل نوعاً مميزاً من الكتابة في أسلوبه الشعري وجلُّ قصائده تعيش تحت وطأة هاجسه الفكري الحداثوي والمعاصر، تنتابه خاصية لها مؤثرات ونتاجه الأدبي من الشعر نماذجها تتمرَّغ بصوت مرتفع لما يتأمل ويأمل من المشهد العام فنمر سعدي شاعر قد يُلقَّب بالشاعر العام فهو كأنما يستمدُّ قاموسه الخاص من قصائد يحفر لها خنادقَ.. مشارفها لا تعرف حدوداً ومن ثمة يقاتل بنمطية تعطيهِ شهادة الإبداع في إشاعة أحاسيس الشاعر المعاصر العام، وفي نفس الوقت لا بد من العيش مع محيط لا هو رافض للمفردة ولا قابل لوجد مسننٍ على مدرجات الحياة.



الكاتبة/ ناقدة من العراق


************


هل انتهى زمن الشعر؟


ناجي ظاهر


ماذا يعني اصدار الشاعر الصديق نمر سعدي مجموعتين شعريتين بأقل من مائتي نسخة؟
هل يعني ان سوق الشعر لدينا ابتدأ بالبوار كما في اماكن اخرى من العالم ؟
وان القراء ابتدأوا بالانفضاض عن هذا الفن الجميل؟ هل يعني وهل يعني وهل يعني الى ما لا نهايه؟
علما ان الشعراء بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لجأوا الى مثل هذه الظاهره؟
لا اريد ان استبق الامور فادعي اننا امام ظاهره جديده ولا اريد ايضا ان ادعي ان هناك من الشعراءفي بلادنا من قد يكون لجأ الى اصدار مجموعاته الشعريه بعدد محدود من النسخ . ولم يعلن عن هذا بعد.
وانما اريد ان الفت النظر الى مثل هذا الامر, فلعل هذا اللفت يساهم في تسليط الضوء على ظاهره قد تكون موجوده ونحن لا ندري لانشغالنا بكل ما ينبغي الانشغال به . وانصرافنا عما ينبغي لنا الانشغال به .
هل يوجد هناك اجمل من الشعر (ديوان العرب)؟ ام ان زمن الشعر قد انتهى ؟
من اجل ان نتفاهم اطرح السؤال التالي :هل تتصورون الحياة بدون فن وشعر؟تصوروها بدون من تحبون من الفنانين .فكروا بهذا.
ما دفعني حقيقة الى الكتابة عن هذا الموضوع هو اصدار الشاعر نمر سعدي مجموعتين شعريتين ومهرهما باسم مستعار وجاءت المجموعتان في اقل من ثمانين صفحة لكل منهما (عدد الصفحات ليس مهما في الشعر اذ ما تتضمنه الصفحات هو المهم والاهم) وفي اقل من مائتي نسخه لكل منهما ايضا.
وزاد في اندفاعي ايضا ان صاحبهما اخبرني في مكالمة هاتفيه بيننا انه اقدم على اصدار المجموعتين على هذا النحو لانه يئس من الاجواء السائدة في وسائل الاعلام واراد ان يحافظ على نتاج يعتبره بمثابة نبض حي لقلبه من الضياع وان يوصله الى قلة قليلة من الناس.
لا اريد ان اتطرق الى ما خسر هذا الشاعر الشاب من مال ادخره بشق النفس من اجل ان يصدر مجموعتيه وان يهدي النسخ القليله التي بادر الى طباعتها على نفقته الخاصة الى اصدقائه ومعارفه .كلا ,لا اريد ان اتطرق الى هذا مع اهميته .وانما اريد ان اطرح السؤال الجدي الذي تبادر في ذهني ازاء اصدار هاتين المجموعتين وهو:هل بار سوق الشعر لدينا ؟ولماذا لا تبادر صحافتنا المحليه ووسائل الاعلام لدينا على قلتها وعلى تحكم رأس المال فيها وفي عطاء المحيطين بها .الى الاهتمام بالادب والفن والشعر خاصة .ونشره واثارة قضاياه ومساعدة الشعراء الشباب معنويا وماديا.ولماذا تحيد هذه الصحافه الفن بصوره عامه والشعر بصوره خاصة.
وتدعي حين تلخص مسيرتها بانها كانت راعية له ؟ولماذا لا تناقش ما يحيط بالفن والشعر والادب من قضايا ملحة على الأقل.


*******************








قراءة في ديوان أوتوبيا انثى الملاك للشاعر نمر سعدي بقلم د. بطرس دلة *
الخميس 7/7/2005

