مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 2798 - 2009 / 10 / 13 - 17:48
المحور:
المجتمع المدني
ليلة ولا ابهى .. ولا أجمل .. وأطرب .. وأرقى .. , يوم تصبح مواطناً هولندياً رسمياً .
يوم يحتفل بك , ترقص لك الأنغام .. وتعلو أصوات الأوبرا فضاء القاعات .. ليحضن الزجاج الملون أنغامها فيمنعها من مغادرة المكان .. فيعانق صداها .. يرجعه كومضة البرق في رحلة حول الأرض .. دوّنت فيها صفحة حياة جديدة لم أخطط لها , مع مجموعة بشرية قدموا من القارات الخمس في موطن الورود وسواقي الثقافات ... في أمسية التقدير الإنساني على خارطة الإنتماءات البشرية الجديدة .. فيحلو الصمت والخشوع .. مع دمعة الفرح الفجائية الغير متهيئة لهذا المشهد الإحتفالي و الموسيقي الرائع ( المفاجأة ) ..!؟
أول دفعة يحتفل بها على هذه الطريقة من التقدير والمناسبة الجماعية - القانونية :
إعطاء الجنسية الهولندية للأجانب بطريقة غير إعتيادية . تقليد جديد يبرهن عن وعي ورقي مدني وقانوني حديث , ذوقيمة وإطار أدبي وإجتماعي ومعنوي عالي . ..الإنسان الواعي المثقف يثمن هذا الموقف والأسلوب والطريقة التي تم بها إستقبال ( 45 ) شخصاً مواطنين جدد في هولندا ,, أي إقامة حفلة ترحيب وتقليد الجنسية والمواطنة , مع حفلة فنية شاعرية على شرف المواطنين الجدد وهي تحتضنهم هولندا بين سكانها الأصليين .
لهذا الإحتفال الجميل .. أبعاد ومعاني كبيرة لأول مرة في تاريخ هولندا.. وتاريخنا الشخصي ,, و هونقلة متقدمة نوعية في مفهوم المواطنة في السلم الإنساني والتفكير الجديد لحقوق وأهمية الإنسان ( المواطن ) في الدولة والمجتمع الهولندي .المضيف الذي لاتعرفه ولم تسمع به أنظمة الإستبداد في بلادنا ,, بل كانت هولندا السبّاقة بين دول العالم في هذا المضمار .. ..
تم ذلك منذ عام مضى ... , استلمنا كتاب أو رسالة ( دعوة , ( Uit nodiging ) من رئاسة بلدية مدينة دنهاخ ) ستاد هاوس ( بوجوب حضورنا إلى دار البلدية لإستلام الجنسية الهولندية في اليوم والساعة المحددة , وكم كانت دهشتنا كبيرة عندما اسقبلنا و شاهدنا الزينة في كل أرجاء دار البلدية الزهور و (البالونات الملونة بألوان العلم الهولندي الأزرق الأبيض والأحمر ) والإستقبال المنظم الرفيع الدقيق ..
صعدنا إلى الطابق الثاني من المبنى بصحبة إحدى الصديقات الشاعرة ( فينوس فايق ) , ففي الدعوة يقبلوا رفقة شخصين معنا أو أكثر– وأمام باب القاعة الرئيسية , لجنة إستقبال رسمية تسلم الرقم الخاص للمحتفى بهم مع مصنف يحتوي على الشهادة والنشيد الوطني الهولندي و إشارة – وسام العلم الوطني – دخلنا برفقة لجنة الإستقبال والتنظيم إلى قاعة مدرج كبير للضيوف , وجلس كل منا على المقعد المخصص له وفق الرقم الخاص والتسلسل حسب الأحرف الأبجدية , وخلفنا جلس الضيوف , وفي وسط القاعة فرقة الموسيقى والغناء يتقدمها شاب وشابة بلباس خاص تصدح الأوبرا بأنغامها الجميلة الرائعة , والأغاني المتنوعة الهولندية , الأسبانية وغيرها.... وبعد ساعة تقريبا من الإستقبال الغنائي والموسيقي , وبعد اكتمال العدد , بدأ الترحيب بنا واحداً واحداً من قبل رئيس اللجنة والحفل القائم وإلقاء كلمة حول هذه المناسبة .
.. تقدم عمدة , أو رئيس البلدية Burgemeester ) De) , وأخذ يسأل كل واحد منا عن إسمه وبلده , فكان رقم السورينام هو الأكبر بين هذه المجموعة , يليه دولة المغرب العربي , والأكراد , والأتراك , ثم السوري الروسي الأسباني البرتغالي الصيني والياباني . .
ثم قدم عمدة المدينة و البلدية شهادة الجنسية مع هدية رمزية لكل واحد منا , بعد تلاوة إسمه مع التصفيق والمحادثة والترحيب به وأخذ صورة تذكارية معه .بكل تواضع ولطف واحترام ..
