أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعد هجرس - العشوائيات .. بعيون غير عشوائية















المزيد.....

العشوائيات .. بعيون غير عشوائية


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2742 - 2009 / 8 / 18 - 08:36
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مثل أطفال الشوارع، الذين نراهم بأعيننا بالعشرات والمئات والآلاف، فى إشارات المرور وعلى الأرصفة وتحت الكبارى، ثم نتجاهل وجودهم ولا نكلف أنفسنا عناء التساؤل عن الأسباب التى قذفت بهم إلى جحيم العراء، أو عن المخاطر التى ينطوى عليها استمرار هذه الظاهرة غير الآدمية..
مثل ذلك تماماً تعاملنا مع "العشوائيات" التى أخذت فى الانتشار والتوسع والتداخل والتشابك مع "المدن"، وبالذات مع مدينة القاهرة، حاضرة الحواضر، كما كان يسميها ابن خلدون. حتى وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم، حيث أصبحت المدينة مسخاً مشوهاً.
ومع أن العشوائيات أصبحت فى كل مكان، لدرجة أن كل حى من أحياء مدينة القاهرة أصبح له "حى موازى" من العشوائيات.. وكان دفن الرءوس فى الرمال أمام استفحالها هو "الحل".
وبعد هذا التجاهل التاريخى – وهو موقف يكاد يكون عاماً تجاه معظم مشاكلنا وأوجاعنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية – تظاهر الجميع بالمفاجأة والصدمة عندما ظهرت سلسلة من الأفلام السينمائية التى تصور الحياة فى هذه العشوائيات وتدور أحداثها فى حواريها وأزقتها وعالمها السفلى. وبدلاً من التساؤل عن أصل وفصل هذه الأماكن غير الآدمية استسهل البعض الهجوم على خالد يوسف وزملائه من المخرجين القلائل الذين تجاسروا على تصويرنا على حقيقتنا وكشف عوراتنا دون رتوش ودون عمليات تجميل.
لكن .. قبل هؤلاء السينمائيين الشجعان كانت هناك سيدة مصرية لا تقل شجاعة، تعمل فى صمت، تدرس، وترصد، وتجمع المعلومات ميدانيا من قلب هذه العشوائيات، ثم تخضع هذه المعلومات والوقائع للتحليل العلمى الصارم، مع ما يستلزمه ذلك من غوص فى مئات وآلاف المراجع التاريخية والاقتصادية والسياسية والعمرانية.. وحتى الروائية. وكانت نتيجة هذا البحث الأكاديمى المضنى رسالة دكتوراه بالغة الأهمية تمت مناقشتها فى جامعة السوربون الفرنسية عام 1984، أى منذ ربع قرن بالتمام والكمال.
السيدة المصرية العالمة والباحثة الذكية هى الدكتورة جليلة القاضى، ولدت فى القاهرة وتنحدر من أسرة مصرية لها تاريخ عريق فى الكفاح الوطنى، وقد حصلت على بكالوريوس العمارة من جامعة القاهرة، ثم استكملت دراساتها العلمية بالحصول على شهادة الـ maitrise فى تخطيط المدن وتعمير الأراضى من جامعة باريس 8، تمهيداً لقيامها بالبحث الذى أنجزته فى معهد I.U.P فى جامعة باريس 12 وحصلت به على درجة الدكتوراة.
وأصبحت هذه الرسالة الأكاديمية من "المراجع الهامة والنادرة فى موضوع التحضر العشوائى فى فرنسا، ودول الفرانكوفون، بل حتى لطلبة الدراسات العليا فى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أى لغير الفرانكوفونيين أيضاً"، بينما نحن فى مصر نائمون فى العسل لا ندرى عنها شيئاً رغم أن الباحثة مصرية، وبحثها يدور حولنا وحول عاصمتنا التى جار عليها الزمان وأصبحت تحت حصار العشوائيات.
والأدهى والأمر.. أن صاحبة هذا البحث الخطير حاولت ترجمته إلى العربية فور صدوره لأنه "يخدم أهداف البحث العلمى من جانب ويحلل من جانب آخر أسباب مشكلة حادة ذات أبعاد عمرانية واجتماعية وثقافية واقتصادية، مما يجعله وثيقة هامة تساعد متخذ القرار – إذا افترضنا جدلاً أن عملية اتخاذ القرار تلجأ إلى نتيجة البحث العلمى". إلا أنها صدمت لعدم اهتمام الناشرين المصريين، وكذلك عزوف قسم الترجمة بالمركز الفرنسى للترجمة عن ترجمته، على الرغم من أهمية الموضوع آنذاك ووجوده على الأجندة العالمية والمحلية على حد سواء".