هذا هو اسم احد ديواني الشاعر نمر سعدي من بسمة طبعون. اما الديوان الثاني فاسمه: "عذابات وضاح آخر"، الديوانان من القطع الصغير لشاعر لم يُعرف اسمه كثيرا في الصحف المحلية بعد، ومع ذلك فقد لفت نظري ديوان الاوتوبيا لما فيه من قوة في التعبير وانطلاق في الجرس الموسيقي حتى ولو تعثر في بعض القصائد. هذان الديوانان ينتسبان الى شعر الحداثة لما فيهما من التحرر من قيود الوزن والقافية والبحور العروضية المعروفة، خاصة لان الشاعر كنّى عن نفسه اولا باسم وضاح سعدي، ووضاح هذا هو شاعر اموي كان اسمه وضاح اليمن، وكان قد شبّب بام البنين فدفنه الوليد بن عبد الملك حيا! وقد اتخذ شاعرنا اسم وضاح الذي وثقه على ديوانيه لانه يعتبر ما جاء في هذين الديوانين "كلمات مضيئة مزهرة في زمن الردة والهزيمة الروحية.. وقصائده فيها خروج عن موروثات روحية حياتية جامدة في عالم بحاجة الى من يصهر زيفه وزخرفه بنار حقيقية ويغسل صدأ دماء شموسه القديمة!! (صفحة 5-6)
الديوان" اوتوبيا انثى الملاك" فيه خروج كبير عن المألوف سواء كان ذلك في التسميات او في جوهر القصائد وحتى في شكلها. فلم يخطر ببالي وانا اطالع هذا الديوان "اوتوبيا انثى الملاك" لم يخطر ببالي السؤال عن جنس الملائكة! هل هم ذكور ام اناث؟! واذا كان الاخ نمر سعدي يكني نفسه وضاح سعدي فلانه يؤمن ايمانا وثيقا ان بين الملائكة الذكور لا بد ان يكون هناك ملائكة اناث منهم الملاك الانثى التي احبها وضاح سعدي وتعلق بها وعاش العذاب الشديد بسبب حبه لها. فعن قصة الحب هذه يدور ديوان الاوتوبيا صغير الحجم، والذي لا تتجاوز صفحاته الثمانين صفحة.
* الشعر الغيبي او المبهم: يبدأ الديوان بقصيدة اوتوبيا انثى الملاك فيمعن الشاعر بالغموض لدرجة انه يستعصي على القارئ العادي حل رموز هذا الغموض.
ومع ذلك لنقرأ ما يقول في هذا الصدد (ص – 3) "يغسل الماء من جاهليته بابتسامتها والظلام بتوبته/ عن شذى شعرها المتناثر، في زرقتي/ الظلام الذي كان يصرخ في نقطة الضوء!" هذا نموذح واحد للغموض.
في قصيدته المذكورة (في صفحة – 8) اهتم بان تكون التعابير منطقية ولكن فيها الكثير من التعابير الي لا تتعلق بجوهر القصيدة. في هذه القصيدة يكتشف الاستاذ نمر موسيقى الكلمات مما يجعل القارئ العادي يلهث خلف المعاني فالكلمات حبلى بالمعاني وفوق طاقتها. ولنضرب لذلك المثال التالي الذي يبدو اكثر غموضا للوهلة الاولى.
ما معنى البيت التالي (من ص – 8)
"ويضيء لها قمر الدمع
فوق رصيف الابد!"
صحيح ان قمر الدمع لا يمكن ان يضيء الا اذا بكى ذارف الدموع لكن هل هناك رصيف للابدية؟! وصحيح انه توجد طريق الى الابدية عن طريق تأدية كل طقوس العبادة. فكيف اختصر كل هذا المعنى ببيت واحد من الشعر؟!
وفي مكان آخر على سبيل المثال يقول (ص – 66)
بكاؤك مر يندّي صليب الجراح القديم
افيء الى ظل نخلة قلبي .. منه
وملح جبال الحديد... بكاؤك!
فهل معنى الشعر الاخير ان قلبها قد صدئ والا فما معنى ملح جبال الحديد هذه؟
* التكرار: يلجأ صاحبنا الى بعض الالفاظ والتعابير على طريقة المعري في "لزوم ما لا يلزم" فلو راجعنا كافة صفحات الكتاب (حتى ص 80) نهاية الديوان لوجدنا انه استعمل كلمة ازرق في عدة مواقع كما لو كان عاشقا لهذا اللون الجميل، يتكرر هذا المصطلح (ازرق او مشتقاته في الصفحات 3,5,8,16,26,28,30,36,37,48,56,61,65,66,74 أي ست عشرة مرة. صحيح انه يلجأ الى هذا اللون الذي يحبه ست عشرة مرة الا انه يتفنن في مشتقات ومزيدات هذه الحروف الثلاثة فمرة ازرق ومرة الازرق ومرة زرقة او الزرقة او زرق او زرقاء وغيرها.
اما كلمة لازورد فتتكرر ايضا في صفحة 36,65,70,77 أي اربع مرات.
اما كلمة عصفور وعصافير فيكررها في ص 55 و 48, و 28 و 9 أي اربع مرات.
اما كلمة اصابع فتتردد في صفحة 22,23,28,47 و 74 ويكتفي بتكرار هذه الكلمة خمس مرات.
بينما يردد كلمة الموت ويموت اربع مرات فقط.
وكلمة غصن واغصان تتردد ثلاث او اربع مرات وهكذا ومع ان المراجع للديوانين يلمس ان قاموس الكلمات لدى شاعرنا غني جدا بالالفاظ، الا ان لجوءه الى تكرار بعض المفردات يجعل القارئ يشك في مقدرة الشاعر على الانطلاق في بحور اللغة كمن هو مقيد ببعض الكلمات، يكررها ويرددها في اكثر من موضع وهو ضعف لا مفسر ولا مبرر له
* الناحية الفنية في ديوان الاوتوبيا:
كل شاعر انما يكتب حصيلة تجاريه ومعاناته في حياته حيث تنعكس هذه المعاناة حبرا على الورق ويشركنا الشاعر في تجربته الحياتية يضعها بين ايدينا ويترك الحكم لنا بالتالي.
واذا كان معظم شعراء فلسطين قد كتبوا اشعارهم من خط النار، فان شاعرنا لا يذكر المعاناة العسكرية والسياسية بمقدار ما يتحدث عن همومه الفردية، فاذا انطبقت هذه الهموم على القضية العامة فلا بأس، فالمهم انه ينحصر ضمن اطار الذات او الأنا وهو راض او مكتف بما قد حصل.
وعند شاعرنا نمر السعدي خزانة مليئة بالذكريات عندما كان يقرأ عيون الادب العالمي فيتأثر بها ويغرف من اثاث ذاكرته كلما احتاج ذلك. وهو وقد ابدى استعداده لتقبل كل نقد موضوعي فسوف يكون منفتحا لما اقوله في هذا الديوان من اجل ان يكون انتاجه افضل بكثير في المستقبل. فالشعر شهادة والنقد شهادة فوق الشهادة وارجو الا اكون قد قسوت على ديوان الاوتوبيا لنمر السعدي اللهم الا ما يتطلبه الموضوع.
* الشعراء نوعان: نوع ذو نفس طويل يكتب المطولات او الملاحم، فيفيض الشعر عنده فيضا، ويشبع الموضوع الذي يكتب عنه وصفا وتشريحا وتحليلا من كل جوانبه.
ونوع يكتب بالقطارة مقل ومختصر فلا يكاد يتحدث عن الموضوع حتى يقفز الى موضوع آخر. وصاحبنا في "اوتوبيا انثى الملاك" مقل جدا، حتى ان ديوانيه صغيرا الحجم لا يزيد أي منهما على ثمانين صفحة. وفي ديوان الاوتوبيا يكتب المقاطع الشعرية التي قد لا تزيد على عشرة الى اثني عشر بيتا فينتقل الى المقطوعة التالية. وقد وجدت في الديوانين بعض المقطوعات التي كتبها علىالطريقة الكلاسيكية من الشعر العمودي، او الموزون المقفى كما في قصيدة رقم 20 من الديوان ص – 20-21. وهي صغيرة لا تزيد على ثلاثة ابيات كتبها على البحر البسيط الذي تفعيلاته هي :مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن. في هذه القصيدة يلجأ الشاعر كما ذكرنا الى البحر البسيط الموزون المقفى مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن، بينما تدور معظم قصائد الديوان على طريقة شعر الحداثة. في هذه القصيدة ينفعل الوزن والقافية معا ذلك ان الشاعر يريد ان يثبت للقارئ ان لديه المقدرة على كتابة الشعر الكلاسيكي المقفى والموزون الى جانب شعر الحداثة.