بعد الإنتهاء من مراسيم تسليم الجنسية , من قبل اللجنة المختصة , والكلمات التي ألقيت عن أهمية الإندماج والإنصهار بالمجتمع والمشاركة بالحياة الإجتماعية وأهمية المحافظة على الأنظمة والقوانين الهولندية , والنظافة والتعامل مع الناس بمحبة واحترام والإبتعاد عن التمييز وقبول الاّخر لأن المجتمع الهولندي مجتمع متنوع وديمقراطي ووووووالخ عرض على شاشة عرض سينمائي كبيرة تتصدر القاعة أهم معالم هولندا التاريخية السياحية الإقتصادية السياسية مع لمحة تاريخية عنها , ثم مساحة كبيرة لمدينة دنهاخ ... وأخيراً وقف الجميع إحتراماً للنشيد الوطني الهولندي ... الذي كتب على شاشة العرض مع الموسيقا ..
..... لا أنسى في حياتي تلك اللحظات المعاشة التي لا توصف حين وقفنا لنتلو النشيد جماعياً ... , والشعور الغريب الذي هزّ روحي و كياني من الأعماق , عشته في هذه الدقائق المثيرة والمدهشة حيث دمعت عيناي وأنا أتلو النشيد .. , واستعدت الدموع ثانية وأنا أكتب مقالتي هذه , التي تأخرت عنها وهي تلح عليّ منذ زمن بعيد - فا الظروف هي السبب دائماً , لا بأس , ففي التأخير تدبير و خير ..
الجنسية انشطرت , الجنسية تضاعفت , كبرت , توسعت , اغتنت , طعّمت , لقحت , بجنسية أخرى تضاف للأم , للجذور .. الإنتماء الأممي للشعوب والقارات يلاحقنا ويقربنا يومياً , كما تدور الأرض حول نفسها ومحورها كل 24 ساعة .
أسرار لا نعلمها ولا نفهمها إلا بعد حين من التأمل والدوران والتحليق في الفضاءات والمجرّات البعيدة والقريبة .. !؟
فأنا الإنسانة المبعدة عن وطني ومسقط رأسي , الممنوعة والمحرومة وحقوق جنسيتي الأصلية أنا - وأفراد عائلتي - من دخول بلادي ووطني التي ولدت به وأحببته وخدمته أربعين عاما وربيّت أجيالاّ من بناته وأبنائه , وضحيت كل شئ في سبيل حريته وتقدمه ..
كيف أستقبل هنا ويحتفل بنا كمواطنين محترمين مقدرين معنوياُ وأخلاقياُ وأدبياً وإنسانياُ وقانونياً ..
لا بأس , فأرض الله واسعة .. تستقبل الشرفاء والأحرار والمضطهدين بكل احترام وتقدير وإنسانية ..
الإنسان هنا له قيمة لا تقدّر , حتى الطفل له مكانة واحترام كالكبير .. !؟
تركنا الدموع واستلمنا الجنسية الثانية وهذا وسام لي وشرف أعتز به , لأنني أصبحت مواطنة في دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان والمواطنة الصالحة المجدة الوفية للأرض والشعب والقانون , وتحترم الوافدين من كل الجنسيات والقوميات بلا تمييز أو عنصرية -
غادرنا قاعة الإحتفال لنجد حفلة الكوكتيل تستقبل الحاضرين جميعاً خارج القاعة , بمشاركة لجنة الإحتفال وعمدة – رئيس البلديسة مشكورين ..
----------------
------- وقد تكرر هذا المشهد وهذه الحفلة والدعوة مرة أخرى في باحة البلدية الكبرى , وبفعاليات فنية متنوهة أكثر وأوسع , بمنح ( 50 ) طبياً وطبيبة الجنسية الهولندية باستحقاق , من كافة البلدان و الأجناس والقوميات الوافدة الأجنبية إلى هولندا بعد إيفاء كل الشروط المطلوبة ليستحقه المواطن بجدارة واحترام .
دعينا في بداية هذا العام للمشاركة بهذا الحفل , بدعوة خاصة , وقد كانت على قدر من الضخامة والتوسع .. وقد انتهى بإحتفال راقص وعشاء فاخر ..
هنيئاً لبلدية مدينتنا ( لاهاي ) بهذا التطور شكلاً ومضموناً , وتهانينا أيضاً لكل من حصل على الجنسية الجديدة ونأمل أن يكون الإنصهار والعمل الجماعي لكافة المواطنين لخدمة وتطور البلد المضيف .. وخير و تقدم الإنسانية في الإنفتاح على الثقافات والشعوب الأخرى .. وتقدم حقوق الإنسان قانونياً وعملياً ..
مريم نجمه / لاهاي
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