|
الفكر العربي المعاصر ومشروع حضاري نهضوي وتنموي حداثي عربي
شاكر فريد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 2750 - 2009 / 8 / 26 - 09:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هنالك اشكاليات حقيقة تعيشها المجتمعات العربية وتلقي باثارها السلبية على تطور الفكر والفلسفة العربية المعاصرة ، وفي مقدمة ذلك الضحالة الفكرية للأمة العربية ، والبؤس الثقافي، وتراكم المحرّمات والمحظورات ، والأزمة البنيوية العميقة التي تستحكم في هذه المجتمعات، كذلك الواقع السياسي الاجتماعي الثقافي الذي تنتفي فيه الحرية الفعلية تماماً وبخاصة في ظل ما يسمى بـ "الصحوة الاسلامية" التي يرتفع ويتواصل مدّها بأقدار متفاوتة في البلاد العربية الاّن، والحملات الشرسة والمسعورة التي يتعرض لها المفكرون العرب، بأهدار دمهم واتهامهم بخسيس التهم.ناهيك عن تراجع الفكر النقدي اثر تراجع قوى اليسار والتقدم والاستنارة ، القوى التي ينطوي مجمل نشاطها على الحس التقدمي والتفكير العلمي الحرّ القائم على طرح الأسئلة النقدية، وصولاً الى الحالة الظلامية السلفية السائدة ممثلة بقوى الجمود والتعصب والانغلاق الديني ، وانتشار الفن الساقط والمبتذل والهابط، وازدياد مظاهر الفساد والفوضى والبيروقراطية ، والاختلال في القيم وتضخم حجم السلوكيات المنحرف، زد على ذلك الفقر والأمية المتفشية. وللحقيقة ، يوجد في الحركة والحياة الفكرية العربية أكثر من فلسفة وتيار فكري، منها يحمل راية العقلانية والعلم والديمقراطية وفكر تنويري معاصر يمثله محمد عابد الجابري وبرهان غليون وصادق جلال العظم وفؤاد زكريا وطيب تيزيني ومحمد جمال باروت ونصر حامد ابو زيد ومحمود سيد القمني وفيصل درّاج وحسن حنفي وماهر الشريف بالاضافة الى الراحلين الشيخ خليل عبد الكريم ومحمود امين العالم وحسين مروة ومهدي عامل وسواهم، وتيار الفكر الليبرالي الوضعي ورائده في مصر المرحوم زكي نجيب محمود، وتيار اخر يعبر عن اتجاه فلسفي متعصّب يمثل الجماعات الاسلامية وحركة الأصولية الاسلامية السياسية ، وهذه هي ابرز التيارات الفكرية في عالمنا المعاصر. ولا ريب أن الفكر العربي المعاصر يفتقد النظرة العلمية الواضحة والتجربة العلمية المتنامية ، والفكر التقدمي بتعدد اتجاهاته وتياراته يبدو اليوم بلا عمق استراتيجي ، وأن الاغتراب والتسطح الفكريين والميوعة الفكرية هو بعض ما يتسم به الفكر العربي الحديث كذلك هنالك سيادة للثوابت النصية الأصولية غير التاريخية والرؤى اللاعقلانية والتعميمات المطلقة وألاسقاطات الذاتية. واذا كانت الفلسفة هي النسق الفكري المكتمل المعبر عن رؤية انسانية وفكرية شاملة لها خصوصيتها القومية وكقوة ناهضة في المجتمع، بهذا المعنى للفلسفة ليس لدينا فلاسفة وانما مفكرين يعالجون قضايا المجتمع وقضايا الثقافة والفكر ومسائل العصر، وأن اسهاماتهم الفكرية التي اخترقت حصون الردّة هي امتداد متطور للاجتهادات الفكرية النظرية وللتحركات السياسية والتفاعلات الاجتماعية طوال النصف الأول من القرن العشرين المنصرم، في مختلف أرجاء الوطن العربي، وهذا الامتداد نجده بوجه خاص في فكر الشيخ علي عبد الرازق الذي كان امتداداً أكثر راديكالية لفكر المنوّر والنهضوي البارز محمد عبده، وهو الذي كان يردد ويقول: "من كان يظن أن الاسلام هو ان تبقى المرأة محجبّة أو أن الاسلام بين جدران الأنهر واللحى والعمائم، فأن الحضارة الحديثة ستقضي على دينه الذي يزعم، ومن كان يظن أن الاسلام دين الفكر الحر والحكم العادل والعلم الصحيح ودين الحرية والمساواة فأن الحضارة الحديثة تهيء له المستقبل الباسم، كما نجد الاجتهاد المتطور في فكر طه حسين وعباس محمود العقاد وزكي نجيب محمود كامتداد لفكر أحمد لطفي السيد ومحمد عبده معاً، وأيضاً نجد امتداداً متطوراً للأصولية الأستقطابية في فكر رشيد رضا وحسن البنا ، وامتداداً متطوراً للفكر العلمي والقومي في موجات واتجاهات وتحركات قومية ماركسية في أربعينات القرن الماضي، وبوجه خاص التيارات الفكرية ذات التوجه العقلاني النقدي. من