أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مازن كم الماز - وجهتا نظر حول الاشتراكية لجوناس هيلمر















المزيد.....


وجهتا نظر حول الاشتراكية لجوناس هيلمر


مازن كم الماز

الحوار المتمدن-العدد: 2782 - 2009 / 9 / 27 - 00:19
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


وجهتا نظر حول الاشتراكية :
لماذا نأى كارل ماركس بنفسه عن جدل أكاديمي مع بيار جوزيف برودون

جوناس هيلمر

1 – أهمية نقاش دار قبل أكثر من 150 عاما

لماذا يمكن لمعرفة الجدال بين بيار جوزيف برودون ( 1809 – 1965 ) و كارل ماركس ( 1818 – 1883 ) أن تكون شيئا هاما اليوم , ربما لأن برودون – في كتابه , فلسفة البؤس ( 1846 ) , بالإضافة إلى ماركس في رده بؤس الفلسفة ( 1947 ) , قد تعاملا مع مسألة البديل الاجتماعي للرأسمالية . حتى لو بدت إمكانية مجتمع متحرر من الدولة و رأس المال بعيدة اليوم , فإن استمرار الأزمة الاقتصادية و السياسية في روسيا إضافة إلى انعدام الاستقرار في جنوب شرق آسيا و أمريكا اللاتينية , ستستمر بإضعاف المراكز الرأسمالية المستقرة ظاهريا في أوروبا و الولايات المتحدة و ستضع قضية بديل الرأسمالية من جديد على أجندة التاريخ ( كتب هذا المقال في عام 2000 , قبل الأزمة الاقتصادية الأخيرة – المترجم ) .
لا يشير الجدال بين برودون و ماركس عامي 1846 – 1847 فقط إلى بداية الانشقاق داخل الحركة العمالية العالمية إلى اتجاه أناركي ( أو أناركي نقابي ) و واحد أو أكثر من الاتجاهات الماركسية بل أيضا بداية محاولة ماركس تأسيس نظريته على أنها النظرية المطلقة في الحركة العمالية العالمية .
في كتابه بؤس الفلسفة لم يناقش ماركس نص برودون فلسفة البؤس , بل أدان برودون كبرجوازي صغير انحرف عن العقيدة الصحيحة . لأول مرة يصم ماركس خصم مخالف له في نقاش علني على أنه برجوازي صغير . بعد 7 شهور , في البيان الشيوعي , استخدم ماركس هذا التعبير , الذي استخدم كقدح أو ذم من أتباع ماركس – لينين , ماو تسي تونغ , إينفير هوكسا – الذين نصبوا أنفسهم ليدينوا خصومهم داخل و خارج الحزب الشيوعي .
حسب ماركس , يأخذ البرجوازي الصغير مكانا بين الطبقة الرأسمالية و الطبقة العاملة . و بسبب تطور الصناعة , تواجه البرجوازية الصغيرة – الحرفيون , الفلاحون – خطر الانزلاق إلى الطبقة العاملة و لذلك فهي تحاول العودة إلى القرون الوسطى . إذا اعتبر المرء أن الماركسية كحركة سياسية فشلت بسبب سياساتها التسلطية ( أو السلطوية ) , فإن الانشغال بالجدال بين برودون و ماركس – اللذين لم يستفد أيا منهما من فرصة خوض جدال أكاديمي و سياسي – يمكن أن تساهم باكتشاف منشأ سقوط الشيوعية الموجودة بالفعل في مرحلة مبكرة جدا من تفكير ماركس و نشاطه السياسي .