* المضمون والعبارة:
معظم الديوان عبارة عن قصائد غزلية فهو يحب الجمال وهذا امر طبيعي وعادي، ويحلم بالوصال مع من يحب على امتداد الديوان، ولقد حاولت استقصاء الوطنية في الديوان فلم اجدها اللهم بعض التلميحات لما يدور في الساحة السياسية وهي قليلة جدا.
وهو اذ يصرح في المقطوعة رقم 4 قائلا:
"كنت احببتها عندما/ امطرتنا انا وابا الطيب/ المتنبي مصائبنا/ كنت اعرفها جيدا/ حيث تبكي بلا سبب/ مثل عصفورة من حديد" ويضيف في المقطوعة التالية رقم 5 ص – 7 قوله:
لا يماثلها احد/ حيث تنظر في قاع روحي/ يضيء لها قمر الدمع/ فوق رصيف الابد".
فالتعابير هنا جميلة وبعيدة عن المنطق لذلك فهي موغلة في الغموض والابهام بغير طائل.
اما في المقطوعة السادسة ص – 8 فالجرس الموسيقي ينبض بشكل رائع حيث تحلق الكلمات والاستعارات والتشابيه بشكل مكثف يجعل القارئ يلهث خلف المعاني، ذلك ان هذه الكلمات حبلى بالمعاني وفوق طاقتها بقوله: ص – 8.
ربما ربما في الاوتوبيا غدا/ اتقمصها حينما/ يتبلور في ذاتها/ صبحها الازرق الزنبقي/ وانا لا نبي/... حيث تعبر في الروح/ برقا يجر خطى/ من انوثة آب/ انا لا نبي/ لأصنع من حزنها ظبيتين/ وعصفورتين.
* مرثية الفارس الاخير:
هذه القصيدة في رثاء القائد الفلسطيني ياسر عرفات هي من اجمل قصائد الديوان الذي نحن بصدده. فهي من الشعر المحدث ولكن لا ابهام ولا غموض فيها وفيها من البلاغة وجمال التعابير الشيء الكثير، خاصة وان الكلمات وردت وفيها كثافة كبيرة وذات دلالات ابعد من مضمونها السطحي الواضح.
وكي يتمتع القارئ كما تمتعنا نحن فلنقرأ ما يقول في ص – 44 "كان ينظر من فرجة اللامكان/ (أي المقاطعة التي حوصر فيها ياسر عرفات في السنتين الاخيرتين) لما لا يرى/ ويمسح جرح المسيح بما فاض/ عن قلبه من ندى الزنبقة/ كان ينهض في روحنا من تراب الاغاني/ فتنهار مملكة الشر/ مشنقة مشنقة/ وهنا يشبه مملكة الشر بانها مجموعة مشانق، ولذلك فانها تنهار مشنقة مشنقة! ويتابع: "فارس عربي اخير على مهرة من غضب"! فكيف تكون هذه المهرة المصنوعة من الغضب؟!
يذرع الليل لا يرعوي/ للبروق التي هطلت حوله/ من سيوف الاجانب/ كيما يوافي ابا ذر في نزعه/ وحده برده/ ورده/ المتدفق من سدرة المنتهى/ فوق قفر العرب/ فوق قبرالعرب/ لا يروض حرية المعدن الحر/ في زمن من خشب/ اذًا القذائف تسقط من حوله فلا تصيبه، وهنا ايضا مفارقة جميلة ومقارنة بين سلاح العدو: الدبابة والطائرة الفولاذية والصواريخ على انواعها، مقابل الاسلحة البسيطة التي يملكها الفلسطينيون والتي يعبر عنها بكلمة "خشب".
وفي مكان آخر في قصيدته "تقاسيم على ماء جريح" يحلق شاعرنا في ذروة جديدة مليئة بالكثافة والتلميح العبقري بقوله: ص – 63:
تملئين ستائر نومي الشفيف المضبب/ باللوز والاقحوان"!
فالستائر المضببة لا يمكن ان تكون لبيت في جنة ارضية ولا في منحدر واد بل في رأس جبل يكتنفه الضباب، لان الضباب لا يحيط الا بالجبال في الغالب. هذا الاختصار الجميل، يجعل اللوحة المقتضبة واضحة المعالم ويجعل المعاني بعيدة المنال بسبب الغموض الذي لا يعرف حل رموزه سوى قارئ متمرس في قراءة الشعر.
في ص 12 ينتقل الى الصلاة بشيء من العتاب لله الذي تخلى عنا، فصدقناه وكذبنا انفسنا... لذلك ففي الزمن الآتي، زمن الاوتوبيا ستدمع عينانا ونمشي مصلّين في سبيلنا الى الابدية دون انحراف.
اما في ص 18 فهو يلجأ الى المقابلة وهي نوع من البلاغة فتستحم النجوم بعينيها ويستحم بعينيه "عباد الشمس" في المقطوعة 5 من قصيدة "تحولات لمرايا نرسيس" يقول في ص 25 فسحة لعذوبة مشيتها.
في نهاري الذي صفّدته/ شياطين انسيّة/ والتي راكعا خاشعا ناصعا دامعا/ بالوشاح الذي يتهدل من شفق زنبقي عليها/ بالعطر او/ بدموع الخصل".
انظر الى هذا الوشاح الذي تهدل من شفق زنبقي ويرشح بالعطر وبدموع خصل شعرها" ص 25 اليس جميلا ومجددا مبدعا؟! فاذا ما شاع صوتها في دمائه فان احلامه تتأثث بالامل! وهنا ايضا نجد الكثير من التجديد والابداع عندما يصف حبيبته.
* الاصرار على الحياة: في قصيدته رقم واحد يصر شاعرنا على الحياة لان "على هذه الارض ما يستحق الحياة"! حيث يقول:
"من جهة القلب/ يطلع من فلقة البدر حمراء شفافة/ تفطر الدم ذوب عذاب../ على السنديان الكئيب يغني المغني/ وينسى باني/ الذي قتلته الحياة على صخرة الشهوات../ ففي الوقت متسع كي يعيد السماء الى ذاتها في المغيب ص – 33.
فكيف اذن نفسر هذا الامل الكبير والتشبث بالحياة وفي الوقت متسع كي يعيد السماء الى/ ذاتها في المغيب/ ان لم يكن المرء ذا ارادة حديدية كي يكون لديه هذا التمسك بالحياة؟!
وبما انه يملك حنينا شديدا وكبيرا لمعشوقته فانه يعود الى اساليب الجاهليين وعشق فرسان الجاهلية! ومحاكاة فرسان اليونانيين وابطالهم الذين ابلوا بلاء حسنا في حصارهم لمدينة طروادة.
ولكنه يعود في ص 67 الى السيد الامريكي سيد العولمة الذي يتحكم بمصائر مختلف شعوب الارض. فهو المليونير لا بل المافيونير، الآمر الناهي، والى الزعماء العرب الذين تقمصوا دور يهوذا الاسخريوطي الذي باع سيده المسيح بثلاثين من الفضة وهو تلميذ السيد المسيح. فقد باع هذا الزعيم كتاب مزاميره، واصبح الفلسطيني فأرا (أي انسانا عديم القيمة) ليس اكبر من ماسح الاحذية عند منعطف الجادة الثانية. ولذلك فانه أي المناضل الفلسطيني يتحجر دمه كما الورد على قوائم القبور (جمع قائم او نصب تذكاري).اخيرا، اعتقد اننا ازاء موهبة واعدة لشاعر متواضع هو الشاعر نمر سعدي، الذي كنّى نفسه بكنية وضاح السعدي كما ذكرنا.
تحياتنا للاستاذ الشاعر نمر سعدي وقدما الى الامام في مجال الابداع الشعري. طيب الله الانفاس! (كفر ياسيف)


