عن الهجمة الظلامية ضد الدكتورة نوال السعداوي

شاكر فريد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 1879 - 2007 / 4 / 8 - 11:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

يا جبل ما تهزك ريح
نشرت احدى الصحف الاسبوعية الصادرة في بلادنا، مقالة تحريضية ضد الكاتبة والروائية البارزة والطبيبة النسائية المرموقة د. نوال السعداوي، كتبتها احدى المتأسلمات المنتميات للتيار الديني المنظم، واختارت لها عنوان "نوال السعداوي واتباعها الى مزبلة التاريخ". وفي الحقيقة ان هذه المقالة الحاقدة تندرج ضمن الهجمة الظلامية المنفلتة التي اشتدت على هذه الكاتبة المتمردة والتي تعتبر واحدة من اقوى واجرأ الاصوات النسائية المعارضة في مصر والعالم العربي، حيث اختارت الدخول في مساحات الممنوع والمحرّم، واقتحام الميادين الصعبة والشائكة ولم تخشَ الخوض في معارك فكرية واجتماعية حادة حول القضايا والمسائل الاجتماعية الراسخة، فيما يخص الاسرة وعلاقة الرجل بالمرأة وعلاقة الجنس بالمجتمع، وظلت طوال الوقت على يقين بأن افكارها ستلقى معارضة شديدة من قبل الجماعات الاصولية التكفيرية والقوى المتأسلمة المتطرفة، التي تخاف العقل وتعادي الفكر الجديد الطليق والمختلف، ولا ريب ان الضجة الاعلامية المفتعلة والبائسة حول فرار وهروب السعداوي الى بلجيكا، اثر قرار النيابة العامة في مصر ضدها بحجة "الالحاد" و"ازدراء الدين" هذه الضجة ليست فجائية ولا مفاجئة وانما هي نتيجة تراكمات وعوامل كثيرة، سببها الصراع الدائر بين السلطة الحاكمة والسلطة الدينية وسلطة المجتمع!
لقد وقفت نوال السعداوي دائما في وجه جوقة التحريض والتكفير والترديد الاعمى، وفي وجه الاقلام المأجورة والمسمومة التي تستهدف تصفية افكارها والنيل من كتاباتها، وهي تبحث عن اسلحة نظرية وفكرية وتاريخية لاقصاء افكار الظلام التي تهيمن على قطاع من قطاعات شعبنا العربي، وتسعى الى بتر الاستبداد والجمود والتخلف والقمع الفكري والنفسي، والتصدّي لفكر وخطاب الاصوليات السلفية باتجاهاتها وتفرعاتها المختلفة، والعمل من اجل مصلحة المرأة ورفعتها ورقيها في مجتمعاتنا العربية الأبوية.
اننا امام اشتداد محنة العقل الجمعي وجمود وتكلس العقل الآخر، وسيطرة الخرافات والغيبيات والتقاليد الموروثة، وتفاقم ازمة الدمقراطيات والحريات، وبالاساس ازمة حرية التفكير والتعبير والابداع، واتساع محاولات تحنيط الفكر واغتيال الوعي، وكتابة التاريخ بطريقة معلبة وتابوتية، واعتبار كل فكر تجديدي مرفوضا وخطيرا، كما هو الحال مع كتابات وآراء السعداوي وافكار الشيخ خليل عبد الكريم ونصر حامد ابو زيد وسيد محمود القمعي وصادق جلال العظم وهادي العلوي وطه حسين وحسين مروة والطيب تيزيني، وغيرهم من طلائع الفكر والابداع المتنور والاصيل.
ان المعركة القديمة والمتجددة ضد الكاتبة والمفكرة الرائدة نوال السعداوي هي معركة ضد العَلمانية والعقلانية والدمقراطية والتفكير الحر والمستقل وضد القوى الاجتماعية التحررية التي تتصدى للقوى الظلامية وتعرقل طموحها، الرامي الى التحكم بالمجتمع ومحاصرة الفكر البديل، وان ثقافتنا العربية المعاصرة تتطلب فهما حضاريا وعصريا، واعادة النظر في كل المسلّمات، وعقلنة الفكر والتراث، واعادة ترتيب الحياة ترتيبا راقيا متطورا، بالمقارنة بين السالف والراهن، كما تتطلب شحذ العقلانية وتفجير الجدل والنقاش الفكري العلمي، ورفض القشور والخزعبلات وجميع الوان القهر والاضطهاد والتعصب والانغلاق الديني، وترسيخ قيم الحداثة واحياء اصلاحية دينية جديدة من اجل ابراز صورة مشرقة لاسلام عقلاني متسامح ومنفتح، وتحرير الشعب العربي من سلطة التيار الديني، وتحقيق مصالحة بين التيارات الايديولوجية المختلفة، وفق مبادئ العلم والعقل والفلسفة لاجل انشاء وتأسيس مجتمع مدني تعددي متناسق ومتماسك ومتنور قادر على حل المشكلات والقضايا الكبرى في جو من حرية الفكر والرأي والتعبير، والنقد والنقد الذاتي.
وفي النهاية، نوال السعداوي طاقة فكرية هائلة وذات جرأة وشجاعة نادرة فيما تطرحه وتشتغل عليه، وكل المثقفين العرب المؤمنين بالحرية، وبالرسالة التي تقاتل وتكافح من اجلها السعداوي، يقفون الى جانب هذه المفكرة المتمردة، في مواجهة حملة التحريض والتكفير التي تتعرض لها، ومؤازرتها في محنتها القديمة والجديدة، واننا لعلى ثقة بأن كل المحاولات لوأد افكارها والنيل من ريادتها في الفكر الاجتماعي العربي، ستتحطّم على صخرة صمودها وعنادها، ويا جبل ما تهزك ريح.

#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل