أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل فؤاد عبيد - أبيض وأسود .. تل الزعتر















المزيد.....


أبيض وأسود .. تل الزعتر


أمل فؤاد عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 2746 - 2009 / 8 / 22 - 09:04
المحور: الادب والفن
    


لا عليك في هذا اليوم الموافق الثاني عشر من شهر أغسطس .. سوى أن تفتح دفاتر الوجع والجراح .. وتخيط الذاكرة .. مشاهد قديمة .. تتجاوز حدود وتخوم المدى .. حامية صدى الذكرى .. شهود الروح والنفس التي .. تحفظ مرارة الألم في سؤال يبقى دوما بلا إجابة .. كيف لا .. حيث الستارة تفتح على جرح غائر الحفر .. في العقل والقلب .. يأتمر النفس والروح أن تحكي نهر الدماء الذي .. روى الأرض في أزمان مضت .. ولا يزال السؤال يدوي حيث الدماء لا تزال .. تدمي ذاكرة الأرض .. تحبس فيها صدى السؤال .. هي أقدار محتومة البداية والنهاية .. وما بينهما .. سجل من الملاحم التي لا تنسى .. ورغم ابتعاد المشهد .. يبقى للذاكرة حق الاحتفاظ بشاهد العصر على هزيمته وانكساره وملحمته معا .. وصمود لا يزال ينطق بدفاتر الألم والمعاناة .. هو سفر في تاريخ الأرض حيث الجذر الممتد على طول الشريان .. يروي عطش الأرواح لشروق شمس لا تغيب أبدا .. ولا يزال اللاجئ يحتمي ذاكرته من غربة المكان .. يفترض مساحة ما من الالتحام بعبق رائحة الأرض .. ورغم المسافات .. يدركنا هنا .. تاريخ البدايات الأولى .. حيث اللاجئين من كل مكان من فلسطين .. وحيث علامات القهر والاستلاب .. ولم يكن له لتجاوز ذاته ويضع نقطة ويبدأ من جديد .. حيث القلب المعلق بأطراف البلاد المسلوبة .. تتطلع إليها العيون مشتاقة .. تتجاوز مسافات الغربة بحبل من وريد يمتد إلى حيث الجذر الذي يقوى على الاقتلاع .. لنا في هذه القراءة استرداد حق الذاكرة في مشاهد مما تعرض له الإنسان الفلسطيني .. في المنفى .. هناك حيث مملكة التنك وجمهورية الثوار .. مخيم تل الزعتر .. والذي كان في ضاحية من ضواحي العاصمة اللبنانية وقد تم تأسيسه في عام 1950 حيث تقرر للاجئين من شمال فلسطين بإقامة تخشيبات وخيام لهم بالقرب من معمل الزعتر لذا سمي باسمه .. وظل لفترة طويلة من الزمن يحتفظ براكيات من التنك والزينكو والخشب .. وقد كانت أول مجموعة وصلت إليه سنة 1950 لم تتعد الستون عائلة ثم ارتفع العدد إلى 400 فردا .. وظل يتنامى حتى وصل عددهم إلى ما يقارب 31 ألف فلسطيني و14 ألف لبناني غداة الحصار المشؤوم .. ولكون المخيم قرب العاصمة اللبنانية حيث يجد اللاجئين والفقراء مكان للعمل .. شكل المخيم بؤرة استقطاب لسكان مخيمات الجنوب مثل : الرج الشمالي , وحويا , والرشيدية , وعين الحلوة , والدامور , وكذلك لمخيمات الشمال مثل " نهر البارد والبداوي وشحيم ومن البقاع : منطقة عرسال .
وبعد عامين من المعاناة التي تلت سنة النكبة خصوصا في الدامور .. حيث المسيحيون كانوا يرفضون إقامة أو بقاء الفلسطينية ومن ثم زادت معاناتهم مما دفعهم إلى الرحيل إلى تل الزعتر والإقامة فيه وبهذه الطريقة كبر المخيم حتى أصبح عدد سكانه 31 ألف فلسطيني .. من ناحية أخرى حرصت قوات الدرك التي كانت تحاصر اللاجئين من عدم قيامهم بأي نشاطات كما حاولت الحفاظ على المخيم بتكوينه الأول بيوت من التنك وأرضية ترابية لا تستقر إلا بعد رشها بالماء .. وذلك بسبب عدم السماح لهم باستخدام أدوات البناء الإسمنتي مما نتج عنه سوء الحالة المعيشية وانعدام أبسط مقومات الحياة الأساسية ..
وإذا كان لنا أن نعطي فكرة موجزة عن طبيعة الحياة في مخيم تل الزعتر نقول أنها كانت حياة بسيطة من الناحية المادية إلى جانب ما كان مفروضا عليهم من شروط حياة بموجب ما يمليه عليهم قوات الدرك في ذلك الوقت من قوانين ومحظورات تحد من حرية الحركة من دخول وخروج إلا بموجب موافقتهم أو رفضهم إلى جانب مدة الإقامة بالنسبة للزائرين للمخيم .. كما أنه ومن ناحية التعليم والصحة فقد عانى المخيم حالات كثيرة من العجز والفقر .. وقد كان لوكالة الغوث أن توفر ثلاث مدارس فقط لا غير التي كان من المفترض أنها تستوعب الطلبة الفلسطينيين في المخيم .. أما الحديث عن أي خدمات ترفيهية داخل المخيم فهو خارج عن المألوف أو العادة في حياتهم .. فلم يوجد أي مراكز ثقافية أو أي وسائل للترفيه .. أما الناحية الصحية فقد كانت عيادة الأونروا .. تقدم خدماتها إلى مخيم تل الزعتر ومخيم جسر الباشا .. لذلك جاء موقعها على مدخل المخيمات بعيدة عن السكان ويتواجد فيها طبيب واحد فقط يومين في الأسبوع ولمدة ثلاث ساعات في اليوم فقط .. وهو شئ لا يمنح الخدمات بشكل كاف يغطي احتياجات أهل المخيمين .. مما لجأ الأهالي إلى استخدام الطب الشعبي في علاج أزماتهم المرضية .. ولنبدأ الآن بدايات ظهور العمل الثوري في المخيم .. فقد ظل المخيم على حاله غارقا في الصمت منذ نشأته عام 1950 حتى ظهور العمل الفدائي وبواكير تواجدات الثورة عام 1969 الأمر الذي وضع حدا لهذا الكابوس المقيت .. حيث نهض الشعب الفلسطيني ينفض عن نفسه الذل ويصرخ ضد الحرمان وكان العنوان الأول