2 – البيئة التاريخية التي عمل فيها برودون و ماركس

2 – 1 الوضع الاقتصادي و السياسي في فرنسا و بروسيا قبل ثورة 1848

كتب ماركس و برودون كتابيهما عند بداية التصنيع في فرنسا و بروسيا . في كلا البلدين كان القطاع الزراعي هو المسيطر و كان كلا البلدين خلف بريطانيا العظمى في تطوير صناعتهما الثقيلة . ففي فرنسا و بروسيا كان بناء شبكة سكك حديدية و نظام بنكي و سوق أسهم ما تزال في بدايتها . و في كلا البلدين دعمت الدولة التطور الرأسمالي بإجازتها ( أو بالترخيص ) لشركات ذات رأسمال مشترك و شراكات محدودة . أبعد من ذلك , أمنت الوزارة الفرنسية للأشغال العامة و الأشغال العامة البروسية المملوكة من الدولة توسيع شبكات السكك الحديدية . مقارنة ببروسيا , كانت فرنسا – بسبب الثورة العظمى 1789 – متقدمة في تطورها الاقتصادي و السياسي . بينما في بروسيا كانت الأرستقراطية الطبقة القائدة قبل و بعد 1848 , نجد في فرنسا طبقة من ملاك الأراضي , أصحاب البنوك , و أصحاب مناجم الفحم و مناجم الحديد يسيطرون على الدولة تحت حكم الملك لويس فيليب ( تموز يوليو 1830 – فبراير شباط 1848 ) . مول أصحاب البنوك العجز المتزايد في الموازنة الوطنية , ومن خلال التلاعب بأسعار القروض الحكومية , كانوا في مركز يسمح لهم بتحقيق أرباح هائلة ناتجة عن المضاربة .
تعرض الفرنسيون و البروسيون , في سياق تطور الرأسمالية في بلديهما , للأزمات الرأسمالية الدورية . هكذا أصابت الأزمة الدورية لعام 1847 , التي بدأت في انكلترا و قوتها الأزمة الزراعية لعام 1846 , كلا من فرنسا و بروسيا . ارتفعت أسعار الخبز و بسبب تراجع مبيعات الأنسجة كان على صناعة النسيج أن تصرف العمال .
في فرنسا أدت الأزمة الاقتصادية لعام 1847 , و حملة المعارضة الديمقراطية في سبيل حق الانتخاب العام و نشاط العمال و الحرفيين إلى الإطاحة بنظام الملك لويس فيليب في ثورة فبراير شباط 1848 . بعيدا عن المعارضة الديمقراطية و الجمهورية ( القادة الصناعيون , المحامون , الصحافيون و الكتاب ) قام أغلب الحرفيين و العمال بمقاومة التصنيع الرأسمالي و وجدوا أنفسهم يواجهون الجوع , المرض و البطالة . تم القضاء على إضراب نساجي الحرير في ليون عام 1831 بواسطة الجيش الفرنسي . في فبراير شباط 1834 دعا نساجو الحرير في ليون إلى إضراب عام سرعان ما انتشر إلى مدن فرنسية أخرى مجبرا الحكومة في باريس على إعلان حالة الطوارئ .
في عام 1835 بعد محاولة لاغتيال لويس فيليب جرى تمرير قوانين سبتمبر أيلول سيئة السمعة التي هدفت إلى قمع الحركة الثورية و الديمقراطية من خلال مراقبة المطبوعات , الشرطة و المحاكم . لذلك كان على المنظمات الراديكالية المختلفة التي نظمها الحرفيون و العمال أن تنتقل إلى العمل السري . "جمعية البسطاء" التي كان يقودها أرماند باربيس و لويس أوغست بلانكي عملت بعد حلها من قبل الشرطة عام 1837 ك"جمعية المواسم" . هذه الجمعية بالإضافة إلى رابطة العدالة ( 1836 ) التي نشأت عن رابطة الخارجين على القانون , واصلت الأساليب الثورية لغراشوس بابوف ( 1760 – 1797 ) التي وصفها فيليبو بوناروتي , صديق و رفيق بابوف .
بالإضافة إلى ذلك نظم الحرفيون و العمال الفرنسيون جمعيات و نقابات للمساعدة المتبادلة . شكل عمال مغازل الحرير في ليون جمعيات خاصة , "التعاونيات" . و شددوا على استقلالية كل حرفي و أسسوا موارد خاصة للمرض , الحوادث و الإضرابات .
في بروسيا كانت الحركة الديمقراطية و الليبرالية في طفولتها . بعد "احتفال هامباشير" للحرية في عام 1832 – الذي نظمه اثنان من الصحفيين – حظرت مؤتمرات فيينا 1834 النوادي السياسية , الصحف المعارضة و الاجتماعات العامة . و جرى طرد 7 من البروفيسورات من غوتينغن الذين احتجوا على إلغاء دستور هانوفر .
تألفت المعارضة الديمقراطية من أقسام من البرجوازية , الحرفيين , الطلاب , الكتاب , الصحافيين و العمال . في الراين شكلت المعارضة مجموعة حول "الجريدة الرينانية" , التي منعت عام 1834 بسبب مواقفها السياسية الديمقراطية الراديكالية . من بين المشاركين في هذه الجريدة كان برونو باور , ماكس شتيرنر , فريدريك انجلز و كارل ماركس , كرئيس تحرير .
كما في فرنسا شكل العمال و الحرفيون , الذين كان يتهددهم خطر تحويلهم إلى بروليتاريا , الجزء الأكثر حزما و صلابة من المعارضة في بروسيا . في 1844 قام النساجون السيليزيون بتمردهم المشهور الذي تلته إضرابات و مظاهرات في كل أنحاء ألمانيا .


