مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 2793 - 2009 / 10 / 8 - 23:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الأنتيكا , Antieke .. مكانها المتاحف ؟
إذا ألقينا نظرة عامة بعيدة وخاطفة على واقع منطقتنا العربية الغنية بالموارد الطبيعية والبشرية , المعبأة والمدجّجة بالفساد والشعارات , المتخبطة بالحروب والنزاعات , المتربعة على خارطة التهجير والقبور والفناء .
نسرح في خيالنا إلى حافة السبعينات من عشرين القرن الماضي , لنسجل بعض أسماء ووجوه قديمة متجدّدة - بفعل ( ثورة ) أو موضة التجميل , وصرعة الترقيع - تراكضت واندفعت و تراكمت على الكراسي لحقب مملة , اغتصبت السلطة والحكم والدولة , ورثت مملكة أو إمارة أو جمهورية , أو مشيخة , أو قبيلة وعشيرة وعائلة .
استمر المشهد سنيناً وعقود اً حتى واصلوا النط والقفز على أبواب الواحد والعشرين الذي نودّع تسعته بعد شهور , لنطوي عقدا جديداً في ربوع هذا القرن الغريب العجيب , إلا من مشهد حكامنا الثابت المحنط في النهج والممارسة والخطاب .
وطن عربي ممتد على قارتين وبحار وخلجان وأبواب تصلنا بالعالم الاّخر والشعوب والثقافات والمتغيرات السريعة .
رقعة ومساحة بهذا الحجم الجغرافي والحضاري التاريخي والثقافي والفكري يجلس الإسم والوجه والكرباج وقانون الطوارئ والسجون والأحكام والمحاكم العسكرية التعسفية والعقليات الرجعية تتحكم في مصيرنا طوال هذه المسلسلات الهزلية الدرامية الممتدة من عهد السلاطين حتى عصر الديكتاتوريات !؟
... عصر العولمة .. اقتحم العالم وأحدث الإنقلابات والهزات والمتغيرات وما زالت شعوبنا قانطة ورازحة تحت أحكام اللوائح والفرامانات والإبعاد والممنوعات ومصادرة أو محاكمة الاّراء وحرق الكتب والتكفير ونفي الأحرار والمتنورين وزرع الرعب والإغتيالات والخنوع للمومياءات في كل زاوية وشارع وبيت ..!؟
أي منطق وعقل يقبل أن تبقى الأمور سائرة بهذا العبث والعدمية واحتقار الرأي المعارض الاّخر إلى ما لانهاية , نتفرج على مسرح السيرك المتنقل من بلد لاّخر ومن حرب تجر حرباً , ومساومات , وصفقات والعفو عما فات من ممارسات وجرائم وفضائح وقمع وفساد وطائفية , دون تكنيسها وقلبها رأساً على تجديد وثورة إصلاح ( من كعب الدست ) وتحطيم الأواني العتيقة المتعفنة التي لم تعد صالحة لخمر جديد ...!؟
لا نريد أجيالاً خرساء ..
نحن بحاجة لمجتمعات حيّة تعيش مناخ الحرية والديمقراطية والتجدّد اليومي .. تناقش علناً وبجرأة تنتقد التقصير والسلبيات والإستبداد والبيروقراطية والمحسوبية والطائفية أينما وجدت . أجيالاً تبني الفرح والسلام والتلاقي والمبادرات والعطاءات المتنوعة بلا رقابة أو محاكمة ومشنقة وزنزانة , دون أن تتلفت إلى الوراء وهي تتكلم .
الأجيال الجديدة متعطشة للعدالة والمساواة , وإعادة الحراك والنشاط والتفاعل مع مختلف الاّراء والأحزاب والمنظمات والنوادي .. لتعيد روح الإنتعاش لخلايا الوطن والمجتمع المدني ومؤسساته المريضة الميتة بحقن , بسجن الحزب الواحد وأمثولته الصدئة الموميائية التي لا تمت للعصر أو لشعبنا بصلة العلم والتقدم والحضارة .