*******************


ألحزن الموجود والأمل المنشود لدى الشاعر نمر سعدي د.منير توما *
الجمعة 16/9/2005

كان الاستاذ الشاعر نمر سعدي الذي يطلق على نفسه اسم وضاح سعدي، قد اهداني باكورة اعماله الشعرية المتمثلة بمجموعتين شعريتين اطلق على الاولى عنوان "أوتوبيا انثى الملاك" وعلى الثانية اسم "عذابات وضّاح آخر"، وقد تمنى عليّ ان اكتب تعقيبا او تعليقا على انجازاته الشعرية هذه؛ ونزولا عند رغبته تلك، فقد ارتأيت ان اتناول هاتين المجموعتين بالنقد والتحليل لما في ذلك من خدمة ادبية نحو الشعراء الواعدين الذين يسيرون في درب الابداع الادبي علهم يصلون الى مبتغاهم الاسمى بخطى ثابتة وروح واثقة.
ان اول ما يسترعي الانتباه في مجموعة "اوتوبيا انثى الملاك" هو العنوان الفريد من نوعه الذي اعطاه شاعرنا لهذه المجموعة، فالاوتوبيا هي الطوباوية والتي تعرّف بانها اتجاه مثالي، بمعنى خيالي، حيث يشتق من utopia الاغريقية بمعنى المكان المتخيّل الذي لا وجود له على أي ارض، فاليوتوبيا بمعنى الافضل، من eutopia أي الارض الطيبة، او الاصل الطيب، وفي القاموس المحيط "الطوبى" شجرة في الجنة او الجنة نفسها، ومن ثم فطوبى لك بمعنى الخير والسعادة لك. والطوبى على ذلك بالمعنيين معا هي الخيالي والافضل. وكان اول من استعمل هذا التعبير توماس مور 1478 – 1533 في كتابه "اليوطوبيا"، أي المدينة الطوباوية. وكان فيلسوفا انجليزيا انساني النزعة وهو يصور مدينة خيالية ذات نظم مثالية تضمن لافرادها اسباب الخير والسعادة. واصبح هذا اللفظ بعد ذلك يطلق على كل كتاب يصور النظام المثالي للمجتمع الانساني. ومن هنا فان الاستاذ نمر سعدي يبحث عن مكان طوباوي يمتاز بالخير والسعادة يلتقي فيه مع محبوبة في نظام مثالي ملائكي ينشد فيه الافضل مع ان ذلك يتواجد فقط في دنيا الاحلام والخيال كما يوحي اللفظ.
ويدرك شاعرنا من خلال كلمات قصائده انه يحلم بعالم لا يمكن الوصول اليه في هذه الحياة وان كان ينسج في خياله التأملات المنعمة بالامل المشوب بحزن ظاهر يعبر عن خيبة امله في تحقيق احلامه مع امرأة يعشقها تتمثل فيها السعادة والخير والهناء كأنها انثى ملاك مع استحالة وجود مثل هذه المرأة، فالملائكة لا جنس لها، لكن شاعرنا يمني نفسه بايجاد الانثى المثالية ذات الطابع الملائكي الشفاف الجميل والبديع بجسدها ونفسها وروحها:
كان ينظر لي عبر بلور
دمع شفيف يحدّثني عن ضمير المدن
كان يحلم بامرأة لا تمشط احزانه في الصباحات
الا بما يترقرق في روحها
من حنين الى شفق
ازرق في فضاء الزمن
هي من صيرت قلبه سادنا
للجمال الذي ظلّ
يبكي بدمع سيوف العرب
هي من صيّرت روحه قبلة
لاهلة نيسان باحثة
عن رياح المصب
آه، انثى ملاك
تنام على نوم سجني هنا
في تراب السماء
يصلي لها الماء
يرفع من ساعدي
حفنة من شذى نبوي
غدي حفنة من
ضياء المقيمين في ليل
اعضائها
وغدي حفنة من عذاب
سيبذرها في دمي حبها
(ص5-6)
وهنا يمثّل "الحنين الى شفق ازرق في فضاء الزمن" توق الشاعر للوصول الى الضياء العاطفي والفوقية الفكرية حيث يرمز اللون الازرق الى الحقيقة بايجابيتها ونورانيتها في عالم الانسان.
ويعود شاعرنا الى ذكر "الشفق الازرق" وكأن شوقه او تلهفه الى الاستنارة العاطفية والفكرية يؤرق كيانه ويستحوذ على مخيلته:
ربما ربما في اوتوبيا
بلا كلمات
التقيها اذا فرقتنا الحياة
فيغمرني ضوء نجمتها
ربما ربما التقيها انا
في اوتوبيا الممات
نرتدي شفقا ازرق
ونطير باجنحة من
دموع الحرير لانثى الملاك
(ص 9)
وربما يكون تركيز الشاعر على اللون الازرق نابعا من كون اللون الازرق هو رمز هدوء واطمئنان النفس على صعيد التفسير النفسي لا سيما وانه يقرن "اوتوبيا الممات" باعتبارها رمزا للجنة في العالم الآخر مع "الشفق الازرق" رمز الامل في الوصول الى مبتغاه في تحقيق السكينة والسعادة مع محبوبته في عالم طوباوي آخر يختلف تمام الاختلاف عن عالمنا هذا.
من اللافت في قصائد مجموعة "اوتوبيا انثى الملاك" ان شاعرنا يتطرق بشكل بالغ الى ذكر اسماء ادباء وشعراء وفلاسفة عالميين في الادب القديم والحديث امثال البير كامو وسفوكليس وبودلير وهومير وافلاطون ورمبو وكيتس وفيرجينيا وولف وناظم حكمت ومظفر النواب وغيرهم. علاوة على تسخيره للميثولوجيا العالمية والدينية لخدمة اغراضه الادبية والشعرية في طرح افكاره كذكره عشتار ويهوذا ونرسيس وايزيس وغيرهم. ومن المؤكد ان شاعرنا اراد من الاتيان باسماء هؤلاء الادباء والشعراء والفلاسفة وابطال الميثولوجيا، الايحاء بانهم جميعا كانوا من دعاة مجتمع طوباوي يتمتع بالسعادة والخير والفضيلة والحب.
الا ان الواقع المرير لم يتح لهم تحقيق احلامهم وخيالاتهم المثالية في الحب والطمأنينة وسلام النفس بنفس الكيفية التي يشعر بها شاعرنا من الاحباط والحزن والمعاناة وخيبة الامل. لكنه مع ذلك ما زال مستمرا في البحث عن مدينته الفاضلة السعيدة التي يتوق فيها الى امرأة معشوقة تشاركه السعادة، كما فعل غيره من المبدعين على مدار سنوات حياتهم:
وجه من الابنوس
ضوء نافذ في جلد هذا الليل
عطر موصل للحب والماضي
يوزع ما تناثر من شفاه الاقحوان
على شفير الارض...
نهر طافح بدموعنا الاولى
تعلقه الغيوم عليك...
يسبح في فضائك وجه افلاطون
تكتبني رؤاك قصيدة رعوية
مائية الالفاظ مرجانية
وجه من الابنوس في جلد الظلام
يشع عطرا موصلا للحب والماضي..
امتشقتك من بروقي
والبروق طفولة اخرى
كتاب الروح والابنوس
اوتوبيا السراب.
(ص 58)
وفي هذه القصيدة تتبدّى رمزية الاستحالة في تحقيق الاحلام والخيالات التي تعتمل في ذهن الشاعر. و "البروق" هنا هي اشارة الى قوى لا يمكن السيطرة عليها او التحكم فيها تؤثر في العواطف.
كما ان البرق يتضمن معنى التبصر في كيفية جعل الحياة تسير بانتظام
وهذا ايحاء طوباوي لما يدور في خلد الشاعر من تمحور حول الامل البعيد المستحيل الذي ينشده. ومن الملاحظ ان شاعرنا يقرن هنا الابنوس بالبرق، ولعل في هذا تلميحًا الى لون خشب الابنوس الاسود الذي يرمز الى المجهول والغموض والرهبة في مقابل البرق الوهاج الذي يشع نارا ونورا يستضاء به ويتم الاحتراق من خلاله. وقول الشاعر ان "البروق طفولة اخرى" هو اشارة الى الحب الذي يلمع ثم يخبو، وبالتالي فانه يرمز الى الافتراق والانفصال كما يفترق الحبيب عن محبوبته بعد عهد الطفولة بكل ما فيه من براءة ومحبة وفضيلة.
ويأتي شاعرنا على ذكر الشاعر الفرنسي الكبير شارل بودلير في مقطع من قصيدة "تقاسيم على ماء جريح" (ص 61)؛ ومن حيث ان بودلير هو شاعر اللذة والالم وقصائده غنية بالصور، والخيال البكر، والعاطفة المتأججة الجامحة، فان الاستاذ نمر سعدي يستخدم في هذا المقطع من القصيدة المذكورة عبارة "زهور الضباب" كاشارة الى مجموعة بودلير الشهيرة "ازهار الشر" حيث يريد شاعرنا هنا ان يلمح الى انه لا يرفض الحب العاطفي الجسدي المتأجج، بل انه ينشد في محبوبته المرأة تلك الشعلة البدنية التي يعشقها الحبيب كما يعشق الانسان نفسه بنرجسيته (نارسيسيته) الكامنة:
أحتويك انا من زهور الضباب
وبودلير ينظر من فرجة
القمر المعدني
شع ملحك في كل جسمي
وغاب
في بحيرة نرسيس وجهك
مليون عام وعام
يقبل نرسيس في نحرك القمر البابلي
(ص 63-64)
وحينما يقول الشاعر "شع ملحك في كل جسمي"، فان الملح هنا يشير ويرمز الى ان الشاعر عليه ان يلوم نفسه على شيء في الحياة الواقعية لم يقم بارتكاب خطأ فيه. وهذا يؤكد ان الشاعر العاشق لا يستطيع مقاومة حبه الجسدي تجاه المرأة التي يعشقها لان هذه هي طبيعة الانسان الذي يعشق نفسه من خلال عشقه للمرأة كنرسيس الذي اعجب بذاته وعشق نفسه وهو ينظر في البحيرة التي ترمز هنا الى المرأة التي يرى فيها الشاعر نفسه متيما بهواها وذائبا في عشقها. اما "القمر المعدني" او "القمر البابلي"، فانه يمثل الانثوية البدائية واللاوعي، وبالتالي يرمز الى تجدّد الطاقة التي تغمر نفس الانسان في كل زمان ومكان وفي العالم الطوباوي الذي يرجوه الشاعر له ولمحبوبته المثالية ايضا.
ويستمر الاستاذ نمر سعدي بنغمة الحزن والابتئاس والمعاناة والاحباط في مجموعته الشعرية الثانية "عذابات وضّاح آخر"، ويبلغ الذروة بنغمته هذه في المقطوعة التالية:
وانت يا وضاح
قطرة ماء انت في البحر
وفي الفضاء
ذرة رمل لم تزل تبعث في
السديم عن اضواء
عن جرعة من عطش الامطار
تهطل من اهداب
شمس عمرك الصفراء
لتزرع العالم – هذا العالم
المدفون تحت الزمن المنسي
في رماده الحارق
بالاشجار
( ص19)
ويكثر شاعرنا في هذه المجموعة من استخدام الالوان كالاصفر والاحمر والاسود بكل ما في هذه الالوان من رمزية نفسية تعكس ما في داخل الشاعر من اختلاجات واحاسيس ومشاعر كامنة. فهو ينعت شمس العمر بالصفراء، واللعنة بالحمراء، والثلوج بالسوداء:
خمرية شواطئ الاحلام
والقصور
يا ضارب في لعنته الحمراء
كالاعصار
يا الطالع من شفاه جرح
امرأة النوار
من برقها المبتل بالاشجار...
خمرية شواطئ القلب
التي تبحث في ثلوجها السوداء
عن منار
(ص25)
كما انه يقرن وجه المرأة بالقمر الاسود:
وجهها والقمر الاسود عن
بعد يضيئان الطريق
بفتات الصدف الازرق
في جسمي العميق
بنبات غجري لامع تحت ندى
الصبح كتموز الغريق
طالعا كنت من الفكرة من
جوف المساء الحجري
عاريا الا من الشوق الى
كواكب الماء على شواطئ الغرب
ومن عينيّ نبيّ
(ص 42)
ومن هذه المقتطفات الشعرية، يتضح ان شاعرنا تغلب على عباراته اجواء واوصاف الحزن والغموض. فاللون الاسود هو رمز الاسى والحزن وفيه ايماءات الى ضرورة تغيير اسلوب الحياة لا سيما وان القمر يمتاز بتقلب الاحوال فلكيا. كما ان الثلج الذي يعطيه شاعرنا لونا اسود هنا، يتضمن رمزية للبرود العاطفي والخوف من الوحدة بغياب المحبين؛ وفي هذه الحالة غياب المحبوبة عن الحبيب الذي يرتجيها لتؤنس سواد وحدته، ولكن الثلج يوحي بأن الحبيب قد ادرك ان حبه لتلك المرأة التي اعتقد انه احبها، قد خفت واعتراه البرود. فالسواد جاء هنا لتأكيد الوحدة والعزلة والانفراد، وبالتالي مواجهة تغييرات وصعوبات في حياة الشخص.
ومع كل هذا، فان الشاعر يخاطب المرأة التي يهفو اليها قائلا:
روحك في جسمي..
تضيء النفق الاسود..
بالنوارس البيضاء..
(ص 55)
وهنا يكمن مبعث الامل الذي ينشده الشاعر في محبوبته، تلك المرأة التي ستخرجه من عالم الوحدة والخيبة بروحها البيضاء النقية الصافية التي ترمز اليه النوارس البيضاء التي ترمز ايضا الى الحظ الجيد والى آفاق الروح الحرة ذات المعنى العاطفي التحريري للنفس المثقلة بالاحمال، والتي تصبو الى الانطلاق والتحرر من قيودها واغلالها.
وكلمة اخيرة حول المجموعة الشعرية الثانية للاستاذ نمر سعدي، واطلاقه عليها عنوان "عذابات وضّاح آخر" حيث ربما يكون شاعرنا قد قصد ايراد اسم "وضاح" تيمنا بالشاعر "وضاح اليمن" (708 ميلادية) والذي عرف بجماله الآسر، وكان يتقنع لشدة جماله. ومن الجائز ان سبب اكثار شاعرنا من ذكر اللون الاسود في اوصافه يعود الى هدف تلميحي ارادة شاعرنا عمدا وهو استرجاع صورة وضاح اليمن كعاشق شديد الوسامة يخفي جماله بقناع اسود، وهو الذي يرجح انه كان محظوظا في الحب بعكس وضاح الآخر الذي يصوره شاعرنا والذي يعاني الحزن والكآبة ويأمل ان يجد ضالته المنشودة في حبيبة تبادله الاحاسيس والعواطف الجياشة وتعيد له نشوة الروح ولذة الحب. ولنا في حب وضاح اليمن لأثيلة، قرينة نستخلصها من الابيات التالية التي قالها وضاح اليمن في حبيبته أُثيلة:
صبا قلبي ومال إليك ميلا
وأرقني خيالك يا أُثيلا
يمانية تلم بنا فتبدي
دقيق محاسن وتكنّ غيلا
ذريني ما أممت بنات نعش
من الطيف الذي ينتاب ليلا
ولكن ان اردت فهيّجينا
اذا رمقت باعينها سهيلا
وختاما، يتضح لنا، ان الاستاذ نمر سعدي يتمتع بشاعرية واعدة، ويستحق كل ثناء واطراء وتشجيع على هاتين المجموعتين، راجين له مزيدا من الابداع والتقدم في عالم الشعر، مع اصدق التحيات واطيب التمنيات له بالتوفيق والصحة والازدهار.