2 -2 الأفكار عن الاشتراكية في النصف الأول من القرن التاسع عشر

لم يكن برودون و ماركس أول من ناقش أهداف و الطرق إلى مجتمع اشتراكي . في النصف الأول من القرن التاسع عشر كان هناك الكثير من الآراء عن الاشتراكية التي شكلت مشاريع اشتراكية دولة أو لامركزية , مشاريع انتقال عنفي أو سلمي إلى الاشتراكية . بوصف هذه الأفكار على أنها "مبكرة" أو "طوباوية" عرف ماركس نظريته على أنها "اشتراكية علمية" . كان بؤس الفلسفة أول محاولة لماركس لتأسيس نسخته عن الاشتراكية على أنها الوحيدة الصحيحة !
لكن برودون , في وقت أبكر عام 1844 – عندما كان ماركس يعتبر فلسفة فيورباخ الأساس الوحيد للاشتراكية – كان هو الذي أوجد تعبير "الاشتراكية العلمية" , لكي يشرح جهده لبناء الاشتراكية على أساس علمي .
لكن دعونا نستعرض الأفكار الرئيسية عن الاشتراكية قبل ماركس و برودون .

شارل فورييه ( 1772 – 1837 )

عرف التاجر شارل فورييه بالممارسة ما سماه "الأناركية الصناعية" . خاصة التحديد الاعتباطي للأسعار كان أساس نقد فورييه للرأسمالية .
اقتراحه لمجتمع بلا استغلال تضمن أن يعمل الناس في جمعيات حرة ستجمع العمل الزراعي مع العمل في المصنع . أعلن فورييه أن العمل في المزارع أكثر أهمية من العمل في المصنع . يجب على الجمعيات الحرة أن تعطي مثالا و أن تشجع قبل أي شيء أولئك الذين يأخذون موقف المتفرج . رفض فورييه العنف الثوري و الديكتاتورية كوسائل لإقامة مجتمع بديل . سيحل اتحاد المجموعات المجتمعة الحرة مكان الدولة المركزية القديمة .

روبرت أوين ( 1771 – 1858 )

روبرت أوين , الذي كان مديرا لمصنع قطن وهو في التاسعة عشر من عمره , اعتبر أن تأثيرات البيئة هي السبب الحاسم للبؤس و الجريمة في كل مكان من العالم . إلى جانب المطالب الملموسة بتحسين ظروف حياة العمال – منع عمل الأطفال , إنقاص ساعات العمل , ظروف حماية أفضل للعمال – دعا أوين إلى تشكيل جمعيات للطبقة العاملة معتمدة على نفسها . اقترح تأسيس تعاونيات للمستهلكين , إضافة إلى تعاونيات للمنتجين , حيث سيعيش حوالي 500 إلى 3000 شخص و يعملون سوية في قرى تعاونية و ينظمون كلا من الشؤون الإنتاجية و الخاصة . ستلغى الملكية الخاصة و حتى تعليم الأطفال سيقوم به المجتمع .
بعد فشل خططه , شكل أوين "جمعية التجديد الوطني" في انكلترا عام 1833 . نظمت هذه النقابة النضال في سبيل 8 ساعات عمل يوميا و ما سمي بأسواق تبادل العمل العادلة في عدد من المدن . في أسواق التبادل هذه ستقوم تعاونيات المنتجين بتبادل منتجاتها بحسب الوقت المبذول في إنتاجها الضروري لإنتاج البضائع . في عام 1834 كان على هذه السواق أن تغلق أبوابها بعد قمع "النقابة الوطنية الكبرى المتحدة" – أساس أسواق تبادل العمل العادلة – على إثر إضراب عام فاشل قامت بتنظيمه .

