جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2757 - 2009 / 9 / 2 - 19:50
المحور:
كتابات ساخرة
كان عندها سبع أولاد ذكور وخمس بنات إناث مثل العسل , حتى الذكور كانوا أطيب وأزكى وأحلى بكثير من البنات وفي سنة 1993م كانت تجلس على باب بيتها وكأنها قطعة شطرنج صامته تنتظرُ من يحركها وقد بلغت من العُمر عِتيّا سألتها عن حالها وأحوالها سوآل كله تطفل شرحتلي بدموعها من غير ما تحكي ولا كلمه.
وبعترف بوقتها إني شاركتها الحكي بالدموع يعني زي ما حكت معي حكيت معها وتبادلنا بالدموع وكأننا نتبادل بالإيميلات بس من غير ما تسقط دموعي ومن غير ما تعرف هي بالموضوع هي تغرفُ لي وأنا أشرب حتى ثملت, انا ما بحكي قصه فانتازيه (يوتوبيا) أنا بحكي قصه واقعيه ليست مؤلمه وليست محزنه ولكنها تُصحي العين , أي أن العيون النائمه تصحوا على سقوط الندى.
وبالنهايه بعد ما خلصنا حكي تبسمتْ في وجهي مثل إبتسامة( شارلي شابلن) التي كان يعشقها مصطفى أمين كانت البسمه ترافقها دمعه على خدودها المتجعده من فعل السنين بها وكلما اتسعت البسمة في العرض يزداد حجم حبة المطر على خدها الأيمن وكلما صعدت البسمة للأعلى في الأفق إزداد أيضاً سقوط البرد من السماء , كانت سماؤها ممطرة وأرضها غارقة في الأحزان .
يعني هي في ذلك الوقت كانت تبلغ من العمر 80 عاماً وأنا ابن العشرين سنه , عاشتها وقد ربّت في حارتنا أربعة أجيال وانا من بينهم كنت الجيل الثالث جيل الطرب والغناء بصوت كله حنين , وكانت بس تسمعني أغني أغنية (لا اتدوسي إبقلبي عفس وتتمرجحي بكلاي ) كانت تضربني بعصاها الخشبيه وتحكيلي : مين هي هاي ملعون أبوهاإللي بدها إتدوس أبقلبك إنت زلمه خليك زلمه خليك أسد...إنت جدك فلان وأبوك فلان ) ما بدنا نحكي إكثير عن قصصي معها بس عن جد كانت مؤلمه هاي المره وهي تحكيلي عن الجيل الأول من أولادها وبين كل جيل وجيل كانت تضع دمعاتها وأحياناً تحمل المنديل وتمسح على وجهها وكانت بين الفينة والفينه تأتيها ساعات من القوة فتتحدث وكأنها زعيم سياسي لا يبالي بالنتائج.
قالت:
كان عندي سبع أولاد وخمس بنات , بناتي في منهن ماتن وفي منهن طابن واللي ماتن الله يرحمهن واللي طابن ياريت يا إجديتي إنهن ماتن , فحكيتلها ليش يا جده ؟ فقالت :
-يعني شو بدها تفرق ما هو كمان أولادي في منهم ماتوا وفي منهم طابوا واللي طابوا ما بشوفهم يعني مش لو ماتوا كان ارحملي؟! ,واللي ماتوا الله يرحمهم مثل البنات بس كمان إللي طابوا ياريت إنهم ماتوا , والبنات ميتات ببيوتهن ومقبورات لا بطلعن ولا بعبرن ولا بشوفن حدى, مع إنها بلدنا حلوه إكثير صح يا جده؟
-آه حلوه إكثير يا جده لدرجة إنه صابك السُكري من كثر حلاتها , أنا مش عارف ليش الناس ماكانوا ينصحوكي من حلاوة البلد؟ لازم نصحوكي وخففت من حلاتها عشان السكر السكر السكر مش إمنيح لصحتك.
-الله يهديك يا جده سوالفك كلها تخبيص شو سكر ما سكر وسُكري , السُكري من الله , الله هو إللي بخلقه .
-طيب وين راحوا؟.....أولادك؟.
قالت : أول واحد من أولادي أول ما شب وقب وظهر على وجه الدنيا وخطن شواربه على ثمه سافر وتركني , يعني أول واحد من أولادي أخذته الغربه , ما لها إبلادنا ؟ ليش مش عاجبيته ؟
-ابتسأليني؟
-آه بسألك ,ما لها ابلادنا؟
-ولا إشي كلشي فيها حلو بتجنن , فعلاً إنها بتجنن ولولا ما إنها بتجنن ماراح ابنك وتركها وتركك فعلاً إبلدنا حلوه بتجيب السكري وبتسبب الصرع وكمان بتجنن , يعني سُكري وجنان مع بعضه البعض بتصير طبخه عالميه.
-ولك لا تتمصخر ..ولا تتخوث , شوف الخضار, والجمال والزين والحلاه .
-وينهن..وينهن؟.
-ولك لا تتقهقه مثل القحبات خليك زلمه, طل شوف الصبايا , مش لو أخذ بنت عمه كان احسلّه؟ صحيح إنه ببعثلي مكاتيب وهدايا وفلوس بس شو بدي فيهن , أنا بدي أشوفه هو بردان ؟ دفيان؟ مرضان؟جوعان؟ شبعان, وبس ينام لو أعرف إنه بتغطى مليح ولا ما بتغطى مليح ؟ ياريت أعرف ؟ياريت حدى إيقلي. آخ من قلب الأم يا جديتي.