(كفر ياسيف)






**************


نمرسعدي يدخل حلبة الشعر حصاناً جامحاً


بقلم: سهيل كيوان




في عملي كمحرر أدبي تصلني كثير من" الدواوين" الشعرية فأبحث فيها برغبة صادقة عن الشعرلأقتبس شطرة شعرية واحدة للأشارة الى أجواء الكتاب او ما يسمى الديوان فلا أعثر،هذا يذكّرني في طفولتي عندما كنا نبحث في تلة الدريس الهائلة على البيدر عن حبة حمص واحدة فنجدها بعد لأي أو لا نجدها ! في ديوانيّ نمرسعدي من قرية ( بسمة طبعون) الأولين وجدت كومة من الحب يشوبها القليل من القش! فكل قصائد الديوانين تمنحك الأحساس بأنها شعر وطبعا بتفاوت في جودتها ولكن جميعها فوق المستوى العام الذي نراه في شعرنا المحلي وتؤكد للقارئ أن ما يراه هو لون الحبر الذي لا تفرزه الا قريحة شاعر، أنها الكلمات المخبوزة بنار الشعر والثقافة ، و ليس أستعراضا سطحياً لبعض علامات الشعر بل هو تواشج وانصهار الفكرة الخاصة بالموروث الثقافي العام العربي والعالمي، في شعر نمر

سعدي نلمس وجعا روحيا حقيقيا، لا اعرف نمر سعدي ولم أسمع به من قبل ، لكنه ترك رقم هاتفه على طاولة مكتبي ، بعد مرور سريع على بعض القصائد هاتفته كي أهنأه وليطمئن قلبي، ويبدو أنني استكثرت هذه الثقافة على اسم محلي اسمع به لأول مرة ، أصغيت لمحدثي فعزز ما سمعته منه ما كنت قد قرأته! سألته : لماذا لم تجمع ديوانيك بديوان واحد بدلا من ديوانين لأن كل واحد منهما يقع في حوالي 75 صفحة من الحجم المتوسط ! قال أن لكل ديوان مستواه وأجواءه ، اذا فليس الطمع بالكمّ أغرى الشاعر لأصدار ديوانين ، وبالفعل عندما قرأتهما بتأن لاحظت أن ديوان " عذابات وضاح آخر " يختلف عن ديوان " أوتوبيا أنثى الملاك " فالأول هو عبارة عن قصائد قصيرة كل واحدة في أقل من صفحة ! بينما في الثاني قصائد اطول وهي تنسج على منوال واحد استطيع القول انها تظاهرة المثقف! حيث نجد التربة الشعرية التي تنمو منها قصائده ، يقول
"قال لي شاعر
القصيدة أنثى تراودني
في العشيات عن نفسها
ولكنني سأقول
القصيدة غيبية الروح
حسية في تشكلنا
أحرقت نفسها قبلة قبلة
في مهب الصدى
القصيدة خلق المجرد
في ذاتنا .. سر معنى
نبيل لعشق الحياة سدى
والقصيدة عشب جريح
على هامة الأبدية
ينزف أحزاننا والندى
قال لي آخري
نجد لديه مصافحات ومعانقات شعرية مع كثير من الشعراء العرب والعالميين، عندما سألته بماذا يشتغل كأنما شعر بالخجل حاول التهرب من السؤال ! وعندما ألححت عليه قال أنه عامل دهان وترميمات! لم يفاجئني بهذه الحقيقة التي أصبحت معروفة ! فنار الشعر لا تنمو تحت أسقف مضاءة بالفلوريسنت! لأنها تحتاج الى الشمس الحارقة والعواصف والصواعق والسهوب ! تبادلت معه الحديث عن قراءاته ، فكشفت قارئاً ممتازاً! فهو يقرأ لمعظم الشعراء والروائيين الكبار العرب والعالميين ! وهو يكتب الشعر منذ 1995 ولكن وضعه المادي حرمه من اصدار ديوان شعري ، الآن فقط يصدر ديوانيه الأولين بطبعة متواضعة جدا وهو في الثامنة والعشرين من عمره ! نمرقال لي بمرارة انه ارسل قصائده لقسم الثقافة العربي في وزارة المعارف الأسرائيلية التي تصدر سنويا عشرات الكتب ولكنها اهملت كتابه لثلاث سنوات رغم انها اصدرت الكثير مما لا يستحق ان نطلق عليه اسم ديوان شعر او كتاب! نعم أوافق واشهد أن معظمها لا يرقى الى مستوى شعر نمر! ولكن منذ متى تصنع الوزارات واللجان المنبثقة عنها الشعراء الحقيقيين ! صدقني قد يكون في قرار اللجنة بعدم نشر شعرك نعمة وخير لا تتوقعه ! فالكتابة الجيدة وان كانت على ورق عادي وبسيط ستجد طريقها الى قلب القارئ! ها قد بدأت طريقك وثق انك اذا واصلت طريقك هذا سيكون لك شأن شعري ،وما عليك سوى ان تقفز تلك القفزة الأولى والمخيفة كالمظلي من الطائرة الى الفضاء الرحب وستكتشف جمال الحرية وضرورتها لروح الشعر والأدب! أما اذا دجّنوك أو دجّنت نفسك بنفسك كما تفعل الأكثرية فستكون نسمة صيف جميلة ولكنها عابرة! وسوف تغيض شاعريتك كما غاضت شاعرية كثيرين بدأوا كخيول جامحة ثم قعدوا يجترون في حظائرالتدجين المكيّفة ومنهم كتاب وشعراء كادوا يصيرون كباراً نمريعد بديوان قادم تحت عنوان " نقوش على جناح نورسة زرقاء " مبروك لقرية بسمة طبعون ، بالأمكان القول أنها انجبت شاعرا، وأريد أن أصلّي بأن لا يضيع شاعرٌ آخر من الجيل الشاب على الطريق كما ضاع كثيرون من قبله على منعطفات الوظائف والجوائز الخطرة !