لويس بلانك ( 1811 – 1882 )

لويس بلانك , المشارك في صحيفة "الإصلاح" , دعم شكلا من اشتراكية الدولة . كتابه "تنظيم العمل" ( 1840 ) أثر على أفكار بيار جوزيف برودون و فيرديناند لاسال , اللذين دافعا عن جمعيات إنتاجية تؤسسها دولة ديمقراطية .
وصفة بلانك ضد الشر الأساسي في الرأسمالية – المنافسة الحرة – كانت هي "الشركات الاجتماعية" التي ستقوم بمساعدة الدولة . ستطور الحكومة هياكل هذه الشركات و سيحصل كل العمال على أجور متساوية . و عليهم أن يشاركوا في إدارة هذه الشركات . مسلحة بأحدث الآلات ستكون هذه الشركات قادرة على تدمير الشركات الخاصة . سيدفع العمال مبلغا من المال للرأسماليين في مقابل استحواذهم على شركاتهم .
الشرط المسبق لهذا الانتقال السلمي إلى الاشتراكية هو إدخال حق التصويت العام الذي سيسمح بانتخاب الحكومة من قبل العمال لإنشاء الشركات الاجتماعية .

لويس – أوغست بلانكي ( 1805 – 1881 )

لويس أوغست بلانكي , الذي قضى نصف عمره في السجون , تابع تراث فرانسوا نويل بابوف الذي أحياه رفيق بابوف فيليبو بوناروتي في كتابه مؤامرة العادلين لبابوف . بسبب الوضع المحلي القمعي فقد أجبر بلانكي و مجموعاته ( جمعيات البسطاء 1835 , 1836 , و جمعيات المواسم 1837 ) على الانتقال للعمل السري .
في الثاني عشر من مايو أيار حاول بلانكي و "جمعية المواسم" , بمشاركة أعضاء من "رابطة العدالة" أن يقوموا بتمرد بمشاركة 500 شخص في باريس لكن رغم أن الحكومة قد أعلنت حالة الطوارئ فإن التمرد قد فشل .
حتى بعد هذا التمرد الفاشل ثبت بلانكي على هدفه الصعب لتمرد تقوم به نخبة ( أو طليعة ) صغيرة . ستقاتل هذه النخبة باسم جماهير العمال ضد رأس المال , الدولة و الدين . دافع بلانكي – قبل ماركس و لينين بوقت طويل – عن "ديكتاتورية ثورية" مؤقتة بعد الثورة الظافرة .

فيلهلم ويتيلينغ ( 1808 – 1871 )

فيلهلم ويتيلينغ , عضو رابطة العدالة , كتب نوعا من البرنامج لمنظمته بعنوان البشرية كما هي و كما يجب أن تكون ( 1838 ) . رسم هنا الخياط ويتيلينغ رؤيته عن مجتمع بديل يقوم على مبادئ المحبة المسيحية . ويتيلينغ – كبقية الاشتراكيين في تلك الأيام – دافع عن الملكية العامة للبضائع . بعد إلغاء الملكية الخاصة سيعمل الناس و يستهلكون معا في منظومة من التوزيع العادل للعمل و الاستمتاع المتساوي بالبضائع التي جرى إنتاجها .
عنت الشيوعية لويتيلينغ ليس فقط مجتمع المستقبل بل أيضا مسألة الاتجاه الصحيح للكائنات البشرية . بالنسبة له كانت الشيوعية التحقق الفعلي للمحبة المسيحية . فيما بعد في كتابه ضمانات الانسجام و الحرية ( 1842 ) تخلى جزئيا عن آرائه الدينية و دعا إلى ديكتاتورية مؤقتة للثوريين حتى تحقق الشيوعية . اعتبر ويتيلينغ أن الثورة ممكنة في أي وقت . عاب عليه ماركس بسخط تجاهله التحليل النظري للمجتمع القائم . بعد انضمام ماركس و أنجلز إلى "رابطة العدالة" في بداية 1847 بدأ تأثير ويتيلينغ بالتراجع .