لهذه الثورة هو ضد الدرك .. وتحطيم سطوته في فرض الممنوعات الذي كان يتلف حول أعناق الأهالي الفلسطينية في مخيم تل الزعتر .. ومن ثم بدأت الحياة تدب في أوصال المخيم التي هي مرتبطة بالثورة .. وإن كان بسرية تامة وبنوع من الخوف والفزع خشية وصول الأخبار للسلطات المتعسفة .. لذا ظل ولاؤهم وانتماؤهم للثورة حذرا ومخفيا لمدة شهور طويلة .. تخوفا من السلطات اللبنانية .. التي كانت تحذر انتماء أي فلسطيني لأي تنظيم سياسي .. وبعد بزوغ الثورة .. نمت ظاهرة التحاق الشباب والفتيات إلى خلايا العمل الفدائي والثورة السرية حتى اشتد عودها وتحولت إلى ظاهرة علنية .. وتم افتتاح معسكرات تدريب وابتدأ عصر الدورات العسكرية .. وكذلك ظهور معسكرات الأشبال والزهرات ومراكز الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني .. مما أهل المخيم لخوض المعارك للدفاع عن النفس ومد الثورة بالعناصر الصلبة التي سقى عودها فرن الاضطهاد ..
كما بدأ المخيم بخلع ثوبه الصفيحي الصدئ ويرتفع بنيان حديث عند الميسورين وأخذ الشعب زمام أمور المخيم بيده واستعد للنضال من أجل إكمال المسيرة حتى العودة للوطن .. فلسطين والتي مازال الكثير منهم يحتفظ بكواشين الطابو لأراضيهم المغتصبة ومفاتيح بيوتهم .
وأيضا لا ننسى أن نشير إلى مؤسسة صامد تلك التي كانت تخيط البدل العسكرية للأشبال والزهرات والضباط الفلسطينيين .. ومن ثم كانت تعتبر حقلا كبيرا لتوفير العمل الشريف كما أقيم في المخيم معمل لصيانة السلاح المخصصة للدفاع عن المخيم والذي ظل يعمل حتى نهاية أيام الحصار .
بدأت الحرب في المخيم بعد أن سادت ظاهرة الانخراط في العمل الفدائي داخل المخيم .. انتشرت مظاهر التدريب للشباب والأشبال مما أشعل معه غيظ قلوب الأحزاب المسيحية الانعزالية وفي مقدمتها حزب الكتائب وابتدأ ظهور المناوشات وإطلاق النار في حوادث متفرقة .. كانت تتجدد من آن لآخر .. فقد عز عليهم خروج المخيم من تحت قبضتهم وسيطرتهم وتبددت صور القهر والشعور بالاستلاب من خلال العمل وتكوين النقابات ونظم تشكيل الأحزاب والمنظمات وحمل السلاح إلى جانب ما كان المخيم يحققه من موقع استراتيجي هام في وسط النفوذ المسيحي ومن ثم كان يجب معاقبته واقتلاعه من بين ظهرانيهم ..
كان للانعزاليين أن يتبعوا النموذج الإسرائيلي في التعامل مع الفلسطينيين .. مثلما كان في عام 48 . حيث دامت الأحداث خمس سنوات تقريبا .. تعيش فيها المنطقة حالة الحرب المتقطعة .. مما خلق هذا إصرارا لدى اللاجئين الفلسطينيين على النضال والقتال .. والمضي في طموحهم نحو تقرير المصير واثبات الهوية الفلسطينية وحق العودة إلى الديار .. ومن ثم ظل صمودهم أقوى من الأحداث والمواجهات .. ولا نغفل في سياق هذه الأحداث فرصة تأكيد أواصر العلاقات الايجابية والوحدة بين القوى الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية .. والتي ظلت المقاومة الفلسطينية حريصة على توكيدها وتعميقها في كل مرحلة .. كان من نتائجها اقتسام رغيف الخبز والرصاص بينهما خاصة في معارك الحصار المضروب على بيروت الثورية ..
أخذت خطط القوى الانعزالية مع حلفائها الإسرائيليين والأمريكيين إلى أن تجر المقاومة قسرا إلى معارك التصفية واستنزاف القدرات العسكرية والسياسية لصرفها عن وظيفتها الرئيسية ( الكفاح المسلح ) ضد الكيان الصهيوني .. فكان قرار إشغال المقاومة بحرب أهلية شرسة نسجت خيوطها في واشنطن وتل أبيب وتم تمويل استمرارها للنهاية .
افتتح الانعزاليون صفحة الحرب الأهلية الأولى باغتيال القائد الوطني " معروف سعد " تلاه إطلاق نار على حافلة تقل 40 شخصا بتاريخ 13 نيسان 75 أثناء عودتهم إلى المخيم .. من هنا بدأ حزب الكتائب الفاشي في فرض نفسه كعمود فقري مقرر للأطراف لانعزالية واضطلاعه بدور الوكيل المعتمد لتنفيذ المخطط الأمريكي – الإسرائيلي خاصة وانه من ضمن أهدافه كان التأكيد على تجاهل وجود حركة وطنية لبنانية .. والاعتراف من ثم بالتشكيلات السياسية القائمة على أسس طائفية وعندما اصطدم هذا التجاهل بالموقف الاجتماعي الطبقي البارز للحركة الوطنية في لبنان وشعورهم بديمومته حاول حزب الكتائب تغيير اتجاه ضربته مع الحفاظ على الهدف الخاص به وهو تحقيق مصالح الحزب والطبقة التي يخدمها وهي البرجوازية المارونية والتي كانت تقوم بدور الوسيط التجاري ( الكومبرادور ) للمنتجات الفرنسية عبر السوق المحلية اللبنانية .. فكان مخطط تفجير الأزمة مع الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية .. وبالتناغم مع البرنامج الكتائبي ذي النقاط الرئيسية الخمسة لوح الحزب بشعار التقسيم والكونفدرالية ودعا شعاري التعريب والتدويل ونسج امتن العلاقات مع إسرائيل تحت حجة مساعدة الأقلية المسيحية والمحافظة عليها من الذوبان .. والتشريع مع الأمريكيين للفصل بين القضية اللبنانية والفلسطينية وفي كل هذا سعى الحزب إلى التقريب بين مشروعه الخاص والمشروع الإسرائيلي في لبنان والخطة الأمريكية في الشرق الأوسط .