**************



الشاعر نمر سعدي بين التفرد والتواصل


بقلم: شاكر فريد حسن



نمر سعدي من الشعراء الشباب الواعدين الطالعين من الجرح وبوتقة المعاناة والالم والكدح، وهو علامة مميزة في ادبه وابداعه ويتطور باستمرار ويزداد ترقيا في مدارك القصيدة ويجيد الرسم بالكلمات، وكلماته الوان قوس قزح، وينتشي بصوت العاشقين والحالمين ويشهد دفقة التكوين ويحيك نسيجا آخر للحياة والموت ويبعث طائر الفينيق من جديد، ويعلن عودة تموز وعشتار وايزيس، وعالمه الشعري عالم متنوع وعميق المناحي ومحدد ومتوتر القسمات ، ومنذ ان قرأت اولى قصائدة في التسعينيات من القرن الفائت وانا متحمس لقصائده التي تحمل رؤية انسانية دافئة ونفسا شعريا جديدا.
امتطى نمر جواد الشعر وحلّق في فضاء الحداثة .. قصيدة النثر واثبتت رونقها وقوتها وقدرتها التعبيرية التي تمس اعمق المشاعر، ونشر بواكير قصائده في الصحف المحلية واصدرها في مجموعتين شعريتين، الاولى اختار لها عنوان"اوتوبيا انثى الملاك" والثانية"عذابات وضاح آخر" ولاقت نصوصه الاستحسان لدى القراء والنقاد الذين اجمعوا على جودتها واصالتها وجماليتها الفنية. من اولى خطواته وتجاربه الشعرية ونمر سعدي يطارد الكلمات وتطارده الرؤى ويستفز طاقة الروح،وتميز بطابع خاص ومختلف تجلى في اسلوبه الشعري وقدرته على صياغة العبارة الشعرية ورسم الصورة بمرونة والابتعاد عن المباشرة والتقريرية،ومن اهم ملامحه وخصائصه الالهام والتجلي الشعري والتحكم في التواصل الجمالي والفني والقوة المشحونة بالتوتر، ويدهشنا بقصائده النابضة بالحياة والحركة الايقاعية والمترعة بالحزن والتشكي والانين والحنين الجزوع والرومانسية الحالمة.
ونمر سعدي المسكون بالنص الشعري يتألق في رؤياه ويتعمق الرمزية الشفافة، ولغته ايحائية والفاظه محكمة ودقيقة. وصوره مكثفة وجديدة وبالوان مختلفة ،تارة تأتي صلبة ومندفعة وتارة رقيقة ورهيفة وشفافة ، كنسيم الصباح،والدلالات عنده مغرقة في المعاني والكلمات تتساوى مع حرقة الحدث وتتماوج في ظل العاطفة وتبدو عصية على الفهم في المرة الاولى ويصعب الاستدلال على عناصرها وهذا ناجم عن كثافة التجربة.
وقصائد نمر تعبق باري الزمان والمكان ويطغى عليها الخيال الرومانسي والصور العاطفية وتضطرم بالهموم الانسانية العامة وتلتصق بقضايا العصر وتعبر عن الهواجس والمشاعر الذاتية واللواعج الداخلية التي تعتمل في ذهنه وقلبه، وهي تفيض بالمعاناة النفسية والجراحات والاشجان والعذابات والخيالات والاوهام والاحلام والمثاليات وخيبات الامل ولوم الذات والهتاف للانسان ومكنونات الوجود ويستحضر فيها الرموز والشخوص التاريخية والاسطورية والميثولوجية واسماء الفلاسفة والادباء والشعراء ويوظفهم في خدمة اغراضه الشعرية وايصال فكرته ومن هذه الاسماء والرموز التي تتكرر بين ثنايا وسطور قصائده"عشتار وايزيس وفرسيس وفرجينيا ويهودا وسفوكليس وافلاطون ورامبو وبودلير والبيركامو وناظم حكمته ومظفر النواب وغيرهم.
ويقدم نمر سعدي في قصائده عصارة افكاره وعذابات تجربته الذاتية ويبوح بمشاعره المكبوتة ويصور حالته المتردية ونجده يبحث عن حب مفقود وامل ضائع وامرأة عاشقة تشاركه وتشاطره الهم والوجع والسعادة والفرح وينشد العيش في مجتمع انساني طوباوي مليء بالخير والحب والمحبة الانسانية والفضيلة والاخلاق واحترام الانسان مهما كان دينه ومذهبه وينتصر في النهاية للفقراء والمعذبين والمضطهدين في الشوارع والارصفة والمنحنية ظهورُهم والمنغرسة اقدامهم في اخاديد التربة والارض المحروقة تحت ضربات الشمس القاتلة ويحدد لهم خارطة الطريق التي تقودهم الى المدائن الخضراء حيث سنابل القمح ورايات الحرية ومرايا الشمس.
ومن قصائده المشوبة بالحزن والندب والتي تمثل لنزعة الانسانية وتجسد شاعريته الحقيقية،فنا ومقدرة وصدقا وابداعا واحساسا وعفوية،رثائيته لشاعر الحب والعذاب والمنفى والمدن الفاضلة واحد الاعمدة السياسية لعمارة الشعر العربي، الراحل عبد الوهاب البياتي ويقول فيها:
فقير وفي قلبه محرقة/يجوع ويطعم كل الجياع/ ويضرب للتائه الاروقة/ وفي مقلتيه يغيم الدجى/اذا ما سجا/ ويغرب في مقلتيه الشراع/ وكل السنونو الحزين الحزين/فما زال طفلا من الحالمين/نجوم حزيران صناعته على صدره/ورائحة الخبز/ والتبغ في شعره/ورائحة النار حتى المطر/ وحتى الزهر/ يرف اشتياقا الى ثغره/ سلام وبرد وورد سلام/على بطل عاشق لا ينام/ هو الارث مما تبقى لنا من بلاد الشام/ولا شخص يعرفه ها هنا/ اذا ما تكلم غير النخيل/ وغير الحمام/ ويحفظه الخوخ عن ظهر قلب/ وعن ظهر حب/ ويعرفه التين من الف عام/وتوت الشام/ لقد عاش فينا بسيطا/ غنيا بشبر الغرام.. الخ.
واخيرا، نمر سعدي انسان كادح وموهبة فياضة وصاحب رؤية وصوت شعري حداثي واعد ومتميز عن غيره من الاصوات الجديدة، ولامست قصائده الايحائية عمق الجرح واستطاعت مواكبة الزمن، واثبتت خطاه الادبية والفنية في النسيج الشعري والمشهد الثقافي المحلي ويواصل جهده الشعري ومسيرته الابداعية بغزارة وثقة،حاملا الوطن والانسان والحب في دمه وفؤاده ويأتينا بعبق من حبق ويستحضر الغيوم ويكثرمن استخدام الالوان السوداء الداكنة، فله الحياة ودوام العطاء والنجاح حتى يتبوأ مكانته اللائقة في أدب الشباب.