والثاني يا إجديتي مات موت ربه , مات موت طبيعي, مات بسبب الجلطه.
-أكيد بده يموت بالجلطه وأخوه لو ضله معه بنجلط قبله .
- هاظا الثاني أني بعرفه وين هو وكل عيد بروح على قبره بصبّح وبعيّد عليه .
- شضو هالوطن إللي بنعيّد فيه على المقابر بدل ما إنعيد بالمسارح والملاهي الليليه بنعيد بالمقابر , شو هاظا دينّا حتى يوم العيد بده يودينا على المقابر ؟ طيب روحي عليه بخلاف العيد, شو هالبلاد فعلاً بتجيب السُكري والجلطه .
- ما علينا من سوالفك , كلها تخبيص ,يعني لو كان إبني إللي في الغربه مثله ميت كان على القليله بعرف إنه هون وقريب مني , بس علمه عند الله , مش حكيتلك يا جده خليها بالقلب تسطح ولا تطلع لبرى وتفضح, قلب الأم يا اجديتي ما بطاوعها .
والثالث : أخذ مرته وابنه وبنته وراحوا على عمان , عمان مش بعيده عليّ أنا المره الختياره , بس هو بعيده عليه قريتنا , وكمان معاه سياره ومرته كمان معاها سياره , وكلهم يا جده ما بسووا بزقه (بصقه) ولا حتى بسووا ملات أذانهم طبيخ, بس قلبي ما بطاوعني يغيب عني , صدقني إني بجر إبحالي جر من سياره لسياره ومن باص لباص عشان أشوفه أذا أنا أمه المره الختياره عمان مش بعيده عليّ والله بشتاقله وبروح أزوره ,الله يفتحها إبوجهه وبوجه مرته وولاده وين ما وجه , الله يبعد عنه ابصار الظالمين , شو بدي أساوي؟ مش حكيتلك يا جده لو إنه مات أحسن لي واحسلّه.
الرابع مات دهس : طلع على الشارع ودعسته سياره راح زيه زي أي قط أو كلب بندهس بالشوارع ,لا اعتراض على حكم الله , إحنا النسوان بنحبل وبنتعب وبنقاسي وبنلد وولادنا برحوا هيك إللي بروح دهس واللي إبتوخذه الغربه وفي كمان المرض الخبيث يا ألله إتجيرنا منّه, كلشي بيجي من الله يا محلاه , الحمد لله على شمة الهوى, يا الله عينا ؤعاونا , يا الله إتعينّا عن ساعةٍ لا بد عنها .
شو بدي أحكيلك تأحكيلك لويش بتفتح بجروحي ما إتروح إتشوفلك شغله مفيده تشتغلها بدل ما إبتسألني عن ناس صاروا ميتين , شو بدنا بالأموات خلينا بالأحياء , خلينا ببني الخامس.
الخامس شوفت عينك لا شغله ولا عمله , بس نخوه وين ما في عند قرايبه مناسبات بفزعلهم , ابسبب قلة الشغل .
-أكيد نخوه عشان البطاله.
-اللي ماتوا يا جده ماتوا,خلص, واللي بعدهم ما ماتوا ما بعرف عنهم إشي يعني لو ماتوا ارحملي وارحملهم .
السادس هج عشان السياسه , نصحوه الناس شو بدك بالسياسه خليك هيك لا تبلش في حدى ما كانش يقنع ولا يسمع من حدى , وبعدين راح مع اللي راحوا , ولا بعرف عنه اشي , في ناس قالوا عنه غرق بالنهر , وفي ناس قلوا غرق واكله السمك , وفي ناس قالوا شايفينه في مصر من عشر سنين , والله ما بعرف شو الصحيح , الحمد لله على شمة الهوى .
وبناتي زي ما انت شايف ثنتين امجوزات بالحاره , كانن من هن إزغار مقريه فاتحتهن على اولاد عمهن , وبس كبرن وربيتهن واتعبت عليهن أجوا واخذوهن حتى من غير ما إيشاوروني.
والثالثه أكثر وحده تعبانه , جوزها بضربها وعمها بضربها وأخوها العاطل عن الشغل مرات بضربها , حتى ابنها اللي كانت متأمله فيه الخير بس يكبر , هاظ هو كبر وصار يضربها , والعام الماضي بس قالت بدي أنزل للإنتخابات الكوتا قالوله قرايبه خليك زلمه وامنعها , منعها بالضرب.
وبحكوا في أمثالنا (التيس أول ما يتعلم النط بنط على أمه)وهاظا دخيلكم شو بده يفرق عن التيس؟ كله نط, مش شرط النط يكون بالجنس,هاظا الولد أول ما كبر اتعلم السياسه في أمه نط عليها وضربها ومنعها من إنها تنزل للإنتخابات.
وهو يضرب فيها إتدعثر ووقع على الأرض وانجرحت إيده , قامت أمه وركضت عليه ولفت على أصابعه شريطه من ثوبها مزعتها وضمدت إجروحه , قال قلبها ما طاوهعهاش إتشوفه مجروح, قلب الأم يا جده ..قلب الأم.
باقي بناتي كله زي بعضه البعض , كلهن ببيوتهن مثال للإنضباط وعدم الحركه , يعني قدوه لأمهن قدوه لي حسنه , بقتدن بي , وكمان بناتهن بقتدن بي , وبنات بناتهن الآن بدهن يقتدن بأمهاتهن.
- بس ما في شيء بظل زي ما هو , الشوارع بتتغير وبتتوسع والأبنيه بتتغير , والحياه العامه بتتغير , وفي أشياء بنفقدها في حياتنا وبتكون اتعز علينا
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