2 – 3 رابطة العدالة و تحولها إلى الرابطة الشيوعية

كان الحرفيون الألمان الذين هاجروا إلى باريس لأسباب اقتصادية و سياسية , هم الأعضاء الأوائل في رابطة العدالة . بعد فشل تمرد مايو أيار 1839 الذي دعمته الرابطة بدأ أعضاؤها نقاشا عميقا عن الديمقراطية داخل الرابطة , بالإضافة إلى أهداف برنامج جديد . حتى أربعينيات القرن 19 استندت أغلب المناقشات عن الاشتراكية على اعتبارات دينية . كانت هذه مثلا حالة كتاب فيلهلم ويتيلينغ البشرية كما هي و كما يجب أن تكون , الذي كان نوعا من برنامج الرابطة . لكن نقد الدين للودفيغ فيورباخ خلق فجوة نظرية وعد ماركس و أنجلز بملئها بنظريتهما الشيوعية . قبل كل شيء فإن عناصر الاستغلال العالمي للعمال , التي أكد عليها ماركس , يجب أن تكون منسجمة مع أماني أعضاء رابطة العدالة الذي اعتبروا أنفسهم عمالا و ليسوا حرفيين . تحول رابطة العدالة إلى الرابطة الشيوعية في يونيو حزيران 1847 حفزه كتاب فلسفة البؤس الذي عمل كنوع من البرنامج للرابطة الشيوعية .
فرضت الهيئة المركزية لرابطة العدالة قراءة كتاب فلسفة البؤس على أعضائها و طلبت استبعاد كل الأعضاء الذين لا يريدون قبول الآراء عن الاشتراكية التي عرضت في فلسفة البؤس .
لكي نلخص فإن ماركس في كتابه بؤس الفلسفة قد أنجز و أكد آرائه عن الدور الثوري للطبقة العاملة التي تتطور نحو "طبقة لذاتها" بالنضال في سبيل أجور أعلى و ظروف عمل أفضل . من خلال تحول هذه النضالات الاقتصادية إلى نضالات سياسية ضد البرجوازية – نواة الصراع الطبقي الشهير – فإن الطبقة العاملة سوف تلغي كل الطبقات و الدول .
إن ماركس , باستبعاده كل الجماعة الباريسية – عدا عن عضوين آخرين – في أكتوبر تشرين الأول 1847 و بتعيين نفسه كمنظر رئيسي للطبقة العاملة , نجح في قطع العلاقات بين الاتجاهات الاشتراكية المختلفة . فمثلا منيت كل محاولات لجنة لندن الشيوعية للمراسلة للدمج بين الاتجاهات المتنافسة داخل الرابطة الشيوعية بالفشل .