*************

في ديوانهِ الجديد "موسيقى مرئية"
نمر سعدي صوت مختلف في شعرنا المحلي




سهيل كيوان *




يطل علينا الشاعر نمر سعدي من جديد ، بنتاج شعري مرهف ومتدفق، في ديوان تحت عنوان موسيقى مرئية ، والحقيقة أن من يقرأ قصائد هذا الديوان لا تفارقه الموسيقى والإيقاع ولا للحظة واحدة ، عند قراءتك لقصائد المجموعة سوف تشعر أن بين يديك شعرا حقيقيا، وأن من كتب هذه الكلمات شاعر حقيقي يملك كل الأدوات الشعرية والفكرية وله فلسفة حياة تؤهله للقب شاعر، ولا أبالغ إن قلت أن نمر سعدي هو واحد من قلة قليلة بعدد أصابع اليد الواحدة ممن يمارسون كتابة الشعر المحلي ويستحق لقب أو تسمية شاعر، ولا نبالغ إن قلنا أن ما يحدث بالنسبة للشعر المحلي هو مجزرة شعرية فما نراه بالأطنان على الورق لا يحمل أية شاعرية فإما أنه سطحي وأقل من عادي ولا يرتقي حتى الى مستوى النثر المراهق لطلاب الإعدادية ،أو أنه مغلق لا مجال لفهمه ولا لترجمته الى العربية، وقد يكون خاليا تماما من العواطف والمشاعر الصادقة، ولهذه الأسباب شعرت بسعادة عندما قرأت نمر سعدي أول مرة قبل سنوات ولمست أننا في حضرة شعرية وشاعر له شأنه! قصائد نمر سعدي تذكر القارئ بالشعراء الكبار وتشدّه حتى يقرأها الى نهايتها، في قصيدته الأولى يحاول أن يعرفنا ما الذي تعنيه له الحياة ، تحت عنوان الحياة كما أنا أفهمها ، وهذا مدخل فلسفي الى الشعر والتعامل مع الكلمة أصلا لأنه طرق سؤالا بشرياً أبدّيا! كيف تفهم الحياة، فيقول ، الحياة كما أنا أفهمها
لهفة لسماء ملونة بالنداءات
روح الينابيع تحملني مثل عطر الندى
زهوة للحصان المجنح فيّ
احتراق الأباريق في قبة الليل
طعم النساء المدّجج بالنار
فوضى القصائد والأغنيات البريئةِ
نوم الأحاسيس في قاع نهر اللغة
واقتناص زهور الفراشات من أربعاء الرماد
والحلول النهائي للعشق في جسد الصبح
وهو يزفُّ البياض النبيل لقلب البلاد
شهوة من حرير تلف الفؤادْ
رفيف رخام الأنوثة أو لمعان القرنفل تحت السواد
الحياة كما أنا أفهمها
لا كما أنت تفهمها فتفسرها بالجماد
، الشاعر ينقل لنا في هذه القصيدة فلسفته للحياة، وعشقه لمظاهرها الطبيعية، وهو يرى ما لا يراه الناس، بل ينظر الى الأشياء في حركتها الداخلية ، ينظر الى الجميل في هذا الكون ويستمتع به!
في قصيدته ما تشائين نموذج جيد للشعر الغنائي للإيقاع الدافئ
ها هنا ما تشائين لا ما أشاء
فأنا فارس من زمان مضى
وانقضى حبه .. مثل قطرة ماء
هوت في العراء
لون عينيك يثقب قلبي كما انغرس السيف
في زهرة الهندباء
ويطرحني نازفاً بالقطيفة أو بالحمام الملوَّن
أو بخطاك على كوكب معشب بالأغاني الجريحة
أو بالرؤى فوق صدر السماء
ها هنا ما تشائين لا ما أشاء
يمتاز الشاعر نمر سعدي عن معظم شعرائنا المحليين باتساع ثقافته وكثرة مطالعاته، وهذا ما يمكن أن نلمسه خلال جلسة سريعة وقصيرة معه، فهو قارئ ممتاز ، وبرأيي هذا ما يميز الشاعر أو الكاتب المتميز، وهذا بالطبع ينعكس على إنتاجه الشعري ، وفي بضعة سطور نستطيع أن نستشف مدى اطلاعه فيقول في قصيدة "سأختار جون دمو"
لا تحزن يا سيدي جان دمو
واسترح في قبرك المفروش
برائحة الصفصاف البري
فقصائدك وقصائدي ضاعت
وحبيبتك بغداد ضاعت
في زمن ضاع فيه كل شيء
حتى الضياع نفسه/ حتى هولاكو نفسه ضاع
آسف أنا على كل حرف كتبته ...
كان نسمة صيف وشهقة أقاح وسوسن
ولم يكن نار طوفان هادرة
فليس هذا العهد الذي قطعته لك وللسياب
ولأمل دنقل ولنفسي
إن بي رغبة لإحراق العالم بعود ثقاب
لآخذ بالثأر لك من سنين التشرد والحرمان

ويمضي في قصيدته الجميلة هذه ليقول:
آه يا سيدي الشاعر
أحلم أنا بقصيدة هجاء واحدة
كانت على حافة لسانك وفي برية روحي
ولم تقلها طيلة عمرك الموزَّع في أبد الريح
قصيدة هجاء واحدة
بدل ألف قصيدة كتبتها في مديح الحب الكاذب
ونسيت إحراقها في أتون امرأة
وفي النهاية سأختارك
قبل اختيار محمود درويش ومثالِّية الحب والحياة
في النهاية الموجعة كحياتك
كالمآسي الإغريقية ...سأختارك
قبل اختيار سرفانتيس وشكسبير ودانتي وغيرهم
آه يا جان دمو ..كان أبناء الأولمب المدللون
يركلون سيزيف من الخلف
وهم يتضاحكون من مشيته المتثاقلة
سيزيف ابن الكلب لا لشيء سوى أنه طيب القلب
بينما الجلاد في الجانب الآخر
يخاطب السجناء قائلا :
أيها العاشقون لأسطورة سخيفة بالية تدعى الحرية
إنسوا الأفكار الحجرية في رؤوسكم
وامحوا كل العواطف النبيلة من قواميسكم المهترئة
فإنكم لستم في مشفى هنا
والذي يخالف التعاليم سيجلد حتى الموت
أو يُقدَّم لكلاب جلجامش الضارية كالنار

كان صوت الجلاد الخشن يجلجل في أغوار روحي
بينما أفكر في كتاب المدينة الفاضلة لأفلاطون
وكتاب الأوتوبيا للدوس هكسلي
وأنظر دامع الروح الى شعراء يأكلون وجبات بطيئة
من سياط النار في معتقلات الحرية
سأختار "جان دمو" في زمن الرعب
، مبروك للشاعر نمر سعدي الصوت الشعري المختلف في شعرنا المحلي،ومبروك لنا هذا الصوت الجميل، يقع الكتاب في 123 صفحة من الحجم المتوسط ويحوي عشرات القصائد من العام 2001 حتى 2008
طباعة دار النهضة الناصرة .



• كاتب فلسطيني يعمل محرراً أدبياً لصحيفة كل العرب الصادرة في الناصرة.

******************












نجا ة الزباير
قطرة من محبرة الليلة الخامسة


كوة صغيرة في جدار شعر الشاعر الفلسطيني نمر سعدي
من خلال قصيدة "وحدي مثقل برنينها"



"لو كنت لا أعرف نمر سعدي لظننت أنه شاعر ستيني، فحرصه على تقاليد قصيدة التفعيلة حد التقديس، يشجع على مثل هذا الظن..فضلا عن انتهاجه نهج الستينيين في محاولة غزل خيوط الواقع، ونسجها في نسيج رومانسي يتخذ من عناصر الطبيعة وعاءً لقضايا الفكر.