من هنا بدأ الهجوم الكتائبي على الوجود الفلسطيني محاولتهم من قبل تقسيم الفلسطينية إلى معسكرين .. المعسكر الأول يظلله الاعتدال والآخر يؤطره التطرف مؤسسا معه خلاف وقتال .. وعندما فشل هذا المخطط في التقسيم هاجمهم بشكل موحد .
شهد مطلع عام 1976 كانون الثاني هجوما كتائبيا واسعا على المناطق الفلسطينية واللبنانية .. حزام البؤس المحيط ببيروت والجزر المعزولة داخل الغيتو الانعزالي .. برزت خطة الهجوم في أعقاب مناقشات مجلس الأمن للقضية الفلسطينية ( حوالي منتصف كانون الأول 1975 ) بهدف إظهار ما تسميه الكتائب بالاحتلال الفلسطيني للبنان وإضعاف موقف منظمة التحرير الفلسطينية على المستوى الدولي وإحراجه .
شرع الحزب في خطته العسكرية بمحاصرة تل الزعتر والنبعة في 4 كانون الثاني وفرض حصارا على المنطقتين لتجوعيهما والتلويح بالإبادة لدفع السكان إلى الهجرة والرحيل الجماعي .. وبعد ثلاثة أيام من الحصار تمكن حوالي ألف وخمسمائة مسلح من الحزب من اقتحام مخيم ضبية وتدميره بالكامل والتنكيل بالسكان ومعظمهم من الفلسطينيين المسيحيين الموارنة وفي 19 كانون الثاني وبعد قتال شرس اجتاحت القوات الانعزالية حي المسلخ وارتكبت أفظع مجزرة بحق السكان .
ردا على هذه المجازر تجاوزت المقاومة والحركة الوطنية أسلوب التراشق بالنيران وقامت باجتياح معاكس لمناطق الهيمنة الكتائبية الشمعونية في الجية بتاريخ 15 / 1 والدامور 17 / 1 والسعديات 22/ 1 وتمكنت من اجتياح نوافذ الغيتو الانعزالي في الجبل رافق هذا الاجتياح المعاكس بداية تفكك الجيش فيما سمي بحرب الثكنات مما اضطر معه الطرف الانعزالي إلى الموافقة على وقف إطلاق النار في 25 / كانون الثاني لعام 1976 .
أما من ناحية أخرى لنا أن نرصد المغزى الفاشي من حصار تل الزعتر .. فهو ينسجم مع السياق العام للخطة الفاشية في تمشيط المنطقة الشرقية من الوجود الفلسطيني ومن مراكز تفريخ القوى الوطنية اللبنانية .. وتحت مظلة الحصار جدد الحزب دعوته للتقسيم عبر مهاجمة الوجود الفلسطيني مدعيا في بيان أصدره المجلس المركزي للكتائب في اليوم الأول لمحاصرة تل الزعتر بأن تقسيم لبنان خطر يؤدي إليه الاحتلال الفلسطيني وكل ذلك لصرف النظر عن التفكك الداخلي الذي شهده ويشهده لبنان بين مسلم ومسيحي .
برز ذلك واضحا في الاتفاق الذي تم تحت سقف الجامعة العربية والصليب الأحمر بعد اجتياح تل الزعتر ومن ثم برز عنصرين جديدين من خطة الكتائب الأول وهو فك تحالف المقاومة مع الحركة الوطنية اللبنانية , والثاني الإعلان عن إلغاء اتفاقية القاهرة من طرف واحد وتصفية الوجود العسكري والسياسي والتنظيمي للثورة في لبنان .. وتم المصادقة على التدخل السوري في المنطقة على أن يتم من ناحية أخرى تعريب أو تأكيد هذا التدخل بموافقة جميع العرب .. ذلك أن رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك سليمان فرنجية قد طلب التدخل السوري لإعادة التوازن الداخلي في لبنان بعد أن اختل بشكل جذري لصالح الحركة الوطنية وحليفتها الثورة الفلسطينية . إضافة إلى كل هذه الأحداث والأسباب من حصار تل الزعتر لقد خطط حزب الكتائب لاستخدامه كورقة مساومة لدفع المقاومة إلى الاستسلام , حيث بذلت القيادة الفلسطينية كل جهودها عبر الوساطة العربية والحوار المباشر مع السوريين من أجل وقف إطلاق النار واستطاعت التوصل إلى اتفاق في 29 تموز عام 1976 الشهير باتفاق دمشق .. حيث يضمن وقف إطلاق النار والشروع بالانسحاب المتبادل للطرفين , اللبناني والفلسطيني على قاعدة اتفاق القاهرة , وتحجيم الانتشار العسكري للثورة إلى حدود المخيمات وبعض المناطق في الجنوب فقط .
لنا بعد هذه المقدمة الموجزة عن بدايات تل الزعتر وأيضا بعض الإشارات إلى حصاره وإن كنا لم نقدم تصورا عن الهجمات الوحشية التي امتدت وقتها إلى الملاجئ بانهيارها فوق الأهالي ومصارعة الموت والجوع بعدما وصلت حالة المخيم إلى وضع مزري ومؤلم وصور الصمود لأبناء الشعب الفلسطيني أمام أعين العالم وتحمل آلامه وفقده بصبر وقوة لا مثيل لها .. وسوف نترك هذا لقلم مبدعة تشاركنا في هذه الصفحة جرح الألم من خلال ما سوف نقدمه لها من أبيات شعرية تصف مالا تستطيع الكتابة العادية أو تأريخ التاريخ أن يعبر عنه بصورة حقيقية ..
في ما يلي لنا أن نقلب صفحات ديوان لكاتبة فلسطينية عانت ولا تزال تعاني من آثار تلك الجريمة البشعة في حق أبناء فلسطين في الشتات .. ولم تكن الجراح سوى من أيدي المفترض إنها عربية .. ولكنها قد باتت تشكل في تلك الآونة خناجر مجرمة استباحت جسد الفلسطيني بكل قلب جامد لم تهتم لصراخ طفلة أو عجز شيخ قلب أم .. هنا تتقدم بنا الكلمات لنورق معا حكايا تنتشر في منفانا شلالات لفصول ثمانية كما تصف الشاعرة ديوانها .. وهي رحاب كنعان والتي تلقب بخنساء فلسطين فهي من عانى لفقد الأهل والأخوة في تلك الساحة الدامية .. ومازالت تشعل أعواما بعد أعوام ذاكرة القلب والوطن لعل من لا يحركه مشهد الحالة يتذكر سطوة الترحال في وقت ما وما له من قسوة وليبقى على ما بقي من شبه شريان يكاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ..
تقول في قصيدة " أطلال " ..