لكنها لم تيأس وقررت ترجمته بالاعتماد على مواردها الخاصة وعهدت به إلى صديقتها الكاتبة الصحفية والفنانة المثقفة منحة البطراوى التى أتمت ترجمته – باقتدار وعذوبة – عام 1993. وبعد ستة عشرة عاماً ظلت فيها الترجمة العربية حبيسة الأدراج رأت النور أخيراً على يد الدكتورة فاطمة البودى مدير عام دار العين للنشر بالاشتراك مع المركز القومى للترجمة.
ورغم مرور ربع قرن لايزال كتاب "التحضر العشوائى" بالغ النضارة ومفعما بالتبصرات، وملهما بكل ما فى الكلمة من معنى، حيث يضع هذا الكتاب المدهش أيدينا على أصل الظاهرة وتطورها منذ النصف الأخير من القرن التاسع عشر، حيث كان شكلها الأول سكنى الجبانات. ويرصد إحصاء عام 1927 ظهور تجمع عشوائى داخل النطاق الجغرافى للجبانات حول المجموعة الجنائزية للسلطان برقوق فى الجبانة الشرقية قوامه 1475 ساكناً.
هذه هى البذرة الأولى للعشوائيات التى بدأت فى المقابر وامتدت من مجاورة الأموات إلى مجاورة الأحياء، والتى بدأت بعدد يقل عن ألف وخمسمائة شخص ليصل عدد سكانها الآن إلى ما يقرب من عشرين مليوناً من المصريين.
وقد كان للمهندس سيد كريم السبق فى رصدها عام 1947 حيث تحدث فى مقال له نشر فى مجلة العمارة عن ظهور مجتمعات عمرانية شبه حضرية، فقيرة المظهر، وتفتقد للبنى الأساسية، على بعض الأراضى الزراعية المحيطة بشارع الهرم بالجيزة. وطالب بدراسة هذه الظاهرة والوقوف على أسبابها للحد من تطورها.
ولو أن ذلك حدث لما تفاقمت إلى الحد الذى نراه، لكن يبدو أن الحكومات المصرية تصنع أذنا من طين وأخرى من عجين منذ ذلك الحين وربما من قبله أيضاً.
حدث هذا قبل 23 يوليه 1952وبعدها على حد سواء.
فإذا كانت صيحة سيد كريم قد ذهبت أدراج الرياح قبل 1952 فإن السنوات التى أعقبتها شهدت تطورات لا تقل خطورة.
وبهذا الصدد تطلق "جليلة" على الفترة الممتدة من 1952 إلى 1967 إسم "حقبة تهيئة الظروف المناسبة لانطلاق تحضر الأراضى الزراعية"، كما تطلق على الفترة من 1967 إلى 1976 تسمية "حقبة ترسيخ العشوائية كنسق عمرانى ستكون له السيادة".
كيف؟!
فى الإجابة على هذا السؤال تأخذنا الباحثة الذكية فى رحلة ممتعة، ومحزنة، عبر الزمان، لنرى التفاعل بين السياسة والاقتصاد.. وبين "تطور" العمران بما فيه من تحضر عشوائى.
ففى الحقبة الأولى، وعلى الرغم من التدخلات العديدة للدولة فى تلك الفترة لصالح الطبقات الوسطى والدنيا بشكل مباشر من خلال إنتاج مساكن شعبية، وبشكل غير مباشر من خلال دعم نسبة الفائدة للجمعيات التعاونية للإسكان، وسن قوانين بتخفيض إيجارات المساكن، إلا أن مشكلة الإسكان والحضر بشكل عام استفحلت بشكل صاروخى. وقد ساهمت عدة عوامل فى صنع هذه الأزمة:
* فغداة 23 يوليه 1952 طلب الضباط الأحرار من مجموعة من متخصصى التخطيط، عائدين لتوهم من بعثات فى الخارج لدراسة الدكتوراه، بوضع تصور لتخطيط مدينة القاهرة. فوضعوا أول مخطط عام للمدينة عام 1953 تم التصديق عليه عام 1956 وقد تضمن:
- إنشاء ست مدن تابعة فى الدلتا (فى برقاش وقها وأبوزعبل وحلوان والتبين والحوامدية) ترتكز على قاعدة حضرية وصناعية قائمة (ورش السكة الحديد فى أبوزعبل، والأسمنت فى حلوان، ومصانع السكر فى الحوامدية، والصناعات الغذائية فى قها).
- اختيار موقعين لتفريغ العاصمة من الأنشطة الملوثة، وهما ساقية مكى فى الجيزة والبساتين جنوب القاهرة.
- كان الحفاظ على الأراضى الزراعية هو الذى وجه الاختيارات لاتجاهات العمران المستقبلية، فتم التأكيد على المحور الشمالى الشرقى باقتراح إنشاء مدينة نصر ومدينة المقطم وتلافى التوسع غرب النيل (كانت مدينة الأوقاف ومدينة المهندسين قد تم البدء فى إنشائهما قبل الثورة).
- لم يكن البعد الاقليمى غائبا فى هذا المخطط، فقد اقترح للحد من تطور القاهرة وطغيانها تهيئة مدن قناة السويس لتصبح أقطابا للنمو الصناعى فتستقطب مزيداً من السكان.
أما القطب الصناعى الآخر فقد وضعه المخططون فى جنوب الوادى حول مناجم الحديد.
وهو بلاشك مخطط جيد جداً، لكن ماذا حدث له فى التطبيق؟
تقول جليلة القاضى أن "المخطط مثله مثل أى مبدع يحلم بعالم مثالى.. على عكس متخذ القرار عندما يجد نفسه أمام عدة سيناريوهات فهو يختار من بينها ما يحقق مصالح الطبقة التى ينتمى إليها ويتيح له السيطرة على مجريات الأمور وتأمين موقعه فى السلطة. وما تحقق من مخطط 1953 يؤكد ذلك". وتتذكر "جليلة" السياق الذى تم فيه اقتراح المخطط العام ووضعه موضع التنفيذ، وخروج المظاهرات فى ذلك الحين مطالبة بعودة الجيش لثكناته وإعادة الحياة النيابية، ثم قمع تلك المظاهرات بوحشية وإعدام خميس والبقرى. ثم العدوان الثلاثى عام 1956".
ما علاقة ذلك بالعمران؟!
الإجابة هى أنه "فى ظل تلك المعطيات لم يكن من المتصور أن تقوم السلطة بتوزيع الأنشطة الصناعية الكبرى على ست مدن تطوق القاهرة وتمثل تهديداً كبيراً عند نشوب أية أزمة اجتماعية. وأى فكر عسكرى استراتيجى لا يمكن أن يصنع شروط محاصرته أو المقامرة على السيطرة الأمنية على مقر السلطة المركزية. فتم التخلى عن تنفيذ المدن الجديدة فى المواقع المقترحة – لاعتبارات الأمن – واختير بديل آخر لم يكن متضمنا بشكل كلى فى المخطط العام وهو تركيز الصناعات الثقيلة وصناعات النسيج فى شبرا الخيمة فى الشمال على الأراضى الزراعية، وحلوان والتبين فى الجنوب. وبذلك تأكدت هيمنة القاهرة كقطب صناعى أول فى القطر المصرى. فقد كانت تضم فى تلك الفترة 42% من المنشآت الصناعية و27.2% من العمالة فى هذا القطاع.
وعلى صعيد آخر أدى العدوان الثلاثى على قناة السويس عام 1956 إلى توجيه الاعتمادات إلى إعادة إعمار مدن القناة واعتبارها مدن مواجهة وخط دفاع أول.
أى أن "الحرب" غيرت مسار خطة العمران بعد أن تعرضت للتغيير من قبل بناء على تعليمات "الأمن" الداخلى.
وكانت نتائج ذلك تكريس القاهرة كعاصمة سيادية وتركيز الأنشطة الصناعة بها مما حولها إلى أول مركز جذب للعمالة الريفية وتهيئة الظروف لنشأة التجمعات العشوائية غرب خط سكة حديد الوجه القبلى فى الضفة الغربية للنيل الذى يحد مناطق سكنى الطبقات الوسطى المستحدثة على الأراضى الزراعية فى المهندسين والدقى والجيزة وإمبابة.
وإذا كان هذا ما فعلته الحكومة والحروب "والانغلاق" لتهيئة الظروف لنشأة التجمعات العشوائية فماذا فعل "السلام" والانفتاح والمقاولون والمضاربون على الاراضى حتى جعلها تستشرى وتستفحل؟
للحديث بقية.




#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة سريعة في تقرير مهم (3 3)
- وهم حوار الحضارات
- سيد القمني.. وجائزته الملغومة
- قراءة سريعة في تقرير مهم (2):
- وصمة عار وشعاع أمل:لبنى .. السودانية
- قراءة سريعة في تقرير محترم (1)التقرير السنوي السادس للتنافسي ...
- ما رأى بشير عقيل؟!حسنة وأنا سيدك!
- مروه.... -النوبية-
- أيها المصريون: اعقلوا قليلا!
- جنيه 2005 العجيب
- وصف مصر بالمعلومات
- دماء على أرض مصر
- مفارقات القبض علي عبدالمنعم أبو الفتوح!
- بعد رواج مزايدات المتاجرة بدماء مروة الشربيني متي نعلن الحرب ...
- لماذا رفض -غالى- مناقشة قضية -مروه-؟!
- مال.. وصاحبه غائب!
- ازدواج المعايير .. وازدواج الشخصية
- الإصلاح الزراعي... الثاني 1 2
- التطبيع .. وسنينه
- خطاب ليس ككل الخطابات »2«


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سعد هجرس - العشوائيات .. بعيون غير عشوائية