ثائر العذاري ـ ناقد عراقي ـ

يقول الشاعر:

شجرٌ وراء غموضها الشفافِ
في المقهى
وقلبي نجمة ٌ أخرى
معّلقة ٌ على الأغصان ِ
لا مطرٌ يوافيني
بما ترثُ الأنوثة ُ من بهاءٍ
ناصع ِ التكوين ِ
أحلمُ بإنكساري
مثل نهر ِ الضوءِ
موسيقى يرفُ ......
كحفنةٍ بيضاءَ من عدم ٍ
ومن ندم ٍ
يهدهدني لكي يغفو أنايَ
هناكَ في قمر ٍ حليبيٍّ
يطلُّ على الطريقِ العام ِ
وحدي مثقلٌ برنينها الشفافِ
وردي مُشعلٌ بدم ٍ
على الصفصافِ
تنقرُ فكرةٌ قلبي
عن الدنيا
وعن جدليّةِ
الشعر ِ/الحياةِ/ الحلم ِ..
عن كُلِّ إفتراضيٍّ
لكي أغدو جديراً
أن أمُرَّ على غدي
بخطى/ فراشاتٍ/ وأجنحةٍ
ملوّنةٍ /كوردٍ غامض ٍيعلو/
غزالاتٍ/حنين ٍ موجع ٍ
ويدي
صهيلُ الموج ِ في
بلوّر ِ فينيقيةٍ
بدم ِ الشموس ِ وطعمها
إمتزجتْ بخمرةِ أورفيوسَ
وراودتْ عن نفسها
الأزهارَ في جسدي
ويزحفُ ماؤها
ليمّسني الطوفانُ
ثُمَّ أفيقُ من صحوي
وينظرُ خوفها نحوي
ودهشتها رفيفُ حمامةٍ
بيضاءَ في عينين ِ
ضائعتين ِ
أمشي بضعَ خطواتٍ
لأدخلَ ظلَّ أركاديا
وأغرقُ في الفراغ .ْ..!
ما كان يفصلها عن
الماضي
سوى نهر ٍ من الأزهار ِ
يفصلُ نفسها عن نفسها
ما كان يفصلني عن
المستقبل ِ المنظور ِ
غير غوايتي بنجومها
وحنينها المسموع ِ
غير هوايتي بسدوم َ
تشربُ ملحها عينايَ
وهو يهبُّ من أعلى المجرّةِ.....
مثل سرب ِ الطير ِ....
أو غير المسافةِ
لا تُوّحِدّنا معاً.....!

نمر سعدي؛ هذا الشاعر القادم من حيفا الموغلة في الأسرار العلوية، نحو خيمة الشعر العربية الكبرى، في جرابه مواويل الصحراء التي استقبلت كبار الشعراء.

نعم؛ هذا الشاعر المسكون بالتغير. يعتبر من الشعراء القلائل الذين تطيعهم اللغة بشكل سلس، يغزو قلعة التخييل فوق كتفيه عباءة الحلم، منتعلا خفين من جمر، ليصل بالقارئ إلى أفق التصوير الشعري البهي.

يسكن نرجس الليل منتظرا لوتس النهار، مهاجرا في حوض التحديث، دون تجاهل تقاسيم الأرض الفراهيدية.




رؤية:

في هذه القصيدة يبدأ الشاعر رحلة ذاتية تسكنها أنغام إلهية، ينثر روعتها كلمات شفافة تأتزر بعطر الورد. فما هو هذا الغموض الذي سكنه ضبابا سيطر عليه ؟، فهل القصيدة هي الأنثى الحلم التي زلزلت راحته، فجعلته يمشي بغير هدى، يجلس في المقهى غارقا في تأملاته، وهو يرتشف فنجان ذكرى حبيبة تشع أنوثة وبهاء علقت قلبه فوق غصون الانتظار.؟، راكضا بخياله نحو موسيقاه الداخلية، يهمس لنفسه عن نفسه، وبعض من خصاله التي تركض وراء الحلم الذي يدغدغ وجوده، وهل الحفنة البيضاء هي روحه الكسيرة التي داستها أقدام الندم ؟

... يستمر الشاعر في الاستمتاع بجلسته الهادئة وهو مبحر في يَمِّ الوجود، متعمقا في جدليات فرشت عوالمه، محاولا اختراق مفاهيم تسطر كينونته.

إن نصوص المبدع نمر سعدي تتشكل في ثوب الحضارة التي تستلقي فوق كاهل التاريخ الإنساني، حيث يصطاد تألقه الدائم من الذات الغائرة في الحلم، وما هذه القصيدة "وحدي مثقل برنينها" إلا محارة ضوء ترمينا في شباك مجازية المعالم، غنية بأساطيرها و أقانيمها الخاصة.

نحن إذن؛ أمام شاعر يحمل مشعل الاختلاف، فبين الثلاثية الجدلية: الشعر / الحياة/ الحلم، تمر قوافله بثمار الحنين الموجع، والترقب قرب نافذة الشمس التي تصب خمرتها من دنان الغد المحمل بالتساؤلات الخفية.

هكذا تتعثر هذه القصيدة بين شفتي الاحتراق، وتتنفس من رئة النور الذي يستوطن أرض الطفولة، فيها غربة تقرأ أشعارها على مساء متوهج الخطوات، تمطر أطرافها غواية تلتحف كفي الأمل المرتقب، فأي سر هذا الذي جعل الحروف تهرول فوق أرضه دامعة الأحشاء، تغزل اللغة من دهشتها برق ألفاظها وهي تردد أنشودة أورفيوس. ؟ ،فتنفتح خرائط مليئة بالأقواس المبحرة في مدارات السفر عبر كل الجهات، ففي هذه القصيدة عوالم تتناسج بين اللفظ والمعنى،وتتدلى قنديلا من بين دفتي التكوين، حيث تتمازج الأزمنة الشعرية، وتتحول أرضها من الإشتهاءات إلى العزوف، متدثرة بكآبة غيرية سرعان ما تتحول إلى عاشقة بلثام أخضر، تُغويه بفتنتها.وتركن لقصب أحزانها تتلو عليه بعضا من جنونها الجميل، فيغرق في فجرها.

امتزاج الغزل عنده يقف على عتبة الجسد المنفلت من شرارة التناسخ بمرآة الوجود،حيث يحملنا أثير الحروف نحو وطن لا يبنى بغير الكلمات التي تستوطن مساحات الروح. ينسج خيوط المكان بجرح الماء، حيث يزهر اللوز حينا ، وتترنح بين هدب الشاعر بكائية أمل دنقل حينا آخر.تتهجا فاتحة العالم؛ لتولد مدن تخييلية تهزم نيرون. لتوقد قناديل ضوئية تهز عرش الحلم، هنا يستلقي الشاعر؛ نبَضُهُ الأرض، وغليونه طوفان جلجاميش الشعري، يرصد تقاطيع الإنسان، ويلبس لغم الحضارات.

و ما هذه القصيدة التي تصلي في محراب الانكسارات والأمل المرتقب ،إلا نغما من مزامير نمر سعدي التي نتابعها باهتمام، و التي تفتح في صدر الخريطة الشعرية العربية هدير أمواجها التي لا تخطئها العين الثالثة.


غفوة فوق صدر النهاية

لقد تأثر الشاعر المتميز نمر سعدي في قراءاته بالشعر العالمي والعربي، حيث عانق الكثير من حاملي القلم الكونيين. وكانت أشعاره أرضا لمعانقة الوجود، محاولا الغوص في أسراره.دون أن ننسى الحرية كسؤال مركزي ينصهر فوق شفتي قصيده.
يقول في قصيدة "لهفة الفينيقْ" روحي تنامُ على تنفُّس...مائِها الدُريِّ في...أشعارِ هولدرلينَ...فيما جلدُها الرخوُ المضمّخُ...بالنعاسِ وبإنسيابِ العاجِ...يشهقُ في شراييني...ويعوي في شتائي...لم أقترنْ بفضائها اللغويِّ...إلاَّ كي أردَّ النقصَ....عن أسرابِ موسيقايَ...أقطف حكمة بيضاء...من بستان فردانيتي...أنا لهفة الفينيق...في غدها المحّنى بالحدائق...والرماد الأرجواني المعطر..."

فهنيئا للوطن العربي بهذا الشاعر الذي يسكن مساحات التفرد.


* شاعرة وناقدة من مراكش/ المغرب


******************



#نمر_سعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقالات أدبية
- مجموعة قصائد جديدة
- تأمُّلات حجريَّة
- أُنوثةُ القصيدة لدى الشاعر شوقي بزيع
- سلامٌ على قمرِ البنفسجِ في عينيكَ
- نشيدُ الإنشاد
- مجموعة قصائد
- يا قَمَراً يُصوِّبني إلى نفسي
- هذيَانُ ديكِ الجنِّ الحمصيِّ الأخيرُ
- مقالات وحوارات في الأدب
- قُبلةٌ للبياتي في ذكرى رحيلهِ العاشرة
- يُخيَّلُ لي
- محمد علي شمس الدين..
- إغمدي قُبلةً في خفايا الوريدْ
- مُعضلةُ الصَداقةِ اللدودةْ
- وشمُ نوارسْ
- في حضرةِ الماء
- أمشي كيوحنَّا
- كائنُ الشمسْ
- لعلَّ أزهاراً ستُشرق


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - مقالات نقدية عن تجربة نمر سعدي الشعرية