بين الأنين ..
أطلت شمس آب ..
تنسج خيوطها على الأطلال
تنفض الغبار عن الذاكرة
تحمل رائحة الزعتر
حين كانت البلابل تصيح
وسنابل القمح تئن ..
كالذبيح
يساقون كالقطيع
أفرادا
وجماعات
تتراقص الحراب على أعناقها
بأيدي سكارى
ليلة ..
آه من ذكراها ..
أريج الروح احتد من شجاها
والجرح تثاءب على عتبة الشموخ
يبحث عن مفتاح للأبواب المغلقة ..
تلك .. الليلة
أسميتها عنقود رمان
تبعثر على أرصفة العالم المقنع
بعدما مزقته لغة المنزلقات
وأضحى صباحه ثقيلا
كصبح جنين وغزة
وكل أروقة أرض المعجزات
في تلك الليلة
أغمضت جفنيها قرنفلة الكرامة
تردد زيدي صبرا جنين
وزفي لنابلس البشرى
سنولد من رحم الأرض
أمام حناجر العالم المبحوحة
لننفث الغبار عن القناديل
تنفخ في كبد الصهيل
نرتل سورا
لأنين صرخة الميلاد
.....
.....
سقط اللحم
والشرف تبعثر
بين الأرصفة والأزقة
تنهشه أنياب الوحوش الآدمية
ونهضت جنين
وكل أقحوان فلسطين
يصرخون :
يا تل الزعتر
ي .........ا وجه حطين
باقون هنا
نطعم الأرض من لحمنا
نشيد الحرية من أشلائنا
باقون هنا يا تل ..
نصنع من ركامنا معجزتنا
فانهض أيها الفينيق ..
قد تستصرخ فينا الحروف أبجديات للفهم والوعي تدركنا محطات كثيرة قد مرت بنا هنا وهناك .. لتبقى خلايا الروح تستجدي حالة إحساس مفعم بالحسرة والألم وسؤال الفقد والوجع والغربة الذي لا يعرف له نهاية ..
تقول في قصيدة " تهاليل الفجر " ..