3 – فلسفة البؤس أم بؤس الفلسفة

من الواضح لذلك أن بؤس الفلسفة لم يكتبه ماركس فقط ليصل إلى قمة الحركة العمالية العالمية و ليحارب ضد برودون . إثبات آخر لهذا أن ماركس لم يتطرق لتفاصيل كتاب برودون بل شرح فقط أفكاره الخاصة .
إن نقطة البداية في كتاب برودون هو وصف و تحليل عملية تصنيع فرنسا . إنه يخضع الحقائق لسلسلة مما يعرف بالتناقضات ( تناقضات غير قابلة للحل ) , المرتبطة مع بعضها لكنها مع ذلك المدمرة لذواتها . صنعت هذه التناقضات من عدد قليل من المقولات الاقتصادية الهامة – تقسيم العمل و الآلة , المنافسة و الاحتكار , من بين أشياء أخرى – و آليات تطورها التي ستلغي كل دخل لا يأتي من العمل – الفائدة , الربح , الإيجار – و التي ستعطي وسائل الإنتاج إلى الطبقة العاملة , منتجة تبادلا عادلا لمنتجات منتج واحد أو منتجين متعاونين . في عقل برودون تعمل هذه الصيرورة أو العملية كقانون طبيعي .
افترض ماركس أيضا مسارا للتاريخ يعمل كقانون طبيعي . على الطبقة العاملة , كفاعل ثوري , أن تسعى نحو مجتمع لاطبقي , بعد 7 أشهر سيطالب ماركس في البيان الشيوعي باستيلاء الطبقة العاملة على السلطة السياسية .
في بؤس الفلسفة ما يزال تحليل ماركس للاقتصاد السياسي للرأسمالية في شكل طفولي . أولا في عام 1849 في المتحف البريطاني سيعمل ماركس بشكل جدي على البنى الاقتصادية للرأسمالية . في بؤس الفلسفة صاغ ماركس , على أساس موجز عن التاريخ السابق للرأسمالية , أول نظرية للبحث : أن البنية الاقتصادية للرأسمالية تنتج نزاعا طبقيا غير قابل للتسوية بين الطبقة العاملة و البرجوازية بحيث أنه على الطبقة العاملة أن تحله بقيادة الصراع الطبقي ضد البرجوازية , حتى يتم تأسيس المجتمع غير الطبقي . يمكن للمرء أن يقول أن ماركس في فلسفة البؤس قد صاغ مشروعه الاقتصادي للبحث .
ضد هذه الخلفية شن ماركس هجوما غاضبا ضد برودون . كان السبب الأول لهذا أن ماركس حاول أن يغطي ( يخفي ) التأثير الذي مارسه برودون عليه , رغم أنه كان ما يزال يطري برودون في العائلة المقدسة ( 1844 ) لكتابه ما هي الملكية ؟ كمنظر للطبقة العاملة . إلى هذا الوقت كان برودون قد تعامل مع مشكلة القيمة الزائدة , من بين أشياء أخرى . لقد أوضح أن الاستيلاء غير المدفوع على "القوى الجماعية" ( القوة الجماعية ) للعمال المأجورين هو واحد من مصادر القيمة الزائدة . علاوة على ذلك فقد سمح نقد برودون الشامل للملكية الخاصة لماركس بتجاوز فلسفة فيورباخ في العائلة المقدسة و موضوعات عن فيورباخ ( 1845 – 1846 ) و أن يكتشف البنية الاقتصادية للرأسمالية , كأساس فعلي للمجتمع . في عامي 1846 – 1847 كان برودون بالإضافة إلى ماركس , الذي كان تحليله للرأسمالية ما يزال سطحيا جدا , يدعم نظرية العمل للقيمة لديفيد ريكاردو : أن قيمة المنتج تتحدد بوقت العمل الضروري لإنتاج هذا المنتج .
سبب آخر لهجوم ماركس الغاضب على برودون كان أن ماركس قد أراد أن يصل إلى قمة حركة العمال العالمية و لذلك فقد حاول أن يطرح برنامجه السياسي على أنه البرنامج المطلق . كما شرحت في مكان آخر , استخدم ماركس وسائل مختلفة ليدمر برودون كخصم سياسي .
رتب ماركس بشكل اعتباطي اقتباسات من كتاب برودون فلسفة البؤس فاصلا إياها عن سياقها ليثبت آراءه . حتى أنه عدل في تلك الاقتباسات .
بحيث أنه يمكنه أن يلصق ببرودون بعض الآراء التي لم يكن الفيلسوف الفرنسي يدعمها لكنها كانت تساعد ماركس على السخرية منه .
يحب ماركس أن يقيم تناقضات سطحية في نص برودون لكي تعود على خصمه بسوء السمعة في الحركة العمالية .
حاول ماركس كل شيء ليسخر من برودون و ليسخفه .
تتطابق الطرق المختلفة و الآراء العلمية لكلا الخصمين مع التكتيكات و الإستراتيجيات السياسية المختلفة التي اقترحها كل من ماركس و برودون للوصول إلى مجتمع لا طبقي . يتوافق تحليل ماركس التاريخي النقدي تبشيره بالنضال الطبقي للبروليتاريا . طريقة برودون الوصفية ( أو التصويرية ) تتطابق مع اقتراحه ل"اتحاد ( أو جمعية ) تقدمية" , التحضير الذي كان على كتابه فلسفة البؤس أن تعمل في سبيله . كان هدف هذا "الاتحاد أو الجمعية التقدمية" هو توحيد المنتجين – بما في ذلك أجزاء من البرجوازية . ببيعهم لمنتجاتهم بسعر التكلفة ستلغي هذه الجمعيات الربح و ستدفع الشركات الرأسمالية للتوقف عن العمل . ( تحليلي الخاص هنا هو أن هذه كانت لحظة الانشقاق التاريخي بين مخرجين لقضية التغيير الاجتماعي : مخرج اعتمد صيغة دولتية ديكتاتورية تلعب فيها النخبة – الطليعة الدور المركزي في تسيير الدولة أثناء المرحلة الانتقالية نحو إلغاء الطبقات و الدولة كما شاهدنا في المثال الستاليني و القومجي العربي , أو صيغة تشاركية تقوم على تولي المنتجين أنفسهم من خلال مؤسسات قاعدية ديمقراطية تنظم التسيير الذاتي للعمال و للمنتجين تلغي الانقسام الطبقي الانقسام بين حكام و محكومين كما أظهرت تجارب الثورات التالية اعتبارا من كومونة باريس و حتى الثورة الروسية 1917 من خلال تأسيس الجماهير الثائرة لسوفيتيات أو مجالس قاعدية ديمقراطية تنظم الإنتاج بشكل جماعي ضمن شبكة مؤسسات قاعدية ديمقراطية – المترجم ) .