نافلة القول أن لا سبيل في معركة الحضارة والتجدد الشامل والحداثة المعاصرة الا من خلال السعي الدائب للانتصار على أزمة فكرنا التي لا يمكن فصلها عن أزمة الواقع العربي نفسه موضوعياً وتاريخياً، أزمة التخلف والتبعية، وأزمة العلاقة بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، وأزمة الهيمنة الخارجية الاستغلالية على منطلقات تنميتنا الاجتماعية والثقافية والقومية ومقدرات حياتنا، وهي في النهاية أزمة فكر نظري نتيجة ألأزمات المتداخلة وفقدان الرؤية الاستراتيجية الشاملة لتغيير الواقع وتجديده، وأننا لن نتجاوز تخلفنا وتبعيتنا الا بالنقد العقلاني والرؤية التاريخية لجذور التخلف والتبعية في فكرنا وواقعنا الراهن، ولن نتجاوز هذا التخلف الا بالامتلاك المعرفي بحقائق الثورة العلمية الجديدة، ثورة المعلوماتية وبمشروع تنموي نهضوي قومي حداثوي شامل ذي أبعاد اجتماعية وثقافية وفكرية واقتصادية واعلامية وقيمية، مشروع يستوعب تراثنا العربي الاسلامي استيعاباً عقلانياً نقدياً، وايضاً وقف حرب الاستنزاف ضد المثقفين العقلانيين العضويين الملتزمين والمقتحمين للمناطق المحظورة ، ومجابهة الحاضر الظلامي وانجاز الثورة الثقافية واستعادة قيم التنوير والعقلانية والعلمية والديمقراطية وتجديد الفكر العربي المعاصر وتأصيله في الحياة العربية، الثقافية والفكرية. وأخيراً، فأن صورة المستقبل في ظل المناخ ألانحطاطي الذي يعيشه العالم العربي، ومع تفاقم التعصب والتحجر تنذر بويلات، وما من خلاص الا بتحرير العقل والعودة الى ينابيع الحضارة والتصدي لكل أنواع السعار الفكري وألوان التعصب والتطرف الديني الذي يستهدف وأد العقل العربي، والتضامن صفاً واحداً دفاعاً عن حرية الانسان وحقوقه لبناء مجتمع مدني متطور يحكمه العقل والتنوير ، وان الأوان للتوقف عن الهزل الذي يطالعنا به البعض بين فينة وأخرى بحجة الدفاع عن الاسلام، وكما قال الروائي السوري حيدر حيدر: " نحن نعرف ديننا وتراثنا ، نعرف اسلامنا وتاريخنا، ولسنا بحاجة الى فقهاء ومتعصبين ووعاظ ودعاة يرشدوننا الى الصراط، ونعرف في الان ذاته مواطن الخلل والتأويل الجاهلي وكهوف الظلام التي يستودع فيها الاسلام السياسي المغلق والاحتكاري لفئة تتاجر بالاسلام وترشق التهم لمن لا ينتمي لقبليتها العصبية.
#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يغتالون طه حسين بعد موته؟!
-
الثورة الجزائرية في القصيدة الفلسطينية
-
في ذهنية التكفير والتحريم واغتيال العقل..!!
-
في ثقافة العقل العربي
-
الاسلام والديمقراطية
-
نحو تأصيل العقلانية والتنوير في الخطاب العربي المعاصر
-
أزمة الخطاب العلماني العربي
-
نظرة في الواقع العربي الراهن
-
في نقد الخطاب الديني السلفي
-
من اجل فن يخدم التقدم والسلام والحضارة الانسانية
-
في ظاهرة الاسلام السياسي
-
النعيم النفطي وشراء الذمم الثقافية
-
عن مكانة المرأة في مجتمعنا ومسألة تحررها
-
الاقتصاد الاسرائيلي وانتفاظة الجياع القادمة
-
محمود امين العالم، اشراقة الفكر العربي
-
نظرة الى تاريخ وكفاح حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي المصر
...
-
بشير البرغوثي في الذكرى السابعة لرحيله
-
من يوميات الفقر
-
عن الهجمة الظلامية ضد الدكتورة نوال السعداوي
-
الشاعر نمر سعدي بين التفرد والتواصل
المزيد.....
-
ترامب: لن أحصل على جائزة نوبل للسلام مهما فعلت
-
حرب إسرائيل وإيران في يومها التاسع.. هجمات متبادلة وتل أبيب
...
-
إسرائيل تحذّر من مخاطر كاميرات المراقبة المنزلية وسط تصاعد ا
...
-
نعي كاتب وشاعر كبير..
-
إسرائيل تقصف موقعا لحزب الله وتحذره من القتال مع إيران
-
إسرائيليون عالقون تحت الأنقاض إثر هجوم إيراني واسع بالمسيّرا
...
-
هل حسم ترامب قراره بشأن ضرب إيران؟
-
قرار بإخلاء منزلين مطلين على الأقصى لصالح مستوطنين
-
قاضية أميركية تعلق حظر ترامب التحاق الطلاب الأجانب بهارفارد
...
-
محللون إسرائيليون: الحرب على إيران لم تحقق أهدافها
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|