.....
صباح الخير يا زهرة الزعتر
صباح الخير يا جنة الدنيا والممات
يا واحة المحبة .. يا عنوان الحياة
أمي ..:
ها قد مضت السنوات
ومازلت أغوص في طقوس العبرات
ولم يزل قلبي ينزف
على إيقاع أوراق آب وأيلول
يغطيه ظل الرماد
وقلمي لم يزل ينفث دخانه
من تجاويف غيمة معلقة
على أجفان الشمس
تحمل بأهدابها .. شظايا العار
وضجيج الروح .. أوجع الشجر
أمي ..:
خبريني عن بقايا الشهداء
في ليلة القبلات الأخيرة
عن تهاليل الفجر
فوق أغصان الفصول الحزينة
عن لعبي
عن كتبي والجريدة
أما زالوا مبعثرين على الحصيرة ؟
وزهرة الفل ..
أما زال الصمت في عينيها ..؟
فهي تعيدني لإيقاعات الطفولة
فيمتلئ الحلق بالغصة
ويكتوي بنار الأسئلة
لم الضمير تأخذه الغفلة
حين تحول لحمنا إلى وليمة
يعتصر بين أنياب الوحوش الآدمية ؟
لم نكتب في دفتر الرحيل
ليجف بريقنا والندى
إلى متى سيبقى طوفان الدموع والألم
أسيرا لخفافيش الظلام ..؟