نحن بحاجة إلى أنظمة تحترم الإنسان بالدرجة الأولى , لأن الإنسان قيمة لا تثمن ولا تباع في أسواق التجارة الحرة أو المعلبة المدجنة والمهجنة في معاهد الديكتاتوريات الطويلة الأمد , بطول السيف أو العصا المحمولتين , ونار الدبابة , وأشلاء المتفجرات في الساحات والأسواق ..
يا له من واقع لا يطاق وفريد من نوعه في تخلفه وجرائمه في العالم المعاصر , لا يتقبله العقل والمنطق ومفاهيم وانفتاح العصر الجديد .. عصر العلم والتحرر الوطني والديمقراطية وحقوق الإنسان ..!؟
بعيداً عن صندوق الإنتخابات الشعبي الحر !؟
فالسادة الرؤساء والوزراء وغيرهم من ديكور السلطات السورية والعربية ( ذات الأنظمة الجمهورية ) .. حافظ الأسد – بشّار الأسد – وزراء الخارجية الشرع وخليفته المقداد – وليد المعلم – ووزير الإقتصاد السابق , حتى رئيس إتحاد الكتاب العرب وغيرها من الإتحادات علي عقلة عرسان وفلحوط كمثال – هم هم نفس الإسم والوجه 20 – 30 – 40 عاما – و أعوام ملحقة للإبن مع خرق الدستور والقوانين سلفاً !؟
وهكذا .... بقية القائمة في المشهد العربي تتكرر , وتتكلس ,
الرؤساء حسني مبارك – معمر القذافي – زين العابدين بن علي – عبد العزيز بو تفليقة - صدام حسين – عمر البشير – علي عبدالله صالح – حتى رؤساء مجالس النوّاب , أمثال السيد نبيه بري – والأبرش والعطري وبقية القادة والمسؤولين في الحزب القائد ووجهاء الجبهة التقدمية ) جبهة شهود الزور التابعة للحزب والنظام .. وغيرهم من الوزراء ومدراء النوادي والمدارس والبوابين ( الفراشين ) والحرّاس تعمّر أسماءهم لسنين وسنين ويطوّب المقعد والوظيفة والكرسي إلى أبد الاّبدين ...!!؟
أما الملوك في المغرب والأردن والمملكة العربية السعودية والجزيرة العربية وبقية الإمارات والدول الخليجية .. فهؤلاء يخضعون للأنظمة الملكية فلها حديث اّخر يحق لها ولشعوبها أن تتحرر من قبضة الملكية المطلقة وأنظمتها المحافظة والسلفية الإستبدادية كما تحررت الأنظمة الملكية في اوربا ك ( هولندا وأسبانيا والسويد والدانيمارك ووو غيرها ) .. تملك العائلات المالكة فيها ولا تحكم .. لأن الحكم للشعب .
هل هناك ضير من سرد هذه الأسماء المحنطة من واقعنا والعمل لتبديلها - التي ملها الأطفال قبل الكبار - إسماً وصورة وممارسة وأداء . وما يفيد بقاؤها حتى لو أدخلوا عليها برامج صباحية لتمجيدها مع كأس الحليب أو الكتاب المدرسي – الذي نغتال بواسطته جوهر العلم والتربية وأهدافها النبيلة وتشوّه و تغسل بالتالي عقل الطفل على عدم إستخدام التمييز والإختيار الحر والتنوع وتشغيل عقله دون ماكينة سلطوية جائرة قمعية مخيفة تفكر عنه وتديره كما تشاء ..!؟
إن الأمانة للمبادئ والخير والحق والجمال , والوفاء للتربية الوطنية , ومفهوم الدولة الحديثة والحرية وتجاربها ونظرياتها وخبراتها المعطاة يومياً , خدمة للطفل والإنسان , لتهيئة المواطن الحر النظيف الواعي والمدرك لحقوقه وواجباته .. نقيّم ونذكّر ونكتب للأجيال الصاعدة المقموعة , لأن الصبر طفح عن الحدود وتجاوز المقبول والمعقول في العلاقات البديهية والطبيعية بين الحاكم والمحكوم بين الدستور( أب القوانين ) الذي ينطم ويحدد فصل السلطات وعملها والعلاقات بينها ودور الشعب في انتخابها ..
... إن أي جهاز مادي أو غير مادي أو أي شئ اّخر يستعمله الإنسان لسنين طويلة , يأتي يوم وينسقه يطرحه أو ويضعه جانباً , ويأتي بالجديد الحديث الذي يتلاءم والحاجات والضرورات المستجدة يتلاءم والحياة اليومية الجديدة التي تصبح كاالهواء أو الماء ضرورة وملحة للمحافظة على إتزان البيت أو المكان وتناسقه وجماليته .. وهذه سنّة الحياة والتطور الطبيعي .
لأجل ذلك أقيمت و شيدت المتاحف في الدول , و الزوايا والمعارض والرفوف لعرض التحف القديمة أو الغير ضرورية المنسقة في البيوت , أو إنشاء المخازن لضم الأشياء القديمة والعتيقة والمهترئة التي لم تعد تلائم البيت الجديد والتطلعات والنظرة الجديدة لمفهوم المقعد أو الكرسي أو المسند المصنّع من ( القش , أو الخشب , الحديد , الألمنيوم , البلاستيك , الجلد , الصدف , القماش , الفرو , أو الحرير حتى كراسي الذهب عند ملوك المصريين القدماء وضعت في المتاحف ,, وعربات الجر والقوارب المذهبة .. والحذاء الذهبي وكل مايمت للأبهة و ( الاّلهة ) والغنى بخيط من الإمبراطوريات واضطهاد الشعوب , بأنواع الكراسي المختلفة ..!!؟
أربعون عاماً من عمر الشباب حتى الكهولة في سدة الحكم صباح مساء ليل نهار حكامنا العرب , وما زالوا خائفين من مغادرته وتركه لغيرهم سلماً وانتخاباً ؟؟ إنه العجز والفشل , أم الغرور , أم جنون السلطة والمال أم مخطط خبيث مشبوه لم ينته بعد ولا ينفذ إلا بهم وعبرهم !؟؟
قليلاً من الوعي من التنبه من الذكاء من الفطنة والضمير والتوبة والإعتراف أمام الشعب أيها الحكام العرب – بأخطائكم وخطاياكم - , وكثير من العيب واللوم والمحاسبة الشعبية المعلنة والسرية أو المخبأة لمستقبل مجهول , حتى لا تباد وتهجر فيها كل شعوبنا .. ليخلد كرسي الحاكم على تلة الخيام والمخيمات , والجماجم , والسجون , ليشيد قصراً للخليفة والسلطان الجديد وبرجاً من ذهب ماّله متاحف الشعوب ..
دعوا الشعوب تنهض من ( اّبارها ) , وسجونها .. دعوها تنعم بتقرير مصيرها .. تبني غدها .. ونظام الحكم التي تختاره .. تتعانق بجديلة وطنية أخوية ترسم لتشكل لوحة فسيفسائية من مكونات الشعب القومية والفكرية واللغوية والثقافية .. . واستريحوا قليلاً ... . أما تعبتم ؟؟
... استريحوا أيها الحكام ( Antiek) الأنتيكا , فالوجوه , والأشياء القديمة " الجمادات " مكانها المتاحف أو المخازن , وليس حمل الكرسي حتى الإهرامات .. وهرم الشيخوخة ..
الشعوب .. والأوطان .. والاّثار الطيبة .. وبصمات الخير هي الخالدة
لاهاي / 8 / 10
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