بينما كان برودون مثل غوستاف لاندور يدعو إلى إنهاء الرأسمالية هنا و على الفور , اعتبر ماركس الثورة ناجحة فقط إذا أدى تطور التقنية و الصناعة إلى تطور الطبقة العاملة "كطبقة لذاتها" .


ملخص

للعودة إلى سؤال البداية . لماذا هي معرفة النزاع بين برودون و ماركس مهمة اليوم ؟ ربما يوجد هناك جوابان :
1 – سيعتمد مستقبل اليسار على رغبته لإطلاق ثقافة متسامحة للنقاش داخل اليسار و داخل المجتمع ككل , أي تفادي الهجمات الهائجة مثل هجوم ماركس على برودون , و عوضا عن ذلك تفحص مقولات بقية المجموعات , الحركات و الأفراد .
2 – و فقط في جو من مثل هذا النقاش , تكون الموافقة على الوسائل و الأساليب المختلفة على الطريق نحو مجتمع بديل ممكنة . الانتقال إلى مجتمع بعد رأسمالي – في طريقه منذ عام 1968 – لا يمكن إنجازه من خلال الوسائل البرجوازية لحزب ما أو لجنة مركزية ما بل من خلال إستراتيجية متعددة الأبعاد لتحويل "حركات أعداء النظام" ( إيمانويل فالشتراين ) .

نقلا عنwww.democracynature.org/dn/vol6/Marx_versus_Proudhon.htm

ترجمة : مازن كم الماز






#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان المبادرة الأناركية النقابية عن اعتقال أعضائها
- احتفظوا بلقب الشيوعي !!!
- لماذا يجب عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية العراقية الق ...
- عن الحملة ضد قانون الأحوال الشخصية السوري
- حوار مع صديقي المؤمن
- مرة أخرى عن اليسار في الإسلام
- رأفت الغانم , بشر المقت , رياض سيف
- اليسار في الإسلام
- الشعور القومي بين الشعب السوري و النظام !!
- بين شتم الصحابة و قتل الشيعة
- عن معنى المجالس العمالية أو الكومونات
- لماذا تفشل ( و ستفشل ) الليبرالية عربيا ؟
- أنطون بانيكوك : سياسات غورتر
- دعوة لتأسيس مؤسسات قاعدية ديمقراطية محل منظمات المجتمع المدن ...
- عن تصريحات القدومي الأخيرة
- عن مجزرة تدمر
- ملاحظات عن الديمقراطية و الانتخابات
- موت مايكل جاكسون
- ما بعد سقوط السرديات الكبرى
- بين نجاد و ميلباند


المزيد.....




- بعد أربعة عقود في السجن... محكمة باريس تحسم مصير جورج عبد ال ...
- بالعاصمة بيكين: نبيل بنعبد الله يلتقي مسؤولين رفيعي المستوى ...
- ليبيا.. ضبط أحد المتهمين بقتل المتظاهرين في -مجزرة غرغور- بط ...
- فرنسا: الناشط اللبناني جورج عبد الله أمام القضاء يوم 17 يولي ...
- شبيبة القطاع الفلاحي تعبر عن تضامنها مع طلبة معهد الزراعة وا ...
- حركة النضال العمالي والشعبي بالمغرب وكفاح فلسطين
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 16 يونيو 2025
- العدد 609 من جريدة النهج الديمقراطي
- “المستأجرين” بالاسكندرية تدعو لتأسيس فروع للرابطة.. والحكومة ...
- العدد 610 من جريدة النهج الديمقراطي


المزيد.....

- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - مازن كم الماز - وجهتا نظر حول الاشتراكية لجوناس هيلمر