تحملني القراءة لبحث الثيمات في مركز الشعور قبل الكلمات .. تجتاحنا ذات المنافذ والمعابر .. تغرقنا في ذات الأودية السحيقة .. تعبرنا ذات الحسيات الندية .. ورغم انكسار الزفرة يتوحدنا ذات الوجع البارك فينا .. نتعيش على أطراف ذاكرته .. ذات التضاريس تحتوينا .. وذات النظرة واللفتة تقتلنا وتحيينا .. آه من فلسطين الوجع وفلسطين النبض الحي فينا ..

تقول في قصيدة أخرى ترصد ذات الجرح مكرر المرار والحسرة .. والمسماة " أيلول الأحمر " لتمثل في خط مقابل موازي لأيلول الأسود .. وكم من أيلول مر علينا بسواده ونزف الدم واستباحته ..

صبرا ..
وشاتيلا ..
يا مرفأ الهزيمة
لغربان اعتقدتك وليمة
وضعتك على مائدة المذابح
فركبت صرخة المجد
ليبقى الدم يترنم فيك
فلن يستنفد موسم الحب منك
مررنا أمام أشيائك
تمسكت بنا الآلهة
قرأنا حروف ترابك
إنها حروف مبعثرة
صحف عناوينها مقنعة
لسياط فجر .. تلف قمر
في غفوة السلام
تدفع بكتل سوداء
ألقتها رياحها على بقعة
.....
أيقظوا مناماتك بمنامات أخرى
وأنت تتكئين على الرغيف المعفر
تغوصين في كنان الله
تحلمين في عنكبوت الرحمن
فهل ترتدين ثوب عيسى ؟
ليدقوا طبول القيامة
ليشقوا ثوب الله عنك
ويرسموك تابوتا للقصائد
ألا فانهضي من خطبة الجنازة
اطردي الأموات من أمواتك
اطردي جمهور الثعابين من صدرك
واحضني العذارى الباكيات
كي لا يتعكر نوم الفراشات
واقتصدي صرخة المساء الأخير
من تجاعيد
الوقت
ليبقى هديل سنواتك العجاف
يدق في عالم النسيان ..

حالما ندخل عالمنا الخاص والذي لا يفهمه سوانا .. قد ندرك بادرة حميمية تسعف جرحنا بعدما باتت لغة قصائدنا تحملنا على التباكي قسرا فوق محال الإرادات و فوهات البنادق .. تلك التي اجترحت سطور شهادتنا رغم المأساة .. عناق ممتد التلاحم بالأرض التي تلقت القسم المنذور من الشفاه العنيدة ..

تقول في قصيدة " أجراس الهجرة " ..

في أرضنا المقدسة
دقت أجراس الهجرة
في الثمانية والأربعين
قتلونا
شردونا
من الحرية
سلبونا
التحفنا عباب البحر
بدموع تمتزج مع الموج
لتحط بنا الرحال بجراحنا المثخنة
بين أعتاب المنافي
وفي ربوع وطننا
تمرح عصبة صهيون
صرخاتنا تزلزل السكون
ودنس قدسنا
أمام أبصار العالم .. يهون
وهناك في الشتات
يئن كم مليون
وفي القلب حلم مخزون
وأمل يسري بالشريان
بنهضة الأمة
لشمس نعست فيها الأزهار
هزلت ألحان الأطيار
للروابي
للخابية
للدالية
لبساتين زنبق
أضحت ألوانا
آه يا وطن
نقتات صبر بعادك
من فوهة البنادق
من رنين الحجر
من أجساد جعلت من أشلائها جسرا
عبدت الأرض بالدماء
مدت جدائلها
ترسم خريطتك
بقرار أربعة وتسعين
لتقرع أجراس العودة
إلى أحضانك
وتغلق دفتر الشتات ..

لا تزال الأقلام تحفر ذاكرة الذاكرة .. تنبش في متاهات التأريخ ترسم طلقة .. تنجب طفلا جديدا .. تنير الطرق التي عبدتها دماء شهيدة .. هكذا تبقى القصائد تحفر دوما لها .. مقرا هادئ / صاخب النجوى .. تحتمل القنص والرشقة .. هو نزف الجرح على مر السنوات والعمر .. الذي كبله نزق الحرية .. لا فرق هنا بين من يحيى في داره غريب وبين من في المنفى قد اغترب .. تطاولنا الذاكرة لأبعد حد من حدود الاستبطان .. لفكرة تتوالد عبر الأجيال .. خلقا كل يوم جديدا في نسيج الروح .. إرادة وقسرا ..

تقول في قصيدة أخرى مسماة بـ " مقصلة الحدود " ..

بعدما اتكأ الفجر
على زند النجوم ..
والشمس انحرفت نحو شواهدي
الممتدة من سفوح الزعتر
إلى سطور تاريخ الأوطان الممتدة
أقول : بشراك أبي
بشراك أخي
بشراك أيها المارد المتألق
عند مقصلة الحدود
فها هي الأرض .. تلبس حلية الفرح
بعد طول انتظار
فتحية لكم ..
يا من نقشتم بدمائكم
شموخ النصر ..
على صفحات سجل المعجزات
وكما الشمس تتحدى الغيوم لتشرق
وتنثر الدفء والنور
تحديتم سيوف الليل ويتم النهار
ليبزغ الفجر
فوق أرض الميعاد
أرض الأنبياء
والرسالات ..

في كل حالات الاستلاب .. ننزع دوما إلى إيقاظ الجمر الساكن فينا .. نتحسس المواجع المحفورة كخريطة مستقاة من روح الأرض تبعث على اندهاشنا وتوخينا .. سطوة الخانعين لكبر المرجومين على حواف الحد الباسم لرجال لا يزالون رهن التضحية والفداء .



#أمل_فؤاد_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخلية الحرة .. قصة قصيرة
- تعويذة ..
- في فلسفة العنف
- الدراما العربية بين سؤال الحرية ومفهوم القيمة
- ظلال .. ألوان
- إلى .. مريم
- رسالة .. إلى أبي
- انتزاع .. تحية للأسرى
- نثار .. الشمس
- فيلم الريس عمر حرب .. وإشكالية الفاعل والمنفعل
- جدل الخبرات وشروط التمكين .. (8 )
- جدل الخبرات وشروط التمكين .. ( 9)
- جدل الخبرات وشروط التمكين .. ( 10 )
- جدل الخبرات وشروط التمكين .. ( 11 )
- تسكنني .. مدينة
- جدل الخبرات وشروط التمكين ..(7 )
- ويبقى ..
- دهشة ..
- فلسطين ..
- بيادر .. غائرة


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل فؤاد عبيد - أبيض وأسود .. تل الزعتر